الخميس، 8 مارس 2018

زيارة ملكية للأزهر والكاتدرائية



يدشن وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان حقبةً جديدةً في تاريخ بلاده ومنطقة الشرق الأوسط، بجولته الخارجية الأولى بعد صعودِهِ المفاجئ في يونيو 2017، واقترابِهِ (على بُعد خُطوة) من عَرْشِ المملكة العربية السعودية، التي تُعَدّ واحدةً من أهمِّ دُوَلِ المنطقة، وينظر لها العالم بوصفها دولةً مؤثِّرةً بما لها من ثِقَلٍ إسلامي واقتصادي كبير.
ونظرة سريعة على دول الزيارة (مصر وبريطانيا وأميركا)، وقراءة لتفاصيل أجندة الزيارة في كل دولة تؤكد أنها بحقٍّ رحلة غير عادية.. الحرص في كل التفاصيل، والتدقيق في اللقاءات والمقابلات وأماكنها، والاختيار الذكيّ لمرافقي وليِّ العهد في كل لقاء.
يكفي أن الشيخ صالح آل شيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (وهو أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، كان في صحبة ولي العهد أثناء زيارته غير المسبوقة، التي تُعدّ الأولى لمسئول سعودي رفيع إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (في قلب القاهرة).
وظنِّي أن هذه الزيارة قَفَزَتْ بالمملكة سنواتٍ إلى الأمام، وصحَّحَتْ مسارَ العلاقة مع الآخر المختلف دينيًّا وفقًا لروح العصر الذي نعيشه، كما ستسهم مستقبلًا في إزالة رواسبِ عَدَاءٍ معروف بين بعض أنصار «الوهابية» وأبناء الديانة المسيحية، وهو العداء الذي أُرِيقَتْ بسببه دماءٌ بريئة، ولا يزال صدى هذه الأفكار المتطرفة راسخًا في عقول بعضِ المتأسلمين المصريين ممن تَرَبُّوا فكريًّا عليها، وسَعَوا إلى تصديرها ونشرها بكل الوسائل والطرق، أعان الله مشايخَنا المعتدلين على تنوير هذه العقول الظلامية.
وسبقَتْ هذه الزيارة التاريخية للكاتدرائية، زيارةٌ أخرى لا تقلُّ عنها أهميةً، قام بها ولي العهد السعودي إلى قلعة الإسلام الوسطي في العالم، وقبلةِ المعتدلينَ ومنارةِ المسلمين، الجامعِ الأزهر، وشرف بلقاء شيخه الطيب، فضيلة الإمام الأكبر، وهي الزيارة التي تُمتِّنُ العلاقة بين الأزهر والسعودية، التي وضح مدى الحرص الملكي عليها في السنوات الأخيرة، فقد سبَقَتْها زيارة من الملك سلمان في أبريل 2016.
وأعرب ولي العهد السعودي عن تقدير السعودية للأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء، مؤكدًا اعتزازه الشخصي بالأزهر، وبشخص الإمام الطيب ومتابعته لجهود الأزهر باستمرار باعتباره من أهم منارات وركائز الفكر الإسلامي، منوهاً بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر في مواجهة كل ما يحيق بالعالم العربي والإسلامي من مخاطر، معبرًا عن تقدير المملكة للدور الذي يقوم به فضيلة الإمام شيخ الأزهر في نشر ثقافة الوسطية والتعايش والسلام ومكافحة الفكر المتطرِّف.
وجاء لقاء ولي العهد مع عدد من الإعلاميين المصريين في منزل السفير السعودي السابق في القاهرة أحمد قطان، ليوضح لنا ملامح الفكر السياسي والديني في عقل الملك القادم للسعودية، والذي تبلور بزيارتيه للأزهر والكنيسة، وقد نشرت صحيفة «المصري اليوم» بعضًا مما دار في هذا اللقاء، حيث ذكرت أن وليَّ العهد السعودي قد أكَّد أن بلاده لديها انفتاح فكري وسياسي، رغم أنها تُواجَه دائمًا بأنها مملكة وهابية، وأوضح بن سلمان أن دعوة الشيخ عبد الوهاب بدأت منذ 300 عام، والإرهاب لم يحدث إلا في السنوات الأخيرة، وأن الشعب السعودي لديه أغلبية سنية، والشيعة يعيشون وسطهم، وأن ما حدث هو اختزال الدين الإسلامي من بعد عام 1979 في الأفكار المتطرفة، وما حدث في السعودية حدث في مصر بعدما قَوِيَت شوكة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وقال ولي العهد السعودي بحسب الصحيفة: «نعترف بأن السعودية استخدمت (الإخوان)، لكنَّ الجماعة تغلغلت داخل الجيش والشرطة والقضاء، وانتشروا في المساجد واستغلوا ثورة الخميني، فقاموا بحصار المسجد الحرام، رغم أن السعودية في الستينيات والسبعينيات كانت لديها حضارة أكثر مما نراه الآن بكثير».
وكان مِسك ختام الزيارة افتتاحَ الرئيس السيسي، والأمير محمد بن سلمان، والإمام الأكبر شيخ الأزهر، أعمال ترميم الجامع الأزهر، التي استغرقت أكثر من 3 سنوات، وبمبادرة ومنحة من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي تُعدّ من أكبر وأوسع عمليات الترميم والتطوير التي شهدها الجامع الأزهر على مَرِّ تاريخه الذي تجاوز الألف عام، ليبقى الأزهر ويستمر مُشعًّا نوره على العالم.
حفظ الله مصر والسعودية وشعبيهما، وألهم قائدَيْ البلدين الحكمةَ والهِمَّة وحسن التدبر لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية.

*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 8 مارس 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...