الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

فشل تطبيع «عبده موتة»

 


يجب أن نوجه الشكر (قبل اللوم والغضب) للممثل المصري محمد رمضان صاحب الجماهيرية العريضة محلياً وعربياً، والذي يسعى لتصبح نجوميته عالمية، وربما تساعده صوره الأخيرة من تحقيق هذه الأمنية الغالية، والشكر لأنه أيقظ شعوب الأمة العربية وجدد رفضها للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وذَكّر من نسوا بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي العدو الأول للعرب والمسلمين ما دامت بقيت أراض عربية محتلة، وبقيت شعوب عربية مسلمة أسيرة لدى جيوش هذا العدو الغاشم.

وكانت موجة غضب عارمة قد تفجرت عبر «الميديا» المصرية والعربية بجناحيها: التقليدي (صحف ومجلات وفضائيات)، والجديد (تطبيقات التواصل الاجتماعي)، بعد أن نشرت صفحة «إسرائيل بالعربية» صورة الممثل المصري محمد رمضان يحتضن مطرباً إسرائيلياً مشهوراً، وصاحب الصورة على «تويتر» هذا التعليق: «الفن دوما يجمعنا.. عرض الإعلامي الإماراتي حمد المزروعي صورة للنجم المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام في دبي»، بينما علّق رمضان عبر حسابه على «انستجرام»: «مافيش مجال أسأل كل واحد عن هويته ولونه وجنسيته ودينه.. قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) صدق الله العظيم.. ثقة في الله نجاح».

ثم انكشفت أبعاد مختلفة للقصة، بعدما ظهرت صور آخرى للممثل المصري مع الممثل ورائد الأعمال الإسرائيلي إيلاد تسافاني، ولاعب كرة القدم ضياء سبع، نجم نادي النصر الإماراتي وأول لاعب إسرائيلي في دول الخليج العربي، وتبين ان كل الصور كانت في حفل خاص جمع رمضان مع نجوم إسرائيل الثلاثة وظهرت مقاطع فيديو تظهر الجميع يرقصون على الأغنية الإسرائيلية الشهيرة «Hava Naguila».

وقد تفاعل اتحاد النقابات الفنية مع الأزمة التي أحدثها رمضان (عضو نقابة المهن التمثيلية)، وقررت اللجنة الطارئة للاتحاد إيقاف محمد رمضان عن العمل لحين انتهاء التحقيق معه،  بينما حددت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، 19 ديسمبر المقبل موعداً لأولى جلسات محاكمة محمد رمضان، بتهمة الإساءة للشعب المصري، وهي الدعوى التي تقدم بها أحد المحامين ضد الممثل.. النجم!، بعد إنتشار صوره مع التطبيعية.

أخطأ رمضان سواء بقصد أو بحسن نية، مأجوراً لهدف خفي أو مدفوعاً بجهل واضح، لكنه أشعل بخطئه نيران الغضب في كل الشوارع العربية، التي تتابع مكتوفة الأيدي هرولة حكومات عربية وإسلامية نحو السلام مع إسرائيل دون أدنى إتفاق على إستعادة الحقوق العربية المسلوبة والمغتصبة من قِبَل إسرائيل، والتي دنست منطقتنا العربية بمشروعها الإستعماري الشيطاني الذي ذرعها في «قلب الأمة العربية» إنطلاقاً من «وعد بلفور» عام 1917، ثم إعلان دولة إسرائيل ثم حرب فلسطين عام 1948، مروراً بكل الحروب وإنتهاء بجولات السلام التي نجح قليلها وفشل معظمها.

واليوم وبعد أن تمزقت الخريطة العربية وتشرذم العرب، وبقيت سجون صغيرة تسمى مدن فلسطينية تحت وهم الحكم الذاتي، يبحث المغتصب عن باقي مشاعر حب (في هذا القلب) ليُنشط مودة زائفة، ويحيى سلام الشعوب الذي يخطط ليصل إليه بعد أن منحته الحكومات سلاماً ورقياً (وهمياً)، يبحث العدو عن التطبيع كاملاً كي يأمن الخطر مستقبلاً، ولكن على عكس ما تمنى كشفت (صور رمضان) أن الشارع العربي والمصري ما يزال على عهده ولم يخن قضيته، ولم ينس أن إسرائيل هي عدوه الأول، طالما بقيت الأراضي العربية.. محتلة.

لتبقى القضية معلقة.. إلى أن يأذن الله.

 

* البوست الذي حذفه رمضان من صفحته الرسمية على الفيس بوك بعد ساعات من نشره

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

هل أسعدك ذبح «المدرس الفرنسي»؟



هل ارتاح ضميرك بعد أن رفعت شعار #إلا_رسول_الله وزينت به حساباتك على «السوشيال ميديا»؟، هل تظن أنك أديت واجبك تجاه النبي عليه الصلاة والسلام؟، وهل هذا السلوك المكرر وقرارات أخرى تشبهه (سلبية) كمقاطعة «المنتجات الفرنسية» مثل الجبن والسيارات ومستحضرات التجميل أو حتى «القبلات الفرنسية» كما سخر أحدهم من «هوجة» مقاطعة كل ما هو فرنسي؟، هل بهذه الأعمال تكون قد أخذت بثأر النبي، وأعدت إليه الاعتبار؟.

دعني أسالك صراحة، هل أسعدك ذبح المدرس الفرنسي؟، هل احتفلت وتشفيت مع اقرانك وأهلك؟، هل مثل هذه التصرفات (الإيجابية) العنيفة في رد الاعتبار تشعرك بعزة الإسلام، وبأننا لسنا أمة مستضعفة،  بل أقوياء بمثل هذا الشاب وأمثاله من المجاهدين في كل بقاع العالم؟.

دعني أسألك أيضاً، هل  تحريت القصة وقرأت تصريحات «ماكرون»؟، هل شاهدت الرسومات المسيئة التي قيل أن المدرس الفرنسي المذبوح قد عرضها على تلاميذه، وبسببها تم نحره بسكين لاجئ شيشاني لا يعرفه، ولم يتحرى الواقعة ولم يفهم صحيح إسلامه ليعرف كم تعرض نبينا للإساءة وكيف كانت ردود أفعاله في كل مرة، وكيف تعامل مع الأشخاص الذين أساءوا له؟.

فكر في إجابات هذه الأسئلة وتدبرها، قبل أن تتحمس للدفاع عن النبي، وأنت أبعد ما يكون عن سنته الشريفة، إن محمد بن عبد الله خاتم المرسلين وأشرف الخلق أجمعين، لا يحتاج لمن يدفع عن سيرته هذه الترهات، ولكن يسعده حقاً أن نقتدي بخلقه العظيم.

لقد تصدر هاشتاج #إلا_رسول_الله منصات التواصل الاجتماعي لأيام متصلة، تعبيراً عن حالة غضب محمومة لدى قطاع كبير من العالم الإسلامي، لكن هل تدبر المتحمسين للهاشتاج وأمعنوا التدقيق في جملته الناقصة، والتي بحسب خبير لغوي: «إلا رسول الله.. من حيث معناها فيها إشكال، وهو أنه ذكر فيها المستثنى ولم يذكر المستثنى منه، وعلى أي تقدير للمستثنى منه، يكون معنى العبارة غير مستقيم، لأن ظاهرها أننا نقبل أو نسكت عن الإساءة إلى أي شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى باطل»، وهو ما جعل بعض العلماء يفتون بأنها غير جائزة، لأننا لا نقبل ولا نسكت على الإساءة إلى الله تعالى، ولا إلى القرآن، أو الإسلام، أو أحد من الأنبياء والمرسلين، أو الأديان السماوية الأخرى، أو الملائكة، أو الصحابة رضي الله عنهم، أو أمهات المؤمنين.

أما الخطأ الأكبر الذي تورط فيه هذا الشعار (الهاشتاج)، فهو سقوطه في فح الاستغلال السياسي من قبل دول وجماعات تتاجر بالدين الإسلامي، وهذه الجماعات وأفرعها وأفكارها وأفعالها هي السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا، وبسبب تحركات هذه الجماعات وبرامجها ومشروعها السياسي الذي أثمر العنف والتطرف الديني وصلنا إلى مرحلة «الإرهاب» الذي يلصقه الغرب (بسوء نية) في الإسلام.

ثقيل على القلب أن تتصاعد الحملة المسيئة لسيدنا ونبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، مع ذكرى مولده المباركة، وتكون هديتنا له مزيد من التورط والتصعيد في الاتجاه الخاطئ الذي نندفع وراءه جميعاً دون أدنى تعقل أو تفكير، كأنه أصبح مستهدفاً تفريغ الأمة من طاقاتها وغضبها وعدم توظيف هذه المشاعر الجماعية في الإطار الصحيح الذي يضمن عدم تكرار هذه الأفعال المسيئة للرسول والمهينة لأحبابه وأتباعه من المسلمين.

أعلم وتعلمون، تاريخ فرنسا منذ احتلال قوات نابليون مصر ودخول خيولهم الجامع الأزهر مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وحتى تصريحات ماكرون المرتبكة قبل وبعد حادثة ذبح المدرس الفرنسي (صمويل باتي) عن الإسلام وضده، لكن مقاطعة بضائعهم تؤذينا بقدر ما تؤذيهم، أوافق عليها إذا تم دراسة تبعاتها الاقتصادية بعناية وأقرتها الأجهزة والهيئات الاقتصادية المختصة وتصبح رد فعل جماعي قوي التأثير، وإن كنت أعتقد أنه بات علينا التحرك بشكل دولي للوصول إلى حلول مستدامة  تضمن عدم تكرار مثل هذا العبث، وأرى أن التحرك القانوني هو السبيل إلى ذلك سواء أمام القضاء الفرنسي أو من خلال المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وهذا التحرك يستدعى تحركاً عربيا وإسلامياً لتشكيل قوة ضغط واعية على المجتمع الفرنسي، ربما ننجح في أن نقتنص حقوقنا مثل اليهود الذين أقر لهم البرلمان الفرنسي نهاية العام الماضي مشروع قانون يعتبر كراهية إسرائيل شكلا من أشكال معاداة السامية.

ويمثل قرار مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى  قضائية على «شارلي ايبدو» لإساءتها لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، أفضل خطوة على الطريق القانوني الصحيح في التعامل مع هذا الملف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الاثنين، 5 أكتوبر 2020

خطر الصمت بين «السكاتة» و«اللهاية»


قادتني الصدفة إلى اكتشاف هذا الاختراع الذي أظن أنه مصري النشأة، رغم أن المنتج كالعادة «صنع في الصين»، وقد وجدته في أحد محلات اكسسوارات السيارات، حيث قدمه لي البائع بفخر قائلاً: «السكاتة دي هدية من المحل لحضرتك»، و«سكاتة» إنذار حزام الأمان (التي يتراوح سعرها بين 30 إلى 50 جنيهاً) هي عبارة عن قطعة معدنية تشبه الموجودة في طرف حزام الأمان، ويتم تركيبها في مكان غلق الحزام، مما يمنع انطلاق التنبيه الصوتي الذي يذكر بضرورة ارتداء حزام الأمان، وهو التنبيه الذي يستمر لبعض الوقت بشكل حاد، يجبر سائق السيارة (في أغلب الأحيان) على ارتداء الحزام، الذي يعد من أهم عناصر التأمين التي تقوم مصانع السيارات بتزويدها بها، ويلزمنا القانون باستخدامه لأهميته ودوره في حفظ الأرواح.

ويحذر الخبراء من خطورة استخدام هذه «السكاتة»، نظرا لارتباط عمل الوسائد الهوائية (التي تخرج أمام السائق لتحميه عند وقوع تصادم) بالالتزام بربط حزام الأمان، لهذا منعت مصانع السيارات الوسائد الهوائية من الانطلاق طالما أن قائد السيارة لا يرتدي حزام الأمان، وذلك لما وجدوه من ضرر كبير يتعرض له قائد السيارة عند ارتطامه بالوسادة الهوائية دون ارتدائه حزام الأمان.

ورغم ذلك تمثل «السكاتة» الحل السحري لبعض قائدي السيارات للتخلص من صداع هذا التنبيه (المزعج) داخل السيارة، فيلجئون إليها لإيقاف التنبيه دون أن يضطروا لارتداء الحزام، ولهذا حققت انتشاراً كبيراً في مصر وعدة دول عربية (على يد المصريين)، حيث أن «عدم ارتداء حزام الأمان» هو عادة مصرية خالصة، تأصلت مع دخول أول سيارة إلى مصر عام 1890 في عهد الخديوي توفيق ومستمرة حتى اليوم، وربما يتذكر مواليد القرن الماضي «قصة الحزام في التسعينات»، عندما تم استحداث مادة في قانون المرور تمنع سير المركبات دون أن يرتدي سائقيها حزام الأمان مع توقيع غرامة مالية فورية على السائق، وكانت مفاجأة أن نسبة كبيرة من السيارات في مصر (وقتها) تخلص سائقيها من أحزمتها بعد أن ترسخ في وجدانهم أنها قطعة زائدة لا حاجة لها، وتسبب هذا القانون في فتح باب لرواج تجارة الأحزمة، فأرتفع سعرها بشكل جنوني، مما أضطر فقراء السائقين لخداع عساكر المرور بوضع (شريطة سوداء) على أكتافهم.

وقد أخترع العالم السويدي نيلز ايفار بولين حزام الأمان الثلاثي النقاط عام 1958، والذي يستخدم حالياً في جميع أنواع السيارات، واختير اختراعه واحداً من أهم تسعة مخترعات في حياة البشرية في القرن العشرين، بعد أن أسهم في تقليل نسبة الإصابات والوفيات الناجمة من حوادث الطرق، والتي يروح ضحيتها سنويا أكثر من 1.35 مليون شخص، بينما يتراوح عدد المصابين سنويا من 20 مليون إلى 50 مليون مصاب، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، كما تلتهم تكاليف الحوادث ما يقرب من 3 % من إجمالي الإنتاج المحلى العالمي سنوياً (وهي أرقام تنافس ضحايا كورونا).

أما المخترع المجهول لـ «سكاتة حزام الأمان»، فيستحق أن يحصل اختراعه على لقب الأسوأ هذا العقد، وأظن أنه ألتقط فكرة اختراعه من «سكاتة» الأطفال أو «المصاصة المطاطية» التي تسمى «التيتينا» أو «اللهاية»، وهي حيلة تعرفها الأمهات جيداً، حيث تستخدم «اللهاية» بوضعها في أفواه الأطفال لوقف بكائهم وإلهائهم بعض الوقت عن طلب الطعام، فهي البديل الشكلي والفعلي لصدر الأم (الطبيعي) أو «الببرونة» التي تنقل الغذاء (الصناعي) للأطفال، وهي أيضاً رغم ميزتها الظاهرة، تشكل خطورة كبيرة على الأطفال، حيث تصيب أكثر من 70% من الأطفال بالنزلة المعوية، وآلام البطن، والانتفاخ، والقيء وتسوس الأسنان والتهاب الأذن الوسطى.

والخلاصة في مسألة «السكاتة» أو «اللهاية».. إن استخدام بدائل (لاهية) أو (خادعة) لإسكات صخب أي إزعاج (طبيعي أو صناعي).. خطر قد ينتج عنه كوارث.. أتفق على ذلك خبير السيارات مع طبيب الأطفال.. ولن يختلف معهم أي (أمين) أو (عاقل).


نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 30 سبتمبر 2020

الاثنين، 10 أغسطس 2020

الصحافة «الصوفية»

أشتاق إلى الصحافة «المطبوعة» شوق العاشق الصوفي لـ «حضرة» الصفاء والمناجاة، لقد مر علي أكثر من 100 يوم لما تطالع عيني حبر المطابع المرسوم على صفحات الورق، ولم يستنشق صدري «عطر الجريدة» وعبيرها، بعد أن اكتفيت بفعل «الجائحة» بالمتاح من وسائل الإعلام عبر خدمات «الأونلاين» الباردة.. الخالية من أي «روح» صحفية.

لقد اشتقت إلى «الأهرام» وخصوصاً «عدد الجمعة»، وإلى «الشرق الأوسط» وملاحقها الدسمة، وزخم «أخبار اليوم» الذي يختزل أسبوع في ساعات قليلة من القراءة والمتعة، ورشاقة «المصري اليوم» وسحرها اليومي الذي لا تروق الحياة بدونه، وشقاوة «الدستور» التي تمنحها مشاغبات محمد الباز ورفاقه قوة وتأثير، وطلة «روزاليوسف» المجلة الأسبوعية العريقة التي تنحت في صخور المهنة بسواعد أبنائها المحترفين يقودهم (المحترم) هاني عبد الله، ودفء «نص الدنيا» الذي رسخته أستاذتنا (القديرة) سناء البيسي ومتعة «أخبار النجوم» التي جددها (المحترف) إسلام عفيفي وعمق «الأهرام العربي» التي أعادها للأضواء باحترافية (الماهر) جمال الكشكي.

هذه الأسماء السابق ذكرها هي أخر ما توقفت عنده ذاكرتي المطبوعة قبل الجائحة، هناك صحف ومجلات أخرى كنت أتابعها سنوات طويلة لكنها سقطت من الاهتمام بسبب تراجعها أو لأنها أغلقت أبوابها أمام قرائها بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها غالبية وسائل الإعلام.

لن أثقل عليكم بحديث مكرر عن نهاية عصر «الصحافة المطبوعة»، ولن أزيدكم عن أحوال المهنة وأبنائها الذين سقطوا بين شقي رحى ثورتي السياسة والتكنولوجيا، فأصبحت المهنة «رذيلة» هذا الزمان في نظر الأحباب قبل الأعداء.. فقط أذكركم ونفسي بأنها رغم كل ما يواجهها ما زالت تتمتع ببريق الذهب الذي لمع في عيوننا ونحن صبية نحبو في بلاط صاحبة الجلالة فاخترناها قدراً ومهنة وطريق شاق لا نحيد عنه مهما كانت المتاعب، وما تزال «الصحافة» حلم يراود الآلاف من شبابنا الذين يتزاحمون هذه الأيام على أبواب كليات الإعلام بحثاً عن مستقبلهم فيها، والذي نتمناه لهم أفضل مع مهنتنا التي تستحق أن تكون حريتها تاج على رأس كل دولة.

ولأني ارتبطت بصاحبة الجلالة مسحوراً بكلمات الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي، الذي علمني «ما معنى الكلمة»، فكانت الكلمة محوراً لمقالي الأول الذي نشر في أبريل عام 1994 في الصفحة الأخيرة من العدد الأول لمجلة «كلام»، التي كنت رئيساً لتحريرها..

أتعرف ما معنى الكلمة؟

واقتبست في مقالي من مسرحيته الشهيرة «الحسين ثائراً»، الكلمات الغالية التالية: «مفتاح الجنة في كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة. الكلمة لو تعرف حرمه زاد مزخور، الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور، وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري. الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة، أضاء الدنيا بالكلمات، وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم. الكلمة زلزلت الظالم. الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة».

فكانت «شرف الله هو الكلمة»، النور الذي أضاء طريقي في دهاليز الصحافة وأروقتها خلال ربع قرن من العمل الصحفي.

 


الأحد، 12 يوليو 2020

غباء أردوغان في «آيا صوفيا»




مسألة تحويل دور العبادة (من مسجد إلى كنيسة أو العكس) تشعل الفتنة بين الأديان، وما فعله أردوغان في كنيسة «أيا صوفيا» خطأ كبير وعمل مستفز لكل مسيحي العالم ومسلميه (العقلاء)، لا يقل في قسوته عن تحويل مسجد «قرطبة الكبير» في أسبانيا إلى كنيسة ومساجد أخرى مثيلة له في الأندلس بعد سقوطها، كما لا تقل الفعلة التركية غبائها وحماقتها وجرمها عن أفعال الصهاينة في القدس الشريف، وما يدبرونه للمسجد الأقصى وما فعلوه في مساجد المسلمين وكنائس الأقباط من انتهاكات مستمرة منذ سرقوا فلسطين واستباحوا الأمة العربية من محيطها إلى خليجها.

الفتنة التي يشعلها هذا (الأرعن العثمنلي) والتي انبهر بها بعض اشاوسنا من مرتزقة المسلمين وجهلائهم، سندفع جميعا ثمنها وستحرقنا نيرانها، اضطهاد المسلمين والإسلام لا يفرق بين الأجناس أو الجنسيات، فنحن (المسلمون في كافة أرجاء العالم) حتى اليوم نسدد فواتير الإرهاب الديني والتي كان من أشهرها حادث تفجير برجي مركز التجارة العالمي في سبتمبر 2001 بمنطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، وغيره من حوادث امتدت حتى خرجت علينا «داعش» بصنوف العبث الإرهابي لتمرغ في التراب أخر ما تبقى من صورة نقية عن ديننا الحنيف.. والذي أدى بدوره إلى تنامي وتزايد خطير لظاهرة «الإسلاموفوبيا» وتفشيها في الغرب.

تابعت تبريرات بعضهم لأحقية الإسلام في المسجد (الكنيسة)، وما قيل عن وثيقة الملكية التي تثبت شراء محمد الفاتح للكنيسة والأرض المشيدة عليها، وذلك وفق ادعاء أردوغان وعصبته الذين أكدوا أن سلطانهم (الحقاني) قد اشتراها من حر ماله ومال عياله إبان فتحه القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 1453، وهو هراء يراد للسذج أن يروجه ويصدقوه كي يناموا مرتاحي البال فخورين بجيش محمد الذي سوف يعود على يد البجم التركي وزبانيته من الإخوان، مغلفين كل وقائع التاريخ التي تنفي هذه القصة وتؤكد أن الكنيسة سرقت مثلما سرق العثمانيون كل الدول التي احتلوها (تحت شعار الفتح العثماني الإسلامي)، ومنها مصر (المحروسة)، التي اغتصبوا خيراتها ووصل الفجر العثماني إلى حد خلع أعمدة المساجد ورخامها ومآذنها وشحنها إلى بلادهم مع خيرة العمال والصناع والعلماء، كما سرقوا كل البلاد التي دخلوها، ليشيدوا امبراطوريتهم بالحرام ويلبسوها ثوب الحلال الإسلامي، فيتبعهم البلهاء في كل زمان، ولهذا نجحوا في أن يحكموا خمسة قرون متصلة بهذه الألاعيب الدينية والسياسية.

 وأذكركم وكل الفرحين بمجد الإسلام على طريقة البهلول التركي بما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة بعد أن أدركته الصلاة وهو فيها، وقولته الشهيرة : «ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا»، حينها كان عمر يتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطريرك صفرونيوس، وكان تحت سيطرته نقود كثيرة في بيت المال تنتظر إشارته، لكن الشيطان لم يقرب من عقله الفطن المؤمن ويوسوس له بشراء الكنيسة أو الإدعاء بذلك، بل تركها بيت يعبد فيه الله لإخواننا النصارى، ليضع أهم لبنة في تاريخ التسامح والتعاون بين الأديان، ومخلداً الصورة الصحيحة عن الإسلام دين الحضارة الذي يحترم ويقدر ويحمي الآخر المختلف في الدين أو العرق أو الجنس.

واختتم بالدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق وحديثه عن «آيا صوفيا» في خطبة الجمعة الماضية، حيث قال: «إن الإسلام يحترم دور العبادة لمختلف الديانات، ولا يجوز تحويل الكنيسة لمسجد، مثلما لا يجوز تحويل المسجد لكنيسة، هذا المبدأ مرفوض في الفكر الأزهري، ويجب احترام دور العبادة لكل أتباع الديانات»، وأضاف فضيلته: «ما يخص الإسلام فهو إسلامي، وما يخص المسيحية فهو مسيحي، وما يخص اليهودية فهو يهودي، هذا التصرف (التركي) مستفز وتصرف غير متفق مع تعاليم الإسلام التي عرفناها وطبقها سلفنا الصالح والذي عرف عنهم حرصهم على مقدسات الآخرين ورعايتها وعدم المساس بها».


الأربعاء، 8 يوليو 2020

مصر بين التحرش والتنمر والـ«تيك توك»


ثلاث قضايا رئيسية شغلت الرأي العام المصري هذا الأسبوع، وهي عنوان المقال، وثلاثتها بعيدة كل البعد عن قضايا محورية ثلاث أخرى أصعب كانت تهيمن على العقل المصري في الفترة الأخيرة، وهي وباء كورونا، وأزمة سد النهضة، والتوتر العسكري في ليبيا.
ويبدو أنه من حسن الطالع تراجع الإهتمام بالثلاث الأصعب، لأنهم مشاكل مزمنة وباقية معنا لفترة طويلة من الزمن، كما أن الدولة المصرية في أي من الملفات الثلاثة لا تملك عصا الحلول السحرية التي تحسم هذه القضايا، فأولاها أزمة صحية عالمية وجائحة تختطف كل يوم آلاف القتلى والمصابين حول العالم، والجميع في إنتظار المصل والعلاج، والثانية قضية مطروحة على مجلس الأمن وينتظرها مفاوضات تستمر لأسبوعين، وفي الأغلب لن تثمر عن حلول حاسمة بسبب تعنت الطرف الأثيوبي المشاغب والمتلاعب، أما ثالثها فهي قضية أقليمية خطيرة تهدد أمن المنطقة، وتحتاج حنكة وصبر وإدارة بلا توتر، لأنها معركة متشابكة ومعقدة، وصراع لن ينتهي بين الدولة الوطنية ممثلة في مصر والدولة الدينية ممثلة في تركيا، وهذه المرة المعركة مرشحة للحدوث على أرض ليبيا.
وربما لهذا فإن انشغال الرأي العام بالموضوعات الثلاثة الداخلية (التحرش والتنمر والتيك توك) يأتي في صالح الثلاثة الآخرى، فالصبر مفتاح الأمل لحل القضايا الأصعب، والصبر يستلزم بعض الوقت بعيداً عن ضغوط الرأي العام، لهذا كان حتمياً أن يوجه نظر المجتمع إلى قضايا آخرى، ربما تكون واحدة أو أكثر قد حان حسمها واتخاذ حلول جذرية لها.
ونبدأ بالتحرش الذي تفرد له صحيفتنا مساحة رئيسية في هذا العدد، ولا يفوتني تهنئة رئيس التحرير على الحفاوة الإعلامية الكبيرة بغلاف العدد، والذي أراه واحداً من أنجح أغلفة الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية هذا العام، والذي يتصدره الهاشتاج الرائع #طمنوا_بناتكم .. والذي احتوى روشتة الأزهر لمكافحة التحرش ودعم بنات مصر ونسائها ضد هذه الجريمة النكراء والظاهرة الفاحشة، وهي رسالة كانت شديدة التأثير والعمق وصلت إلى ملايين النساء في مصر ودول العالم كافة، رصدت ذلك واضحاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعلى وسائل الإعلام التقليدية، سعادة كبيرة بموقف الأزهر في قضية التحرش، ورأيت الغلاف ينتشر بسرعة كأنه لبى عطشاً مجتمعياً لموقف ديني راشد يدعم بناتنا ضد السعار المجتمعي الصارخ والذي تسبب في ضياع صوت إستغاثة اي بنت تتعرض للتحرش، وكانت القضية المثارة والمحالة للتحقيق القضائي هي المفجرة لتلك المشاعر، خاصة وأن أبطالها من طبقات اجتماعية ينظر لها بانها منفتحة تقل فيها هذه الجرائم، وهي نظرة خاطئة، خصوصاً إذا انتبهنا لأرقام التحرش في مجتمعات أكثر تحضراً من المجتمع المصري، مثل أمريكا والتي ترتفع فيها معدلات جرائم التحرش والاغتصاب بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة.
أما قضية التنمر، والتي باتت جريمة جاهزة تستدعى في أي لحظة لمحاربة أي شخص، وأصبحت وسيلة ابتزاز رخيصة يستخدمها المأجورون من لجان إلكترونية تنتمي لتنظيمات تخريبية تستهدف إثارة الرأي العام المصري وتضليله، ويتم التعامل الفاسد مع المصطلح، وتفريغه من مصداقيته وتحويله إلى تهمة من لا تهمة له (واقعة الفنانة إسعاد يونس مثالاً)، أو إفتعال التنمر في حق شخصية عامة وإشعال القضية عبر نفس اللجان الإلكترونية الماجورة (واقعة الفنان شريف وبناته مثالاً مضاداً)، وفي كل إتجاه تحاصرنا فوضى التعامل مع التنمر وتخلق حالة احتقان داخل المجتمع.
أما آخر قضايا الساعة فهو إساءة استخدام التطبيق الصيني «Tik Tok»، الذي انتشر وذاع صيته في مصر تزامناً مع إنتشار فيروس «كوفيد 19» الصيني أيضاً، ونظراً لارتفاع (سقف) الحرية على التطبيق وتساهله التام فيما يتعلق بالمشاهد الإباحية، فقد انحرف مستخدموه إلى الحد الذي أوصل بعضهم إلى ساحات القضاء ومعظمهم من الفتيات المراهقات، ممن صورن فيديوهات منافية للآداب وفق قرار إحالتهن للمحاكمة.
تؤكد «الميديا» وبخاصة الجديدة منها، كل يوم أنها بطلة هذا الزمان، وأنها السلاح الأخطر في إدارة كل مسارات حياتنا، وهي المشترك الرئيسي بين قضايانا الثلاث محل هذا المقال، ودورها واضح في تصدر هذه القضايا أجندة الرأي العام، وأتمنى أن يستثمر المجتمع هذا السلاح «الميديا»، في طرح حلول هذه المشكلات الثلاث العاجلة قبل أن تضطر الدولة للتدخل بتشريعات قانونية للحد من تفاقم أي منها، كما أؤكد على ضرورة إرتباط الحلول بالدين والأخلاق لأنهما العاصمان من ارتكاب مثل هذه الأخطاء والجرائم.

 * نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 8 يوليو 2020



الأربعاء، 1 يوليو 2020

حمزة العرب.. والشاطر حسن




في أسبوعي الأخير أتخذت قراراً ثورياً (تأثرا بأجواء الاحتفالات بـ 30 يونيو الميمونة)، بأن اقوم بترتيب مكتبتي الغالية، وهو قرار تأخر سنوات طويلة تزاحمت فيها الكتب و تراصت بعشوائية منتظمة، حتى فقدت ذاكرتي القدرة على استرجاع مئات العناوين المهمة التي جمعتها بجهد جهيد عبر رحلة ممتدة من البحث والشراء والأستعارة و(اللطش أحياناً) لأكثر من 35 عاماً، وقصة عشق خالدة بيني وبين الكتب من (فرشات) الشوارع إلى (أرفف) المكتبات والمعارض، أحمد الله أنها مستمرة وبنفس الصدق والإخلاص حتى اليوم، رغم طوفان ال(pdf) والكتاب المسموع  وغيرها من طرق تعاطي الثقافة التي لا تخيل على مدمني الكتاب المطبوع، أصحاب «كيف» الورق ورائحته ورحيق حبر المطابع المعتق بتراب الزمن.
ولأن «الكيف مذلة» يبقى عشاق الكلمة المطبوعة على ولائهم للكتاب، حتى لو غرر بهم الزمن مثلي و(تعصرنوا) وخاضوا التجربة الإلكترونية الماجنة، لهذا فقد وجدت متعة كبيرة وأنا أتصفح كتبي وأتذكر مواقف كثيرة ترتبط بكل منها، بعضها مغامرات طريفة وبعضها تجارب مريرة، مر شريط ذكرياتي مع كتبي حتى توقف أمام كتاب كان قد سقط من ذاكرتي تصفحته بتردد، وفاجئني الإهداء الموجود في صفحته الأولى.
حمزة العرب.. هو عنوان الكتاب، وهو مسرحية شعرية للشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وصادر عن سلسلة «مسرحيات عربية» وجهة النشر هي الهيئة العامة للتأليف والنشر (وهي حاليا الهيئة العامة للكتاب بمقرها على كورنيش بولاق)، وسعر النسخة 15 قرشاً، أما الأهداء فكان من حسن الجوخ أستاذ مادة اللغة العربية إلى العبد لله (محمد مصطفى) وكنت وقتها في الصف الأول الإعدادي عام 1984، وكنت وقتها (ولسنوات تالية كثيرة) من المتفوقين في كل المواد الدراسية، ولكن كانت تربطني علاقة خاصة مع مادة اللغة العربية، ورغم سقوط الكتاب من ذاكرتي إلا أن أستاذ المادة بقي اسمه محفورا في ذاكرتي، لأنه منحني أول رسالة مشجعة لدخول عالم الأدب (كمتفرج أولا ثم كمشارك فعال) وكانت أحاديثه معي محفزة للقراءة والاطلاع بشغف ونهم، وظني أني حصلت منه على أربعة أو خمسة كتب كانت باكورة انطلاقي بين كتب الكبار الذين زاحمت كتبهم في مكتبتي الصغيرة مجلات ميكي وسمير وسلاسل «المغامرون الخمسة» و«الشياطين الـ 13» ثم «رجل المستحيل».
وبحكم اهتمامي بالعمل الثقافي في مصر، تابعت سعيداً وفخوراً المسيرة الأدبية لأستاذي بعد أن تألق في الإبداع والعمل الثقافي، وأصبح له أسماً مرموقاً كناقد أدبي معتبر، لقد تأخرت في الكتابة،  و«كل تأخيره وفيها خيرة»، فقد وجدت مؤخرا صاحب الإهداء (مدرسي القديم) على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، تصادقنا دون أي تواصل فعلي حتى الآن (لأني لم أجده متفاعلاً على صفحته)، كما أني كنت أنتظر اللحظة التي أكتب إليه رسالة شكر تليق بفضله ودوره المؤثر في مسيرتي الإنسانية وعلاقتي مع الكتابة.
كان الجوخ معلماً إستثنائياً في حياتي التعليمية، لم ألتق بمثله إلا فيما ندر، لم يطلب منه كأستاذ للمادة أكثر من الشرح والتدريس لطلابه، لكنه جاد بما هو أكثر واجتهد ليؤثر،  كان مدرسا مميزا وصار علما أدبياً، فاستحق أن يكون «الشاطر»، في حياتي وحياة تلاميذه في مدرسة «شبرا القومية».
تحية محبة وتقدير لأستاذي المحترم.. حفظه الله.
وأرجو أن يسامحني على اختراعاتي اللفظية وسهواتي النحوية (والكي بوردية)..
فلقد أفسدتنا الكتابة الجديدة.
تلميذك القديم

محمد مصطفى أبو شامة


الثلاثاء، 30 يونيو 2020

‫خطيئة يوسف ‬



أخطأ الممثل #يوسف_الشريف في حواره التلفزيوني الممتع والذي أجراه معه الإعلامي المحترم رامي رضوان على فضائية «dmc»، عندما أقحم نفسه في حقل ألغام فكري (ديني وسياسي)، بتصريحه عن الشروط التي يُضمنها أي تعاقد فني يقوم به، أهمها امتناعه عن تصوير أي «مشاهد ساخنة»، وهو ما وضعه على أسنة رماح النقد منذ أن أذيعت حلقة البرنامج الجمعة الماضية، واشتعلت مواقع التواصل بين مدافع ومهاجم عن بطل مسلسل «النهاية» الرمضاني الناجح، وتبارزت ألسنة الخلاف الفكري وتم الزج بالدين في الحوار حول الأخلاق، و تناثر غبار سياسي ظلل المشهد برائحة إخوانية أفسدته.

قبل أن نكمل، أود أن أوضح اتفاقي مع رؤية يوسف الشريف الأخلاقية، وما ذهب إليه من ضرورة تقديم صورة محترمة للدراما المصرية خالية من أي ابتذال أو مشاهد تخجل الأسرة ان يشاهدها أبنائها على شاشات تنتمي إلى الدولة المصرية وتديرها شركة وطنية مدعومة من الدولة، وقد تابعت معظم مسلسلاته منذ أن تم تصعيده في أدوار البطولة مع مسلسل «المواطن إكس» في عام 2011، لكني مختلف معه في جهره بالأمر، لأنه فتح بابا من أبواب الفتنة، واختزل تصريحه «العنتري» في مساحة مغازلة نجم مشهور لجمهوره، مثله مثل آخرين من زملائه يغازلون فئات أخرى بـ «اللمبورجيني» وأخواتها.

ظني أنه كان يجب عليه أن يكتفي بتطبيق ما يراه صحيحا دون إثارته علانية، خاصة فهو نجم مطلوب ويستطيع فرض أي شروط يرغب فيها على الشركة المنتجة، وهو ما يحدث معه منذ سنوات ويعلمه الوسط الفني والإعلامي تفصيلاً، ولم يعترض عليه أحد.

(خطيئة يوسف) وتنصيبه لنفسه (دون قصد) حارسا على الفضيلة وحرمانه لزملائه منها (لأن بعضهم بالطبع يلامس النساء درامياً)، تتلاقى مع فكر الإخوان المسلمين (ومعظم التنظيمات الدينية) التي تحتكر الإسلام لنفسها وتنزعه عن المخالفين لها بشكل غير مباشر، بداية من اختيار اسم التنظيم  ومروراً بمنح العضو درجة من التميز بمنحه لقب «الفرد الاخواني»، نهاية بقدسية خاصة تلتصق بـ«الجماعة» في وجدان أفرادها.

وقد تشرفت بنقاش موضوعي مع الإعلامي المحترم #رامي_رضوان عبر موقع التواصل الإجتماعي «تويتر» حول برنامجه وخطيئة يوسف، حيث قال مدافعاً عن ضيفه: «اختلف معك أستاذ محمد، فقد أوضح يوسف أنه لا يزايد على أحد ولا يقول انه افضل.. وابدى عدم ارتياحه لهذه النوعية من المشاهد وهي حرية شخصية له كفنان.. ومصطلح (تديين الفن) أراه غير موفق لأن الفن الوانه ومدارسه كثيرة ولا يمكن تعميم وصف عليه ولا اختزاله في مدرسة واحدة.. كما أن يوسف لم يطرح الأمر إلا بعد طرحي للسؤال. ويمكن لو تابعت إجابته مرة أخرى ستجد انه حاول ان يطرح وجهة نظره دون الإساءة لغيره أو ادعاء فضيلة».

وكان ردي عليه: « أولا: شكرا لسعة صدرك وتحاورك الراقي الذي عهدناه فيك دائما.. ثانيا: انا من المعجبين بيوسف وأعماله واحترمه لرفضه للمشاهد الساخنة.. خلافي مع تصريحه بذلك علنا.. لأنه وضعه في حيز آخر للنقاش وجعل منهجه الأخلاقي تحت طائلة النقد والتجريح فادخل عمله الطيب في دوامة اللغط، ثالثا: دعني أسألك ماذا لو أنك شخصيا قررت أن تستهل حلقات برنامجك بأيات الذكر الحكيم؟، يمكن أن تقوم بذلك في سرك، وهذا لن يشغل أحد أو يهمه.. لكن كيف سيكون الوضع لو طلبت احضار مقرىء خصيصا ليفعل ذلك قبل كل حلقة، واشترطت على ذلك في عقدك مع #dmc ؟، وماذا سيكون رد فعل جمهورك وزملائك الإعلاميين؟؟، اتمنى يكون التشبيه قرب لك فكرتي، وأخيرا: فيما يتعلق برد يوسف عليك.. كنت أتمنى ان يراوغ في الرد ولا يدخل في تفاصيل.. وهو بنفسه أوضح ان هناك زملاء يفعلون ما يفعله دون أن يقولوا.. لكن تصريحه ومسألة شروط العقد دي صعبة شوية.. وأعطت الموضوع بعد تاني».

لقد فتح الشريف النار على نفسه بـ «تديين» الفن، ورغم أن المندفعين لينهشوا يوسف يعلموا عن شروط وأفعال «مشينة» يفرضها نجوم اخرين من ممثلين ومخرجين، يكفينا أن أحدهم دأب على إفساد الذوق العام ولم يحاسبه أحد على جرائمه الفنية والغنائية، فيما أظن أن يوسف الشريف سينحر على مذبح الثقافة المصرية لأنه تم ضبطه يمارس الأخلاق في فنه، وهو أمر محير.

 



الأربعاء، 24 يونيو 2020

فن الحرب.. و«رذيلة» الاعلام



شردت عيني عندما أبعدتها عن شاشة الكمبيوتر المزدحمة بالأخبار الخطيرة والمثيرة، فتجولت بين رفوف الكتب المصفوفة بعناية وترتيب في مكتبتي الخاصة، وتوقف بصري أمام عنوانين ارتبطا بما كنت أتابع من أحداث، أولهما من تأليفي وصدر نهاية عام 2019 وهو كتاب «الصحافة: عندما تصبح المهنة رذيلة»، والثاني كتاب «فن الحرب» للفيلسوف العسكري الصيني (سو تزو) والصادر قبل 2300 عام، ورغم الفارق الزمني الشاسع بين الكتابين إلا أن كليهما يمثل عصارة فكر وخلاصة تجربة، ومع الفارق الشاسع بين المؤلفين والذي يأتي (بالطبع) لصالح (تزو) الذي انتشرت مقاطع كتابه عبر العصور وشكلت إعصاراً من الأفكار والنظريات والسياسات لدول وشعوب بل لأشخاص ناجحين، ورغم مرور السنين ما زال الكتاب مصدراً لإلهام الملايين حول العالم، ومصدراً لاستراتيجيات عسكرية مؤثرة.
في الأول، توقفت عند المقال الذي أتخذه المؤلف عنواناً لكتابه، والذي يناقش سر تحول مهنة الصحافة إلى «رذيلة» في سنوات قليلة، وأرجع المؤلف الأمر إلى أسباب كثيرة في مقدمتها تحول «الضيف» غير المؤهل إعلامياً إلى «صاحب برنامج» وهي ظاهرة ابتلينا بها في السنوات العشر الأخيرة، ولو تأملنا المهزلة الفضائية التي دبرت ضد الأزهر الأسبوع الماضي عبر برنامج فضائي يقدمه نفر من دخلاء المهنة وأدعياء الموهبة البرامجية، لأدركنا سبب التراجع، ويفسر كتاب الصحافة شارحاً: «إن نموذج «الدكتور الضيف» تكرر مع كثير من الضيوف المهمين (وغير المهمين) في البرامج التلفزيونية في الفضائيات المصرية، التي استثمرت جماهيريتهم وأفردت لهم المساحات الشاسعة ليصولوا ويجولوا دون رابط أو رقيب، منهم من يمكن أن تحترم وجوده وتقدره، ومنهم عشرات «الأشباه» ممن شوهوا المشهد الإعلامي وجعلوا المهنة «رذيلة» نتخفى عند ممارستها، ونتحرج في الإفصاح عن اسمها أمام الناس كأنها «عورة» يجب سترها».
«سيكون رهيباً في هجومه، متأنياً عند اتخاذه لقراراته»، هكذا وصف (تزو) المقاتل الباسل في كتابه، تأملت صورة الرئيس السيسي أمامي على الكمبيوتر وأعدت الإستماع إلى كلماته التي قالها للعالم من مطروح ومعه قادة الجيش المصري وزعماء القبائل الليبية الشقيقة: «يخطئ من يعتقد أن حلمنا ضعف ويخطئ من يعتقد أو يظن أن الصبر تردد.. لا والله صبرنا لاستجلاء الموقف وإيضاح الحقائق وليس ضعفا أو ترددًا».
واهتمت وسائل إعلام محلية وعالمية برسائل الرئيس المصري من مطروح، حيث قالت «الشرق الأوسط» اللندنية: «السيسي يرسم «خطوطاً حمراً» لتركيا في ليبيا»، مشيرة في عنوانها إلى التأييد السعودي للموقف المصري، فيما تساءلت «بي بي سي»: «بعد خطاب السيسي، هل تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؟»، وهو نفس التساؤل الذي طرحته صحيفة «عكاظ» السعودية، فيما أبرزت «الخليج» الإماراتية العوامل الخمسة التي تناولها خطاب السيسي والتي تدفع مصر للتدخل في ليبيا، مشيرة في عنوانها: «الإمارات: نقف إلى جانب مصر في حماية أمنها».
وربما عززت شكوك الحرب كلمات الرئيس التي وجهها إلى قادة المنطقة العسكرية الغربية قائلاً: «الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمي ولا يهدد.. يؤمن ولا يعتدي.. تلك هي عقيدتنا وثوابتنا التي لا تتغير.. كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا وإذا تطلب الأمر خارج حدودنا».
إن خروج القوات المسلحة المصرية في 2020 من أراضيها للدفاع عن أمن الوطن، قرار لا يعرف أهميته ونتائجه إلا قائد الدولة وفريقه الرئاسي والعسكري، وحكام مصر منذ ثورة يوليو 1952 لم يتخذوا قرار الحرب بحثاً عن مجد أو جرياً وراء شهوة، فكلهم (لسابق خبرته العسكرية) كان مدركاً لقسوة القرار وكلفته، وظني أن كلها كانت قرارات ضرورية ومصيرية لا مفر منها دون الدخول في تفاصيل (ومزايدات) حول كل قرار وخلفياته وتبعاته ونتائجه حتى اليوم، بما في ذلك قرار الرئيس جمال عبد الناصر بالحرب اليمن.. التي وصفت بـ «العقدة العسكرية»، والتي دائماً ما تستدعي عند خروج الجيش المصري في أي مهمة قتالية عابرة للحدود.
لقد أحالني الرئيس بخطابه الأخير إلى كتاب «فن الحرب» بعد سنوات كثيرة كنت قد نسيته مخفياً بين كتبي، وقبل أن أتركه لأتم المقال، توقفت أمام هذه السطور: «إن إحراز مائة إنتصار في مائة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون»، لهذا أدعو الله أن تكون ليبيا هي مقبرة المشروع التركي الإستعماري، الذي لا يقل في خطورته (وقسوته) عن المشروع الصهيوني، إن لم يكن مكملاً له.
وأخيراً، وجب علينا اليوم أن نساند وطننا وندعم جيشنا، والأ نضيع الوقت في جدال أو خلاف يضعف وحدة الصف ويشتت الإنتباه، يجب أن نتحد في معركتنا ونتكاتف، ونمنع كل أشكال الدعاية السلبية والأفكار الهدامة، هذا دورنا جميعاً.. الشعب قبل الحكومة، والفرد قبل القيادة.
إستقيموا.. يرحمكم الله.. و استووا واعتدلوا.. وسدوا الفرج.

                                                *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 24 يونيو 2020 


الأربعاء، 17 يونيو 2020

الاختيار «الثاني»




شاهدته في أكثر من لقاء تليفزيوني يتحدث بحماس وأمل، ويؤكد أنه سيطارد العلاج في أي مكان حتى يستعيد «نور عينيه»، موضحاً أنه «صبور ولا يضعفه اليأس»، مشيراً إلى علاقته التاريخية مع «الصبر» والذي خاض معه رحلة شاقة تجاوزت السنوات العشر، كان ينتظر فيها تحقق حلمه الكبير بأن يصبح أباً، ولم يتخيل الطبيب محمود سامي أنه سيكون على موعد مع القدر ويتحقق الحلم ويرى أبنه الوحيد «يحيى» لكن لمرة واحدة فقط، قبل أن يفقد بصره أثناء ممارسته مهامه الطبية بمستشفى العزل بمدينة بلطيم في محافظة كفر الشيخ.
وقد تشرفت بأن يكون الطبيب الذي فقد بصره وهو يقاتل هذا الفيروس الشرس، بطل «اهداء» كتابي الجديد «البرشامة في الكورنتينة»، راجياً الله له بالشفاء وتمام الصحة والعافية، فقصته مثال صادق على الإخلاص والجد في العمل والتفاني في خدمة الناس، وهو يخوض هذه الأيام حرباً جديدة يطارد فيها بصيص أمل يرتجى منه رحمة الله في أن يستعيد بصره، وهو للأسف أمل ضعيف وفق رأي الأطباء المعالجين.
ولأن قصته وقصة كفاح الهيئة الطبية في مصر ضد الفيروس، قصة مشرفة وملهمة دفعت المجتمع كله لتكريمهم، حتى لقبوا بـ«الجيش الأبيض» في إشارة واضحة لدورهم البطولي الذي لا يقل بحال عن جيشنا الوطني العظيم الذي جاهد الإرهاب الفاسد في سيناء، ويربض حالياً على حدود مصر الغربية يدافع عن حدود الوطن مع ليبيا، ونسوره تحلق فوق المنطقة بأسرها لحماية أمن مصر القومي.
لقد استحق الأطباء وهيئات التمريض في كل المستشفيات تقديرنا واحترامنا بعد أن تخطت رحلتهم القتالية مائة يوم متصلة من النضال في مواجهة هذا الفيروس الشرس، لهذا أتمنى أن تجد فكرتي طريقها إلى صناع القرار وأولي الأمر، وهي الفكرة التي ولدت بعد أن انتشر خبر إنتاج الجزء الثاني من المسلسل التليفزيوني الناجح مسلسل «الاختيار».
وفكرتي أن يكون مسلسل «الاختيار2» عن قصة حياة الطبيب محمود سامي فهو، لا يقل بطولة عن شهدائنا من القوات المسلحة، وكفاحه قبل وبعد المرض قصة تستحق أن تُروى وتُخلد ليتعلم منها أبناؤنا، مثلما كان «الاختيار1» ملهماً لهم ومؤثراً في مسار حياتهم وحياة جمهور متابعيه من كل الشرائح العمرية والاجتماعية.
اعلم ان هناك قصصاً لأطباء آخرين ضحوا بحياتهم لإنقاذ مرضاهم، وهناك بطولات أخرى للجيش تنتظر من يجسدها درامياً، سواء بطولات حالية أو من تاريخ الجيش المصري المشرف، وايضاً تاريخ الشعب المصري وحاضره مزدحم بصفحات البطولة والتضحية التي ربما تسعها أجزاء أخرى من المسلسل.
لقد تمنى ملايين المصريين وهم يشاهدون الحلقة 28 من الاختيار (الأول) في رمضان الماضي، أن يقفزوا داخل المسلسل وينقذوا حياة بطلهم الشعبي الشهيد المنسي، فهل نطمع من صناع المسلسل أن ينقذ الاختيار (الثاني) حياة بطل آخر يستحق أن يعيش، وقد ينير هذا المسلسل ظلامه ويكون السبب في عودة النور إلى عينيه.
ولعل مفارقة أن يكون مؤلف المسلسل باهر دويدار ومخرجه بيتر ميمي من خريجي كلية الطب، قد تُعجل بتحيزهما لقصة طبيب زميل ينتمي لجيلهما وربما يكون أحدهما قد زامله في كلية الطب، التي يعد الالتحاق بها والنجاح فيها قصة كفاح مشرفة، خاصة لمن يأكلون طعامهم من حلال كسبهم.
إن قصة الطبيب الذي فقد بصره، تستحق الوصول إلى منصة التتويج والفوز بالترشح لأنها تنتصر لهؤلاء الكادحين الذين يجاهد الرئيس السيسي من أجلهم، ويضحى  لحمايتهم  البواسل من أفراد القوات المسلحة المصرية والشرطة المدنية، إن هؤلاء هم المصريون الذين يذكرهم الرئيس في كل خطبه منذ توليه مسئولية الحكم، وقصة كفاح محمود سامي ابن الطبقة المتوسطة تمثل كثيراً منهم، لهذا أتمنى أن يستجيب من في يده الأمر ويفوز هذا الطبيب بالاختيار الثاني.
وأخيراً، بعد أن تسارعت خلال الأسبوع وتيرة الإصابة بفيروس كورونا وتضاعفت أعداد الموتى إلى حد ينذر بالخطر.. أدعو الله خاشعاً أن يحفظنا وإياكم من الابتلاء بالوباء ويكفينا شره الظاهر ويرزقنا خيره الباطن.  



نشر في جريددة "صوت ألأزهر" بتاريخ 17 يونيو 2020

الثلاثاء، 12 مايو 2020

خناقة أموال الزكاة




تساؤل منطقي طرحه الصديق الإعلامي أحمد الطاهري قبل أيام عبر حسابه على موقع «الفيس بوك» حول مشروعية اعلانات الجمعيات الخيرية في الفضائيات غير المصرية، والتي تصل بحسب تقديره إلى «300 ألف جنيه عن كل إعلان»، وما يعنيه ذلك من تبخر ملايين التبرعات المصرية وتحويلها خارج مصر، وما يعنيه ذلك اقتصاديا.
ورددت عليه قائلاً: «اتحدث منذ سنوات في هذا الأمر واكتب مقالاً سنوياً كل رمضان عن «أموال الصدقات».. لعل دافعي الزكاة ينتبهوا.. والدولة تتدخل.. تحدثت عن كثافة الإعلانات التليفزيونية ومشاركة بعض هذه الجمعيات في إنتاج برامج ومسلسلات رمضانية.. إنها أموال مهدرة سيحاسبنا الله جميعا عليها وخاصة في عامنا هذا.. «عام الكورونا»، الذي يتسول فيه الجميع، غنيهم قبل فقيرهم».
وسبق أن كتبت قبل عامين مقالا في «صوت الأزهر»، بعنوان «الصراع السنوي على أموال الصدقات»، بعد أن تحول الأمر إلى ظاهرة مقلِقَة، أصبحَتْ تُطارِدُنا في الطرقات وعلى الفضائيات، إلحاح مستمِرّ ودعوات مختلفة للتبرُّع، تتخِذُ كلَّ أشكال التأثير الممكنة، حتى وصل الأمر إلى إسهامِ أحد المستشفيات (وقتها) في إنتاج مسلسل دراميٍّ تمَّ تصويرُه بداخلِها كجزءٍ من خطةِ تسويقِها، التي تهدفُ إلى مزيدٍ من التبرُّعاتِ.
وكان مما ذكرته في المقال: لا شَكَّ أن حجم الأموال المقدَّرَةِ لتبرعات المصريينَ من الزكاةِ والصدقاتِ، التي تقترب من الملياراتِ الأربعةِ خلال رمضان فقط (والرقم على عُهدةِ صحيفة «المصري اليوم»)، تثير شَهِيَّة الكثيرين، وتدفعُهم للتكالُبِ عليها، وهي أموال للأسف لا يعلم من تبَرَّعوا بها أوجُهَ صرفِها، ولا يعلمون أيضًا أن جزءًا معتَبَرًا من هذه الأموال أصبحَتْ تلتهِمُهُ الفضائيات المصرية على سبيل الإعلانات، بدلًا من أن تصل إلى مستحقيها الأصليين وفق النص القرآني في سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ»، صدق الله العظيم.
وأذكر أنني في عام 2013، دخلت في نقاش (فيسبوكي) آخر مع الكاتب الكبير والصحفي القدير الراحل عبد الله كمال، حول قضِيَّةِ التبرُّع بأموال الزكاة والصدقة إلى الجمعيات الخيرية في ظِلِّ ما أثير حول انتماء بعض هذه الجمعيات وتبعيَّتِها لجماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، كنا في أوائل شهر رمضان الذي بدأ عَقِب أيام قليلة من بيان (3 يوليو) الشهير ثمرةَ ما سُمِّيت بـ(ثورة 30 يونيو)، التي عزَلَتْ محمد مرسي وأسقطَتْ جماعَتَه، فانكشَفَتْ مع هذا السقوطِ شبكةُ العلاقات الداخلية والخارجية (الأخطبوطية) التي شَكَّلَتها هذهِ الجماعة المارقة لتدعمَ وجودها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفضحت خيوط الشبكة هيمنتها على جزء كبير من أموال الصدقات عن طريق جمعيات شرعية مشهرة ومنتشرة في ربوع مصر، مما استدعى من الدولة مصادَرَة أموال عددٍ من هذه الجمعيات حتى لا تُستغلَّ في تمويل أنشطة إرهابية.
وفي حواري مع الصحفي الراحل انبرى يُدافِعُ (اقتصادياً) عن أنشطةِ الجمعيات وأن هناك ضرورةً مجتمعيةً لتصريف أموال كثيرة، يعجز أصحابها في الوصول إلى مستحقيها وفق القواعد الشرعية، بينما كانت لي وجهة نظر (دينية) ربما يكون من المفيد إعادة طرحها، تزامناً مع الضجة المثارة كل عام حول (الجمعيات) وأنشطتها وأموالها.
في ظَنِّي أن على كل متبرع بالصدقات تأديةً لفريضة الزكاة (أو تطوُّع الصدقة)، أن يبذلَ قدرًا من الجهد في توصيل هذه الأموال إلى مستحقيها، فليس الغَرَض دفعَ المال فقط، ولكنّ هناك جزءًا تربويًّا شرعه الله في ركن «الزكاة» الذي هو من أركان الإسلام الخمسةِ، وهذا الجزء لا يتحقَّق إلا بالسعيِ والاجتهاد للوصول إلى مستحقيها، والتعامل معهم وإدراك حقيقة ظروفهم وأشكال معاناتهم، والتحرِّي عن ذلك بالاتصال والتواصل المستمر معهم، إن هذه العلاقة من شأنها أن تصنع الكثير في نفوسنا، سواء عند الغَنِيِّ أو الفقير.
وللأسف فإن قدرًا كبيرًا من الاستسهال عند كثيرٍ من القادرين، يتجسَّد في اكتفائِهِمْ بتوزيع أموال الزكاة على حساباتٍ بَنكِيَّة تخصُّ جمعيات خيرية، ويظنُّون أنهم هكذا قد قاموا بتطبيق الفريضة، ربما ألتمِسُ العذر لغير القادرين (صحياً) منهم، أو الأثرياء الذين تُستَحَقُّ عليهم مبالغ كبيرة للزكاة يصعب عليهم تصرفيها بشكل مباشر، لكن أن يكتفي المجتمع كله بالجمعيات، لتصريف أموال الزكاة، فتلك كارثة كبيرة وما نراه هذه الأيام يصدق على صحة رأيي في ضرورة أن يجتهد كل فرد في تصريف أموال زكاته بالبحث في محيطه عن مستحقيها.
بالطبع هذا لا يتنافي مع دورِ الجمعيات وأهميَّتِها، ولكنَّ عليها أن تجتهدَ لتنمي موارِدَها، ولا تكتفي فقط بالتبرعات، فالعاملونَ على هذه الأنشطة المجتمعية يُدرِكُون أن قانون تنظيم عملها قد أتاح لها وسائل متعددة لتقوم بتنمية مواردها.
والله وأعلم.. وكل عام وأنتم بخير.

الاثنين، 13 أبريل 2020

انتبه.. لقد بدأ عصر (ما بعد) #كورونا



إلي من ينتظر عصر ما بعد #كورونا
أبشره بأن ما نحن فيه الآن هو هذا العصر الجديد المنتظر، لقد بدأنا بالفعل (بس حضرتك مش واخد بالك)، بدأنا مطلع 2020 مع الظهور المتسارع للإصابة بالفيروس المستجد (كوفيد 19)، ثم إعلان منظمة الصحة العالمية بأننا أمام «جائحة»، ثم ما تم تطبيقه من إجراءات احترازية في كل دول العالم، وتم عزل سكان الأرض جميعهم في غرف صغيرة، سوف تتحول في القريب إلى «كبسولات» يعيش فيها كل فرد مع نفسه..
نعم سيبقى «التباعد الاجتماعي».. ربما إلى نهاية الزمان..

لقد دخلنا عصر الأوبئة الخارجة عن سيطرة الإنسان وقدراته..
ولن تخرج منه البشرية إلا بفناء العالم.
هذا الاستنتاج القاسي لا علاقة له بالتفاؤل والتشاؤم، ولا بالمؤامرة أو الدروشة..
إنما هو قراءة تحليلية عقلانية.. بعيدا عن الأمنيات (وان ده أخر أسبوع في الخطر)، لما يحدث في العالم حولنا من أحداث متصاعدة، والتي إذا خلطناها مع مخرجات الفكر البشري عبر العصور، سنكتشف ببساطة أن العصر الجديد قد بدأ، وأن علينا أن نكف عن انتظار العودة لحياتنا السابقة، فهي لن تعود.
وعلينا أن نتقبل سريعا حياتنا الجديدة... بكل ملامحها وتفاصيلها التي تبدو مملة.

لا تقلق ستعتاد على الكمامات والقفازات، وستدمن الصابون والكحول.. والكحوليات أيضا (هاتشرب عشان تنسى J)، وستعتاد على المساحات المحدودة لحياتك (انك تعيش في حجرة واحدة وانك تتمشى بين الغرف في شقتك.. وتكون دي فسحتك)، وسوف يكون الفضاء الإلكتروني هو البديل الوحيد الذي سيساعدك في تلبية احتياجاتك، ويعوضك جزئياً عن الحركة والخروج وعن التواصل الفعلي مع العالم.

وسينتهى سريعا من ولدوا بعد عصر (الراديو) ستقضي عليهم كورونا وأخواتها، أما جيل (التليفزيون) فسيختفي تدريجيا مع تحور الفيروس، وينجوا فقط من ولدوا في القرن الجديد، جيل الكمبيوتر والإنترنت والسوشيال ميديا و(PUBG) و(FORTNITE) والتعليم عن بعد والذكاء الاصطناعي، وغيرها من صرعات العالم الجديد.

ستسقط كل نظريات الماضي وأنماط الحياة ستتبدل كما بشرتنا الدراما الأميركية خلال العقود الماضية، في عملية تفكيكها للعقل البشري وإعادة تشكيله وفق ما تريد وتخطط للعالم وفق تصور من يديرونه، ستختفي الهويات الوطنية ويدمر تراث الحضارة الإنسانية ويبقى نماذج بشرية مستنسخة (زومبي) تشبه الإنسان الآلي بلا عقل أو روح.
إنها النهاية الحتمية للإمبراطورية الأميركية المهيمنة على العالم التي نحن جزء منها.. للأسف.

ممكن كلامي يسبب لك اكتئاب
صدقني ده مش هدفي خالص
عايزك تبطل تنتظر أسبوع ورا أسبوع
على أمل أن الخطر يزول
ونرجع لحياتنا العادية زي زمان
صدقني الانتظار أخطر من كورونا
أستمتع بما تبقى من عمرك
سواء أيام أو شهور أو سنوات
وحارب فيروس «الانتظار»
لأنه يحرمك من أيامك
ويجبرك على تأجيل حياتك
وانتبه.. لقد بدأ عصر (ما بعد) #كورونا



الأحد، 5 أبريل 2020

الشجاعة في مواجهة «الموت الأسود»




انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو (أبيض وأسود) مترجم إلى العربية عن لغة أجنبية يدعى ناشروه أنها اللغة الروسية، وذيل البعض مشاركته للفيديو بمعلومات (يصعب تأكيدها)، وهي أنه من انتاج روسي تم في منتصف الخمسينات، ويحكى الفيديو عن العالم العربي الشهير أبن سينا ونصائحه في مواجهة مرض خطير انتشر في زمانه سمي «الموت الأسود»، وكانت خطته لمكافحة المرض والحد من انتشاره والتي أستخدمها قبل مئات السنين هي ذاتها ما نقوم به اليوم في مكافحتنا لفيروس «كورونا»، مثل التشديد على الالتزام بعملية التطهير (بالماء والخل) والنظافة والبقاء في البيوت للحد من انتشار الإصابة بالفيروس.

والموت الأسود هو الأسم الذي أطلق على وباء الطاعون، والذي حصد ملايين الوفيات في قارات العالم المختلفة في دورات ظهورها المتعددة عبر العصور حتى قيل أنه قتل ثلث البشرية.
أما «ابن سينا»، فهو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، فهو العالم والطبيب والفيلسوف العربي المسلم الذي ولد عام 370 وتوفي عام 427 (هـجرية)، وعُرف باسم (الشيخ الرئيس) وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى، وساهم بدور مؤثر في إثراء الحركة العلمية في زمانه، فقد ألف أكثر من 240 كتاب في شتى المجالات، ، ومن أبرز أقواله: «الوهم نصف الداء، والإطمئنان نصف الدواء، والصبر أولى خطوات الشفاء».

وظني أن سبب إنتشار الفيديو (الروسي) عن ابن سينا والطاعون، هو أنه لمس جرح ما بداخل مشاهديه، الذين يقتلهم الخوف كل يوم وهم في إنتظار هجمات هذا الوباء الشرس، بينما كانت نصيحة ابن سينا الغالية، وهي مواجهته بكل شجاعة، حيث يقول في احد مقاطع الفيلم عن الوباء: «إنه يُصيب الجبناء».

وإذا إنتقلنا إلى واقعنا في مواجهة كورونا، وبعد أن ينتهى الأسبوع الحالي على خير بإذن الله، فهو أسبوع المصير لمصر وفق تقديرات من يدعوا فهمهم وعلمهم، فنحن أمام إختيارين، إما أن يخرج الأمر عن السيطرة أو يمنحنا الله فرصة أخيرة، وفي كلتا الحالتين أرى أن البقاء في المنزل ليس هو أفضل الحلول للخروج من محنة «كورونا»، بل على العكس فنحن بحاجة لأن نعمل وننجز ونجتهد، كي نستطيع تخطي هذه الأزمة.

إن الإنتظار غير مفيد للشعوب المتأخرة مثلنا (أو المتخلفة أو الفقيرة سمها كما تشاء)، فالعالم الغربي لن يصل لعلاج أو لقاح ويهديه لنا، ولن ترسل دول اوروبا أو الصين سفنها المحملة بالكمامات والمطهرات وأجهزة التنفس الصناعي ومعها الأمصال هدية من أجل عيون الشعب المصري الطيب.

لن يمسح دموعنا غير ايدينا، ولن ننجو إلا بسواعد مصرية، ومسألة البقاء في البيت إنتظارا للموت كارثة لا تليق بنا، فلنتحمل حتى ينتهي هذا الأسبوع، ونستوعب نتائجه بأقصى سرعة، وننتقل فورا إلى مرحلة العمل الجاد لإنجاز احتياجاتنا، والتعامل بأعصاب باردة مع تزايد حالات الإصابة، والتخلي عن آلية مطاردة المرضى بالتوقف عن استخدام فزاعة «مريض كورونا» التي ترهب الناس وتحرمهم من الحياة الطبيعية.. وتجعل الخوف يفتك بهم بطريقة أشرس من الكورونا.
وأتمنى من أولي الأمر أن ينتبهوا إلى الأمر، ولا يقلدوا أفكار الغرب وخططهم في المقاومة، مصر لا تقدر على فاتورة الإغلاق الكامل، كما أن مجتمعنا الطبي لن يستطيع التعامل العقلاني مع طوفان المصابين إذا حدث لا قدر الله. علينا أن نتخذ قرارات مصيرية بإبداع حلول من خارج الصندوق الأمريكي والاوربي والصيني، فكلها صناديق لا تناسب بلادنا.

كورونا يحتاج إلى شجاعة وجسارة في مواجهته.
هذا لا ينفي اتباع المنهج الصحي وأساليب التطهير والنظافة.
كما لا يعني السماح بالتجمهر لأسباب خلاف العمل والانجاز.
إن فرصتنا الأخيرة لإجتياز الخطر..
هي أن نستنهض الجدية والشجاعة ليكونا منهجنا جميعاً في الأيام القادمة.
حفظنا الله وإياكم الله من شر الوباء.. 
ومن شر الغباء.


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...