شردت عيني عندما أبعدتها عن شاشة الكمبيوتر المزدحمة بالأخبار
الخطيرة والمثيرة، فتجولت بين رفوف الكتب المصفوفة بعناية وترتيب في مكتبتي
الخاصة، وتوقف بصري أمام عنوانين ارتبطا بما كنت أتابع من أحداث، أولهما من تأليفي
وصدر نهاية عام 2019 وهو كتاب «الصحافة: عندما تصبح المهنة رذيلة»، والثاني كتاب
«فن الحرب» للفيلسوف العسكري الصيني (سو تزو) والصادر قبل 2300 عام، ورغم الفارق
الزمني الشاسع بين الكتابين إلا أن كليهما يمثل عصارة فكر وخلاصة تجربة، ومع
الفارق الشاسع بين المؤلفين والذي يأتي (بالطبع) لصالح (تزو) الذي انتشرت مقاطع
كتابه عبر العصور وشكلت إعصاراً من الأفكار والنظريات والسياسات لدول وشعوب بل
لأشخاص ناجحين، ورغم مرور السنين ما زال الكتاب مصدراً لإلهام الملايين حول
العالم، ومصدراً لاستراتيجيات عسكرية مؤثرة.
في
الأول، توقفت عند المقال الذي أتخذه المؤلف عنواناً لكتابه، والذي يناقش سر تحول
مهنة الصحافة إلى «رذيلة» في سنوات قليلة، وأرجع المؤلف الأمر إلى أسباب كثيرة في
مقدمتها تحول «الضيف» غير المؤهل إعلامياً إلى «صاحب برنامج» وهي ظاهرة ابتلينا
بها في السنوات العشر الأخيرة، ولو تأملنا المهزلة الفضائية التي دبرت ضد الأزهر
الأسبوع الماضي عبر برنامج فضائي يقدمه نفر من دخلاء المهنة وأدعياء الموهبة
البرامجية، لأدركنا سبب التراجع، ويفسر كتاب الصحافة شارحاً: «إن نموذج «الدكتور
الضيف» تكرر مع كثير من الضيوف المهمين (وغير المهمين) في البرامج التلفزيونية في
الفضائيات المصرية، التي استثمرت جماهيريتهم وأفردت لهم المساحات الشاسعة ليصولوا
ويجولوا دون رابط أو رقيب، منهم من يمكن أن تحترم وجوده وتقدره، ومنهم عشرات
«الأشباه» ممن شوهوا المشهد الإعلامي وجعلوا المهنة «رذيلة» نتخفى عند ممارستها،
ونتحرج في الإفصاح عن اسمها أمام الناس كأنها «عورة» يجب سترها».
«سيكون
رهيباً في هجومه، متأنياً عند اتخاذه لقراراته»، هكذا وصف (تزو) المقاتل الباسل في
كتابه، تأملت صورة الرئيس السيسي أمامي على الكمبيوتر وأعدت الإستماع إلى كلماته
التي قالها للعالم من مطروح ومعه قادة الجيش المصري وزعماء القبائل الليبية
الشقيقة: «يخطئ من يعتقد أن حلمنا ضعف ويخطئ من يعتقد أو يظن أن الصبر تردد.. لا
والله صبرنا لاستجلاء الموقف وإيضاح الحقائق وليس ضعفا أو ترددًا».
واهتمت
وسائل إعلام محلية وعالمية برسائل الرئيس المصري من مطروح، حيث قالت «الشرق
الأوسط» اللندنية: «السيسي يرسم «خطوطاً حمراً» لتركيا في ليبيا»، مشيرة في
عنوانها إلى التأييد السعودي للموقف المصري، فيما تساءلت «بي بي سي»: «بعد خطاب
السيسي، هل تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؟»، وهو نفس التساؤل الذي طرحته صحيفة
«عكاظ» السعودية، فيما أبرزت «الخليج» الإماراتية العوامل الخمسة التي تناولها
خطاب السيسي والتي تدفع مصر للتدخل في ليبيا، مشيرة في عنوانها: «الإمارات: نقف
إلى جانب مصر في حماية أمنها».
وربما
عززت شكوك الحرب كلمات الرئيس التي وجهها إلى قادة المنطقة العسكرية الغربية
قائلاً: «الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمي ولا يهدد..
يؤمن ولا يعتدي.. تلك هي عقيدتنا وثوابتنا التي لا تتغير.. كونوا مستعدين لتنفيذ
أي مهمة داخل حدودنا وإذا تطلب الأمر خارج حدودنا».
إن
خروج القوات المسلحة المصرية في 2020 من أراضيها للدفاع عن أمن الوطن، قرار لا
يعرف أهميته ونتائجه إلا قائد الدولة وفريقه الرئاسي والعسكري، وحكام مصر منذ ثورة
يوليو 1952 لم يتخذوا قرار الحرب بحثاً عن مجد أو جرياً وراء شهوة، فكلهم (لسابق
خبرته العسكرية) كان مدركاً لقسوة القرار وكلفته، وظني أن كلها كانت قرارات ضرورية
ومصيرية لا مفر منها دون الدخول في تفاصيل (ومزايدات) حول كل قرار وخلفياته
وتبعاته ونتائجه حتى اليوم، بما في ذلك قرار الرئيس جمال عبد الناصر بالحرب
اليمن.. التي وصفت بـ «العقدة العسكرية»، والتي دائماً ما تستدعي عند خروج الجيش المصري
في أي مهمة قتالية عابرة للحدود.
لقد
أحالني الرئيس بخطابه الأخير إلى كتاب «فن الحرب» بعد سنوات كثيرة كنت قد نسيته
مخفياً بين كتبي، وقبل أن أتركه لأتم المقال، توقفت أمام هذه السطور: «إن إحراز
مائة إنتصار في مائة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل
ما يكون»، لهذا أدعو الله أن تكون ليبيا هي مقبرة المشروع التركي الإستعماري، الذي لا يقل في خطورته (وقسوته) عن المشروع الصهيوني، إن لم يكن مكملاً له.
وأخيراً،
وجب علينا اليوم أن نساند وطننا وندعم جيشنا، والأ نضيع الوقت في جدال أو خلاف
يضعف وحدة الصف ويشتت الإنتباه، يجب أن نتحد في معركتنا ونتكاتف، ونمنع كل أشكال
الدعاية السلبية والأفكار الهدامة، هذا دورنا جميعاً.. الشعب قبل الحكومة، والفرد
قبل القيادة.
إستقيموا..
يرحمكم الله.. و استووا واعتدلوا.. وسدوا الفرج.
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 24 يونيو 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق