الخميس، 21 فبراير 2019

«ذئاب منفردة» في الدرب الأحمر


الأرهاب هو حديث الساعة في مصر، وهو حديث ذو شجون، فقد حصد في عمليات ثلاثة تمت خلال الأيام القليلة الماضية ارواحا طاهرة من شهدائنا في القاهرة وسيناء، في عودة مفاجئة للعمليات الإرهابية المكثفة التي تستهدف الجيش والشرطة، ومع الحزن الصادق على الدم المصري الغالي، أتمنى أن لا تهتز ثقتنا في أنفسنا، وفي قدرات جيشنا وشرطتنا التي تتجلى في نجاحات يومية في إفساد عشرات العمليات الإرهابية، والتي لا تأخذ حظها من الرواج الإعلامي، مقابل عمليات محدودة لولا بسالة جنودنا فيها لتضاعف أعداد ضحاياها، وهي التي يقف أمامها الرأي العام حزيناً موجوعاً على أبناء مصر الذين أفتدوها بدمائهم الطاهرة.
وبعد أن ننعي شهدائنا ونقرأ لهم الفاتحة وندعو لذويهم بالصبر والسوان، وبعيدا عن تفاصيل الحوادث الثلاثة الأخيرة، فإن نظرة عامة على أوضاع تنظيم الدولة (داعش) لصاحبه أبو بكر البغدادي في سوريا ربما تعطينا مؤشرات وتفسيرات لما حدث وسيحدث في مصر، خاصة بعد أن أعلن الفصيل المصري من التنظيم مسئوليته عن عملية سيناء الأخيرة والتي راح ضحيتها 15 شهيدا.
فقبل أيام قامت قوات سوريا الديمقراطية بحصار قرية الباغوز، آخر «جيب» يسيطر عليه تنظيم الدولة على نهر الفرات، وأصبح العالم ينتظر إعلاناً وشكياً عن سقوط تنظيم داعش الذي أفزع الدنيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقد إنشغل قادة ومحللين سياسين دوليين بمستقبل محاربي التنظيم، وتطوع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالنصح عبر تغريدة له هذا الأسبوع، طالب فيها الدول الأوروبية وخصوصا بريطانيا، بإعادة ومحاكمة مواطنيها الجهاديين المعتقلين في سوريا، محذرا من أن الولايات المتحدة قد تضطر للإفراج عنهم. ويحتجز الأكراد في سوريا بحسب تقرير نشرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، مئات من الجهاديين الأجانب، يبلغ عددهم نحو 800 على الأرجح يضافون إلى النساء غير المقاتلات والأطفال. ومن الدول المعنية بإعادة هؤلاء تونس والمغرب والسعودية وتركيا وروسيا، وكذلك فرنسا وألمانيا وبلجيكا.
وإذا كان السؤال الذي يشغل بال كل دول أوربا هو: كيف سيتم التعامل مع العائدين من تنظيم الدولة الإسلامية؟، فإن من حقنا في مصر ومحطينا العربي أن نسأل أيضاً، أين سيذهب الذين لن تقبل دولهم الأوربية بعودتهم؟، خاصة بعد أن نشرت تقارير تؤكد فتور استقبال مسئولين أوروبيين لدعوة ترامب، مما يشير لعدم رغبتهم في استعادة مواطنيهم المعتقلين في سوريا، ويقفز هنا السؤال الأصعب، وماذا عن مستقبل داعش، الفكرة وليس التنظيم فقط؟
إن الفكر الإرهابي المدمر الذي يتبناه هذا التنظيم الملعون، أصبح يستشري في العالم كالسرطان، ولم تنجو دولة من مخاطره، وكل الإحتمالات تشير إلى أن أفريقيا هي الأقرب لتكون إحدى دولها مقرا لأعمال التنظيم، ولأنه تنظيم فاسد يلهث وراء المال ليضمن وجوده، فإن التمويل سيكون عاملا فاصلا في ضرباته القادمة وظني أن سيتحول إلى «قاتل مأجور»، وكالعادة سوف يجمل عملياته القذرة بغطاء شرعي يستثمره في تجنيد عناصره التنفيذية، ثم يمنحهم «ختم الدين» ويدفعهم إلى الميادين المستهدفة، ولا مانع من أن ينسب إلى نفسه عمليات عشوائية ينفذها من أصطلح على تسميتهم بـ «الذئاب المنفردة»، وهم عناصر إرهابية غير منظمة لا تخضع الى تنظيم هرمي، يتلقون منه التعليمات لتنفيذ عملياتهم الانتحارية، بل يقومون بالتخطيط والتنفيذ ضمن امكانياتهم الذاتية. وربما يكون الحسن عبد الله، منفذ عمليتي مسجد الإستقامة بالجيزة والدرب الأحمر بالقاهرة، هو حالة «ذئاب منفردة»، من الذين يتوقع كثرة ظهورهم في المدن المصرية والعربية والأفريقية خلال الشهور القادمة، بعد السقوط المرتقب لداعش في سوريا.
حفظ الله مصر، ورحم الله شهدائها وأعان حماتها من الجيش والشرطة.


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 20 فبراير 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...