يستحق الحدث أن
نتوقف أمامه كثيرا، ليس بدافع الفخر أو الفرحة فقط ولكن لنتعلم ونستلهم من التجربة
وعبقريتها، ومن دلالات النجاح فيها كيفية تحققه، ربما نستنسخها في ملفات آخرى
أستعصى علينا فيها النجاح.
علينا أن
نتوقف وندرس ونتعلم من تجربة مصر مع أفريقيا في عهد الرئيس السيسي، وكيف تحولت
العلاقة مع الاتحاد الإفريقي المنظمة الأم والأهم للعمل الإفريقي المشترك، من
العزلة إلى الإحتضان، ومن تعليق العضوية إلى مقعد الرئاسة، ومن رفض الاعتراف بـ «30 يونيو» والدولة الجديدة التي تأسست من رحم الثورة المصرية المكملة، إلى إستعادة
الدولة المصرية لمكانها ومكانتها الطبيعية في قيادة العمل الأفريقي، إنها رحلة
مثيرة ومؤثرة، تختزل شخصية مصر وعبقريتها، وتبرز مناطق القوة الخفية فيها والتي
تستدعى في اللحظات العصيبة، لتعبر بمصر من اليأس إلى الأمل.
أستندت
مصر في رحلتها نحو القمة الأفريقية على ما زرعته في ستنينات القرن الماضي، والذي
أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام قادة وزعماء دول إفريقيا بعد تسلمه
رئاسة الإتحاد الأفريقي في العاشر من فبراير 2019، ليخلد اليوم في التاريخ ليتذكره
أبنائنا وأحفادنا عندما يحصدون ما تزرعه القيادة المصرية اليوم، مثلما تذكر رئيسنا
الحالي فضل الأباء قائلاً: «ولقد مضى أكثر من نصف قرنٍ على اجتماع الآباء المؤسسين الذين أرسوا سوياً
لبنة الوحدة الأفريقية هنا بأديس أبابا في مايو 1963، يومها قال الزعيم الراحل
جمال عبد الناصر: (ليكن ميثاقاً لكل أفريقيا، ولتُعقد اجتماعات على كل المُستويات
الرسمية والشعبية ولنبدأ طريقنا في التعاون الاقتصادي نحو سوق أفريقية مُشتركة)،
كلمات مضى عليها أكثر من نصف قرن ولكن ما يزال صداها ماثلاً أمامنا».
ستتذكر
الأجيال القادمة عبد الفتاح السيسي، وهي تردد المبدأ الذي رسخه في عام رئاسة مصر
للإتحاد الأفريقي: «الحلول الأفريقية
للمشاكل الأفريقية»، وستذكر أيضاً
مبادرته لـ «إسكات البنادق» في كافة أرجاء القارة بحلول عام 2020، وجهد مصر بقيادته
في تعبيد الطريق الطويل لإنهاء الاقتتال في أفريقيا، وطي الصفحة الأليمة من تاريخ
النزاعات في القارة السمراء والتي كانت تلتهم كل آمال التنمية فيها.
إن أول محاور
النجاح في تجربة (مصر/ السيسي) مع أفريقيا، ظهر جليا في إعادته الإحترام والتقدير
لدور (مصر/ عبد الناصر) في ترسيخ الوجود المصري في أفريقيا، وكذلك إستثمار ما
بذلته مصر خلال أكثر من نصف قرن في العلاقات الثنائية مع معظم دول القارة،
وإستحداث منهج «الدبلوماسية الناعمة» في إدارة العلاقات مع هذه الدول، بعد سنوات من التعالي (الدبلوماسي
والسياسي) الذي شاب علاقات مصر مع القارة ودولها.
ثم يأتي المحور
الثاني والأهم في إدارة الرئيس لمفاتيح العمل السياسي والمخابراتي والاقتصادي المصري
مع الملف الأفريقي، وخلق حالة من التناغم والتكامل بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات
ووزارتي الخارجية والتجارة في تفعيل الوجود المصري في كل الملفات والقضايا
الافريقية، وضربت مصر مثلا يحتذى به في إدارتها لخلافتها مع الأشقاء الافارقة،
وخصوصا في ملفي النيل مع أثيوبيا، والحدود مع السودان، لهذا صدق الحضور في قمة
الاتحاد الافريقي بأديس أبابا قبل أيام رئيسنا وهو يقول: «ستظل الوساطة والدبلوماسية الوقائية على قمة أولويات
الاتحاد الأفريقي، كما سنعكف على تعزيز التنسيق والمواءمة بين آليات السلم والأمن
القارية والإقليمية، لتتكامل دون تقاطع، بما يعزز الاستجابة المبكرة والفعالة
لمختلف الأزمات».
أما
المحور الثالث، فيتمثل في تفهم الإدارة المصرية لطبيعة الشخصية الأفريقية، والقدرة
المميزة في صياغة العلاقات المصرية مع القادة الإفارقة، بفضل الإدراك الواعي
لاختلاف الإيقاع وتباين الطموح وتنوع الرغبات.
كل الشكر
والتقدير لكل من ساهم في صياغة وإدارة العلاقات (المصرية/ الأفريقية)، في السنوات
الخمس الأخيرة وفي مقدمتهم الرئيس السيسي، الذي تعول عليه شعوب القارة أن تكون
رئاسته للأتحاد الأفريقي، بداية إنطلاقة قوية لكل الشعوب الأفريقية.
لتحيا
أفريقيا وتحيا شعوبها العظيمة..
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 فبراير 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق