قادتني الصدفة إلى
اكتشاف هذا الاختراع الذي أظن أنه مصري النشأة، رغم أن المنتج كالعادة «صنع في
الصين»، وقد وجدته في أحد محلات اكسسوارات السيارات، حيث قدمه لي البائع بفخر
قائلاً: «السكاتة دي هدية من المحل لحضرتك»، و«سكاتة» إنذار حزام الأمان (التي
يتراوح سعرها بين 30 إلى 50 جنيهاً) هي عبارة عن قطعة معدنية تشبه الموجودة في طرف
حزام الأمان، ويتم تركيبها في مكان غلق الحزام، مما يمنع انطلاق التنبيه الصوتي
الذي يذكر بضرورة ارتداء حزام الأمان، وهو التنبيه الذي يستمر لبعض الوقت بشكل
حاد، يجبر سائق السيارة (في أغلب الأحيان) على ارتداء الحزام، الذي يعد من أهم
عناصر التأمين التي تقوم مصانع السيارات بتزويدها بها، ويلزمنا القانون باستخدامه
لأهميته ودوره في حفظ الأرواح.
ويحذر الخبراء من خطورة
استخدام هذه «السكاتة»، نظرا لارتباط عمل الوسائد الهوائية (التي تخرج أمام السائق
لتحميه عند وقوع تصادم) بالالتزام بربط حزام الأمان، لهذا منعت مصانع السيارات
الوسائد الهوائية من الانطلاق طالما أن قائد السيارة لا يرتدي حزام الأمان، وذلك
لما وجدوه من ضرر كبير يتعرض له قائد السيارة عند ارتطامه بالوسادة الهوائية دون
ارتدائه حزام الأمان.
ورغم ذلك تمثل «السكاتة»
الحل السحري لبعض قائدي السيارات للتخلص من صداع هذا التنبيه (المزعج) داخل
السيارة، فيلجئون إليها لإيقاف التنبيه دون أن يضطروا لارتداء الحزام، ولهذا حققت
انتشاراً كبيراً في مصر وعدة دول عربية (على يد المصريين)، حيث أن «عدم ارتداء
حزام الأمان» هو عادة مصرية خالصة، تأصلت مع دخول أول سيارة إلى مصر عام 1890 في
عهد الخديوي توفيق ومستمرة حتى اليوم، وربما يتذكر مواليد القرن الماضي «قصة
الحزام في التسعينات»، عندما تم استحداث مادة في قانون المرور تمنع سير المركبات
دون أن يرتدي سائقيها حزام الأمان مع توقيع غرامة مالية فورية على السائق، وكانت
مفاجأة أن نسبة كبيرة من السيارات في مصر (وقتها) تخلص سائقيها من أحزمتها بعد أن
ترسخ في وجدانهم أنها قطعة زائدة لا حاجة لها، وتسبب هذا القانون في فتح باب لرواج
تجارة الأحزمة، فأرتفع سعرها بشكل جنوني، مما أضطر فقراء السائقين لخداع عساكر
المرور بوضع (شريطة سوداء) على أكتافهم.
وقد أخترع العالم
السويدي نيلز ايفار بولين حزام الأمان الثلاثي النقاط عام 1958، والذي يستخدم حالياً
في جميع أنواع السيارات، واختير اختراعه واحداً من أهم تسعة مخترعات في حياة
البشرية في القرن العشرين، بعد أن أسهم في تقليل نسبة الإصابات والوفيات الناجمة
من حوادث الطرق، والتي يروح ضحيتها سنويا أكثر من 1.35 مليون شخص، بينما يتراوح
عدد المصابين سنويا من 20 مليون إلى 50 مليون مصاب، وفقا لمنظمة الصحة العالمية،
كما تلتهم تكاليف الحوادث ما يقرب من 3 % من إجمالي الإنتاج المحلى العالمي سنوياً
(وهي أرقام تنافس ضحايا كورونا).
أما المخترع المجهول لـ
«سكاتة حزام الأمان»، فيستحق أن يحصل اختراعه على لقب الأسوأ هذا العقد، وأظن أنه
ألتقط فكرة اختراعه من «سكاتة» الأطفال أو «المصاصة المطاطية» التي تسمى
«التيتينا» أو «اللهاية»، وهي حيلة تعرفها الأمهات جيداً، حيث تستخدم «اللهاية»
بوضعها في أفواه الأطفال لوقف بكائهم وإلهائهم بعض الوقت عن طلب الطعام، فهي
البديل الشكلي والفعلي لصدر الأم (الطبيعي) أو «الببرونة» التي تنقل الغذاء
(الصناعي) للأطفال، وهي أيضاً رغم ميزتها الظاهرة، تشكل خطورة كبيرة على الأطفال،
حيث تصيب أكثر من 70% من الأطفال بالنزلة المعوية، وآلام البطن، والانتفاخ، والقيء
وتسوس الأسنان والتهاب الأذن الوسطى.
والخلاصة في مسألة
«السكاتة» أو «اللهاية».. إن استخدام بدائل (لاهية) أو (خادعة) لإسكات صخب أي
إزعاج (طبيعي أو صناعي).. خطر قد ينتج عنه كوارث.. أتفق على ذلك خبير السيارات مع
طبيب الأطفال.. ولن يختلف معهم أي (أمين) أو (عاقل).
نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 30 سبتمبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق