الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

اطفي النور يا سعد


كنتُ صغيرًا عندما التقطَتْ أذناي هذا الهتاف الشهير: «اطفي النور يا سعد...»، حاولتُ بعدها، ولسنوات ٍتاليةٍ، التعرُّفَ على سعد، وفَهْم سر مناداته بإلحاح لكي «يطفي النور»، وماذا يحدث عندما يسود الظلام المرجوُّ؟. وكبرتُ وفهمتُ أن «سعد» هو كلُّ مَن يضع نفسَهُ وسيطًا في صفقة مشبوهة، يتواطَأُ فيها على قناعاته، ويتمكَّن من «إغلاق كُبْس النور» لينتَشِرَ الظلامُ ويسودَ الحرام.

لم ينتقِص الهتاف الشهير من قيمة أيِّ شخص يحمل اسم «سعد» عندي؛ فبقي للزعيم الخالد «سعد» زغلول قدرُهُ وقيمَتُهُ، أما الأستاذ «سعد» الدين وهبة فهو مثلي الأعلى في تنوُّع الموهبة وتعدُّد العطاء في مجالات الإبداع مع قدرة فريدة على إدارة المؤسسات الثقافية، والكاتبِ الصحافيِّ الراحل «سعد» هجرس قيمة وقامة مهنية كبيرة، وكان له مكانةً خاصةً في قلبي، ورغم كل ما أُثِير أخيرًا، ما زلتُ من المعجَبين باجتهاد الدكتور «سعد» الدين الهلالي، ومحاولاتِهِ الإبحارَ عكسَ التيار، وصمودِهِ في معاركَ فقهيةٍ متعددة، منذُ صعودِهِ المفاجئِ، وظهورِهِ المسنودِ في المشهد الإعلامي بدفعة معتبرة من «سوبر ستار» الفضائيات الشيخِ خالد الجندي.

إلا أن «سعد» هذه المرة أخلفَ الوعد، وخذَلَ البعض، وأشعَلَ نيران معركةٍ فقهيةٍ من العِيارِ الثقيل، أحرقَتْهُ ومن خلفِهِ رعاة التجديدِ الكلامي البعيد عن الفِقْهِ الإسلامي، كما أن المعركة منَحَتْه عضويةَ جماعة «الإجابة تونس» الشهيرة، التي شَرَحْتُ دورها ومكانتها في مقال سابق.
وقد تأججَتْ النيرانُ بفعل تصديق مجلس الوزراء التونس خلال اجتماعِهِ مع الرئيسِ الباجي السبسي على مسوَّدة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمَّنُ أحكامًا بالمساواة في الميراثِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، وبعدها بساعاتٍ تطوَّعَ الدكتور الهلالي بعلمِهِ الغزيرِ مروِّجاً للقانون التونسي باعتباره نموذجًا مثاليًّا للتجديد، وخطوةً لا يقوى مجتمَعُنا المصري على فعلها، مؤكداً على أن القانون لا يخالِفُ الشريعة الإسلامية، وزاد الهلالي من أحاديثه الطيبة لتحلِيَة بضاعتِهِ (المطَّاطيَّة)، ليُدخِلَ البسطاء من عموم المسلمين في متاهاته الفقهية تحت لواءِ التجديد، فتعمى الأبصار في سائر الأمصار، ويسود الظلام.

ولأنَّ الأمر جَلَل، فلقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بيانًا حاسمًا حول قضيَّة «ميراث المرأة» رَفَضَتْ فيهِ كلَّ ما جاء بالقانون التونسي (ومحاولةَ التلبيسِ المصرية)، ووصفَتْ من يُرَوِّج لها بـ«المضللينَ بغير علمٍ»، كما أصدر فضيلة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام بيانًا للردِّ حول مشروعية المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، تواكب ذلك مع ردود فعل قوية منسائر علماء المسلمين داخل مصر وخارجها، رفضًا لهذا القانونِ المخالِفِ للشرعيَّةِ الإسلاميَّةِ، واستهجانًا لرأيِ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور الهلالي، وقد تطوَّعَ مركزُ الفتوى الإلكترونيةِ بالأزهر الشريف للردِّ على آرائِهِ تفصيلًا، ومقارعته بالحُجَّة الشرعية، وتفنيد كل ما جاء في أحاديثِهِ الإعلامية حول قانون الميراث التونسي.

وبيان كبار العلماء ومفتي الجمهورية ومركز الفتوى وغيرها من آراء علماء الأمة، كلها متاحة تفصيلًا على معظم المواقع الإلكترونية (رغم تراجُعِ بعض المواقع عن نَشْرِ بيان هيئة العلماء بطريقةٍ غيرِ مفهومة)، وأقترِحُ على كل مسلم قراءة هذه الآراءِ وتفهُّمَها كي يُضيء نورَ عقلِهِ الذي أطفأَهُ هذا التيهُ الفقهي.

وكان أبلغ الكلام في هذا المقام، حديثَ فضيلةِ الشيخ علي جمعة، حيث أوضح في برنامجه التلفزيوني «والله أعلم» قائلاً: «إن الحكايةَ تحتاج لكلامٍ مفصَّلٍ في هذا المجال، أوله أنَّ تونس بلد لا ينصُّ في دستوره على أنه دولة إسلامية»، وأضاف مفتي الجمهورية السابق: «إن أستاذ الفقه المقارن الدكتور سعد الهلالي، الذي تحدث عن تقليدِ تونس في المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة في الميراث، لديه مشكلة منهجية في طريقته في عرضِهِ للآراء، وهي أنه يتكلَّمُ بشيء يناقِضُ أولُه آخرَهُ، وآخره أولَه، وهو يتحدَّثُ عن المساواة في الميراث من باب التراحُمِ، هذا حقٌّ يُراد به باطل، وهو يقول إن مصر لن تفعلَ ذلك وتقلّد تونس إلا بعد 30 سنة، أقول له (بعد الشر إن مصر تعمل مثل تونس)»، وختم فضيلته مخاطبًا الدكتورَ الهلالي: «ليسَ هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبل، (دا دين هنُسأل عنه يوم القيامة)».


*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 28 نوفمبر 2018

الاثنين، 22 أكتوبر 2018

الإمام الأكبر يتقلَّد «السجل الأكبر»



«لا أكتمُكُم سرًّا إذا ما قلتُ لكم إن أسعدَ الأوقات عندي هي الجلوسُ الهادئ إلى صفحات كتابٍ، يُعبِّر عن ذلك بيت شاعر العربية أبي الطَّيِّب المتنبي - رحمه الله -: (أعزُّ مكانٍ في الدُّنا سرجُ سابحٍ * وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ). إن المعرفةَ هي أعز ما يُطلب، وهي أوَّلُ واجب على العقلاء، وهي تراث الأنبياء، كما قال نبي الإسلام: {إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ}؛ وهي طريق المؤمن إلى الجنة، وقد أوجبها نبي الإسلام على أتباعه رجاًلا ونساءً وأمرهم بطلبها حتى لو كان العلم في أقصى الأرض، قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ».
كانت هذه العبارات الطيبة، التي تحوي عميق المغزى ونفيس القيمة، جزءًا من  كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر عقب تكريمه من جامعة "بولونيا" الإيطالية، أقدم جامعات أوروبا، ومنحه وسام «السجل الأكبر»، وهو أرفع وسام تمنحه جهة أكاديمية لعدد من الزعماء السياسيين والدينيين والمفكرين والعلماء.
وكان التكريم، ضمن فعاليات زيارة شيخ الأزهر إلى إيطاليا التي كانت المحطة الثالثة والأخيرة لجولته الخارجية الناجحة، حيث شَارَكَ الإمامُ الطيِّبُ رئيس مجلس حكماء المسلمين في مؤتمرٍ عالمِيٍّ عن «الأديان.. والثقافة والحوار» الذي نَظَّمَتْه جمعية «سانت إيجيديو» في مدينة بولونيا الإيطالية، بحضور نخبة من كبار الشخصيات الدينية والثقافية في العالم، كما التقى فضيلته بعدد من كبار المسئولين الإيطاليين في العاصمة روما، في مقدِّمَتِهِمْ الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا.
وقد اشتملت جولةُ الإمام الأكبر أيضًا على زِيارَةِ كُلٍّ من دولَتَيْ كازاخستان وأوزبكستان، حيث شارك في عَدَدٍ من الفعاليات، والتقى كبار المسئولينَ في البلدَيْنِ، كما تَمَّ تقليده الدكتوراه الفخرية من جامعة «أوراسيا الوطنية» بكازاخستان، كما منح الدكتوراه الفخرية من أكاديمية أوزبكستان الإسلاميَّة الدَّوْلِيَّة، التي تُعَدُّ أوَّلَ دكتوراه فخرية في تاريخ الأكاديمية.
وتعكِس الرحلات الخارجية لفضيلة الإمامِ الأكبر، حِرْصَهُ على نَشْرِ رسالةِ الأزهر وتأكيدِها وتجديدِها في مختَلَفِ دُوَلِ العالم، وتفعيل دَوْر المؤسسةِ العريقة في إرساءِ وترسيخِ دعائمِ السلام والتعايُشِ المشترك بين الشُّعُوبِ والمجتمعات المختلفة، وهذا ما أكدته عبارات الإمام الطيب في كلمته بجامعة بولونيا، حيث قال: «ليس الأزهرُ أيُّها السادة – كما تعلمون – مجرَّدَ معهد عريق أو جامعة عالميَّة، ربّما كانت هي الأقدمُ في تاريخ الإنسانية من حيث تواصُلُ عطائِها دونَ تَوَقُّفٍ، منذ إنشائه حتى يوم الناس هذا. بل هو في جوهرِه منهج علمي، وخطابٌ فكرى متمَيِّز، ورسالة سلام عالمي طريقها الحوار والتفاهم».
كما يبرز أيضًا دورُ الأزهر في مواجهةِ الإرهاب والتطرُّفِ، الذي يُحاوِلُ استخدامَ الدينِ للتشويش على عقول الناس وتضليل الشباب من خِلالِ المفاهيمِ المغلوطةِ التي تُنشَرُ باسم الدين، فهو الدَّوْرُ الذي يُعوَّلُ على الأزهر فيه، خصوصًا مع بشائرِ ما ظَهَرَ في السنوات الأخيرة من خططِ تطويرٍ وإصلاح وتجديد الخطاب الديني في مصر ومحيطها الإسلامي والعربي، وقد جاءَتْ كلمة فضيلته التي ألقاها في افتتاح مؤتمر قادة الأديان، بالعاصمة الكازاخية آستانة، لتعكِسَ عمقَ رؤيته لقضية الإرهاب حيث قال شيخ الأزهر: «إنَ عقيدتي في موضوع «الإرهاب» – وقد أكون مصيبا وقد أكون غير ذلك - هي أنه ليس صنيعة لا للإسلام ولا للمسيحيَة ولا لليهوديَة كأديانٍ سماويَة، وكرسالاتٍ إلهيَة بَلَغَها أنبياء الله ورسله: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضَلَّت الطَريق وفَقَدَت الإحساس بآلام الآخرين من الفقَراء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدونَ سبيلا».
عندما أتابع الاهتمام والاحتفاء الدولي بشيخ الأزهر، ومدى التقدير الصادق للإمامِ الأكبر في كُلِّ جولاته الخارجية، بما يمثِّلُهُ من رمزية للإسلام الوسطي المعتدل، أفخر بأن مصر هي بلدُ الأزهر الشريف.



*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 17 أكتوبر 2018

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

حديث الإنسان عبد الفتاح السيسي



«يا ترى إيه الفرق بين هشام عشماوي، وبين أحمد المنسي؟».
بهذا السؤال ختم الرئيس السيسي كلمته (المرتجلة) فى ختام الندوة التثقيفية الـ29، والتي جاءت مواكبة لاحتفالات الجيش بذكرى الانتصار الغالي فى أكتوبر 1973، وعبر هذا الختام عن فلسفة ومجمل محتوى حديث الرئيس، الذي ألح وكرر فى مستهله أنه حديث «الإنسان» وليس «رئيس مصر»، ليمنح نفسه حرية التحدث إلى الحضور والرأي العام المصري والعالمي بعفوية وصدق، ويعبر عن مشاعره كإنسان ومواطن مصري عاش لحظتين فارقتين فى تاريخ مصر، يرى أنهما يستحقان المقارنة، وهما مرحلة ما بين 67 و73، والمرحلة التي تعيشها مصر منذ عام 2011، وحتى يتحقق الوعد الرئاسي بـ«مصر الجديدة» فى 30 يونيو 2020.
وحدد الرئيس فارقا جوهريا بين المرحلتين، مؤكدا أن المعركة لم تنته وما زالت موجودة بمفردات مختلفة، فمعركة الأمس غير معركة اليوم فى أدواتها، والعدو والخصم كان واضحا وأصبح الآن غير واضح، متابعا: «بقى معانا وجوانا واستطاعوا بالفكر إنشاء عدو جوانا».
وبين سطور الحديث الرئاسي (الإنساني)، وضحت رغبة الرئيس فى توصيل رسالة  للشعب المصري، وهى أن مصر فى معركتها الحالية تحتاج إلى التضحية دون انتظار مقابل، وأن نستلهم فى ذلك روح صناع معجزة أكتوبر، الذين خرجوا بسيارة «سيات» يسابقون سيارة «مرسيدس» كما وصفهم الرئيس قائلاً: «قولوا الكلام دا .. عشان مش عيب بالعكس.. اللى بيركب عربية سيات ويسابق المرسيدس يتقاله برافو».
بلغ الرئيس قدرا غير مسبوق فى الصراحة عندما تحدث عن القدرة العسكرية للقوات المسلحة المصرية فى أكتوبر 1973، واصفا إياها بأنها كانت أقل بكثير من قدرات العدو، وبأننا لم نكن لنستطيع تخطى مسافة الـ20 كيلومترًا شرق قناة السويس بعد عبور القوات، والتي تحددت مسبقاً قبل قيام الحرب، والتي ادعى البعض أنه كان يمكن لقواتنا أن تطور هجومها وتصل إلى منطقة «المضايق»، وكان الأستاذ هيكل من أكثر من كرروا هذا الكلام، وسجله بشكل تفصيلي فى كتابه المهم «أكتوبر 73 السلاح والسياسة».
وقد أشار الرئيس إلى هيكل ولكن فى حادثة أخرى، قائلاً: «كانت هناك مقالة للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل تتحدث عن تحديات العبور، وتتضمن تفاصيل عن قدرة وإمكانيات هذا الساتر وخط بارليف فى منع القوات المصرية من العبور، وقال الروس إن هذا الأمر يحتاج إلى قنبلة ذرية لاقتحامه والتعامل معه، ونحن لا نملك القنبلة الذرية، وإن 30 أو 40 ألفًا وقد يصل إلى 50 ألفًا من القوات التي ستعبر القناة ستستشهد نتيجة العبور فى ظل هذه الظروف».
ورغم تطرق الرئيس إلى (منغصات) حياة المواطن المصري فى هذه المرحلة، وفى مقدمتها ارتفاع الأسعار، وضرورة إلغاء الدعم الذي يقف عقبة رئيسية فى سبيل التنمية، إلا أنه لم يغفل الحديث عن الإنجاز الذي تحقق بفضل المصريين، لكنه حذر من أن كل ما تم تشييده من إنجازات سيهدر ويختفي بدون فهم ووعى المصريين، متابعا: «كل اللي بيتعمل وزيادة 100 مرة لو مكنش فى وعى وكتلة تخاف على بلدها فى الجيش والشرطة وأجهزة الدولة والجامعات ولدى الرأي العام فى مصر، أى حاجة تتبنى ممكن تتهد».
وعن سؤال الختام، الذي بدأنا به المقال عن الفارق بين البطل والإرهابي، قال الرئيس: «ده إنسان وده إنسان، وده ظابط وده ظابط، والاثنين كانوا فى وحدة واحدة، الفرق بينهم إن حد منهم اتلخبط وممكن يكون خان، والتاني استمر على العهد والفهم الحقيقى لمقتضيات الحفاظ على الدولة المصرية وأهل مصر، بنصقفلوا، والتاني عاوزينه علشان نحاسبه».

فى رأيي الشخصي المتواضع كان حديث الرئيس (الإنسان) صادقاً من القلب ولهذا وصل إلى قلوب معظم المصريين.

🇪🇬🇪🇬🇪🇬=============🇪🇬🇪🇬🇪🇬
نشر في مجلة «روزاليوسف» بتاريخ 13 أكتوبر 2018
🇪🇬🇪🇬🇪🇬=============🇪🇬🇪🇬🇪🇬

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

هل تكبح السعودية الزوبعة؟



هل أصابَ الإعلاميُّ السُّعُوديُّ مشاري الذايدي، كَبِدَ الحقيقية، عندما اختتمَ مقالَهُ بصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، المنشورَ قبل أيامٍ بقولِهِ: «خلاصةُ الأمر، ترامب أخطأَ بكلامِهِ ضدَّ السعودية، فوجَبَ الرد، لكنه ما زالَ الحليفَ الأهمَّ دوليًّا في ضربِ مصادرِ الشَّرِّ والفوضى في العالم»؟
وهل التصريحاتُ المَنْسوبة والمنشورة في الصحيفةِ نفسها، لأحَدِ أفرادِ عائلةِ جمال خاشقجي الإعلامي السعودي المُختَفِي (أو المقتول) في مدينةِ إسطنبول التركية بعدَ ساعاتٍ من دُخُولِهِ قنصليةَ بلاده، تعكِسُ صورةً واضحةً وكاشِفة لهذا اللغزِ الذي يزدادُ غموضًا مع الأيامِ، حيث أكَّد معتصم خاشقجي أن «جمال مواطنٌ سعودِيٌّ، وبِلادُهُ حريصة عليه أكثرَ من أفراد أسرته»؟
أزمتانِ عاصفتانِ خلالَ أسبوعٍ واحد، أحاطَ غُبارُهما الكثيفُ بالمملكةِ بصورةٍ بَدَتْ وكأنَّ الأمرَ مقصودٌ ومُدَبَّر؛ بدأَتْ الأزمةُ الأولى مع تصريحاتٍ (ساذجة) من الرئيسِ الأميركيِّ دونالد ترامب، قال فيها: «نحن نحمي السعوديةَ، ستقولونَ إنهم أغنياء، أنا أُحِبُّ المَلِكَ سلمان، لكنني قلتُ له: (أيُّها المَلِكَ.. نحنُ نحميك.. وربما لا تتمكَّنُ من البقاء لأسبوعين في الحكم من دون جيشنا، لذلك عليك أن تَدْفَع)».
ثم جاءَتْ أزمة «اختفاءِ خاشقجي» لتزيدَ الغبار وتنشطَ معها اللِّجانُ الإلكترونِيَّة والفضائية المارقة، ليبدأَ الهجومِ على السعودية في وسائل الإعلام العربية والدولية، إلا مَن رَحِمَ ربِّي مِنْ عُقَلاء تَأَمَّلوا المشهد بحكمةٍ وأدركوا قوةَ المؤامرة، وتَفَهَّموا أسبابها.
ووضَحَ من التحرُّكِ السعوديِّ السريعِ بالحديثِ الهادِئِ لوليِّ العهد، الذي أدلى به لوكالة «بلومبرج» الأميركيةِ هذا الأسبوعَ، أنَّ هناك خُطَّةً سعوديةً عاجلةً لمواجهةِ هذه الزوبعة التي تهدف لابتزازِ المملكة سياسيًّا واقتصاديًّا لإجبارِها على مخالفةِ مواقفها الثابتة الرامية لصالح مواطنيها وحماية أمنها.
أما السُّعارُ الإعلاميُّ على المملكة، وتأجيجُ نيرانِ الأزمتَيْنِ وتضخيمهما فيقفُ وراءَهُ الخلايا الإخوانيةُ الظاهرةُ في كلٍّ من تركيا وقطر، والمتخفِّيَة في عدةٍ دول أخرى (ومنها المملكةُ للأسف) التي تُمارِسُ أدوارًا مشبوهةً في السرِّ والعلن، وتدفعُ بمصائرِ الشعوبِ إلى حافَّة الهاوية، فهي مثل البكتريا تجد لها حياةً في مستنقعِ الأزمات.   
إيران أيضًا ليست بعيدةً، وأيديها المنتشرة في المنطقة لا تكفُّ عن العبث، وها هو وزير خارجيَّتِها (ظريف) يصفُ ما فعله ترامب قائلًا: «إنه يذلُّ السعوديين»، ويضيف في تغريدة نشرها على «تويتر»: «نمدُّ يَدَنا مرةً أخرى إلى جيرانِنا... دعونا نبنِ (مِنطقةً قويَّةً)، ونُوقِفْ هذا الغرور».
أما المُفلِسُ التركي أردوغان، فقد جاءَتْه قصة خاشقجي (أو صَنَعَها)، في الوقت المناسب، الذي كان يبحث فيه عن إغاثةٍ ماليةٍ عاجلةٍ تُنقِذُ اقتصادَ بلادِهِ المنهارَ، حيث لم تَكُفَّه عطايا شريكِهِ القطريِّ تميم عن انتظار المزيد من الدعم المالي، وربما هذا يفسر سرَّ تأخُّرِه في التعامل مع القصة، ثم تلاعُبَه في التصريحات ومراوغاتِ أعضاء حكومته في تضليل الرأي العام ليزدادَ غموضُ القضية، أملًا في مزيد من المكاسب.
إن المملكةَ الشقيقةَ شَرَعَتْ قبلَ ثلاثةِ أعوام في رحلة إصلاح وتغييرٍ جذريةٍ، تُواجَهُ بمقاومةٍ داخليةٍ ومؤامراتٍ خارجية، بلغَتْ أَشُدَّها مؤخرًا بفعلِ تربُّص الأشقياء الثلاثة (إيران- تركيا- قطر)، يساندهم تنظيمُ الإخوان وجماعاتٌ دينية منشَقَّة عنه، وخَلْفَ الجميع يقفُ المتحرِّش الأميركي يبتزُّ الجميع.
ومساندةُ السعودية في مواجهة هذه «الزوابع»، فَرْض علينا جميعًا، ليس دعمًا لنظام حاكم، ولكن مناصرةً لأشقاء تشاركنا معهم في كلِّ الأوقات، وأجبرتنا المسئوليَّة التاريخية  على أن نقفَ معًا في خَنْدَق واحد ضد الأعداء والأطماع التي تحاصر الشرق الأوسط.
حفظ الله مصر والسعودية وشعبيهما، وأنارَ الطريقَ أمام قيادتِهما وأرشدَهما حُسنَ القرار.

* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 10 أكتوبر 2018

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

العارف بالله والعبور العظيم



«اللهُمَّ بدرًا أخرى.. اللهم بدرًا تنصر فيها أولياءَكَ وتذلُّ فيها أعداءَكَ، اللَّهُمّ انصُرْ أولياءك الآن كما نصرتهم من قبل»، هكذا هتَفَ شيخ الأزهر الجليل وعالمنا الأصيل فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود (رحمه الله)، في أول خطبة للجمعة تلَتْ يومَ العبورِ العظيمِ في السادس من أكتوبر عام 1973 ، فاهتَزَّت أرجاء الجامع الأزهر وتهلَّلَتْ القلوب مع هتاف المصلِّين «الله أكبر»، الذي عانقَ تكبيرةَ جنودنا البواسل على الجبهةِ المصرية التي حَمَلَتْها قلوبُهُمْ ورددتها ألسنَتُهُمْ من الضفَّة الغربية ليعبروا معها من اليأسِ إلى الأملِ، ويزرعوا عَلَم مصر على الضفَّةِ الشرقيةِ لقناة السويس، «الله أكبر.. تحيا مصر».
وقد تعدَّدَتْ إسهاماتُ الأزهر الشريف وعلمائه وأبنائه الطلاب فى حرب أكتوبر المجيدة، وفي مجالاتٍ عديدة، فقبلَ وبعدَ هذه الخُطْبةِ الفارقةِ، تحوَّل الأزهر بقيادة شيخه الراحل إلى غرفة عمليات أثناء الحرب، وبالاتفاق والتنسيق مع وزير الأوقاف آنذاكَ، كان خطباءُ المساجدِ خليةَ نحلٍ فى دروسٍ دينية يومية لتبصيرِ الناس بضرورةِ الجهاد، وأنَّ أولادَهُمْ يخوضونَ أشرفَ المعاركِ ولو أُصِيبَ أحدُهُمْ أو استُشهِدَ فذلكَ مدعاةُ فخرٍ لأهلِهِ، وأيضًا حَثّهم على المشاركةِ المدنية التطوُّعِيَّة سواء بالتبرُّعِ بالدم فى المستشفيات أو حراسة المنشآت وحماية الكباري الرئيسية والطرق ليلًا تحسُّبًا لأيةِ غاراتٍ أو مفاجآت من العَدُوِّ، حتى يتحققَ النصرُ بفضلِ اللَّهِ.
هذا النصرُ الذي حمل بشارتَهُ شيخُنا العارفُ باللهِ عبد الحليم محمود إلى الرئيسِ السادات في يناير 1973 (وفقَ ما اتَّفَقَ عليهِ رواةُ القصة)، فقد ذَكَرَها الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور إبراهيم عوض فى كتابه «عبد الحليم محمود.. صوفيُّ زمانِنا» وأيضًا ذَكَرَها الدكتور محمود جامع مستشارُ الرئيسِ السادات، فى كتابِهِ «كيفَ عرفتُ السادات»، بل إن شيخَنا الراحلَ لَمَّحَ إليها سريعًا في خطبته المشار إليها أعلاه، دون أن يذكُرَ أنه بطلُها (لَمَّح البعضُ أن صاحب الرؤيا الأصلي كان الشيخ صالح الجعفري.. واللَّهُ أعلم).
وتروي القصةُ أن شيخَ الأزهرِ الراحلَ قد رأى النبيَّ عليه الصلاة والسلام فى منامه أثناء زيارته للمدينة المنورة عقب أدائه لمناسك الحج مطلع عام النصر، وأن النبي الكريم (وفق رؤيا الشيخ عبد الحليم محمود) كان يعبُرُ قناةَ السويس حاملًا راية «الله أكبر» ومعه رَهْط من الجند والصحابة وعلماء الإسلام. فاستبشر الشيخ خيرًا وأيقن بالنصرِ، وعندما نَقَل رؤياه للرئيس أكد له أنه بالفعل قد اتخذَ قرارَ الحرب بعد أن اكتملت جاهزِيَّةُ الجيش  للقتال، وأن التنفيذ سيتمُّ وفقَ الخطةِ الموضوعة لذلك.
وكان الأزهرُ الشريف حاضرًا ومؤثرًا في هذه الخطة قبل بدء العمليات العسكرية، حيث أسهم بدوره في التأهيل النفسي للجنود والضباط، فقد نزل المشايخ مع الجنود إلى ساحة القتال، ورافقوهم فى الخنادق، وعاشوا معهم في الثكنات العسكرية لتثبيتهم معنويًّا، وانطلقت كتائب العلماء بين الجنود لتخبرهم أن النصر لا يكونُ بقوَّةِ السلاح فقط، وإنما بقوَّةِ الإيمان، وبالصدق مع الله تعالى، وبوضوح الهدف الذي يُقاتِلُ من أجْلِهِ الإنسان، ويكون بالتوكل على الله: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.
ولعلَّ كلماتِ شيخ الأزهر الراحل العارف بالله عبد الحليم محمود، في خطبة «جمعة النصر» التي أشرت إليها في أول المقال، هي خير دليل على أثَرِ الدور الأزهري في شَحْذِ هِمَّة الأمة قبل وأثناء المعركة: «مِنْ على منبرِ الأزهر، هذا الأزهرُ الخالد الذي تلجأُ إليهِ الأمَّةُ المصرية، تلجأُ إلى الله فيه عند الأزمات، ترجو الله أن ينصر، وأن يوفِّق، وأن يهديَ، من على منبرِ الأزهر الخالد نُعلِنُها باسم علماء الإسلام حربًا مقدَّسةً ونعلنها جهادًا في سبيل الله، ومن على هذا المنبر، نرسل تحيَّتنا إلى القائد الأعلى وإلى جُنُودِنا الأبطال، الذين حققوا المعجزات ببطولتهم وبسالتِهِمْ». 
الله أكبر.. تحيا مصر

*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 3 أكتوبر 2018


الخميس، 27 سبتمبر 2018

سر رحلة السيسي السنوية للأمم المتحدة




لماذا يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على زيارته السنوية إلى مدينة نيويورك الأميركية لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من كل عام، مسجلا هذا العام رقم قياسيا في الحضور (حيث يترأس وفد مصر في اجتماعات الشق رفيع المستوى من اجتماعات الدورة 73) ، ليكون بذلك أول رئيس مصري يحضر خمس دورات متتالية لاجتماعات الجمعية العامة، بل إن زيارات السيسي الخمس للأمم المتحدة يفوق عددها مجموع زيارات جميع قادة مصر إليها منذ إنشاء المنظمة الدولية؟
وللإجابة على هذا السؤال اجتهدت هيئة الاستعلامات المصرية في رصد مشاركات الرئيس السابقة، وأصدرت كتاباً باللغتين العربية والانجليزية يتضمن تحليلا لنتائج الزيارات الأربعة السابقة للجمعية العامة، لتوضح للرأي العام داخلياً وخارجياً، مدى أهمية هذه الزيارات التي أسست لشكل الدولة المصرية الجديدة في عهد ما بعد 30 يونيو 2013، ودعمت الوجود العالمي للنظام المصري في أهم محفل دولي.
ويذكر كتاب هيئة الاستعلامات الذي جاء تحت عنوان (السيسي في الأمم المتحدة 2014: 2018)، إلى أن الرئيس السيسي ألقى خلال هذه الزيارات خطبًا رسمية كان أهمها خطاباته الأربعة أمام جلسة الجمعية العامة، والتي تمثل كلمة مصر الرسمية في المنظمة الدولية، إضافة إلى كلماته وخطبه في عدد من المؤتمرات والقمم الأخرى التي عقدت بمقر الأمم المتحدة خلال فترة انعقاد الجمعية العامة.
ويرصد الكتاب، استثمار الرئيس السيسي وجوده في نيويورك لعقد عدد كبير من اللقاءات والاجتماعات الجماعية والثنائية مع قادة وزعماء من مختلف قارات للعالم وكذلك مع العديد من المسئولين في المنظمات الدولية وممثلي الدول الأخرى في اجتماعات المنظمة الدولية، ووفق حصر الهيئة لهذه اللقاءات فإنها بلغت 55 لقاء على مستوى القمة.
ويحلل الكتاب، عدداً من الملامح التي ميزت مشاركات الرئيس الأربع خلال الفترة الرئاسية الأولى وأثمرت في النهاية العديد من النتائج السياسية باستعادة مصر مكانتها في محيطها الإقليمي والعالمي، وشجعت المجتمع الدولي على دعم جهود مصر السياسية والاقتصادية.
وقد جسدت مشاركات الرئيس في هذه الاجتماعات السنوية، الإدراك الكامل لأهمية هذا المنبر العالمي لمخاطبة المجتمع الدولي بكامله، والتواصل معه، وعودة صوت مصر على أعلى مستويات القيادة إلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، تأكيداً لاهتمام مصر بدور المنظمة الدولية وضرورة تعزيزه واستعادة تأثيره في النظام الدولي على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة في الفترة الراهنة التي يمر فيها النظام العالمي بتغييرات متتالية في توازن القوى وطبيعة ونمط العلاقات الدولية.
وتؤكد هيئة الاستعلامات في كتابها التحليلي الهام، على أن مشاركة الرئيس في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة تعد رسالة إعلامية إلى شعوب العالم، بقدر ما هي رسالة سياسية ودبلوماسية، في الوقت الذي يواجه المجتمع الدولي أشكالًا من التحديات المشتركة التي تهدد السلم والأمن والحياة على الكرة الأرضية مثل قضايا الإرهاب، واللاجئين، والتغيرات المناخية، والأزمات الاقتصادية، وانتشار ثقافـات العنف والتطرف على نحو يتطلب تعاونًا دوليًا كاملًا.
جهد مميز من الهيئة التي استعادت رشاقتها وحنكتها السياسية وتراكمها المعرفي وقدراتها الإعلامية تحت قيادة الزميل القدير ضياء رشوان، الذي أعاد لهذه المنصة الإعلامية البارزة وجودها وأهميتها، فعادت تلعب دورها الصحيح لتصبح جسر تواصلنا الواعي مع العالم الخارجي.


* نشر بجريدة "صوت الأزهر" بتاريخ 26 سبتمبر 2018

الأحد، 2 سبتمبر 2018

مبادرة «إبداع إيجابي»



يمثل ميلاد مصطلح (إبداع إيجابي) وما تبعه من (مبادرة)، حلًّا ناجزًا (في ظني)، قبل أن يجرفنا طوفان العبث المسيطر على المشهد الإبداعي، الذي حوَّل الحالةَ الإبداعيةَ لحالة إفساد متكاملة الأركان، وبات التعرض لمعظم إبداعات هذا الزمان جريمة قتل ممنهجة للنفس، حيث العنف والعري والعَتَه، في تحالفٍ تاريخي مع السذاجة والركاكة والبلادة، لتكونَ النتيجة الطبيعية لهذا السخف هي مُعظَم ما نُعانِيه من أمراض العصر.
لقد وقعنا أسرى منذ سنوات لما يمكننا تسميته بتيار «الإبداع السلبي»، الذي اجتاح في غفْلَةٍ من مبدعينا مختلفَ مجالات الفنون والآداب، وأطاح زبانيتُهُ وفق معطيات السوق بمنطق البناء الخلَّاق للإنسان، الذي يُعَدّ أسمى ما يقوم به الإبداع، وتحوَّل كل ما يُفرِزُه هؤلاء إلى معاول تهدم الفرد وتدمِّر المجتمع، لن أتوقف عند أسماء أو أعمال، فالجميع يعلم، والجميع يحلم بإيجاد مخرج لأزمة الإبداع، ولمحنة المبدعين.
وفي ظل هيمنةِ الإبداعِ السلبي على كلِّ إنتاجنا الفني والثقافي، وتفشِّي العنف والسوقيةِ والبذاءةِ في العديد من الإبداعاتِ المعاصرة، وضعفِ المستوى الفنيِّ لمعظمِ ما يُقدَّم من أعمالٍ خلالَ السنوات الأخيرة. أصبحَتْ الحاجةُ مُلحَّة لوجودِ تيارٍ إبداعيٍّ جديدٍ يقاوِمُ هذا القبحَ، ويجدِّدُ الدماءَ في جَسَد الإبداع المصري المتكلِّس، ويتماهى مع الأفكار الجديدة التي نجَحَتْ وأثَّرَتْ في المجتمعات المتقدمة.
إن «الإبداع الإيجابي» ينتمي بشكل واضح لتيار «الإيجابية» في التفكير الذي تسلَّلَ إلى حياتنا خلال السنوات الأخيرة، بفعل علماء النفس والاجتماع من المتخصصين في «علم النفس الإيجابي». وقد أسهَمَتْ آلياتُ التفكيرِ الإيجابي في إحداث تأثير مدهِشٍ في مختلفِ مناحي حياتِنا، وفَرَضَ مصطلح «الطاقة الإيجابية» وجوده بقوة لما يمثِّلُه من حافزٍ قويٍّ لإحداث تغييرات صحية وفاعلة في حياتنا، وأصبح من المصطلحات المحببة لدى معظم شعوب العالم، وأصبحت «الإيجابية» هي المفتاح السحري للدخول إلى كل العقول.
والإيجابية في الإبداع لن يكونَ لها شروط ولن تعملَ وِفْقَ أُطُرٍ أو أنظمة صارمة، بل هي تيار فكري محفِّز يتماهى مع العصر، ويستوعب كلَّ مدارسِ الفنِّ والثقافة والآداب، ينشِّطُ المبدعين ويشجِّعُهُم بدعم مشروعاتهم الإبداعية، وفق منهج الإيجابية في التفكير، وفي التدبير، في كل مراحل العملية الإبداعية، منذ أن يُولَدَ المشروع فكرةً، مرورًا بشقِّ الطريق الصعب وتمهيده لتنفيذه، وحتى يتحول إلى عمل إبداعي مكتمل، وهذا ما سيصبح أكثر وضوحًا مع تفعيل #مبادرة_إبداع_إيجابي التي تمثِّل «فتح انطلاقة» لأجيال قديمة وجديدة من مبدعينا في مختلف المجالات.
ولا يهدف مقالي فقط إلى تسجيل حقِّي التاريخي في مصطلح «إبداع إيجابي»، لكنه احتفالًا بفكرةٍ مميَّزة ولدت وسطَ زحامِ الأفكارِ اليائسةِ التي أضناها البحثُ عن مَخرجٍ حقيقيٍّ وصادق لأزمة الإبداع في بلادي، ولأزمتي مع الإبداع في ظلِّ مناخٍ قاتلٍ لأيِّ موهبةٍ ومفسِدٍ لأيِّ موهوب.
وُلِدَ تيار «ابداع إيجابي»، وتخطَّى بإيجابية عثرات المخاض، وانطلَقَ للعملِ مباشرةً بمبادرةٍ نظُنُّها جديدةً وفريدةً على سوقِ الإنتاج الفنيِّ في مصر والعالم العربي، وستُسهِمُ «مبادرةُ إبداع إيجابي» في إنتاجِ وتسويقِ ثلاثةِ أعمالٍ فنيَّةٍ كخطوةٍ أولى، وقبل أن ينتهي عام 2018 ستكونُ هناك خُطَّة مبشِّرة للعام المقبل تدعمُ انتشارَ تيَّارِ #إبداع_إيجابي وتضمَنُ تأثيرَه في شكلِ المشهدِ الإبداعيِّ المصري والعربي خلال السنوات المقبلة.
يصاحِبُ المبادرة، التي أتمنى أن ينضمَّ إليها مثقفينا ومبدعينا، حملةٌ إعلاميةٌ لتأصيل المصطلح وتعميق دلالاتِهِ وفَتْحِ مناقشة عامة حول السبل والآليات التي تمكِّن المجتمع من تحقيق الهدف المنشود من وجود تيار #إبداع_إيجابي، وهو ظهور أعمال فنية وأدبية تمنَحُ المصريينَ طاقة إيجابية تدعم قدرتهم على تحمل الحياة.





الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

فتاة «التجمع» في حماية الأزهر



دَعَمَ الأزهر الشريف ببيانِهِ الناجعِ.. الناجِزِ.. عن ظاهرةِ «التحرش»، مَظَلَّةَ الحمايةِ المجتمعية، التي بدَأَتْ تتشكَّلُ لحمايةِ «منة جبران» المعروفة إعلاميًّا بـ«فتاةِ التجمُّع»، صاحبةِ الفيديوهاتِ المتداوَلَةِ على «السوشيال ميديا»، التي تحوَّلَتْ قصَّتُها إلى قضيةٍ شغَلَتْ الرأيَ العامَّ المصري خلال شهر أغسطس الحالي، وعُرِفت بقضية «تحرُّش التجمع».
وتضمَّنَ البيان الأزهري الذي صدر قبل يومين، رسائلَ مهمَّة تحسم بؤر الفتن التي اشتعلت بصورة غير مفهومة خلال الأسابيع الأخيرة، وطالت مفاهيم أساسية وبَدَهِيَّة، ضاعت أمام طوفان الهزلِ الذي صاحب قصة «فتاة التجمع»، الذي وصل إلى ذُروَتِهِ بالهجوم على الفتاة، وتعرُّضها للفصل من عَمَلِها، وبلغت المأساة حدَّها بإعلانِ محامي الشاب المعروف بـ«متحرش التجمع»، عن تقدُّمِه ببلاغ للنيابة العامة ضد منة جبران، واعتبر المحامي، في مداخلةٍ هاتفيَّةٍ مع أحد البرامج الفضائية، ما قام به الشاب تجاهَ الفتاة ليس تحرشًا، وأعرب عن تعجُّبِهِ مما وصفَهَ بـ«ذبحِ الشابِّ»، قائلًا: «لو استمرّينا بهذه الطريقة هنحبس نص شباب مصر، ولازم نكون مستوعبين الفكرة، وإن دول في الآخر شباب».
بينما أعلَنَ المجلسُ القومي للمرأة، تضامنَهُ الكاملَ مع «فتاة التجمُّع» ضحيةِ واقعةِ التحرُّشِ، وأكَّدَتْ الدكتورة مايا مرسي رئيسةُ المجلس تواصُلَها مع الفتاة لتأكيد التضامُنِ معها، واستعدادها لتقديم جميعِ أوجُهِ المساندة القانونية لها في قضيتها، مشددةً على ضرورة تنفيذ القانون ضد مرتكبِ هذه الواقعة حتى يكونَ عِبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم الشائنة.
وقد أسهم بيان الأزهر الشريف عن التحرُّش، الموفَّق في توقيته، المختَصَر في كلماته، القاطع في حسمِهِ لهذا  الجدل المتزايد، حيث جاء فيه: «تابَعَ الأزهر الشريف ما تداولَتْه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من حوادثِ تحرُّش، وصل الأمر في بعضها إلى حدِّ اعتداء المتحرِّش على مَن يتصدى له أو يُحاوِل حماية المرأة المتحرَّش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبررًا يُسوِّغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكةً له في الإثم».
وشَدَّدَ الأزهرُ على أن التحرش - إشارة أو لفظًا أو فعلًا-  هو تصرُّف محرُّم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعًا، كما أنه فعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه، وتنبذ فاعله، وتجرمه كل القوانين والشرائع، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب: 58).
وأكد البيان أن «تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبِّر عن فهم مغلوط لما في التحرُّش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات».
وإذا كانت بعض التقارير الغربية قد وصفت مدينة القاهرة باعتبارِها من المدن الأخطر على النساء، فإنَّ جريمة قد لوَّثَت شاطئ إسكندرية بالدماء قبل أيام بسبب واقعةِ تحرُّش، انتهَتْ بمقتلِ زوجِ الضحية بعد أن طعنه المتحرش بسكين، الجريمة سجلها أحد المواطنين بكاميرا هاتفه المحمول، لتجد طريقها إلى صفحات «السوشيال ميديا»، التي انفجرت تنعي القتيل وتواسي زوجته، وتصدر هاشتاج #اعدموا_المتحرش_القاتل مواقع التواصل الاجتماعي، ليضعنا «الدم» جميعًا أمام الخطر، ليكن بمثابة إنذار أخير لنحتشد، وننقذ مجتمعنا، ونقف صفًّا واحدًا لنحمي ونفدي نساءنا.
وهذا أيضًا ما أكد عليه الأزهر الشريف في ختام بيانه المهمّ، مشيرًا إلى أنَّ تحضُّرَ المتجمعات ورقيَّها إنما يُقاس بما تحظى به المرأة من احترام وتأدُّبٍ في المعاملة، وبما تتمتع به من أمان واستقرار وتقدير، فعندما أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم التدليل على علوِّ شأن الإسلام واستقرار أركانه، اتخذ من شعور النساء بالأمن مؤشرًا على ذلك، فجاء في الحديث الصحيح: "لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ (المرأة المسافرة في الهودج) تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ (موضع قرب الكوفة)، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ".

الخميس، 16 أغسطس 2018

شغل الـ«جلا جلا» في قصة «حجاب حلا»



كشَفَتْ قصَّةُ خَلْع الممثلة المصرية السابقة حلا شيحة لحجابها (أو نقابها)، عوارًا اجتماعيًّا فاضحًا وخللًا فكريًّا واضحًا٬ يستدعي جهادًا تنويريًّا من أهل الفكر والرأي ومشايخ العلم، لرَأْب هذا التصدع الخطير الذي كشف عن جهل كبير، انعكس في الانقسام المتطرف بين وجهتي نظر، كلتاهما باطلة.
وقد صاحَبَ وقائعَ القصة وفصولَها، صَخَبٌ صبياني (هيصة وزفّة) إعلامي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأدلى الآلافُ برأيهم وتنابذوا بـفِقْهِهم، وكالعادة تم الزج بـ«الإسلام»، وخرج من يدافع من لاصقي الذقونِ مدعي التديُّن المتمسحين في السلفيَّة، وفي المقابل انبرى مَن يهاجم الإسلام، من رافعي شعارات العلمانية، عُشَّاق الشهرة بحرق ثوابته والرقص فوق تعاليمِهِ.
وبفعل هذا الصخب تحوَّلَتْ قصَّةُ شخصية تخصُّ ممثلة متواضعة، قدَّمَت عددًا محدودًا من الأفلام السينمائية ضعيفةِ المستوى، نحو 10 أفلام خلال سبعِ سنوات، قبل أن تعتزل فجأة وترتدي النقاب لمدة 12 عامًا، أُشيعَ أنها مارست دورًا دعويًّا في آخر أربع سنوات منها، لا شك عندي أنه كان أكثر تواضعًا من مستواها كممثلة.
وحلا شيحا، ليست أول المعتزلات العائدات فقد سبقها كثيرات خلال الربع قرن الماضي الذي تبلورت فيه ظاهرة «اعتزال الفنانات»، التي قيل عنها الكثير ولم يثبُتْ منه إلا النذر القليل، ومما قيل تمويل دولة إسلامية (نَفْطِيَّة) ودَعْم عدد من مشاهير الشيوخ والدعاة الجدد لتجنيد الفنانات وإبعادِهِمْ عن التمثيل، ولكن الملفَّ كان قد طواه النسيان منذ سنوات.
وعودة حلا جدَّدَتْ ذكرياتِ الرأي العام العربي مع هذا الملف الخطير الذي كاد يغرق في بَحْرِ الذكريات، مع ملفَّات أخرى كثيرة طَفَحَتْ على أجندة الاهتمام بلا أيِّ منطق أو مبرر ثم اختفت فجأة أيضًا، وهو ما أكد شكوكًا دائمة حول وجود أصابعَ خفِيَّةٍ تحرِّك هذه الملفات لخدمة أهدافٍ وأغراض غير مرئية.
ولمزيد من الإثارة، ظهر فيديو لملتحٍ يبكي حزنًا على خلع حلا لنقابها، مع الإيحاء الضمنيِّ من هيئته وطريقة حديثه بأنه سلفي، أعقبه تغريدة لحساب يقال إنه لابنة خيرت الشاطر القيادي الإخواني المعروف والمسجون حاليًا على ذِمَّة عدة قضايا، لتكتمل الدائرة وتدخل القصة منعطفًا جديدًا، يدفَعُها إلى دوائرِ السياسة التي تغلي بحثًا عن ثقب للتنفيس، ومع تصاعد أبخرة السياسة وغبارها، دلف دراويش الدين وأعداؤه كل طرف يصرخ في وجه الآخر في مشاجرة فقهية حول «الحجاب» حتى كادا يمزقانه، فدخل الدين من جديد كطرف في معركة هو أبعد ما يكون عنها، وتجدَّدَ سيِّئُ الكلام عن الإسلام، وفتح الباب لبحث مشروعية الحجاب، فخرج الجميع وراء السراب.
وحسم وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة الجدل حول «الحجاب» في أحد الحوارات التليفزيونية مساء الاثنين الماضي عندما سأله المذيع عن «عودة حلا شيحا» فردَّ قائلًا: «يجب أن نفرق بين الشرع الثابت وبين إجبار الناس على حمل الشرع، ولا إكراه في الدين»، مؤكدًا على إجماع الفقهاء وعلماء المسلمين على حجاب المرأة، مؤكدًا: «لا يمكن تغيير نصوص الدين وأساسياته، والحجاب فرض، ولا نجبر أحدًا على الالتزام به، لأن الإسلام دين رحمه وليس إجبار، وما علينا إلا النصيحة، مثل صيام رمضان والزكاة ننصح المسلمين بضرورة الالتزام بهم، ولكن حسابهم عند الله وحده فقط».
أما الجدلُ حول قصة حلا نفسها بعيدًا عن الحجاب فلن يحسمه أهل الدين، بل هو ملك لمن يتلاعب بالقصة، وأستطاع أن يصنع منها «تريند» على السوشيال ميديا ليعكس قدرته على إثارة اهتمام الناس والتلاعب بهم كيفما شاء.

✍🏻 نشر في جريدة الـ«صوت الأزهر» بتاريخ 15 أغسطس 2018

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

تأويل حديث «الدين» في جامعة القاهرة



هل حَمَلَتْ كلماتُ الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب الأخير الذي جَرَتْ فعاليَّاتُهُ قبلَ أيامٍ في جامعة القاهرة، أيَّ هُجُومٍ على الأزهر أو مشايخِهِ؟ 
لِمَن لم يُتابِعْ، لم يحدث هذا مطلقًا، ما قيل كان كلماتٍ يؤكِّدُ فيها الرئيس على فلسَفَتِهِ في التغيير، ورغبَتِهِ المستمرَّةِ في التجديد والتطوير، بوصفِهِ رئيسَ البلادِ وقائدَ جيشِها الذي يدفع أبناؤُهُ كلَّ يومٍ من دِمَائِهِمْ، فاتورةَ التفسيراتِ الخاطئة والمتطرفة للدين، فوجَبَ عليه في كلِّ فرصة أن يُذَكِّر بهدفِهِ الكريم (تجديد وتطوير الخطاب الديني) بحُكْمِ مسئوليَّتِه أمامَ الله وأمامَ الشعب المصري.
وهو حديثٌ جاءَ في إطار البرنامج الرئاسيِّ لتطوير التعليم، الذي يمثل «الدينُ» عصبًا رئيسيًّا وركيزةً مهمةً ومؤثِّرةً فيه، وكلامُ الرئيس ورسائلُهُ الجديدة والقديمة تصلُ بانتظامٍ لكلِّ المسئولينَ عن هذا الملفِّ في الدولة، ومنهم مؤسسةُ الأزهر الشريف (جامعًا وجامعةً)، الذين بدورهم يترجمونَها إلى خُططٍ وسياساتٍ يتمُّ تنفيذُها وفقَ توجُّهاتِ الدولةِ المصرية.
لكنْ وكالعادةِ تَطَوَّعَ أو تنَطَّعَ أو دَفَعَ بعضُهُم ليبدأَ موسمًا جديدًا في الهجوم على الأزهر فَقَطْ، وكأنَّه المعنيُّ وحدَهُ بالتطويرِ والتجديدِ، وكأنَّ كُلَّ التطرفِ الذي يستشري في العالم بسببِ العِلْمِ الأزهري، مغفلينَ (عمدًا) عواملَ عدةً بينها الاقتصاديُّ والسياسيُّ والاجتماعيُّ، تقِفُ وراءَ ظاهرةِ الإرهابِ الدينيِّ التي تمثِّلُ ملمحًا واحدًا من أوجهٍ كثيرة لظاهرةِ الإرهاب والعُنفِ التي تجتاحُ العالمَ منذُ سنواتٍ بفعل تراكُماتٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ، وصراعاتِ أممٍ على مصائرِ شُعُوبٍ، يختزلُها هؤلاءِ المأجورونَ (داخليًّا وخارجيًّا) في الإسلام فقط.
وللذكرى، أُحِيلُكُمْ إلى توصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ (أكتوبر 2016)، حيثُ وَجَّهَ الرئيس السيسي الحكومةَ بالتعاونِ مـع الأزهـرِ الشريـف والكنيســة المصريـة وجميــعِ الجهات المعنيــة بالدولة بوَضْعِ ورقـةِ عمـلٍ وطنيـةٍ تمثل استراتيجيةً لوضعِ أسسٍ سليمة لتصويب الخطاب الديني في إطار الحفاظ على الهوية المصرية بجميعِ أبعادِها الحضارية والتاريخية.
أمَّا عن إشاراتِ الرئيس التحفيزية لرجال الدولة من الوزراء والمسئولينَ، التي يُطلقُها بين الحينِ والآخرِ (والتي يُضَخِّمُها بعضُ الإعلاميينَ)، فقد كانَ لفضيلةِ الإمام الأكبر نصيبٌ منها، حيث عاتَبَه الرئيس مازحاً: «تعبتني.. يا مولانا»، في كلمته أثناءَ احتفال الشرطة المصرية بعيدها في يناير 2017، وهي إشارات تأتي في سياقِ لطفٍ الرئيس وتباسطه، معبراً بـ«خفةِ دمٍ» مصرية معهودةٍ فيه، عن رسائلَ خاصةٍ تحملُ قدرًا كبيرًا من المحبة، وتحوي مغزى التذكيرِ بإحدى تكليفاتِهِ المهمة، وما يُغفِلُه مدمنو الهجوم والصيد في الماء العكر، عدد المرات التي أشاد فيها الرئيس بالأزهر وشيخه وعلمائه في لقاءاتٍ متعددةٍ ومواقفَ مختلفةٍ.
لن أحدِّثَكُم عما بَذَلَه الأزهرُ من جهدٍ متواصلٍ للتجديد والتطوير، فلِلأَزهرِ شيخٌ يحكِيهِ، وقادةٌ ومشايخُ يجيدون عَرْض ما يبذلونَه من أجل رِفعة الإسلام وتأصيلِ رسالته بنشر أفكاره في كلِّ أرجاء العالم، من منطلق الدورِ التاريخيِّ للمؤسسةِ الوسطيةِ العريقة، التي يعرف القاصي والداني قَدْرَها، بينما يُهيلُ عليها نفرٌ من الجهلاء حثالةً من كَلِمَاتِهِمْ المدفوع.
والمؤسف أن تتجدَّدَ حملات الهجوم على الأزهر، في وقت كان من الوفاء أن نقومَ بشكر الأزهر تقديرًا على النجاح الباهر لزيارة شيخه التاريخية للمملكة المتحدة (أشرس معاقل الإسلاموفوبيا في العالم)، ومشاركة الإمام الطيب في منتدى صُنَّاع السلام بلندن، واستقبال ملكة بريطانيا لفضيلته في قصرها، مما عكس تقديرَ بلادِها لرئيسِ مجلس حكماء المسلمين ورمزِ الأزهر؛ أهمِّ مُؤَسَّسة إسلامية في العالم.
وختامًا، أُكَرِّرُها لهم لعلهم يفهمون.
الفقر (العِوَز) هو زاد الإرهاب. 
الظلم (القمع) أقوى دوافع الإرهابي.
الكبت السياسي (التهميش) هو المناخ المثالي لتفشي الإرهاب.
تجديد الخطاب الديني وحده لن يمنعَ الإرهابَ ولن يقضي على التطرف، قبل زوال البيئة والأسباب التي ينمو فيها هذا الفكر المدمر.


*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 1 أغسطس 2018

السبت، 7 يوليو 2018

البحث العلمي في مواجهة الإرهاب




قبل عام طرحت فكرة، حول مدى إمكانية أن يصل العلماء إلى «تطعيم طبي» يحمي ويقي من التطرف، كنت مدركاً أن الفكرة تبدو غريبة في عالمنا العربي، في الوقت الذي يحلِّق فيه علماء الغرب ويطاردون أحلامهم للوصول إلى أهداف مشابهة، أكَّدَها تردد أنباء عن أبحاث سرية تجري في مختبرات أوربية وأمريكية على عدد من الإرهابيين الذين تم القبض عليهم في السنوات الأخيرة.
وقد أعادني للفكرة ولأفكار أخرى مشابهة ترجمة  نشرتها جريدة دولية، لمقالة تحليلية عن مجلة «نيوسانتيست» العلمية البريطانية، تناول فيها الكاتب والصحافي بيتر بايرن ظاهرة التطرف والتشدد، وآراء العلماء والاختصاصيين حول مختلف جوانبها. وكتب بايرن، الذي يعمل في ولاية كاليفورنيا الأميركية، مقالته أثناء وجوده في مدينة الموصل أثناء الحرب على «داعش»، وهو يتوجه لنشر كتابه «علوم دولة الخلافة الإسلامية» هذا العام.
وعن التساؤل حول دوافع الإرهابيين؛ أي السؤال: «ما الذي يدفع الفرد إلى التضحية بالنفس من أجل فكرة؟»، يعرض الكاتب ما يقوله سكوت أتران، العالم في الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد البريطانية الذي شملت أبحاثه مناطق كثيرة في العالم؛ حيث يوضح أتران قائلاً: «الجهاديون» يدمجون هويتهم الشخصية مع المجموعة، ويتقبلون «الأفكار المقدسة». والأفكار المقدسة قيم لا يمكن لهؤلاء التخلي عنها أو تبديلها بقيم مادية. ويقول أتران إن الأفراد الذين يؤمنون بمثل تلك القيم يحتلون مكانة عالية؛ إذ إن كل أفراد المجموعات المتشددة يعدونهم أشخاصا يتمتعون بقوى روحية تلهم كل المجموعة على العمل.
العالم من حولنا يلهَث وراء العلم والمعرفة لتحقيق نتائج حاسمة وقاطعة للسيطرة على الإرهاب والقضاء على التطرف الديني خلال أقصر فترة ممكنة، يشجعهم نجاحات واكتشافات علمية مؤثرة ذات صلة، منها تحديد بضع «طفرات جينية» يمكن أن تُنبِئَ عن السلوك العنيف. حيث توصل باحثون بمعهد كارولينسكا في السويد مؤخرًا إلى طفرتين جينيتين يبدو أنهما على علاقة طردية مع السلوك الإجرامي العنيف، وذلك وفق ما نُشِر في العديد من الدوريات العلمية.
وبينما قال طبيب الأعصاب المعروف الدكتور جراف مان في دراسة حديثة نُشِرت بمجلة «نيوروسيكولوجيا» إن «(المرونة الدينية) تعتمد على صحة منطقة الدماغ التي تحكم الانفتاح»، فيما أكَّدَت أبحاث أخرى على أن إصابات الدماغ المؤلمة قد تؤدي إلى نماذج بشرية أكثر تطرفًا في معتقداتهم الدينية، بينما أكد علماء من جامعة نورث وسترن في إلينوي أنهم اكتشفوا وجود صلة بين الصدمة وعدم رغبة الشخص في قبول أفكار جديدة، وهي صلة يقول الباحثون إنها تجعل بعض الناس أكثر حماسًا بشأن إيمانهم. وفي الوقت ذاته، يعكف علماء الأعصاب على محاولة استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس النشاط داخل المخ لتكوين فهم أفضل لأنماط السلوك البشري، وربما توقّع مَن الذي قد يُقدِم يومًا على ارتكاب عمل إرهابي.
يفتقر العلماء حتى هذه اللحظة إلى تفهُّم عميق لآليات الاعتقاد والتطرف داخل المخ لكن جهودهم مستمرة (في العلن)، وربما يتمكنون خلال أيام أو شهور(علم عددها عند الله)، من أن يصلوا على وجه التحديد إلى جين أو نشاط معين بالمخ مرتبط بالنزعات الإرهابية، وإن كنتُ لا أشكّ في أن العديد من وكالات الاستخبارات حول العالم تسيطر على فيض كبير من هذه المعلومات العلمية النادرة، وأنهم قد اختبروها جيدًا، وهم مستمرون في العمل (سِرًّا) لكشف التركيب الجيني والحيوي للمتطرفين، ثم ستكون قفزتهم الكبرى بإنتاج لقاح بشريّ أو حيوانيّ يحتوي على أجسام مضادَّة لـ«فيروس الإرهاب»، أرجو ألا نفاجَأ في عالمنا العربي بهذا «المصل» في الأسواق.. قريبًا.
إن مقالي هو محاولة، ربما تفتح آفاقًا أمام نوعية مغايرة من الأفكار التي تحلِّق بعيدًا على استحياء في فضاء خيالنا الفقير، وربما يحفز المقال أو الفكرة بعض علمائنا ليشقوا طريق البحث العلمي، لحل معضلات حياتنا المعاصرة.

*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 4 يوليو 2018

الأربعاء، 13 يونيو 2018

منتخب «ميسي» ينصر فلسطين




إن ما حدث هو بالفعل انتصار معنوي حقيقي للإرادة الفلسطينية على الصلف والغرور الإسرائيلي، في زمان عَزَّت فيه الانتصارات، وتوالَتْ فيه الانكسارات التي تُلاحِقُ القضية منذ أَنْ باعَها العرب وتجَرَّعوا في صمتٍ مطبقٍ قرارًا أميركيًّا أحمقَ بنقلِ سفارة «ترامب» ودولَتِهِ إلى القدس إيذانًا باختطاف المدينةِ المقدَّسة للأبد.
النصر حقيقة مهما تعدَّدَتْ الأسباب وتبايَنَتْ التحليلات، يكفي أن إسرائيل (نفسها) قد ألقَتْ باللوم على الضغط الفلسطينيِّ، واعترفت بأنه كان السبب الوحيد في إلغاء المباراة الوِدِّية التي كان من المقرر أن يلعبَها المنتخب الصهيوني لكرة القدم أمام منتخب الأرجنتين في إطارِ استعدادِ الأخير للمشاركة في بطولة كأس العالم التي تنطلق فعالياتُها الخميس 14 يونيو في روسيا.
واحتفل الفلسطينيون بإلغاء المباراة في غزة، بينما أصدر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بيانًا في رام الله بالضفة الغربية يشكر فيه ميسي وزملاءَه على إلغاء المباراة، معتبرًا الإلغاء «بطاقة حمراء من الجميع في وجه الإسرائيليين لإفهامهم أن لديهِم الحقَّ في لعب كرة القدم ضِمنَ حدودِهِمْ المعترف بها دوليًّا».
في المقابلِ أبدعت إسرائيل مصطلحًا مُخادِعًا جديدًا حيث وصفت ما حدث بأنه «إرهاب كروي فلسطيني»، في محاولة لتشويهِ نضال الشعب الفلسطيني وخداع الرأي العام العالمي، وقد أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتصالًا بنظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، في محاولةٍ للإبقاءِ على المباراة، إلا أن الأخيرَ رَدَّ بأنه غيرُ قادرٍ على التدخل.
وكان قد تظاهر جمع من المحتجين خارج مقر معسكر تدريب المنتخب الأرجنتيني في مدينة برشلونة الإسبانية حاملين قمصانًا للمنتخب ملطَّخَةً بالدماء، وداعين ميسي لعدم خوض المباراة، كما دعا جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لـ«حرق» قميص ميسي وصُوَرِه في حال مشاركته في المباراة، معتبرًا أن المباراة «تحوَّلَت من لقاء رياضي إلى أداةٍ سياسيةٍ» بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على أن تكون المباراة في القدس، وكان مقررًا لها أن تُلعَب في حيفا.
أما الطرف الأرجنتيني فقد سعى إلى التأكيد على أن خُطوَتَه كانت رسالة «سلام»، ووفقاً لصحيفة «فوكس سبورت»، فقد اتَّفَقَ ميسي وماسكيرانو، مع باقي اللاعبين على ضرورة إلغاء المباراة، وقد صرح جونزالو هيجوايين لاعب المنتخب الأرجنتيني لوسائل الإعلام قائلاً: «كيف لنا أن نلعب ببال هادئ في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الفلسطينيين؟!».
ولكن، هل سيُشبِعُنا انتصار صغير بعد صومنا الطويل؟
أظنه «فاتحَ شهية» فقط.
إن ما قام به ميسي ورفاقه نجوم «التانجو» للشعب الفلسطيني هو «لمسة حانية» قد تُجفِّف بعض دموع الثكالى من الأمهات اللائي سقط أبناؤُهُنَّ شهداء، فداء الوطن الأسير، وهو «شدَّة» على كَتِف أبٍ كسَرَه الحزن على إصابة أو اعتقال ابنه في أحداث مايو الماضي، التي صاحبَتْ النقل المشئوم للسفارة الأميركية، وهو الحَدَث الذي جَدَّد الجراح الفلسطينية، وأشعل من جديد جذوة المقاومة التي خَبَتْ بفعل شيخوخة النضال الفلسطيني الذي جاوز السبعين عامًا، وأصبح ينتظر تجديد شبابه.
إن الانتصارات الصغيرة، تجلب انتصاراتٍ أكبر، وإنجاز استمرار المقاومة والنضال رغم حالة التغييب الكاملة التي يعيشها مجتمعنا العربي، ونقص الدعم بكل أشكاله عن الشعب الفلسطيني، هو أمر يستحقُّ أن يفخر به كل الفلسطينيين، هذا الشعب البطل الذي ما زال يساند قضيته، مضحيًا بكل غالٍ كي يستعيد حقه المسلوب.
انصروا القدس كما فعلها «ميسي»، ولا تخجلوا من دعمكم لفلسطين، فهي تستحق منا الكثير، وإن عَزَّ علينا العطاء فكلمة بسيطة.. طيبة.. ربما تغيِّر تاريخاً وتعيد رسم خرائط الجغرافيا وتستعيد حقاً ضائعاً.
وكل عام وأنتم بخير.


   
                                                    *نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 يونيو 2018

الخميس، 7 يونيو 2018

«رجيم».. رمضان كريم



يبدو أن «نسر الصعيد» محمد رمضان قد اختَصَر (دون قصد) علاقة المصريين (الغميقة) مع الطعام خلال شهر رمضان، فقد تغنى مازحًا في إعلان إحدى شركات المحمول: «واللي يقول لك عامل رجيم.. قول له رمضان كريم».
وبين شطرَيْ الجملة تتأرجح حالتنا في كل عام مع ثبوت هلال الشهر الكريم، ننوي من اليوم الأول الاقتصاد في الطعام، وتحلق بنا الطموحات وراء حلم «الرجيم»، وبعد أن ينتهي إفطار هذا «اليوم الأول»، الذي يشتمل على كل ملامح الكرم الرمضاني المعروف لدى عموم المصريين، تتحطم وتنهار أحلام «الرجيم»، ونحن نلهث بين صنوف الطعام الشهية ونردد في «بلاهة» مأثورة: «رمضان كريم».
والحديث عن ارتفاع استهلاك المصريين (والمسلمين بشكل عام) في شهر رمضان، ليس كلامًا مرسلًا، بل هو واقع أليم نعيشه كل عام، فالدراسات تؤكد أن نحو 83 في المائة من الأسر المصرية تغير عاداتها الغذائية خلال شهر رمضان، ويزداد استهلاك المصريين بشكل ملحوظ من جميع الأغذية، وبحسب تقرير غرفة الصناعات الغذائية المصرية، «فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان يرتفع بمعدل 70 في المائة، عن باقي أشهر السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن بنسبة 50 في المائة»، فيما أشار تقرير حكومي إلى أن الأسر المصرية تنفق 250 مليار جنيه سنويًّا على الطعام بما يمثل 45 في المائة من إجمالي إنفاقها السنوي، وشهر رمضان وحده يستأثر بالنصيب الأكبر منها مقارنة بباقي شهور العام، حيث يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلاله إلى 45 مليار جنيه بواقع 1.5 مليار جنيه يوميًّا.
ورغم هذا السلوك الاستهلاكي المنافي تمامًا للشهر الكريم، فإن الأشد قسوة هو ما كشفت عنه آخر الإحصائيات، حيث يتم إهدار نحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنويًّا حول العالم، وبتكلفة تزيد على تريليون دولار، وتُعدّ الدول العربية من أكثر الدول إهدارًا للطعام، خصوصًا في شهر رمضان، إذ تذهب أطنان من الطعام للنفايات، وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول العربية الأكثر إهدارًا للطعام، إذ يُهدر المواطن السعودي 427 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا، وتتبعها الإمارات، بواقع 196 كيلوجرامًا، فيما أكد مسؤولون في منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة «فاو»، أن الفرد الواحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يهدر 250 كيلوجرامًا من الطعام الصالح للأكل سنويا، لافتين إلى أن المواطن المصري الواحد يهدر 73 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا.
مجمل ما تضعنا أمامه الدراسات، أننا أمام نمط سلوكي لا يقبله الإسلام، ولا يليق بالمسلمين الذين حَوَّلوا شهر الامتناع إلى صراع على الإشباع.. وتسابق معظمهم في شبق محموم على الملذات الزائفة، مفرطين في كل شيء، من الطعام إلى المسلسلات حيارى بين خيام الحفلات.
ولا أضيف جديدًا عندما أذكِّرُكم بحكمة الصوم، وقد انتخبت كلمات طيبات، مختصرات (بتصرف) من الخواطر الإيمانية لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) في تفسيره للآية الكريمة من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، حيث ذكر أن الآية تحمل «تكليف محبة» من المولى عز وجل لـ«الذين آمنوا»، موضحًا أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى ميزة عظيمة وهي جماع الخير، وقد كتب علينا الصيام لنتقي الله، أي نتقي غضبه، ولنهذب شهواتنا، فكل معاصي النفس تنشأ من «شَرَهِ مادِّيَّتِها»، والصيام يضعف وقود المادية، والعبد إذا صام فإنه يتربّى على العبادة ويتروّض على المشقة، وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات، وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان.
وكل عام وأنتم بخير.



                                                                   *نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 يونيو 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...