فصل أسبوع وحيد بين تصدر أسمين أمريكيين (من اصل مصري) لقائمة إهتمامات الإعلام المحلي والعالمي، كلاهما في السابعة والثلاثين من عمره، وكلاهما صنع بطولته الخاصة (الخارقة) وفق فهمه للحياة، فاستحق أن تسلط عليه الأضواء، وأن يكون مثار أحاديث البيوت والمقاهي والشاشات.
أولهما رامي مالك،
الممثل الأمريكي ذو الأصول المصري الذي أختار الفن طريقاً للحياة، وبعد رحلة كفاح
مشرفة بدأتها أسرته التي هاجرت من مصر قبل أربعة عقود، وأكملها رامي الذي عشق
التمثيل وبدأ حياته الفنية عام 2004 وشارك في العديد من الأفلام والمسلسلات، حتى صعد
إلى قمة النجومية في سماء السينما الأميركية، واعتلى هذا الأسبوع مسرح «دولبي» في هوليود بمدينة لوس أنجلوس ليحصل على أهم وأغلى جائزة سينمائية في
العالم، جائزة الأوسكار كأحسن ممثل في دورتها الـ 91 عن دوره في فيلم «بوهيميان رابسودي»، ليكون أول أمريكي من أصل عربي (مصري) يحصل على الجائزة
التي تنظمها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة.
أما الثاني،
الحسن عبد الله العراقي، «الذئب المنفرد» الذي فجر نفسه في
حارة الدرديري بحي الدرب الأحمر الأسبوع الماضي، ليقتل معه ثلاثة من أبناء الشرطة
المصرية البواسل، سقطوا شهداء الواجب الوطني، بينما ضحى الحسن بحياته فداء وهم ترسخ
في وجدانه، بأن ممارسته للعنف هي جزء أصيل من عقيدته الدينية، ورغم عدم توثيق
تاريخ الإرهابي القتيل حتى كتابة هذا المقال، إلا أن عدد من المواقع الإعلامية
المرموقة (نقلت عن مصادر عليمة بالأمن المصري)، أن والده الدككتور عبد الله
العراقي كان طبيباً معروفاً في منطقته الشعبية بالقاهرة، قبل أن يهاجر إلى أمريكا
في نهاية القرن العشرين، وتناثرت معلومات عن نشأة المتهم في القاهرة قبل سفره إلى
أمريكا مع والده وحصوله على الجنسية الأمريكية، ثم ظهروه قبل شهور في مسقط رأس
أسرته بالدرب الأحمر، في بيت جده، قبل أن يتتبعه رجال الأمن الوطني بعد العملية
الفاشلة بجوار مسجد الإستقامة، ويكشفوا أسراره.
وقد أنطلقت في
القاهرة وعواصم عربية تظاهرة للإحتفاء برامي مالك بعد فوزه بالأوسكار، وأبدع
الكثيرون في التغني بأصله المصري وعلاقة هذا الأصل العريق بالمجد الذي حققه، وتغنوا
بكلمة مالك التي قالها عند تسلمه تمثال الأوسكار، حيث قال: «أنا ابن مهاجرين من مصر وأنا من الجيل الأول في عائلتي
الذي ولد أمريكياً». وعلى النقيض
تبارى أخرين في الحسرة والسخرية من قصة رامي، وبالغ بعضهم في تخيل حاله لو كانت
أسرته بقيت في مصر، وأي مستقبل كان من الممكن أن يتحقق له في «هوليود الشرق»، وهي مبالغات تعكس طبيعة مجتمع «السوشيال ميديا» المتطرف، ولكنها لن تنسينا أصل الموضوع، وهي أن رامي مالك فعليا هو أبن اصيل
للحضارة الأمريكية، ومثله أيضاً الحسن عبد الله، الذي ينتمي عقائديا للتنظيمات
الدينية المتطرفة التي احتصنتها أمريكا وما زالت تدعم وجودها في السر والعلن، وأن
كلاهما (رامي والحسن) رغم المسافة الشاسعة بينهما فإنهما وجهان لتجربة الهجرة إلى
أمريكا وشكل تأثيرها في ذوي الأصول المصرية والعربية.
وبالطبع يبقى فقط
بريق الأضواء المبهر، فلا نرى إلا وجه أمريكا الطيب، ويزول ويختفي الوجه القبيح،
لهذا بقي الحلم الأمريكي خالدا في نفوس المصريين، الذين يحتشدون إلكترونيا كل عام
ويلهثون خلف القرعة السنوية التي تجريها الولايات المتحدة للهجرة «تأشيرة الهجرة العشوائية»، للحصول على رخصة الإقامة الدائمة والمعروفة بإسم البطاقة
الخضراء «Green Card» والتي تؤهل بعد ذلك للحصول على الجنسية الأمريكية. وبقي مشهد الطوابير الكثيفة
التي كان يزدحم بها حي جاردن سيتي في سنوات ما قبل عصر التكنولوجيا، خالدا في
الذاكرة، حيث كان ألاف من الباحثين عن فرصة يصطفون أمام أبواب السفارة، أملا في تأشيرة
نجاة تنتشلهم من الضياع وتنقلهم إلى بلاد الفرص والدولارات، أجيال وراء أجيال
حلموا بأن يكونوا مثل رامي مالك، ولكنه هو فقط من فاز بالأوسكار، وبقينا نحن في
مصر نبحث عن أمل.
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 27 فبراير 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق