الخميس، 22 مارس 2018

هل انضم البشير إلى «الأسرة المصرية»!



لا تملِك مصر في ظلِّ أعاصيرِ السياسة في العالم، واشتعالِ المِنطقةِ بالأزمات إلا أن تحتوِيَ أزمةَ العلاقة مع حاكم السودان الفريقِ عُمَر البشير، التي شَهِدَت قبل شهور تصعيدًا مفاجئًا، تَبِعَه تحرُّك رئاسيّ مصري اتسم بالوعي والحكمة لتهدئة الموقف، ثم جاءت مُطالَبَة الرئيس السيسي للإعلام بـ«ضبط النفس» فيما يتعلَّق بالمسألة السودانية لتعكس حرصه على حكمة معالجة الأزمة ومحاولة تفكيكها، حتى كانت زيارة البشير الخاطفة للقاهرة (الاثنين 19 مارس)، وحضوره لحفل «الأسرة المصرية» الذي يحمل دلالات مهمَّة، ربما تكون كلمة الرئيس السيسي في هذا الحفل قد عَكَسَتْ ذلك بوضوح.
وقد بدأ الرئيس السيسي كلمته بالترحيب بالرئيس السوداني مؤكدًا على معنى مقصود: «أرحب بهم بين أسرَتِهِم وفى بلدِهِم مصر.. إنها لمناسبة عزيزة على قلبي، وعلى قلوب كلِّ المصريين، أن نحتفل بيوم الأسرة المصريةِ مع أخٍ كريم، وشقيقٍ عزيز، وصديقٍ مقرَّب»، واستطرد موضحًا: «فمصر والسودان أسرة واحدة، وشعب واحد، تربطهما وشائج أزلية لا انفصام فيها، من الأخوّة والصداقة ووحدة المسار والمصير.. هذا ما يستقرُّ في وجدان كل مصري وكل سوداني، من واقع هذه العلاقة الخاصة التي طالما رَبَطَتْ بين البلدين والشعبين الشقيقين، وما يجمع بينهما من تاريخ وحضارة مشتركة، وامتداد بشري متَّصِـل، وعلاقات نسب وقرابة ومصاهرة، على نحو يجعل من الشعبين المصري والسوداني أشبه بشعب واحد في وطن واحد».
وحسم السيسي شَكْل العلاقة بين البلدين ومستقبلها قائلاً: «لعلِّي لا أُبالِغ عندما أقول إن ما يجمع الشعبين المصري والسوداني هو رباط مقدس، تمتدُّ جذورُهُ منذ أن خَلَقَ الله الأرض، وستستمرُّ بإذن الله، حتى يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.. ولعلَّ نهر النيل العظيم هو الرمز الأكبر لهذه العلاقات والصِلات التي لا تنفصم بين شعبينا الشقيقين».
ومؤسسًا لإطار ومحددات العلاقة بين البلدين، قال الرئيس السيسي: «من هنا، فإنني أؤكد قناعة مصر بأن أمن واستقرار ومصالح السودان كانت وستظل دائمًا جزءًا لا يتجزَّأ من أمن واستقرار ومصالح مصر.. ولقد عَلَّمَتْنا التجربة، وكشفت لنا حوادث التاريخ عبر العصور والأزمنة، أنَّ كلَّ تطوُّرٍ إيجابي يحدث للسودان وشعبه يكون له كل الأثر الطيب على مصر وشعبها، والعكس صحيح».
واختتم الرئيس المصري رسائِلَه إلى نظيره السوداني، في الجزء الذي خَصَّه فيه من خطابه في حفل «الأسرة المصرية» قائلاً: «إن مصر، حكومةً وشعبًا، إنما تتسم سياستها نحو السودان الشقيق دائمًا بالحرص الكامل على استقراره وأمنه، والسعي نحو تقدم ورخاء شعبه الصديق، والرغبة فى دعم وتعزيز العلاقات بين البلدين على كافة المستويات، استثمارًا لما يجمع بينهما من مصالح مشتركة كبيرة، من أجل وضع أسس التعاون والتنسيق الكامل والتكامل فى المجالات كافة، تعظيمًا للمكاسب المشتركة، وبما يتفق مع آمال وتطلعات الشعبين، وما يجمعهما من مشاعر المحبة والمودة والرحمة الضاربة فى عمق التاريخ».
لا يجهل أحد تزايُدَ مساحة الخلاف بين مصر والسودان في السنوات الأخيرة، التي لم تتوقف عند الخلاف (المزمن) حول الحدود (قضية حلايب وشلاتين)، بل تضخَّمَتْ القائمة لتشمل مشكلات أخرى أكثر تعقيدًا، كان آخرها التنامي غير المحدود للعلاقات السودانية - التركية، الذي وَصَلَ إلى ذروته بتأجير السودان لجزيرة «سواكن» على ساحل البحر الأحمر، للأتراك، وهو الأمر الذي يمثِّل خطورةً كبيرةً على الأمن القومي المصري، لهذا كانت الوقفة الحادة، التي أعقبها صمت كبير لمراجعة المواقف، ثم كانت العودة من جديد إلى منطقة «الأشقاء»، التي ربما تُفلِح في تسويف الخلاف، فالدولتان تدركان خطورة اللحظة، وتعقيدات المشهد السياسي بما لا يحتمل أيَّ توتر أو تصعيد.
ومع كل ما سبق، فإنني لا أثق في الرئيس البشير؛ فتاريخ الرجل مع مصر منذ أن تولى الحكم في بلاده لا يتفق مع اسمه ولا يبشِّر بأي طيب، لكنها ضرورات السياسة التي تستوجب منا التحلِّي بالصبر ومعسول الكلام والتغني بالأمل وغزل الأحلام، لعل الله يُغيِّر ويبدِّل ما في النفوس، وظنِّي أن الحب الراسخ والممتد كنهر النيل، بين الشعب الواحد في مصر والسودان، يستحق أن نتمنَّى، ويستحقّ أن نحلم.



*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 22 مارس 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...