«اللهُمَّ بدرًا أخرى.. اللهم بدرًا تنصر فيها أولياءَكَ وتذلُّ فيها
أعداءَكَ، اللَّهُمّ انصُرْ أولياءك الآن كما نصرتهم من قبل»، هكذا هتَفَ شيخ الأزهر
الجليل وعالمنا الأصيل فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود (رحمه الله)، في أول خطبة للجمعة
تلَتْ يومَ العبورِ العظيمِ في السادس من أكتوبر عام 1973 ، فاهتَزَّت أرجاء الجامع
الأزهر وتهلَّلَتْ القلوب مع هتاف المصلِّين «الله أكبر»، الذي عانقَ تكبيرةَ جنودنا
البواسل على الجبهةِ المصرية التي حَمَلَتْها قلوبُهُمْ ورددتها ألسنَتُهُمْ من الضفَّة
الغربية ليعبروا معها من اليأسِ إلى الأملِ، ويزرعوا عَلَم مصر على الضفَّةِ الشرقيةِ
لقناة السويس، «الله أكبر.. تحيا مصر».
وقد
تعدَّدَتْ إسهاماتُ الأزهر الشريف وعلمائه وأبنائه الطلاب فى حرب أكتوبر المجيدة،
وفي مجالاتٍ عديدة، فقبلَ وبعدَ هذه الخُطْبةِ الفارقةِ، تحوَّل الأزهر بقيادة
شيخه الراحل إلى غرفة عمليات أثناء الحرب، وبالاتفاق والتنسيق مع وزير الأوقاف آنذاكَ،
كان خطباءُ المساجدِ خليةَ نحلٍ فى دروسٍ دينية يومية لتبصيرِ الناس بضرورةِ
الجهاد، وأنَّ أولادَهُمْ يخوضونَ أشرفَ المعاركِ ولو أُصِيبَ أحدُهُمْ أو استُشهِدَ
فذلكَ مدعاةُ فخرٍ لأهلِهِ، وأيضًا حَثّهم على المشاركةِ المدنية التطوُّعِيَّة
سواء بالتبرُّعِ بالدم فى المستشفيات أو حراسة المنشآت وحماية الكباري الرئيسية
والطرق ليلًا تحسُّبًا لأيةِ غاراتٍ أو مفاجآت من العَدُوِّ، حتى يتحققَ النصرُ
بفضلِ اللَّهِ.
هذا
النصرُ الذي حمل بشارتَهُ شيخُنا العارفُ باللهِ عبد الحليم محمود إلى الرئيسِ
السادات في يناير 1973 (وفقَ ما اتَّفَقَ عليهِ رواةُ القصة)، فقد ذَكَرَها
الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور إبراهيم عوض فى كتابه «عبد الحليم محمود.. صوفيُّ
زمانِنا» وأيضًا ذَكَرَها الدكتور محمود جامع مستشارُ الرئيسِ السادات، فى كتابِهِ
«كيفَ عرفتُ السادات»، بل إن شيخَنا الراحلَ لَمَّحَ إليها سريعًا في خطبته المشار
إليها أعلاه، دون أن يذكُرَ أنه بطلُها (لَمَّح البعضُ أن صاحب الرؤيا الأصلي كان
الشيخ صالح الجعفري.. واللَّهُ أعلم).
وتروي
القصةُ أن شيخَ الأزهرِ الراحلَ قد رأى النبيَّ عليه الصلاة والسلام فى منامه
أثناء زيارته للمدينة المنورة عقب أدائه لمناسك الحج مطلع عام النصر، وأن النبي
الكريم (وفق رؤيا الشيخ عبد الحليم محمود) كان يعبُرُ قناةَ السويس حاملًا راية
«الله أكبر» ومعه رَهْط من الجند والصحابة وعلماء الإسلام. فاستبشر الشيخ خيرًا
وأيقن بالنصرِ، وعندما نَقَل رؤياه للرئيس أكد له أنه بالفعل قد اتخذَ قرارَ الحرب
بعد أن اكتملت جاهزِيَّةُ الجيش للقتال،
وأن التنفيذ سيتمُّ وفقَ الخطةِ الموضوعة لذلك.
وكان
الأزهرُ الشريف حاضرًا ومؤثرًا في هذه الخطة قبل بدء العمليات العسكرية، حيث أسهم
بدوره في التأهيل النفسي للجنود والضباط، فقد نزل المشايخ مع الجنود إلى ساحة
القتال، ورافقوهم فى الخنادق، وعاشوا معهم في الثكنات العسكرية لتثبيتهم معنويًّا،
وانطلقت كتائب العلماء بين الجنود لتخبرهم أن النصر لا يكونُ بقوَّةِ السلاح فقط،
وإنما بقوَّةِ الإيمان، وبالصدق مع الله تعالى، وبوضوح الهدف الذي يُقاتِلُ من أجْلِهِ
الإنسان، ويكون بالتوكل على الله: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ
النَّاصِرِينَ﴾.
ولعلَّ
كلماتِ شيخ الأزهر الراحل العارف بالله عبد الحليم محمود، في خطبة «جمعة النصر»
التي أشرت إليها في أول المقال، هي خير دليل على أثَرِ الدور الأزهري في شَحْذِ هِمَّة
الأمة قبل وأثناء المعركة: «مِنْ على منبرِ الأزهر، هذا الأزهرُ الخالد الذي تلجأُ
إليهِ الأمَّةُ المصرية، تلجأُ إلى الله فيه عند الأزمات، ترجو الله أن ينصر، وأن
يوفِّق، وأن يهديَ، من على منبرِ الأزهر الخالد نُعلِنُها باسم علماء الإسلام حربًا
مقدَّسةً ونعلنها جهادًا في سبيل الله، ومن على هذا المنبر، نرسل تحيَّتنا إلى
القائد الأعلى وإلى جُنُودِنا الأبطال، الذين حققوا المعجزات ببطولتهم وبسالتِهِمْ».
الله أكبر.. تحيا مصر
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 3 أكتوبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق