الإجابة المباشرة عن السؤال (العنوان) كانَتْ في جناح
الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته التاسعة والأربعين، الذي شَهِد
نشاطًا مسرحيًّا بارزًا تمَثَّل في مسرحية «شهيد الوطن»، التي أعَدَّها وأخرجها ومثَّلَها
طلَّاب جامعة الأزهر، ودارت فكرتها حول نَبْذ الإرهاب والتطرُّف، والتأكيدِ على روح
التآخي والتوحُّد بين المسلمين والمسيحيين، وأن الإرهاب لا دينَ له، وأن ضحايا العمليات
الإرهابية هم شهداء للوطن كلِّه، بمسلميه ومسيحييه، كما تطرَّق العرض المسرحي إلى الأفكار
والمفاهيم المغلوطة التي تسعى الجماعات المتطرفة لترويجها، وقام بتفنيدها والردِّ عليها
عبر حوار هادئ وعقلاني.
في حين نَظَّم قطاع المعاهد الأزهرية عرضًا مسرحيًّا باللغتَيْنِ
اليابانية والإنجليزية، عنوانه «الأزهر يتحدث عن نفسه»، وقدَّمَ العرضَ مجموعة من طلاب
الابتدائي التابعين لمنطقة كفر الشيخ، وشهِد العرض العديد من الفقرات تضمَّنَتْ واقعَ
طلابِ الأزهر وما يدرسونه ويتعلمونه من قِيَم ومبادئ وأخلاق. أما آخرُ عناقيد الفنِّ
بالمعرض، فكانت من إعداد مجلة «نور» للأطفال، الصادرة عن المنظمة العالمية لخريجي الأزهر،
حيث قُدمت مسرحية «صديقتي الشجرة»، وقام بأداء المسرحية طلابُ أحدِ المعاهد الأزهرية
بالمرحلة الابتدائية، وتناوَلَتْ المسرحية أهميةَ حماية الأشجار، لأنها نعمة كبيرة
من الله يجب على الإنسان المحافَظَة عليها من القَطْع الجائر، بل وتزويد البيئة بها،
لا سيما أنها تعمل على تنقية الجوِّ.
هل هذا يكفي لتأكيد عُمْقِ العلاقة
بين الأزهر والفن؟
في ظني أنه لا يكفي، لكنه بداية يُكمل عليها، فجامعة
الأزهر في حاجة إلى تدشين مهرجان سنوي للمسرح تتنافس فيها كلياتها المختلفة، أما في
فنون الغناء والعزف والرسم، يجب تكثيف المسابقات وتعظيم الجوائز، وتبنِّي الفائزين
ودعمهم لتطوير مواهبهم، لا أدري بالطبع ما الموجود من هذه الأنشطة وما الغائب،
لكنها أنشطة تُطَبِّقُها كل رعايات الشباب بالجامعات المصرية، وفي إطار جهدهما
المتواصل (الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، ونائبه الدكتور يوسف عامر)،
فإنني أظنهما سيدعمان هذه الأنشطة الطلابية لتحقِّقَ مزيدًا من الازدهار بما يعود
بالفائدة على الطلاب ويرفع من كفاءتهم الثقافية ويرسم بُعدًا جديدًا لشخصياتهم
بعيدًا عن الصورة النمطية لخريج جامعة الأزهر، وقد ظهرت بواكير هذا الاهتمام في
عرض «شهيد الوطن» بالمعرض الذي أشرتُ إليه في بداية مقالي.
ولأن الطمع في الخير.. مباح، فإنني أتمنَّى أن تتوسع
جامعة الأزهر في دراسة الفنون عمومًا، وسأبلغ في المنى مداه وأتجرَّأُ بمطالبة
الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتوجيه مَن يلزم لدراسة مدى إمكانية إنشاء كليات للفنون
الجميلة والتطبيقية ومعاهد للمسرح والسينما والتمثيل، ليستفيد الوطن بأبناء الأزهر
في هذه المجالات، لينشروا من خلالها ثقافَتَهم الدينية الوسطية التي تعلموها، ويسهموا
مستقبلاً في الحركة الفنية المصرية باعتبارهم جزء أصيل منها.
لقد استوقفني سؤال لطالبة مصرية مغتربة في السعودية
ستحصل هذا العام على الثانوية العامة، وتتساءل في أحد جروبات «الفيس بوك» عن كلية
فنون جميلة بجامعة الأزهر، فأجابها أحد الظرفاء قائلاً: «الفنون والأزهر.. دونت
ميكس»، بينما رَدَّت إحدى السيدات الفاضلات وأبلغتها بأنه يوجد في جامعة الأزهر
قسم للتربية الفنية بكلية التربية، ولكنه للبنين فقط. حزنت الفتاة وعَبَّرَت عن
ذلك بوجه حزين وعقبت قائلة: «أُحِبُّ الرسم جدًّا منذ طفولتي وكنتُ أتمنى دراسته
في الأزهر تحديداً لأصبح فنانة تشكيلية مسلمة»، ورغم سذاجة الرأي، وكأنَّ كلياتِ الفنون
الأخرى تُخرِّج فنانين غير مسلمين، فإنه يستحق التأمل.
لم يتخيَّلْ أجدادنا قبل مائة عام أن الطب والهندسة
والصيدلة سيتم تدريسُها في الأزهر، وأن يجاور الجامعَ العريقَ، جامعةٌ معتَبَرة
تشاركها الاسم وتحمل على عاتقها الرسالة العظيمة ذاتها، وتُدرَّس فيها العلوم
التطبيقية والإنسانية بجوار العلوم الفقهية، لهذا قد لا يتخيل آباء العصر الحالي
أن أبناءهم أو أحفادهم ربما يدرسون في معهد الموسيقى بجامعة الأزهر، وأن بناتِهم
ربما يتعَلِّمْنَ فنَّ الديكور أو التصوير في كلية فنون تطبيقية أزهرية.
وأقول لمن لا يصدِّق إمكانيةَ حدوث ذلك، تأمَّلْ فقط
عمارة الجامع الأزهر، المشحونة بأجمل تفاصيل الفنون البصرية، ستُدرِك على الفور أن
«الأزهر والفن» لصيقان منذ أن وُجِد المسجد العريق وشيَّدَه جوهر الصقلي عام 970..
الفن جزء أصيل من تكوين الأزهر وفلسفة حضوره، به يتجدد ومعه يتحصن منهجه الوسطي
الأصيل.
* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 7 فبراير 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق