ثلاث قضايا رئيسية شغلت الرأي العام المصري هذا الأسبوع، وهي عنوان المقال، وثلاثتها بعيدة كل البعد عن قضايا محورية ثلاث أخرى أصعب كانت تهيمن على العقل المصري في الفترة الأخيرة، وهي وباء كورونا، وأزمة سد النهضة، والتوتر العسكري في ليبيا.
ويبدو أنه من حسن الطالع تراجع الإهتمام بالثلاث الأصعب، لأنهم مشاكل مزمنة وباقية معنا لفترة طويلة من الزمن، كما أن الدولة المصرية في أي من الملفات الثلاثة لا تملك عصا الحلول السحرية التي تحسم هذه القضايا، فأولاها أزمة صحية عالمية وجائحة تختطف كل يوم آلاف القتلى والمصابين حول العالم، والجميع في إنتظار المصل والعلاج، والثانية قضية مطروحة على مجلس الأمن وينتظرها مفاوضات تستمر لأسبوعين، وفي الأغلب لن تثمر عن حلول حاسمة بسبب تعنت الطرف الأثيوبي المشاغب والمتلاعب، أما ثالثها فهي قضية أقليمية خطيرة تهدد أمن المنطقة، وتحتاج حنكة وصبر وإدارة بلا توتر، لأنها معركة متشابكة ومعقدة، وصراع لن ينتهي بين الدولة الوطنية ممثلة في مصر والدولة الدينية ممثلة في تركيا، وهذه المرة المعركة مرشحة للحدوث على أرض ليبيا.
وربما لهذا فإن انشغال الرأي العام بالموضوعات الثلاثة الداخلية (التحرش والتنمر والتيك توك) يأتي في صالح الثلاثة الآخرى، فالصبر مفتاح الأمل لحل القضايا الأصعب، والصبر يستلزم بعض الوقت بعيداً عن ضغوط الرأي العام، لهذا كان حتمياً أن يوجه نظر المجتمع إلى قضايا آخرى، ربما تكون واحدة أو أكثر قد حان حسمها واتخاذ حلول جذرية لها.
ونبدأ بالتحرش الذي تفرد له صحيفتنا مساحة رئيسية في هذا العدد، ولا يفوتني تهنئة رئيس التحرير على الحفاوة الإعلامية الكبيرة بغلاف العدد، والذي أراه واحداً من أنجح أغلفة الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية هذا العام، والذي يتصدره الهاشتاج الرائع #طمنوا_بناتكم .. والذي احتوى روشتة الأزهر لمكافحة التحرش ودعم بنات مصر ونسائها ضد هذه الجريمة النكراء والظاهرة الفاحشة، وهي رسالة كانت شديدة التأثير والعمق وصلت إلى ملايين النساء في مصر ودول العالم كافة، رصدت ذلك واضحاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعلى وسائل الإعلام التقليدية، سعادة كبيرة بموقف الأزهر في قضية التحرش، ورأيت الغلاف ينتشر بسرعة كأنه لبى عطشاً مجتمعياً لموقف ديني راشد يدعم بناتنا ضد السعار المجتمعي الصارخ والذي تسبب في ضياع صوت إستغاثة اي بنت تتعرض للتحرش، وكانت القضية المثارة والمحالة للتحقيق القضائي هي المفجرة لتلك المشاعر، خاصة وأن أبطالها من طبقات اجتماعية ينظر لها بانها منفتحة تقل فيها هذه الجرائم، وهي نظرة خاطئة، خصوصاً إذا انتبهنا لأرقام التحرش في مجتمعات أكثر تحضراً من المجتمع المصري، مثل أمريكا والتي ترتفع فيها معدلات جرائم التحرش والاغتصاب بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة.
أما قضية التنمر، والتي باتت جريمة جاهزة تستدعى في أي لحظة لمحاربة أي شخص، وأصبحت وسيلة ابتزاز رخيصة يستخدمها المأجورون من لجان إلكترونية تنتمي لتنظيمات تخريبية تستهدف إثارة الرأي العام المصري وتضليله، ويتم التعامل الفاسد مع المصطلح، وتفريغه من مصداقيته وتحويله إلى تهمة من لا تهمة له (واقعة الفنانة إسعاد يونس مثالاً)، أو إفتعال التنمر في حق شخصية عامة وإشعال القضية عبر نفس اللجان الإلكترونية الماجورة (واقعة الفنان شريف وبناته مثالاً مضاداً)، وفي كل إتجاه تحاصرنا فوضى التعامل مع التنمر وتخلق حالة احتقان داخل المجتمع.
أما آخر قضايا الساعة فهو إساءة استخدام التطبيق الصيني «Tik Tok»، الذي انتشر وذاع صيته في مصر تزامناً مع إنتشار فيروس «كوفيد 19» الصيني أيضاً، ونظراً لارتفاع (سقف) الحرية على التطبيق وتساهله التام فيما يتعلق بالمشاهد الإباحية، فقد انحرف مستخدموه إلى الحد الذي أوصل بعضهم إلى ساحات القضاء ومعظمهم من الفتيات المراهقات، ممن صورن فيديوهات منافية للآداب وفق قرار إحالتهن للمحاكمة.
تؤكد «الميديا» وبخاصة الجديدة منها، كل يوم أنها بطلة هذا الزمان، وأنها السلاح الأخطر في إدارة كل مسارات حياتنا، وهي المشترك الرئيسي بين قضايانا الثلاث محل هذا المقال، ودورها واضح في تصدر هذه القضايا أجندة الرأي العام، وأتمنى أن يستثمر المجتمع هذا السلاح «الميديا»، في طرح حلول هذه المشكلات الثلاث العاجلة قبل أن تضطر الدولة للتدخل بتشريعات قانونية للحد من تفاقم أي منها، كما أؤكد على ضرورة إرتباط الحلول بالدين والأخلاق لأنهما العاصمان من ارتكاب مثل هذه الأخطاء والجرائم.
* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 8 يوليو 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق