يُحزِنُني أن يخرج علينا «أحدهم»
ممن حرمهم الله نعمة العقل، ويتصيَّد للأزهر ويهاجم شيخه، وكأنه يريد أن يفسد فرحة
النجاح المدوِّي الذي حققَتْه المؤسسة العريقة بتنظيمها المؤتمرَ العالميَّ لنصرة
القدس، نهاية الأسبوع الماضي، وهو المؤتمر الذي شارك فيه عدد كبير من العلماء ورجال
الدين والمفكرين والكُتَّاب من 86 دولةً، تقدمهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسجَّل
فيه الإمام الأكبر بكلمته أروعَ وأشجعَ موقفٍ في مواجهة البطش والصلف الأميركي
الإسرائيلي، وترجمته كلمة قوية ألهَبَتْ حماس ومشاعر الأمة العربية، وأعادت إحياء
القضية الفلسطينية وقيمة القدس في نفوس المسلمين حول العالم.
اصطاد «صاحبنا» من حوار الإمام
الأكبر خلال المؤتمر، الذي أجراه مع شبكة «سي إن إن» الأميركية، كلماتٍ مقتطَعَةً
من سياق الحديث، وخرج في برنامجه الترفيهي بحديث هزليٍّ مثير للضحك والشفقة، حيث
تساءل الإعلاميُّ اليوميُّ المفوَّه، بأسى وحزن كاد يصل إلى البكاء: «ليه تقول لهم
كده؟!»، معاتبًا الدكتور الطيب على قوله إن الظروف لا تسمح بالمواجهة لنصرة القدس،
موجهًا حديثه لشيخ الأزهر: «ليه تقول لهم كده..؟! لأنهم سابوا كل حاجة ومسكوا في دي!
إحنا مش ضعفاء يا مولانا، وتعالَ أفكَّرَك بآخر مواجهة بينا وبينهم كانت عاملة إزاى».
وكان فضيلة الإمام الأكبر قد قال في
مقابلته التلفزيونية المهمة: «مهمتنا في هذا المؤتمر ومكسبنا ليس هو المواجهة،
فنحن نعلم أن الظروف لا تسمح بالمواجهة؛ فالواقع غير مناسب، ومهمَّتُنا أن تظلَّ
الإرادة العربية والإسلامية متيقظةً ومستعدةً أن تدافع عن قضيَّتِها باستمرار». وهذا
حديثُ حقٍّ يعلمه العالمُ أجمع، ولا يخفى على أحد بمن فيهم الإعلاميّ نفسه، وإذا كان
الضباب قد حجب عنه الرؤية، أو أن هناك مَن يدفعه ليُرَدِّد هذا الهُراء، ليحمِّل
شيخ الأزهر مسئوليةً ما لا علاقةَ له بها، فإنني أطالبه بأن يراعي الله فيما
يقوله، لأن الظروف التي تمرُّ بها الأمة لا تحتمل مثل هذه المزايداتِ الفارغة.
وأتمنَّى منه ومن كل المهتمين أن يستمعوا
جيدًا إلى الدكتور أحمد الطيب في حِوارِه التليفزيونيِّ مع أشهر قناة
أميركية، ليشعروا بالعزَّة والفخر، لأن أهمَّ
رمز وقامة إسلامية في العالم قال هذه الكلمات المهمة والمؤثرة للشعب الأميركيِّ، فقد
حذَّرَ شيخ الأزهر في مقابلته مع «CNN»، من خطورة تأثير قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، بشأن الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقال
الطيب إن «مثلَ هذه القرارات هي التي تغذي الإرهاب»، مشيرًا إلى وجود أسباب أخرى تشجِّع
الإرهاب الذي يرفضه الجميع.
وعن رَفضِه لاستقبال نائب الرئيس الأمريكي
مايك بنس خلال زيارته إلى مصر ضمن جولة بالمنطقة، قال الطيب: «لا يوجد أيُّ دين من
الأديان يمكن أن يقبل بقرار كهذا»، مضيفًا: «سأكون متناقضًا أمام الناس إذا استقبلتُ
أحد أكبر معدِّي هذا القرار من الإدارة الأمريكية، الذي أرى أنه تزييف للتاريخ»،
وأضاف: «لو كان نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، مؤمنًا حقيقيًّا لرفض قرار الرئيس
الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس»، مؤكدًا: «يبدو أن القرار الأميركي بالونةُ اختبارٍ،
ونحن مسئولون عن استمرار الشعور اليقِظ بمقدساتِنا سواء إسلامية أو مسيحية».
وأُنهِي مقالي بدرَرِ الحديث، من
الكلمة التاريخية التي قالها إمامُنا الأكبر في مؤتمر نصرة القدس، حيث قال فضيلته:
«وختامُ كلمتي نداءٌ للأمَّة أن تتنبَّه نُخَبُها إلى أنها أُمَّة مستهدفة - وبمكر
شديد - في دينها وهويتها ومناهجها التعليمية والتربوية، ووحدة شعوبها وعيشها المشترك،
وعلى الأُمَّة أن تعتمد على سواعدها، وأن تستعيد ثقتها في الله وفي أنفسها وفي قُدراتها،
وألَّا تركنَ إلى وعود الظَّلَمَة القابعين وراء البِحَار مِمَّن قلبوا لنا ظهر المِجَنّ،
وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء».
ولا يفوتني أن أذكِّرَكم باقتراح
شيخ الأزهر بأن يُخصَّص عام 2018 ليكون عامًا للقُدس الشريف؛ تعريفًا به، ودعمًا ماديًّا
ومعنويًّا للمقدسيين، ونشاطًا ثقافيًّا وإعلاميًّا متواصلًا، وهو الاقتراح الذي
أتمنى أن يخرج في تفعيله عن إطاره الرسمي والمؤسسي، ويصبح فعلاً شعبيا، وممارسة
يومية في حياة كل المسلمين.
* نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 24 يناير 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق