هل
حَمَلَتْ كلماتُ الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب الأخير الذي جَرَتْ فعاليَّاتُهُ
قبلَ أيامٍ في جامعة القاهرة، أيَّ هُجُومٍ على الأزهر أو مشايخِهِ؟
لِمَن
لم يُتابِعْ، لم يحدث هذا مطلقًا، ما قيل كان كلماتٍ يؤكِّدُ فيها الرئيس على فلسَفَتِهِ
في التغيير، ورغبَتِهِ المستمرَّةِ في التجديد والتطوير، بوصفِهِ رئيسَ البلادِ
وقائدَ جيشِها الذي يدفع أبناؤُهُ كلَّ يومٍ من دِمَائِهِمْ، فاتورةَ التفسيراتِ
الخاطئة والمتطرفة للدين، فوجَبَ عليه في كلِّ فرصة أن يُذَكِّر بهدفِهِ الكريم
(تجديد وتطوير الخطاب الديني) بحُكْمِ مسئوليَّتِه أمامَ الله وأمامَ الشعب المصري.
وهو
حديثٌ جاءَ في إطار البرنامج الرئاسيِّ لتطوير التعليم، الذي يمثل «الدينُ» عصبًا
رئيسيًّا وركيزةً مهمةً ومؤثِّرةً فيه، وكلامُ الرئيس ورسائلُهُ الجديدة والقديمة
تصلُ بانتظامٍ لكلِّ المسئولينَ عن هذا الملفِّ في الدولة، ومنهم مؤسسةُ الأزهر
الشريف (جامعًا وجامعةً)، الذين بدورهم يترجمونَها إلى خُططٍ وسياساتٍ يتمُّ تنفيذُها
وفقَ توجُّهاتِ الدولةِ المصرية.
لكنْ
وكالعادةِ تَطَوَّعَ أو تنَطَّعَ أو دَفَعَ بعضُهُم ليبدأَ موسمًا جديدًا في
الهجوم على الأزهر فَقَطْ، وكأنَّه المعنيُّ وحدَهُ بالتطويرِ والتجديدِ، وكأنَّ كُلَّ
التطرفِ الذي يستشري في العالم بسببِ العِلْمِ الأزهري، مغفلينَ (عمدًا) عواملَ
عدةً بينها الاقتصاديُّ والسياسيُّ والاجتماعيُّ، تقِفُ وراءَ ظاهرةِ الإرهابِ
الدينيِّ التي تمثِّلُ ملمحًا واحدًا من أوجهٍ كثيرة لظاهرةِ الإرهاب والعُنفِ
التي تجتاحُ العالمَ منذُ سنواتٍ بفعل تراكُماتٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ،
وصراعاتِ أممٍ على مصائرِ شُعُوبٍ، يختزلُها هؤلاءِ المأجورونَ (داخليًّا وخارجيًّا)
في الإسلام فقط.
وللذكرى،
أُحِيلُكُمْ إلى توصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ (أكتوبر 2016)، حيثُ وَجَّهَ
الرئيس السيسي الحكومةَ بالتعاونِ مـع الأزهـرِ الشريـف والكنيســة المصريـة
وجميــعِ الجهات المعنيــة بالدولة بوَضْعِ ورقـةِ عمـلٍ وطنيـةٍ تمثل استراتيجيةً
لوضعِ أسسٍ سليمة لتصويب الخطاب الديني في إطار الحفاظ على الهوية المصرية بجميعِ
أبعادِها الحضارية والتاريخية.
أمَّا
عن إشاراتِ الرئيس التحفيزية لرجال الدولة من الوزراء والمسئولينَ، التي يُطلقُها
بين الحينِ والآخرِ (والتي يُضَخِّمُها بعضُ الإعلاميينَ)، فقد كانَ لفضيلةِ
الإمام الأكبر نصيبٌ منها، حيث عاتَبَه الرئيس مازحاً: «تعبتني.. يا مولانا»، في كلمته
أثناءَ احتفال الشرطة المصرية بعيدها في يناير 2017، وهي إشارات تأتي في سياقِ لطفٍ
الرئيس وتباسطه، معبراً بـ«خفةِ دمٍ» مصرية معهودةٍ فيه، عن رسائلَ خاصةٍ تحملُ
قدرًا كبيرًا من المحبة، وتحوي مغزى التذكيرِ بإحدى تكليفاتِهِ المهمة، وما يُغفِلُه
مدمنو الهجوم والصيد في الماء العكر، عدد المرات التي أشاد فيها الرئيس بالأزهر
وشيخه وعلمائه في لقاءاتٍ متعددةٍ ومواقفَ مختلفةٍ.
لن
أحدِّثَكُم عما بَذَلَه الأزهرُ من جهدٍ متواصلٍ للتجديد والتطوير، فلِلأَزهرِ شيخٌ
يحكِيهِ، وقادةٌ ومشايخُ يجيدون عَرْض ما يبذلونَه من أجل رِفعة الإسلام وتأصيلِ
رسالته بنشر أفكاره في كلِّ أرجاء العالم، من منطلق الدورِ التاريخيِّ للمؤسسةِ
الوسطيةِ العريقة، التي يعرف القاصي والداني قَدْرَها، بينما يُهيلُ عليها نفرٌ من
الجهلاء حثالةً من كَلِمَاتِهِمْ المدفوع.
والمؤسف
أن تتجدَّدَ حملات الهجوم على الأزهر، في وقت كان من الوفاء أن نقومَ بشكر الأزهر
تقديرًا على النجاح الباهر لزيارة شيخه التاريخية للمملكة المتحدة (أشرس معاقل
الإسلاموفوبيا في العالم)، ومشاركة الإمام الطيب في منتدى صُنَّاع السلام بلندن،
واستقبال ملكة بريطانيا لفضيلته في قصرها، مما عكس تقديرَ بلادِها لرئيسِ مجلس
حكماء المسلمين ورمزِ الأزهر؛ أهمِّ مُؤَسَّسة إسلامية في العالم.
وختامًا،
أُكَرِّرُها لهم لعلهم يفهمون.
الفقر
(العِوَز) هو زاد الإرهاب.
الظلم
(القمع) أقوى دوافع الإرهابي.
الكبت
السياسي (التهميش) هو المناخ المثالي لتفشي الإرهاب.
تجديد
الخطاب الديني وحده لن يمنعَ الإرهابَ ولن يقضي على التطرف، قبل زوال البيئة
والأسباب التي ينمو فيها هذا الفكر المدمر.
*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 1 أغسطس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق