الكتابة عن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد
الطيب، أشبه بالتريُّض في بستان الخير، بين أشجار العطاء المثمرة، هي كتابة تشرَح الصَّدْر
وتزكِّي النفس، فالإبحار في سيرته العطرة، سواء قبل 19 مارس 2010، اليوم الذي
أكرمه الله فيه بانضمامه إلى قائمة الأئمة الكبار الـ47 الذين سبقوه إلى منصب «شيخ
الأزهر»، أو خلال الأعوام الثمانية التالية لهذا التاريخ، التي قاد فيها الأزهر،
وكانت فترة من أصعب السنوات في تاريخ مصر، نجح فيها الإمام الطيب بحمد الله أن يجعلَ
الأزهر جسرًا لكلِّ المصريين عَبَروا عليه محنة الثورة وفتنة الدين، لتنجو سفينة الوطن
من أنواء وأعاصير وعواصف مدمرة، أسقطت دولًا وحصدت أرواحَ شعوبٍ، لتبقى مصر حُرَّةً
يحفظها الله ويحميها جيشُها ويُنيرُها الأزهر.
مواقف الإمام الطيب، في السنوات السبع العجاف التي مرت بها
مصر (2011 - 2018) لن ينساها له المصريون، الذين هَبُّوا ضد ظلم الحاكم يوم 25 يناير 2011 في ثورة مجيدة، خرج إمامهم الأكبر في
اليوم التالي لـ«جمعة الغضب» الشهيرة يصفُ مطالِبَهم بأنها «عادلة»، محذرًا من الفوضى
التي يمكن أن تهدِّد سلامة العباد والبلاد، وشَكَّل الشيخ الطيب خلال العامين التاليين
للثورة، حاجزًا منيعًا ضد التغلغل الإخواني في شؤون الأزهر ومحاولاتهم للهيمنة على
الخطاب الديني وتوجيهه وفق أجندتهم السياسية، وتقدم شيخ الأزهر الصفوف الأولى مع الشعب
المصري الذي أسقط حكم «الإخوان» في 30 يونيو (حزيران) 2013، وكان شريكًا رئيسيًّا ومعه
البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مجموعة
«3 يوليو» بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي التي عزَلَتْ محمد مرسي، وألقَتْ بيانَها
الشهير الذي أسَّسَ لمصر الجديدة، ووضع خارطة الطريق التي أنقذت مصر من السقوط أمام
مؤامرة «الإخوان» في «الربيع العربي».
وأدرك الشيخ الطيب خطورة ما مرت به مصر بين عامي 2011
و2013، وأثر ما أحدثته «25 يناير» و«30 يونيو»، فعقد العزم على قيادة ثورة التجديد
داخل أروقة الأزهر، يدعمه ويسانده الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي بعثت إرادته السياسية
الحاسمة ورغبته القاطعة في «تجديد الخطاب الديني» الرُّوحَ في خطط الأزهر لتطوير الخطاب
الديني، وفي كل مفاصل الدولة المصرية المتهالكة، لتتحول مصر خلال مدته الرئاسية الأولى
من «شبه دولة»، كما وصفها «الرئيس» شخصيًّا في بداية حكمه، إلى «دولة حالمة» كاملة
الإرادة، تتطلع في فترته الرئاسية الثانية التي تبدأ بعد أسابيع، لكي تقفز نحو المستقبل.
وإذا جاز لنا أن نحتفي بمرور ثمانية أعوام مَرَّت من عمر
الأزهر في ظل شيخه الطيب، فلعل الاحتفال بلغ أَوْجَه بافتتاح أكبر عملية ترميم للأزهر
في تاريخه قبل أيام بحضور الرئيس السيسي وضيفه الكريم ولي العهد السعودي، الذي مَوَّلت
بلاده علمية الترميم.
ولا يفوتنا في هذه المناسبة العطرة، أن نستعرض مسيرة رئيس
مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حفظه الله، فهو الحالم بأمر الله،
العاشق لأهل الله، الساجدُ في حب الله، الحارس الأمين لعلم الله، الإمام الأكبر لجامع
من خير بيوت الله.
وهو أستاذ العقيدة الإسلامية، ومفتي الجمهورية السابق،
والرئيس السابق لجامعة الأزهر.. الشيخ الصوفي ابن قرية القرنة بمحافظة الأقصر في
صعيد مصر، الذي تدرَّجَ في العمل الأكاديمي منذ تخرجه عام 1969، ثم حصوله على الدكتوراه
عام 1977 في جامعة الأزهر، وتُوِّجَت مسيرته العملية كأستاذ جامعي بتولي منصب عميد
كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، ثم عميد لكلية الدراسات الإسلامية
والعربية للبنين بأسوان، وقد عمل أيضًا، محاضرًا بجامعة «باريس» في فرنسا، وجامعة
«نريبرج» في سويسرا، كما عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية
بباكستان عام 1999، وعمل فضيلته بعددٍ من جامعات العالم الإسلامي، ومنها جامعة الإمام
محمد بن سعود بالرياض، وجامعة قطر، وجامعة الإمارات.
ولم تقتصر حياة شيخنا الطيب على التدريس والإفتاء فقط،
بل قام بتأليف عدد من الكتب، أبرزها: «مباحث العِلَّة والمعلول من كتاب المواقف»،
«مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والماركسية»، «مباحث الوجود والماهية من كتاب
المواقف»، «مدخل لدراسة المنطق القديم»، «تعليق على قسم الإلهيات من كتاب تهذيب الكلام
للتفتازاني»، «الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي».
وتصدَّر الإمام الأكبر في نهاية عام 2017، وللعام الثاني
على التوالي قائمة الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم، وجاء ذلك عن استحقاق
وجدارة، وتتويجًا لعطائه وجهوده البارزة في خدمة الإسلام والمسلمين والقضايا الإنسانية
في شتى بقاع الأرض، وترجمة صادقة لمواقفه، وسعيه الدائم لجمع العرب والمسلمين على كلمةٍ
سواء في مواجهة الظروف الصعبة التي تعصف بالأمة الإسلامية من أخطار الانقسام ومكافحة
الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى جهود فضيلته في التعريف بصحيح الدين الإسلامي
وترسيخ دعائم الوسطية والتعايش المشترك.
*نشر في صحيفة "صوت الأزهر" بتاريخ 14 مارس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق