الخميس، 15 فبراير 2018

الجمهورية الجديدة في مصر

1- كيف نبني معارضة وطنية؟



اضطُرَّت مصر مع نهاية عام 2013، أن تهدم هرمها السياسي كليًّا، بعد أن كان قد تصدَّع جزئيًّا جراء زلزال يناير 2011، ثم سقط وانهار عندما وصل إلى قمته رئيس خائن (محمد مرسي)، لا يزال يُحاكم أمام القضاء في عدة قضايا، منها تهمة التخابر، وعندما تقدم الرئيس السيسي ليقود مسيرة البناء والتنمية، وجدها فرصةً مثاليةً لإعادة بناء المنظومة السياسية المصرية من جديد.
ومنذ العام الأول لمدته الرئاسية الأولى، بدأت مؤسسة الرئاسة في تنفيذ خطتها المتكاملة لتصعيد الشباب، باعتبارهم «العمود الفقري» لأي نظام سياسي، وذلك من خلال برامج تدريب وتأهيل للقيادات الشبابية ثم أنشأَتْ «أكاديمية الشباب» منتصف العام الماضي لتكونَ مؤسسةَ تدريبٍ سياسي، يمكن أن يصبح خريجوها نواةَ مشروع «السيسي» السياسي، الذي بدأَتْ تتشكَّلُ ملامحه مع مطلع المدة الرئاسية الثانية، ولم يخفِ الرئيس تأثُّرَه (مع الشباب) بالتجربة الفرنسية التي أطلقها شارل ديجول عقب الحرب العالمية الثانية، وهو يعيد بناء بلاده المنهارة بعد الحرب، في كل المجالات، ويؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة.
واستلهامًا للحالة الفرنسية، فإن مصر أيضا تحيا عصرًا جديدًا وجمهوريةً ثالثة، وُلِدَت في 3 يوليو 2013، وجري تشييدها على قدم وساق في السنوات الأربع الماضية، دفعها للوجود منطق «الضرورة»، الذي فتح قصر الاتحادية أمام المشير عبد الفتاح السيسي، فأخذ على عاتقه عبء ومشقة البناء لتأسيس أركان النظام الجديد.. الجمهورية الثالثة، بعد جمهوريتي «يوليو 52»، و«أكتوبر 73».
وبدأ الرئيس على الدوام مهمومًا بـ«الدولة»، منذ أن أطلق رصاصة الرحمة على الجهورية السابقة، بتعبيره الشهير «شبه الدولة»، وشروعه منذ بدَأَتْ ولايتُهُ الأولى، 2014، في تأسيس عاصمة إدارية جديدة كجزءٍ من خُطَّة عمرانية كبيرة توَّجتها شبكة طرق عملاقة وعصرية، وقفزت حركة التشييد بشِقَّيْها المادي والمعنوي تتعجل بناء الدولة بأقل خسائر وأكمل وجه ممكن.
وسأكتفي في سلسلة مقالات «الجمهورية الجديدة في مصر»، بملفّات أظنها عاجلة وتستدعي تدخلًا رئاسيًّا سريعًا، ولعل أبرز ما فرض نفسه كعنوان أول لهذه السلسلة هو ملف المعارضة السياسية، وحتمية «بنائها» والتأكُّد من قدرتها قبل أن تنتهيَ الولايةُ الثانيةُ للرئيس في عام 2022، وسطوري الآتية مجردُ محاولةٍ أو«عصف ذهني» حول الكيفية التي يمكن أن تعجل بوجود هذه المعارضة الوطنية.
وأولى خطوات البناء الجاد، هي حَلُّ كل الأحزاب السياسية القائمة (فلا يُعقَل أن يوجد في مصر حزب للجماعة الإسلامية باسم البناء والتنمية)، وإقرار قانون جديد وعصري للحياة السياسية، تتصدر بنودَه شروط حاكمة لعملية تأسيس الأحزاب وشروط أكثر تنظيمًا لممارسة العمل السياسي، ويجب أن يمنح القانونُ فرصةً لتوفيق الأوضاع للأحزاب القائمةِ وتشجيعِها على الاندماج لتكوين قوى معارضةٍ حقيقية، كما يجب أن توفر الدولة في القانون الجديد سُبُلَ تمويلٍ أوليةً للأحزابِ التي تنطبقُ عليها الشروط، كما أقترحُ أن توفِّر الدولة من خلال وزارتَيْ الشباب والتنمية المحلية للأحزاب الجديدة خططَ تدريبٍ لكوادرِها السياسية، في المقابلِ يجب أن تتحول الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب المقبل إلى حزب سياسي حاكِم (لا يرأسه رئيس الجمهورية، وأتمنى أن يكون رئيسُه أيًّا من المهندسَيْنِ إبراهيم محلب أو شريف إسماعيل).
لقد افتقَدَتْ مصر خلال تاريخها الحديث أيَّ معارضةٍ وطنية منظَّمة وفاعلة، إلا في أحوال نادرة يصعب تذكُّرُها وسط زحام من المواقف المخزية للمعارضة المصرية عبر تجاربها المحدودة، سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها، فلقد تفجَّرَتْ كل الحركات والأحزاب المعارضة من رحم فكرة «كيد النسا» التي يحكمها آلية عمل وحيدة هي «فَرْش الملاية»، فبقيت هذه المعارضة محصورة دائمًا في ركن «رد الفعل»، فلم تصنع أي مبادرة صادقة مستندة على زخم شعبي حقيقي وتحرُّك سياسي ناضج، بعيدًا عن أي شبهات للتمويل والدعم الخارجي، أو الانتماء لأجندة أو أفكار ذات مرجعية غربية.
ولعل الفرصة مواتية الآن لبناء معارَضة جديدة، تناسب عصرًا جديدًا، وجمهوريةً وليدةً تتأهَّبُ لتأخذ وضعها بين الجمهوريات العريقة في العالم، ولن يقبل بوجودها في الصفوف الأولى وهي تمارس ديمقراطيةً عرجاءَ، منقوصةً أو معيبةً، ومهما كان حبُّنا وتأييدنا للرئيس السيسي فلن نُغمِضَ أعينَنا ونخفضَ صوتَنا عما شابَ تجربتَه السياسيةَ في السنواتِ الأربعِ الأولى من غيابٍ واضحٍ للرأيِ الآخرِ النابعِ من مشاعر وطنية صادقة وحب كبير للوطن، وهو ما سمح لرأي آخر بلباسِ معارضة، يخرج علينا من الماضي رغم سقوطه من نظر الشعب واهتمامِه.
إن المعارضة الوطنية هي أمل مصر وشعبها في المدة الرئاسية الثانية للرئيس السيسي، كي تكتمل دائرة الحياة السياسية الطبيعية وتستوعب كل فئات الشعب وأطيافه، داخل إطارها الوطني تحت شعار الجهورية الجديدة.. #تحيا_مصر بشعبها وجيشها.

*نشر في جريدة «الدستور» بتاريخ 8 فبراير 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...