تسببت عملية إنسحاب المملكة المتحدة من
الاتحاد الأوروبي «البريكست»، في جعل مصير الأمة الإنجليزية في خطر، ومستقبلها على
«كف عفريت»، وقد خرج هذا العفريت من مكمنه عندما صوت (أكثر من 51% ) من الإنجليز
بـ «نعم» لهذا الإنسحاب، بينما توقع العقلاء من ساسة ورجال مال واقتصاد، بأن يتسبب
هذا الخروج في أزمة حادة للأقتصاد الانجليزي كما أتفق معظمهم على أن هذا الانسحاب يقلل
من دخل الفرد في بلد هى الأغلى عالمياً في تكاليف المعيشة، وتوقعت وزارة الخزانة
البريطانية في نوفمبر الماضي أن «فاتورة
الطلاق» أو الخروج من أحضان أوربا، ستجعل الاقتصاد البريطاني أسوأ بنسبة 3.9٪
مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي.
وعليه ستدفع بريطانيا، المملكة التي كانت
لا تغيب عنها الشمس، وقبلة الديمقراطية في العالم، ثمناً باهظاً لديمقراطيتها، لا
يقل عن التمن الذي تدفعه أميركا وريثها الإمبراطوري وحليفتها الديمقراطية من جراء
وجود الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
وأظن أن بعدهما (بريكست وترامب) ربما يضطر
الغرب إلى إعادة النظر في «الديمقراطية» التي أصبحت محل انتقاد في شتى دول العالم،
خاصة بعد ما اصبح التلاعب في إختيارات الشعوب يتم توجيهه إلكترونيا وفق لمصالح
ومخططات تديرها مخابرات ودول، أصبحت تمتلك خرائط منضبطة لسيكولوجية الجماهير.
لهذا كان طبيعيا أن تؤكد صحف بريطانية، إن
مسؤولين بريطانيين أعادوا إحياء خطط طوارئ الحرب الباردة لنقل العائلة المالكة في
حالة وقوع حالات شغب في لندن إذا عانت بريطانيا من اضطرابات لدى خروجها من الاتحاد
الأوروبي الشهر القادم. هذا ما ذكرته صحيفة «صنداي تايمز» نقلا عن مصدر
لم تسمه من الحكومة يتناول قضايا إدارية حساسة، بينما قالت صحيفة «ذا ميل أون
صنداي» إنها علمت بخطط نقل العائلة المالكة بمن فيهم الملكة إليزابيث إلى مواقع
آمنة بعيدا عن لندن.
وتكافح الحكومة البريطانية للحصول على دعم
برلماني بشأن اتفاق انتقالي للخروج من الاتحاد الأوروبي، قبل موعد الخروج المقرر
في 29 مارس 2019، وتعد الحكومة والشركات خطط طوارئ احتياطية تنفذ حال عدم التوصل
لصيغة مقبولة، وقد حذرت جماعات عمل من اضطرابات واسعة النطاق إذا ما كانت هناك تأخيرات
في واردات الاتحاد الأوروبي بسبب إجراءات الفحص الجمركية الجديدة مما قد يؤدي إلى
حدوث نقص في الغذاء والدواء.
والملكة إليزابيث الثانية، التي أخرجت من
أجلها خطط الطوارىء القديمة لحمايتها وعائلتها، تبلغ من العمر 93 عام، وتخطت فترة
حكمها حاجز الستة عقود بسبع سنوات، حيث تحتفل في السادس من فبراير 2019 بذكرى
جلوسها الـ 67 على العرش البريطاني في عام 1952، وقد
ألقت الملكة كلمتها السنوية قبل شهر، وتم تفسيرها على نطاق واسع في بريطانيا بأنها
تحث السياسيين التوصل إلى اتفاق بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وذكرني الخطر المحتمل الذي قد تتعرض له
الملكة، بمعلومة قديمة مهمة عن تاريخ المملكة المتحدة التي جمعت تحت تاجها ممالك
عدة، وهو أن هذه المملكة العريقة، عاشت عدة سنوات في القرن السابع عشر كـ «جمهورية»،
بعد أن تم إلغاء النظام الملكي وتأسس نظام جمهوري على يد أوليفر كرومويل، الذي
أستمر 9 أعوام (1649-1658) كرئيس لكومنولث انجلترا الذي ضم بشكل اساسي (بريطانيا
واستكلندا وايرلندا)، وبعد وفاته قمعت أعتى الديمقراطات في العالم «ثورة كروميل»
وحطمت جمهوريته، وألقت بها في سلة مهملات التاريخ، وعادت مملكة اتسعت وفق أطماعها
الإستعمارية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة من الأمريكتين إلى الهند.
وربما نخلص من هذه المعلومة وغيرها من
غرائب تاريخية حدثت في شتى بقاع الأرض، إلى أن الممارسة السياسية وقواعدها الحاكمة
تفرضها ظروف العصر ومحدداته، فلا ثابت في السياسة حتى مصلحة الشعوب (التي أصبحت تدار وفق وجهة نظر
حكامها)، فالشعوب في الغرب المتحضر (قلعة الديمقراطية) لا تعرف مصلحتها، والبريكست خير
مثال، فما بالنا بالشرق؟؟
ويبقى سؤال أخير: متى يعلنون وفاة
الديمقراطية؟؟
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 فبراير 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق