الخميس، 7 يونيو 2018

«رجيم».. رمضان كريم



يبدو أن «نسر الصعيد» محمد رمضان قد اختَصَر (دون قصد) علاقة المصريين (الغميقة) مع الطعام خلال شهر رمضان، فقد تغنى مازحًا في إعلان إحدى شركات المحمول: «واللي يقول لك عامل رجيم.. قول له رمضان كريم».
وبين شطرَيْ الجملة تتأرجح حالتنا في كل عام مع ثبوت هلال الشهر الكريم، ننوي من اليوم الأول الاقتصاد في الطعام، وتحلق بنا الطموحات وراء حلم «الرجيم»، وبعد أن ينتهي إفطار هذا «اليوم الأول»، الذي يشتمل على كل ملامح الكرم الرمضاني المعروف لدى عموم المصريين، تتحطم وتنهار أحلام «الرجيم»، ونحن نلهث بين صنوف الطعام الشهية ونردد في «بلاهة» مأثورة: «رمضان كريم».
والحديث عن ارتفاع استهلاك المصريين (والمسلمين بشكل عام) في شهر رمضان، ليس كلامًا مرسلًا، بل هو واقع أليم نعيشه كل عام، فالدراسات تؤكد أن نحو 83 في المائة من الأسر المصرية تغير عاداتها الغذائية خلال شهر رمضان، ويزداد استهلاك المصريين بشكل ملحوظ من جميع الأغذية، وبحسب تقرير غرفة الصناعات الغذائية المصرية، «فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان يرتفع بمعدل 70 في المائة، عن باقي أشهر السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن بنسبة 50 في المائة»، فيما أشار تقرير حكومي إلى أن الأسر المصرية تنفق 250 مليار جنيه سنويًّا على الطعام بما يمثل 45 في المائة من إجمالي إنفاقها السنوي، وشهر رمضان وحده يستأثر بالنصيب الأكبر منها مقارنة بباقي شهور العام، حيث يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلاله إلى 45 مليار جنيه بواقع 1.5 مليار جنيه يوميًّا.
ورغم هذا السلوك الاستهلاكي المنافي تمامًا للشهر الكريم، فإن الأشد قسوة هو ما كشفت عنه آخر الإحصائيات، حيث يتم إهدار نحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنويًّا حول العالم، وبتكلفة تزيد على تريليون دولار، وتُعدّ الدول العربية من أكثر الدول إهدارًا للطعام، خصوصًا في شهر رمضان، إذ تذهب أطنان من الطعام للنفايات، وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول العربية الأكثر إهدارًا للطعام، إذ يُهدر المواطن السعودي 427 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا، وتتبعها الإمارات، بواقع 196 كيلوجرامًا، فيما أكد مسؤولون في منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة «فاو»، أن الفرد الواحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يهدر 250 كيلوجرامًا من الطعام الصالح للأكل سنويا، لافتين إلى أن المواطن المصري الواحد يهدر 73 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا.
مجمل ما تضعنا أمامه الدراسات، أننا أمام نمط سلوكي لا يقبله الإسلام، ولا يليق بالمسلمين الذين حَوَّلوا شهر الامتناع إلى صراع على الإشباع.. وتسابق معظمهم في شبق محموم على الملذات الزائفة، مفرطين في كل شيء، من الطعام إلى المسلسلات حيارى بين خيام الحفلات.
ولا أضيف جديدًا عندما أذكِّرُكم بحكمة الصوم، وقد انتخبت كلمات طيبات، مختصرات (بتصرف) من الخواطر الإيمانية لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) في تفسيره للآية الكريمة من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، حيث ذكر أن الآية تحمل «تكليف محبة» من المولى عز وجل لـ«الذين آمنوا»، موضحًا أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى ميزة عظيمة وهي جماع الخير، وقد كتب علينا الصيام لنتقي الله، أي نتقي غضبه، ولنهذب شهواتنا، فكل معاصي النفس تنشأ من «شَرَهِ مادِّيَّتِها»، والصيام يضعف وقود المادية، والعبد إذا صام فإنه يتربّى على العبادة ويتروّض على المشقة، وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات، وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان.
وكل عام وأنتم بخير.



                                                                   *نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 يونيو 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...