الأربعاء، 28 فبراير 2018

«مو صلاح» ينتصر على «الإسلاموفوبيا»




يتصاعَدُ الهَوَس بشكل غير مسبوق في بلاد الإنجليز بـ«مو صلاح»، كما يلقبونه، حيث يلعب في أشهر أنديتهم (ليفربول). وقد أصبح محمد صلاح ابن مصر البارّ ونجم كرة القدم الفذّ الذي أعاد منتخب بلاده إلى كأس العالم بعد غياب 28 عامًا، قبل أن يفوز بالكرة الذهبية كأحسن لاعب أفريقي، ظاهرةٌ إنسانيةٌ فريدة تدعو للإعجاب والفخر والتقدير.
ولنقرَأْ بعض العناوين التي تداولَتْها «الميديا» العربية والعالمية، الأسبوع الماضي.. لندرك التحوُّل الكبير الذي أحدثه صلاح في بريطانيا، معقل «الإسلاموفوبيا» في العالم الغربي، وكيف حَرَّكَت موهبته ومهاراته في ملاعب الكرة، مياهًا راكدة في علاقة الإنجليز مع الإسلام.. فشل لاعبون كثر (في ملاعب أخرى) في تحريكِها.
* هكذا يغيِّر صلاح وزملاؤه نظرةَ الغرب للإسلام. «سكاي نيوز عربية» نقلاً عن «الجارديان» البريطانية.. وتناقلته عشراتُ المواقع والصحف المصرية والعربية.
* مدير مسجد ليفربول: صلاح خير سفير للإسلام في إنجلترا. «بوابة العين الإماراتية» نقلاً عن صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية.. وتناقلَتْه عشرات المواقع والصحف المصرية والعربية.
* محمد صلاح يثير جنون جماهير ليفربول.. مشجعو الريدز ينوون دخول الإسلام بسببه.. وأغنية الملك المصرى تهزُّ مدرجات «أنفيلد».. والفرعون ضيف دائم على حسابات «تويتر».. «اليوم السابع».
* مشجعو ليفربول: سنعتنق الإسلام إذا استمرَّ صلاح بالتألق.. «موقع العربية».
أما صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية العريقة فقد نشرت تقريراً مميزاً عن محمد صلاح، أكدت فيه أن صلاح نجح في تغيير سلوك الجمهور الإنجليزي، حيث قالت الصحيفة في تقريرها: «إن تألُّق اللاعب وأهدافه غيَّرَت فى سلوك الجمهور، الذي عُرِف عنه التصرُّفاتُ العنصرية تجاه الأقليات»، وأشارت إلى تراجع الحوادث العنصرية ضد الجالية المسلمة في بريطانيا، التي كانت قد ارتَفَعَتْ في السنوات الأخيرة بفعل تفاقُمِ ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمع الإنجليزي.
وركَّزَ التقرير الصحفي على النشيد الذي ألَّفَه الجمهور لصلاح مؤخرًا، والذي يقول: «إذا سجلت المزيد، فسأصبح أنا مسلمًا كذلك»، وهو ما اعتبَرَتْه الصحيفة أمرًا غيرَ مسبوق في الملاعب الإنجليزية.
وكل ما سبق يبدو طيبًا ولطيفًا في سيرة اللاعب ومسيرته، ولكن ما يبدو لي غير لطيفٍ هو ما حدث هذا الأسبوع من تلاسُن بين مبتهلٍ وداعيةٍ حول أنشودة تغنَّى بها الأول حبًّا في صلاح وتقديراً لدوره في إسعاد الجماهير وترسيخ صورة طيبة عن الإسلام في معقل التعصُّبِ ضده، ورأى الثاني أن هذه الأنشودةَ غيرُ جائزة شرعاً!
ومع تقديري لكلٍّ من المبتهل والداعية؛ فقد أسهما دون قصد في الإساءة للإسلام وللأزهر، بهذا الموضوع الهزلِيِّ السخيف، حيث انبرى كلاهما ليدافِعَ عن وجهةِ نظره وشَمَّر عن ساعديه ليُجاهِدَ الآخر في رأيه.
وقبل أن ننزلق معهما، فلنسأَلْ أولاً: ما الداعي لأن يتغنَّي مبتهل بمحمد صلاح وهو يرتدي الزيَّ الأزهريَّ، وقد عُرِف عنه تخصُّصُه في إنشادِ مدائحِ النبيِّ والابتهالاتِ الدينية المعبِّرة والمؤثِّرة، لمصلحةِ مَنْ هذا الالتباس؟! أرى أن الداعيَ كان هَوَس الشهرة والـ«لايكات» التي يلهَثُ وراءها كلُّ الناس في عصرنا المزدحمِ بالباحثينَ عن الشهرة.
المؤسِفُ أن يُقحَم داعية (أزهري) في هذه المباراة المملَّة، ويُستَدرَج كلاهما (المبتهل والداعية) لأحد برامج «الهوس» الليلية، ليتنابزا بالأفكار ويتلاعبا في الآراء، ومعهم المذيع (اللَّمِّيع) الذي يُجاهِدُ لإقحام الموضوع في منطقة الدين، و(يُشعللها) بزجِّ الأزهر وزِيِّه في القصة الفاسدة، التي شارك في صنعها جمعُهُم، بعد أن توحدوا حول هدف واضح، وهو القفز على شهرة نجم عالمي كبير.. أحَبَّتْه الجماهير، لينالَهُمْ من شهرته.. نفحةٌ مباركة!
وقصةُ «أُنشودة لاعب الكرة» تتكرَّرُ كثيرًا، لإقحامِ مؤسسة الأزهر الشريف في دهاليز هذه الأفكارِ المرتبكة، والتصرُّفات المذمومة، أملًا في النيل من مكانتها أمامَ الرأي العام، ولهذا حديث آخر.
أما محمد صلاح، فله منّا كل الاحترام، وهو يستحقُّ أن نُقدِّرَه ولا نقحمه في هذا العبث ونتعلم كيف استثمر الإنجليز نجاحَه بعيدًا عن الجهل والخرافات، و«شُغْل الثلاثِ ورقات».

الخميس، 15 فبراير 2018

يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي


دخلَتْ مصر، مطلعَ هذا الأسبوع، مرحلةً حاسمةً في حربها ضدّ الإرهاب، حيث ينفِّذ جيشنا الباسل «خطةَ المجابهة الشاملة للعناصر والتنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء ومناطق أخرى بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل»، كما ذكر البيان الأول الصادر عن القوات المسلحة، يوم الجمعة التاسع من فبراير (شباط) الحالي، الذي أعقبته بيانات أوضحَتْ التطوُّر في العمليات وحصادَ ما تمَّ من نتائجَ مأمولة، منها القضاء على عدد من الإرهابيين والقبضُ على عشرات منهم، كذلك تدمير أهداف ومخازن وخنادق تستخدمها العناصر الإرهابية في الاختفاء، وإخفاء العبوات الناسفة والمواد المتفجرة.

«يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي»
لا نملك غيرَ كلماتنا المحبَّة للوطن، وتقديرِنا الكبير للجيش وأبنائه من المقاتلين الشجعان، الذين خرجوا للجهاد في سبيل الله وضد أعداء الله «يطبقون حُكم الله على الإرهابيين في سيناء»، كما أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر. وكانت المؤسسة الشريفة قد دعت جميع أبناء الشعب المصري لدعم القوات المسلحة ورجال الأمن في مواجهتهم لتلك العناصر الإرهابية والإجرامية، «حتى تتطهَّر مصر من دَنَس تلك العصابات، التي روَّعَت الآمنين وسفكَت الدماء المعصومة، وعاثت في الأرض فسادًا».
وقد تابع الإمام الأكبر شيخ الأزهر باهتمام العمليات العسكرية، ووَجَّه رسالة طيبة للقوات المشاركِة فيها فورَ بدءِ العملية الشاملة للقوات المسلحة، أكد لهم فيها وقوف الأزهر (علمائه وطلابه) معهم في خندق واحد ضد قوى الشّرِّ والإرهاب.

«يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي»
واختزل الشيخ الطيب مشاعر ملايين المصريين حين ختم رسالته لإخواننا وأبنائنا من رجال الجيش والشرطة، قائلاً: «أبطالنا البواسل.. تسلحوا بالإيمان بالله، واعلموا أنكم في مهمة وطنية لحماية البلاد والعباد.. قلوبنا جميعا معكم، وألسنتنا تلهج بالدعاء لكم.. ونسأل الله لكم النصرَ المبين، وأن يعيدكم إلى دياركم سالمين.. واصمدوا فالله حافظكم وناصركم ولن يخذلكم».

«يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي»
ستبقى خالدةً تتردَّدُ في وجداننا بشجن، كأنها صرخةُ وداعِ كلِّ شهيد يسقط على أرض المعركة، أو كأنها تراتيلُ كلِّ بطل صامد على جبهة القتال، شامخٍ كالأسد في ظلمة الليل الحالك يعاند مناخًا قاسيًا وعدوًّا جبانًا يتخفَّى بين شقوق الجبال، يرتعد خوفًا عندما يسمعُها قويةً.. تزلزل القلوب الموصدة على غِلِّها وحقدها وأفكارها القاتلة، فتخرج علينا كالجرذان المذعورة وتطل بــ«فيديو» خائب وساذج مثلها، كأنه «صرير» تهدد فيه وتتوعد، أملًا في إحداث أيِّ تأثير سلبي على مجريات العملية العسكرية الشاملة في سيناء.

«يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي»
يردِّدها بأملٍ أهلُنا في سيناء، الذين دفعوا وحدهم النصيب الأكبر من فاتورة الإرهاب، وتحمَّلوا القدر الأصعب من الخسائر وما زالوا بنَفْس راضية يقدمون المزيد من التضحيات، ويقاومون الإرهاب بدعمهم الصادق لجيش بلادهم، ويكافحون الموت الذي يحاصرهم في كل مكان وكل وقت، بالحياة والعمل، وقلوبهم تحلم بالخلاص القريب من هذا الكابوس اللعين. وفي مقدمة طابور العطاء والتضحية يقف أهل العريش (أكثرُ مَن غَدَرَهم الإرهاب)، على العهد باقين، ولتراب الوطن.. عاشقين.

«يا بلادي يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي»

لا تنتظر مصرُ منكم في حربها إلا أن تُحِبّوها وتحفظوها في قلوبكم، وتخصوها في عيد الحب 2018، بأن تكون «محبوبةَ» العامِ التي نتقرب إليها جميعًا بأجمل الهدايا، وأغلاها.. نمنحها حياتنا مخلصين.. ونشكرها صادقين، ونعدها بأن نقف جميعًا متكاتفين.. شعبًا وجيشًا.. مصريين.


*نشر في جريدة صوت الأزهر بتاريخ 14 فبراير 2017

«لاظ شقلباظ» بين تركي «بجم».. وتركي «هجم»


تأخَّرَت مصر كثيرًا في قرارها المحترم، بحذف اسم «سليم الأول»، أحقر سلاطين الأتراك، من أبرز شوارع حيِّ الزيتون القاهري، الذي كان وجود اسمه على أحد الشوارع المصرية.. كارثة تستحق أن يُحقَّق في تاريخها، إذ إن الشعوب المحترمة لا تخلِّد مستعمريها ولا تمنحُهُم فرصة البقاء، إلا إذا كانت شعوبًا مريضة تستمتع بسيرة جلاديها، وظنِّي أننا - المصريين - أبعد ما نكون عن ذلك.
كل التحية لمحافظ القاهرة المهندس عاطف عبد الحميد، على قراره الجريء الذي صحَّح المسار، وردَّ الاعتبار لكرامة الشعب المصري من «سليم العابس»، بحسب وصف الإنجليزُ للسلطانَ الغازي «سليم الأول القاطع»، تاسع السلاطين العثمانيين وأوّل من لقَّب نفسه بـ«أمير المؤمنين» من آل عثمان.. حَكَم الدولة العثمانية بين عامي 1512 و1520م، ووصل إلى عرش السلطنة بعد انقلابٍ قام به على والده «بايزيد الثاني»، بدعم من الإنكشارية وخاقان القرم، ونجح بمؤازرتهم في مطاردةِ إخوته وأبنائهم والقضاء عليهم، وقد لقَّبَه الفرنساويين بـ«سليم الرهيب».
وقد انتصر على المماليك في مرج دابق، واستولى على سوريا، ثم توجَّه لمصر، وفي 23 يناير (كانون الثاني) عام 1517، دخل سليم الأول القاهرة في موكب حافل وأحاط به جنوده وهم يحملون الرايات الحمراء (شعار الدولة العثمانية)، وباغته طومان باي (خليفة الغوري سلطان المماليك) وجيشه بهجمات مُزلزِلة في منطقة «بولاق»، قبل أن يطلق الجنود العثمانيون النيران على المصريين، ويقتلوا ما لا يقل عن 50 ألف نسمة، وبعدها أمر سليم الأول بقتل طومان باي شنقًا بباب زويلة.
وجاء قرار المحافظ الشجاع متزامنًا مع تصريحات عبثية من وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، حول الاتفاق المبرم بين مصر وقبرص بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث نقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية (شبه الرسمية) عن أوغلو قوله إن تركيا «تقدمت بطلب لرفض الاتفاقية بين مصر وقبرص»، وقد رَدَّت الخارجية المصرية عبر المتحدث الرسمي للوزارة، المستشار أحمد أبو زيد، الذي قال: «إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، إذ إنها تتسق وقواعد القانون الدولي وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة»، وحذّر أبو زيد من أي محاولة لـ«المساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة»، مؤكدًا أن مصر تعتبر ذلك «أمرًا مرفوضًا وسيتم التصدي له».
الهجوم التركي على مصر لا يتوقف، ولم يكتفِ إردوغان وشِلَّتُه بإيواء ودعم مجموعات إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم في القاهرة، فلا يفوتون فرصة للتحرش بمصر ومحاربتها، وقصة الحدود مع قبرص، تفضح أطماعه وتكشف حقارتهم، فقبرص نفسها مرتبطة باتفاقات مشابهة لترسيم حدودها البحرية مع إسرائيل عام 2010، ومع لبنان عام 2007، ولم تعترض تركيا على هاتين الاتفاقيتين، فلماذا عندما فعلتها مصر، تذكَّرَت تركيا أنها تحتل الجزء الشمالي من قبرص، وأن لها حقًّا في مياه قبرص الإقليمية؟!
إنه الحقد الدفين في قلوب «الإردوغانيين» الأتراك، الذين برع عمنا الراحل صلاح جاهين في وَصفِهم في قصيدته المعنونة بـ«تركي بجم»، التي يقول في كلماتها: «تركي بجم.. سِكِر انسجم، لاظ شقلباظ.. اتغاظ هجم، أمان.. أمان.. تركي بجم»، والتي لَحّنها الشيخ سيد مكاوي وغَنَّاها بصوته الشجي، ليخلِّد سخرية المصريين من الأتراك.
وأخيرًا، أتمنَّى أن يكون طَرْد السلطان «العابس»سليم الأول من الشارع المصري، هو بدايةَ حملة لتطهير شوارع وحواري الفكر المصريِّ من شوائب عثمانلية علقت به بفعل خمسةِ قرونٍ من الاستعمار التركي الغادر، وفي هذا السياق أتمنَّى أن تُصدِر الهيئة الوطنية للإعلام قراراً بمنع عرض المسلسلات التركية على أي شاشة مصرية، كخطوة أولى لأنها تمثل غزو فكري وهيمنة خفية على العقل المصري.

يجب أن نعامل تركيا باعتبارها عدوًّا، فهي ثالث أضلاع الطمع في مصر والمنطقة العربية مع إسرائيل وإيران، وهي أكثرهم بجاحة ولا تستحي أن تكشف دوماً عن وجهها القبيح.


*نشر في مجلة «روزاليوسف» بتاريخ 10 فبراير 2018

الجمهورية الجديدة في مصر

1- كيف نبني معارضة وطنية؟



اضطُرَّت مصر مع نهاية عام 2013، أن تهدم هرمها السياسي كليًّا، بعد أن كان قد تصدَّع جزئيًّا جراء زلزال يناير 2011، ثم سقط وانهار عندما وصل إلى قمته رئيس خائن (محمد مرسي)، لا يزال يُحاكم أمام القضاء في عدة قضايا، منها تهمة التخابر، وعندما تقدم الرئيس السيسي ليقود مسيرة البناء والتنمية، وجدها فرصةً مثاليةً لإعادة بناء المنظومة السياسية المصرية من جديد.
ومنذ العام الأول لمدته الرئاسية الأولى، بدأت مؤسسة الرئاسة في تنفيذ خطتها المتكاملة لتصعيد الشباب، باعتبارهم «العمود الفقري» لأي نظام سياسي، وذلك من خلال برامج تدريب وتأهيل للقيادات الشبابية ثم أنشأَتْ «أكاديمية الشباب» منتصف العام الماضي لتكونَ مؤسسةَ تدريبٍ سياسي، يمكن أن يصبح خريجوها نواةَ مشروع «السيسي» السياسي، الذي بدأَتْ تتشكَّلُ ملامحه مع مطلع المدة الرئاسية الثانية، ولم يخفِ الرئيس تأثُّرَه (مع الشباب) بالتجربة الفرنسية التي أطلقها شارل ديجول عقب الحرب العالمية الثانية، وهو يعيد بناء بلاده المنهارة بعد الحرب، في كل المجالات، ويؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة.
واستلهامًا للحالة الفرنسية، فإن مصر أيضا تحيا عصرًا جديدًا وجمهوريةً ثالثة، وُلِدَت في 3 يوليو 2013، وجري تشييدها على قدم وساق في السنوات الأربع الماضية، دفعها للوجود منطق «الضرورة»، الذي فتح قصر الاتحادية أمام المشير عبد الفتاح السيسي، فأخذ على عاتقه عبء ومشقة البناء لتأسيس أركان النظام الجديد.. الجمهورية الثالثة، بعد جمهوريتي «يوليو 52»، و«أكتوبر 73».
وبدأ الرئيس على الدوام مهمومًا بـ«الدولة»، منذ أن أطلق رصاصة الرحمة على الجهورية السابقة، بتعبيره الشهير «شبه الدولة»، وشروعه منذ بدَأَتْ ولايتُهُ الأولى، 2014، في تأسيس عاصمة إدارية جديدة كجزءٍ من خُطَّة عمرانية كبيرة توَّجتها شبكة طرق عملاقة وعصرية، وقفزت حركة التشييد بشِقَّيْها المادي والمعنوي تتعجل بناء الدولة بأقل خسائر وأكمل وجه ممكن.
وسأكتفي في سلسلة مقالات «الجمهورية الجديدة في مصر»، بملفّات أظنها عاجلة وتستدعي تدخلًا رئاسيًّا سريعًا، ولعل أبرز ما فرض نفسه كعنوان أول لهذه السلسلة هو ملف المعارضة السياسية، وحتمية «بنائها» والتأكُّد من قدرتها قبل أن تنتهيَ الولايةُ الثانيةُ للرئيس في عام 2022، وسطوري الآتية مجردُ محاولةٍ أو«عصف ذهني» حول الكيفية التي يمكن أن تعجل بوجود هذه المعارضة الوطنية.
وأولى خطوات البناء الجاد، هي حَلُّ كل الأحزاب السياسية القائمة (فلا يُعقَل أن يوجد في مصر حزب للجماعة الإسلامية باسم البناء والتنمية)، وإقرار قانون جديد وعصري للحياة السياسية، تتصدر بنودَه شروط حاكمة لعملية تأسيس الأحزاب وشروط أكثر تنظيمًا لممارسة العمل السياسي، ويجب أن يمنح القانونُ فرصةً لتوفيق الأوضاع للأحزاب القائمةِ وتشجيعِها على الاندماج لتكوين قوى معارضةٍ حقيقية، كما يجب أن توفر الدولة في القانون الجديد سُبُلَ تمويلٍ أوليةً للأحزابِ التي تنطبقُ عليها الشروط، كما أقترحُ أن توفِّر الدولة من خلال وزارتَيْ الشباب والتنمية المحلية للأحزاب الجديدة خططَ تدريبٍ لكوادرِها السياسية، في المقابلِ يجب أن تتحول الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب المقبل إلى حزب سياسي حاكِم (لا يرأسه رئيس الجمهورية، وأتمنى أن يكون رئيسُه أيًّا من المهندسَيْنِ إبراهيم محلب أو شريف إسماعيل).
لقد افتقَدَتْ مصر خلال تاريخها الحديث أيَّ معارضةٍ وطنية منظَّمة وفاعلة، إلا في أحوال نادرة يصعب تذكُّرُها وسط زحام من المواقف المخزية للمعارضة المصرية عبر تجاربها المحدودة، سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها، فلقد تفجَّرَتْ كل الحركات والأحزاب المعارضة من رحم فكرة «كيد النسا» التي يحكمها آلية عمل وحيدة هي «فَرْش الملاية»، فبقيت هذه المعارضة محصورة دائمًا في ركن «رد الفعل»، فلم تصنع أي مبادرة صادقة مستندة على زخم شعبي حقيقي وتحرُّك سياسي ناضج، بعيدًا عن أي شبهات للتمويل والدعم الخارجي، أو الانتماء لأجندة أو أفكار ذات مرجعية غربية.
ولعل الفرصة مواتية الآن لبناء معارَضة جديدة، تناسب عصرًا جديدًا، وجمهوريةً وليدةً تتأهَّبُ لتأخذ وضعها بين الجمهوريات العريقة في العالم، ولن يقبل بوجودها في الصفوف الأولى وهي تمارس ديمقراطيةً عرجاءَ، منقوصةً أو معيبةً، ومهما كان حبُّنا وتأييدنا للرئيس السيسي فلن نُغمِضَ أعينَنا ونخفضَ صوتَنا عما شابَ تجربتَه السياسيةَ في السنواتِ الأربعِ الأولى من غيابٍ واضحٍ للرأيِ الآخرِ النابعِ من مشاعر وطنية صادقة وحب كبير للوطن، وهو ما سمح لرأي آخر بلباسِ معارضة، يخرج علينا من الماضي رغم سقوطه من نظر الشعب واهتمامِه.
إن المعارضة الوطنية هي أمل مصر وشعبها في المدة الرئاسية الثانية للرئيس السيسي، كي تكتمل دائرة الحياة السياسية الطبيعية وتستوعب كل فئات الشعب وأطيافه، داخل إطارها الوطني تحت شعار الجهورية الجديدة.. #تحيا_مصر بشعبها وجيشها.

*نشر في جريدة «الدستور» بتاريخ 8 فبراير 2018

الخميس، 8 فبراير 2018

هل الفن والأزهر «دونت ميكس»؟!


الإجابة المباشرة عن السؤال (العنوان) كانَتْ في جناح الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته التاسعة والأربعين، الذي شَهِد نشاطًا مسرحيًّا بارزًا تمَثَّل في مسرحية «شهيد الوطن»، التي أعَدَّها وأخرجها ومثَّلَها طلَّاب جامعة الأزهر، ودارت فكرتها حول نَبْذ الإرهاب والتطرُّف، والتأكيدِ على روح التآخي والتوحُّد بين المسلمين والمسيحيين، وأن الإرهاب لا دينَ له، وأن ضحايا العمليات الإرهابية هم شهداء للوطن كلِّه، بمسلميه ومسيحييه، كما تطرَّق العرض المسرحي إلى الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تسعى الجماعات المتطرفة لترويجها، وقام بتفنيدها والردِّ عليها عبر حوار هادئ وعقلاني.
في حين نَظَّم قطاع المعاهد الأزهرية عرضًا مسرحيًّا باللغتَيْنِ اليابانية والإنجليزية، عنوانه «الأزهر يتحدث عن نفسه»، وقدَّمَ العرضَ مجموعة من طلاب الابتدائي التابعين لمنطقة كفر الشيخ، وشهِد العرض العديد من الفقرات تضمَّنَتْ واقعَ طلابِ الأزهر وما يدرسونه ويتعلمونه من قِيَم ومبادئ وأخلاق. أما آخرُ عناقيد الفنِّ بالمعرض، فكانت من إعداد مجلة «نور» للأطفال، الصادرة عن المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، حيث قُدمت مسرحية «صديقتي الشجرة»، وقام بأداء المسرحية طلابُ أحدِ المعاهد الأزهرية بالمرحلة الابتدائية، وتناوَلَتْ المسرحية أهميةَ حماية الأشجار، لأنها نعمة كبيرة من الله يجب على الإنسان المحافَظَة عليها من القَطْع الجائر، بل وتزويد البيئة بها، لا سيما أنها تعمل على تنقية الجوِّ.
هل هذا يكفي لتأكيد عُمْقِ العلاقة بين الأزهر والفن؟
في ظني أنه لا يكفي، لكنه بداية يُكمل عليها، فجامعة الأزهر في حاجة إلى تدشين مهرجان سنوي للمسرح تتنافس فيها كلياتها المختلفة، أما في فنون الغناء والعزف والرسم، يجب تكثيف المسابقات وتعظيم الجوائز، وتبنِّي الفائزين ودعمهم لتطوير مواهبهم، لا أدري بالطبع ما الموجود من هذه الأنشطة وما الغائب، لكنها أنشطة تُطَبِّقُها كل رعايات الشباب بالجامعات المصرية، وفي إطار جهدهما المتواصل (الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، ونائبه الدكتور يوسف عامر)، فإنني أظنهما سيدعمان هذه الأنشطة الطلابية لتحقِّقَ مزيدًا من الازدهار بما يعود بالفائدة على الطلاب ويرفع من كفاءتهم الثقافية ويرسم بُعدًا جديدًا لشخصياتهم بعيدًا عن الصورة النمطية لخريج جامعة الأزهر، وقد ظهرت بواكير هذا الاهتمام في عرض «شهيد الوطن» بالمعرض الذي أشرتُ إليه في بداية مقالي.
ولأن الطمع في الخير.. مباح، فإنني أتمنَّى أن تتوسع جامعة الأزهر في دراسة الفنون عمومًا، وسأبلغ في المنى مداه وأتجرَّأُ بمطالبة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتوجيه مَن يلزم لدراسة مدى إمكانية إنشاء كليات للفنون الجميلة والتطبيقية ومعاهد للمسرح والسينما والتمثيل، ليستفيد الوطن بأبناء الأزهر في هذه المجالات، لينشروا من خلالها ثقافَتَهم الدينية الوسطية التي تعلموها، ويسهموا مستقبلاً في الحركة الفنية المصرية باعتبارهم جزء أصيل منها.
لقد استوقفني سؤال لطالبة مصرية مغتربة في السعودية ستحصل هذا العام على الثانوية العامة، وتتساءل في أحد جروبات «الفيس بوك» عن كلية فنون جميلة بجامعة الأزهر، فأجابها أحد الظرفاء قائلاً: «الفنون والأزهر.. دونت ميكس»، بينما رَدَّت إحدى السيدات الفاضلات وأبلغتها بأنه يوجد في جامعة الأزهر قسم للتربية الفنية بكلية التربية، ولكنه للبنين فقط. حزنت الفتاة وعَبَّرَت عن ذلك بوجه حزين وعقبت قائلة: «أُحِبُّ الرسم جدًّا منذ طفولتي وكنتُ أتمنى دراسته في الأزهر تحديداً لأصبح فنانة تشكيلية مسلمة»، ورغم سذاجة الرأي، وكأنَّ كلياتِ الفنون الأخرى تُخرِّج فنانين غير مسلمين، فإنه يستحق التأمل.
لم يتخيَّلْ أجدادنا قبل مائة عام أن الطب والهندسة والصيدلة سيتم تدريسُها في الأزهر، وأن يجاور الجامعَ العريقَ، جامعةٌ معتَبَرة تشاركها الاسم وتحمل على عاتقها الرسالة العظيمة ذاتها، وتُدرَّس فيها العلوم التطبيقية والإنسانية بجوار العلوم الفقهية، لهذا قد لا يتخيل آباء العصر الحالي أن أبناءهم أو أحفادهم ربما يدرسون في معهد الموسيقى بجامعة الأزهر، وأن بناتِهم ربما يتعَلِّمْنَ فنَّ الديكور أو التصوير في كلية فنون تطبيقية  أزهرية.
وأقول لمن لا يصدِّق إمكانيةَ حدوث ذلك، تأمَّلْ فقط عمارة الجامع الأزهر، المشحونة بأجمل تفاصيل الفنون البصرية، ستُدرِك على الفور أن «الأزهر والفن» لصيقان منذ أن وُجِد المسجد العريق وشيَّدَه جوهر الصقلي عام 970.. الفن جزء أصيل من تكوين الأزهر وفلسفة حضوره، به يتجدد ومعه يتحصن منهجه الوسطي الأصيل.

* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 7 فبراير 2018

الخميس، 1 فبراير 2018

تونس و«القائمة».. وأيام يناير«الغائمة»


يميل الجوُّ في يناير إلى حالة الـ«Cloudy»، أي «غائم» بلغة العرب، وتعني في معاجم اللغة: غير واضح، غير مُحدَّد، مُبهم. وتلقي هذه الحالة «الغائمة» بملامحها على أيامنا وأفكارنا ومشاعرنا وأخبارنا.
فيخرج علينا مثلًا، مَن يدعي أن الأزهر يُصدِر قائمةً بالدول الإسلامية، وأنه تجبَّرَ وحذف تونس من هذه القائمة، بسبب خلافٍ سابق حول قضية «ميراث المرأة» الشهيرة التي فَجَّرَها الرئيس التونس الباجي قائد السبسي قبل شهور في العيد السنوي للمرأة في تونس. ويُصدِّق كثيرون الخبر الكاذب، ويتداولونه بسذاجة يُحسدون عليها، ويتصدر الخبر الـ«ترند». وللأسف، فإن هذا العالم الافتراضي المزيف (مواقع التواصل الاجتماعي)، أصبحت بيتَ القصيد ومصدرًا مؤثرًا للمعرفة لدى قطاع عريض من شعوب العالم، رغم ما يعانيه من ضحالةٍ وازدحامٍ بكلِّ ما هو فارغ وتافِهٍ وكاذب.
وكانت القصة قد بدأت بعدما قامت صحيفة إلكترونية تونسية مجهولة ببثِّ خبر بعنوان «الأزهر يحذف تونس من لائحة الدول الإسلامية»، وجاء في سياق الخبر أن «الأزهر دعا إلى ضرورة تنظيم حملاتِ توعيةٍ لوقف الفتاوى الشاذة التي تطلقها تونس». المفاجأة أن الخبر لم يذكر قطّ أن الأزهر يسعى إلى حذف تونس من الدول الإسلامية، ورغم ذلك انتشر الخبر بسرعة، وتنوَّعَت التعليقات عليه بين الاستنكار والتأييد والتشكيك، لكن الخبر رغم سذاجته فتح نقاشًا صاخبًا حول هُوِيَّة الدولة التونسية بين المدنية والدينية، وزادت من سخونةِ هذا النقاش الحالةُ الثوريةُ التي يفرِضُها يناير من كل عام، والحالة الغائمة التي تمرُّ بها تونس سياسيًّا.
وقد أجَّجَ هذا الخبرَ الكاذب الذي غمرته المشاعر «الينايرية» الغائمة، الحملةُ ضد الأزهر، التي بدأت من تونس ثم تمدَّدَت إلى دول عربية أخرى، وتبارى رواد السوشيال ميديا في «الهاشتاجات» التي ذيلوا بها أرائهم في الهجوم على الأزهر، وكان أبرزها #تونس_تجلط_الأزهر (فشلت في معرفة معنى كلمة «تجلط» في العامية التونسية.. و أتمنى ألا تكون لفظة خارجة)، وقد دخل أيضا على خط الأزمة ليشعلها إعلامي مصري (يساري)، المدهش أنه أدلى برأيه وتجلى في هذا الموضوع الشائك والخطير، دون أن يكلف نفسه عناء البحث بالتواصل مع أي جهة أو شخص بالأزهر الشريف ليتحرى عن صحة الخبر من عدمه.
وأحسنت مؤسسة الأزهر الشريف صنعا، بإسراعها بالنفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، حيث أصدرت تغريدة على الحساب الرسمي للأزهر على «توتير»، جاء فيها: «تابع #المركز_الإعلامي_للأزهر الشريف بغرابة ما أثير مؤخرًا من شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنَّ #الأزهر قرّر حذف اسم #تونس من قائمة الدول الإسلامية.. ويوضح المركز أنه لا وجود من الأساس لمثل هذه القائمة وأن #الأزهر_الشريف لم يصدر أي تعليقات أو تصريحات بشأن دولة #تونس الشقيقة، مشددًا على ضرورة تحري الدقة فيما ينشر عن الأزهر الشريف».
ولأن الجو الغائم مُعدِ في تأثيره، فقد تكاثرت سحباً كثيفة منه حجبت أشعة الشمس عن مصر، فأدخلتها في حالة ليلية طويلة، نتمنى أن يفلح معرض الكتاب (أهم أحداث شتاء هذا العام) بنشاطه التنويري في أن يخرجنا منها، وتضئ شمس المعرفة المشرقة ظلام ليلنا، فخورين برجع الصدى القوي الذي أحدثه المشاركة التاريخية للأزهر الشريف في فعاليات المعرض هذا العام.

حفظ الله مصر وشعبها والأزهر ورجاله، من كل الغيمات.

* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 31 يناير 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...