كشَفَتْ قصَّةُ خَلْع الممثلة المصرية السابقة حلا شيحة لحجابها (أو نقابها)، عوارًا اجتماعيًّا فاضحًا وخللًا فكريًّا واضحًا٬ يستدعي جهادًا تنويريًّا من أهل الفكر والرأي ومشايخ العلم، لرَأْب هذا التصدع الخطير الذي كشف عن جهل كبير، انعكس في الانقسام المتطرف بين وجهتي نظر، كلتاهما باطلة.
وقد صاحَبَ وقائعَ القصة وفصولَها، صَخَبٌ صبياني (هيصة وزفّة) إعلامي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأدلى الآلافُ برأيهم وتنابذوا بـفِقْهِهم، وكالعادة تم الزج بـ«الإسلام»، وخرج من يدافع من لاصقي الذقونِ مدعي التديُّن المتمسحين في السلفيَّة، وفي المقابل انبرى مَن يهاجم الإسلام، من رافعي شعارات العلمانية، عُشَّاق الشهرة بحرق ثوابته والرقص فوق تعاليمِهِ.
وبفعل هذا الصخب تحوَّلَتْ قصَّةُ شخصية تخصُّ ممثلة متواضعة، قدَّمَت عددًا محدودًا من الأفلام السينمائية ضعيفةِ المستوى، نحو 10 أفلام خلال سبعِ سنوات، قبل أن تعتزل فجأة وترتدي النقاب لمدة 12 عامًا، أُشيعَ أنها مارست دورًا دعويًّا في آخر أربع سنوات منها، لا شك عندي أنه كان أكثر تواضعًا من مستواها كممثلة.
وحلا شيحا، ليست أول المعتزلات العائدات فقد سبقها كثيرات خلال الربع قرن الماضي الذي تبلورت فيه ظاهرة «اعتزال الفنانات»، التي قيل عنها الكثير ولم يثبُتْ منه إلا النذر القليل، ومما قيل تمويل دولة إسلامية (نَفْطِيَّة) ودَعْم عدد من مشاهير الشيوخ والدعاة الجدد لتجنيد الفنانات وإبعادِهِمْ عن التمثيل، ولكن الملفَّ كان قد طواه النسيان منذ سنوات.
وعودة حلا جدَّدَتْ ذكرياتِ الرأي العام العربي مع هذا الملف الخطير الذي كاد يغرق في بَحْرِ الذكريات، مع ملفَّات أخرى كثيرة طَفَحَتْ على أجندة الاهتمام بلا أيِّ منطق أو مبرر ثم اختفت فجأة أيضًا، وهو ما أكد شكوكًا دائمة حول وجود أصابعَ خفِيَّةٍ تحرِّك هذه الملفات لخدمة أهدافٍ وأغراض غير مرئية.
وعودة حلا جدَّدَتْ ذكرياتِ الرأي العام العربي مع هذا الملف الخطير الذي كاد يغرق في بَحْرِ الذكريات، مع ملفَّات أخرى كثيرة طَفَحَتْ على أجندة الاهتمام بلا أيِّ منطق أو مبرر ثم اختفت فجأة أيضًا، وهو ما أكد شكوكًا دائمة حول وجود أصابعَ خفِيَّةٍ تحرِّك هذه الملفات لخدمة أهدافٍ وأغراض غير مرئية.
ولمزيد من الإثارة، ظهر فيديو لملتحٍ يبكي حزنًا على خلع حلا لنقابها، مع الإيحاء الضمنيِّ من هيئته وطريقة حديثه بأنه سلفي، أعقبه تغريدة لحساب يقال إنه لابنة خيرت الشاطر القيادي الإخواني المعروف والمسجون حاليًا على ذِمَّة عدة قضايا، لتكتمل الدائرة وتدخل القصة منعطفًا جديدًا، يدفَعُها إلى دوائرِ السياسة التي تغلي بحثًا عن ثقب للتنفيس، ومع تصاعد أبخرة السياسة وغبارها، دلف دراويش الدين وأعداؤه كل طرف يصرخ في وجه الآخر في مشاجرة فقهية حول «الحجاب» حتى كادا يمزقانه، فدخل الدين من جديد كطرف في معركة هو أبعد ما يكون عنها، وتجدَّدَ سيِّئُ الكلام عن الإسلام، وفتح الباب لبحث مشروعية الحجاب، فخرج الجميع وراء السراب.
وحسم وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة الجدل حول «الحجاب» في أحد الحوارات التليفزيونية مساء الاثنين الماضي عندما سأله المذيع عن «عودة حلا شيحا» فردَّ قائلًا: «يجب أن نفرق بين الشرع الثابت وبين إجبار الناس على حمل الشرع، ولا إكراه في الدين»، مؤكدًا على إجماع الفقهاء وعلماء المسلمين على حجاب المرأة، مؤكدًا: «لا يمكن تغيير نصوص الدين وأساسياته، والحجاب فرض، ولا نجبر أحدًا على الالتزام به، لأن الإسلام دين رحمه وليس إجبار، وما علينا إلا النصيحة، مثل صيام رمضان والزكاة ننصح المسلمين بضرورة الالتزام بهم، ولكن حسابهم عند الله وحده فقط».
أما الجدلُ حول قصة حلا نفسها بعيدًا عن الحجاب فلن يحسمه أهل الدين، بل هو ملك لمن يتلاعب بالقصة، وأستطاع أن يصنع منها «تريند» على السوشيال ميديا ليعكس قدرته على إثارة اهتمام الناس والتلاعب بهم كيفما شاء.
✍🏻 نشر في جريدة الـ«صوت الأزهر» بتاريخ 15 أغسطس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق