يميل الجوُّ في يناير إلى حالة الـ«Cloudy»، أي «غائم» بلغة العرب، وتعني في معاجم اللغة: غير واضح، غير مُحدَّد،
مُبهم. وتلقي هذه الحالة «الغائمة» بملامحها على أيامنا وأفكارنا ومشاعرنا
وأخبارنا.
فيخرج علينا مثلًا، مَن يدعي أن الأزهر يُصدِر قائمةً
بالدول الإسلامية، وأنه تجبَّرَ وحذف تونس من هذه القائمة، بسبب خلافٍ سابق حول
قضية «ميراث المرأة» الشهيرة التي فَجَّرَها الرئيس التونس الباجي قائد السبسي قبل
شهور في العيد السنوي للمرأة في تونس. ويُصدِّق كثيرون الخبر الكاذب، ويتداولونه
بسذاجة يُحسدون عليها، ويتصدر الخبر الـ«ترند». وللأسف، فإن هذا العالم الافتراضي
المزيف (مواقع التواصل الاجتماعي)، أصبحت بيتَ القصيد ومصدرًا مؤثرًا للمعرفة لدى
قطاع عريض من شعوب العالم، رغم ما يعانيه من ضحالةٍ وازدحامٍ بكلِّ ما هو فارغ وتافِهٍ
وكاذب.
وكانت القصة قد بدأت بعدما قامت صحيفة إلكترونية تونسية
مجهولة ببثِّ خبر بعنوان «الأزهر يحذف تونس من لائحة الدول الإسلامية»، وجاء في
سياق الخبر أن «الأزهر دعا إلى ضرورة تنظيم حملاتِ توعيةٍ لوقف الفتاوى الشاذة التي
تطلقها تونس». المفاجأة أن الخبر لم يذكر قطّ أن الأزهر يسعى إلى حذف تونس من الدول
الإسلامية، ورغم ذلك انتشر الخبر بسرعة، وتنوَّعَت التعليقات عليه بين الاستنكار والتأييد
والتشكيك، لكن الخبر رغم سذاجته فتح نقاشًا صاخبًا حول هُوِيَّة الدولة التونسية
بين المدنية والدينية، وزادت من سخونةِ هذا النقاش الحالةُ الثوريةُ التي يفرِضُها
يناير من كل عام، والحالة الغائمة التي تمرُّ بها تونس سياسيًّا.
وقد أجَّجَ هذا الخبرَ الكاذب الذي غمرته المشاعر «الينايرية»
الغائمة، الحملةُ ضد الأزهر، التي بدأت من تونس ثم تمدَّدَت إلى دول عربية أخرى، وتبارى
رواد السوشيال ميديا في «الهاشتاجات» التي ذيلوا بها أرائهم
في الهجوم على الأزهر، وكان أبرزها #تونس_تجلط_الأزهر (فشلت في معرفة معنى كلمة «تجلط»
في العامية التونسية.. و أتمنى ألا تكون لفظة خارجة)، وقد دخل أيضا على خط الأزمة
ليشعلها إعلامي مصري (يساري)، المدهش أنه أدلى برأيه وتجلى في هذا الموضوع الشائك
والخطير، دون أن يكلف نفسه عناء البحث بالتواصل مع أي جهة أو شخص بالأزهر الشريف ليتحرى
عن صحة الخبر من عدمه.
وأحسنت مؤسسة الأزهر الشريف صنعا، بإسراعها بالنفي عبر
مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، حيث أصدرت تغريدة على الحساب الرسمي للأزهر على «توتير»،
جاء فيها: «تابع #المركز_الإعلامي_للأزهر الشريف بغرابة ما أثير مؤخرًا من شائعات عبر
مواقع التواصل الاجتماعي بأنَّ #الأزهر قرّر حذف اسم #تونس من قائمة الدول الإسلامية..
ويوضح المركز أنه لا وجود من الأساس لمثل هذه القائمة وأن #الأزهر_الشريف لم يصدر أي
تعليقات أو تصريحات بشأن دولة #تونس الشقيقة، مشددًا على ضرورة تحري الدقة فيما ينشر
عن الأزهر الشريف».
ولأن الجو الغائم مُعدِ في تأثيره، فقد تكاثرت سحباً
كثيفة منه حجبت أشعة الشمس عن مصر، فأدخلتها في حالة ليلية طويلة، نتمنى أن يفلح
معرض الكتاب (أهم أحداث شتاء هذا العام) بنشاطه التنويري في أن يخرجنا منها، وتضئ
شمس المعرفة المشرقة ظلام ليلنا، فخورين برجع الصدى القوي الذي أحدثه المشاركة
التاريخية للأزهر الشريف في فعاليات المعرض هذا العام.
حفظ الله مصر وشعبها والأزهر ورجاله، من كل الغيمات.
* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 31 يناير 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق