هل أصابَ الإعلاميُّ السُّعُوديُّ مشاري الذايدي، كَبِدَ
الحقيقية، عندما اختتمَ مقالَهُ بصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، المنشورَ قبل
أيامٍ بقولِهِ: «خلاصةُ الأمر، ترامب أخطأَ بكلامِهِ ضدَّ السعودية، فوجَبَ الرد، لكنه
ما زالَ الحليفَ الأهمَّ دوليًّا في ضربِ مصادرِ الشَّرِّ والفوضى في العالم»؟
وهل التصريحاتُ المَنْسوبة والمنشورة في الصحيفةِ نفسها،
لأحَدِ أفرادِ عائلةِ جمال خاشقجي الإعلامي السعودي المُختَفِي (أو المقتول) في
مدينةِ إسطنبول التركية بعدَ ساعاتٍ
من دُخُولِهِ قنصليةَ بلاده، تعكِسُ صورةً واضحةً وكاشِفة لهذا اللغزِ الذي يزدادُ
غموضًا مع الأيامِ، حيث أكَّد معتصم خاشقجي أن «جمال مواطنٌ سعودِيٌّ، وبِلادُهُ حريصة
عليه أكثرَ من أفراد أسرته»؟
أزمتانِ عاصفتانِ خلالَ أسبوعٍ واحد، أحاطَ غُبارُهما الكثيفُ
بالمملكةِ بصورةٍ بَدَتْ وكأنَّ الأمرَ مقصودٌ ومُدَبَّر؛ بدأَتْ الأزمةُ الأولى
مع تصريحاتٍ (ساذجة) من الرئيسِ الأميركيِّ دونالد ترامب، قال فيها: «نحن نحمي السعوديةَ،
ستقولونَ إنهم أغنياء، أنا أُحِبُّ المَلِكَ سلمان، لكنني قلتُ له: (أيُّها المَلِكَ..
نحنُ نحميك.. وربما لا تتمكَّنُ من البقاء لأسبوعين في الحكم من دون جيشنا، لذلك عليك
أن تَدْفَع)».
ثم جاءَتْ أزمة «اختفاءِ خاشقجي» لتزيدَ الغبار وتنشطَ معها
اللِّجانُ الإلكترونِيَّة والفضائية المارقة، ليبدأَ الهجومِ على السعودية في وسائل
الإعلام العربية والدولية، إلا مَن رَحِمَ ربِّي مِنْ عُقَلاء تَأَمَّلوا المشهد
بحكمةٍ وأدركوا قوةَ المؤامرة، وتَفَهَّموا أسبابها.
ووضَحَ من التحرُّكِ السعوديِّ السريعِ بالحديثِ
الهادِئِ لوليِّ العهد، الذي أدلى به لوكالة «بلومبرج» الأميركيةِ
هذا الأسبوعَ، أنَّ هناك خُطَّةً سعوديةً عاجلةً لمواجهةِ هذه الزوبعة التي تهدف
لابتزازِ المملكة سياسيًّا واقتصاديًّا لإجبارِها على مخالفةِ مواقفها الثابتة
الرامية لصالح مواطنيها وحماية أمنها.
أما السُّعارُ الإعلاميُّ على المملكة، وتأجيجُ نيرانِ
الأزمتَيْنِ وتضخيمهما فيقفُ وراءَهُ الخلايا الإخوانيةُ الظاهرةُ في كلٍّ من
تركيا وقطر، والمتخفِّيَة في عدةٍ دول أخرى (ومنها المملكةُ للأسف) التي تُمارِسُ
أدوارًا مشبوهةً في السرِّ والعلن، وتدفعُ بمصائرِ الشعوبِ إلى حافَّة الهاوية، فهي
مثل البكتريا تجد لها حياةً في مستنقعِ الأزمات.
إيران أيضًا ليست بعيدةً، وأيديها المنتشرة في المنطقة
لا تكفُّ عن العبث، وها هو وزير خارجيَّتِها (ظريف) يصفُ ما فعله ترامب قائلًا: «إنه
يذلُّ السعوديين»، ويضيف في تغريدة نشرها على «تويتر»: «نمدُّ يَدَنا مرةً أخرى إلى
جيرانِنا... دعونا نبنِ (مِنطقةً قويَّةً)، ونُوقِفْ هذا الغرور».
أما المُفلِسُ التركي أردوغان، فقد جاءَتْه قصة خاشقجي
(أو صَنَعَها)، في الوقت المناسب، الذي كان يبحث فيه عن إغاثةٍ ماليةٍ عاجلةٍ تُنقِذُ
اقتصادَ بلادِهِ المنهارَ، حيث لم تَكُفَّه عطايا شريكِهِ القطريِّ تميم عن انتظار
المزيد من الدعم المالي، وربما هذا يفسر سرَّ تأخُّرِه في التعامل مع القصة، ثم
تلاعُبَه في التصريحات ومراوغاتِ أعضاء حكومته في تضليل الرأي العام ليزدادَ غموضُ
القضية، أملًا في مزيد من المكاسب.
إن المملكةَ الشقيقةَ شَرَعَتْ قبلَ ثلاثةِ أعوام في
رحلة إصلاح وتغييرٍ جذريةٍ، تُواجَهُ بمقاومةٍ داخليةٍ ومؤامراتٍ خارجية، بلغَتْ أَشُدَّها
مؤخرًا بفعلِ تربُّص الأشقياء الثلاثة (إيران- تركيا- قطر)، يساندهم تنظيمُ
الإخوان وجماعاتٌ دينية منشَقَّة عنه، وخَلْفَ الجميع يقفُ المتحرِّش الأميركي
يبتزُّ الجميع.
ومساندةُ السعودية في مواجهة هذه «الزوابع»، فَرْض علينا
جميعًا، ليس دعمًا لنظام حاكم، ولكن مناصرةً لأشقاء تشاركنا معهم في كلِّ الأوقات،
وأجبرتنا المسئوليَّة التاريخية على أن
نقفَ معًا في خَنْدَق واحد ضد الأعداء والأطماع التي تحاصر الشرق الأوسط.
حفظ الله مصر والسعودية وشعبيهما، وأنارَ الطريقَ أمام
قيادتِهما وأرشدَهما حُسنَ القرار.
* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 10 أكتوبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق