الاثنين، 11 مارس 2019

المستقبل الضائع بين "بوب جي" و"استروكس"



لو أمتلكت بعض الوقت لتنتبه.. وتتساءل كيف يقضى أبناؤك وقتهم، وبذلت جهدا لتتعرف على إهتماماتهم التي تسرق هذا الوقت وتحتطفهم في طريق بلا عودة؟!
ستجدهم ومعهم القطاع الأكبر من أبناء هذا الجيل من الأطفال والشباب (8 إلى 18 عام) قد اتخذت أوقاتهم مسارين لا ثالث لهما، يتحدد كل مسار وفق الانتماء الطبقي (وإن كان تزاوج المسارين يحدث في أحيان كثيرة).
فأبناء الطبقات الميسورة يقضون معظم أوقاتهم على الأجهزة الإلكترونية، في حالة إدمان كاملة لألعاب الأنترنت، وتتسابق عليهم عشرات الألعاب، يأتي في مقدمتها باكتساح لعبة الـ »بوب جي« الشهيرة والتي تحقق رواجا وهيمنة على تفكير فئات عمرية مختلفة، و(PUBG) هي اختصار لـ Player Unknown’s Battlegrounds، وترجمتها: «لاعبون مجهولون في ساحة المعركة«، وهي لعبة متاحة على الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب وأجهزة تشغيل الألعاب، وتجاوزت 100 مليون تحميل خلال 4 أشهر أعقبت طرحها في مارس 2017، وتم بيع أكثر من 15 مليون نسخة، وتضم اللعبة أكثر من 20 مليون لاعب يوميا، كما تم تحميلها من متجر أندرويد أكثر من 32.34 مليون مرة، وأصبحت في مقدمة الألعاب التي يجري تنزيلها في أكثر من 100 دولة، كما تعدى عدد مستخدمي اللعبة حاجز 400 مليون، ويُقدّر مجموع الأوقات التي قضاها اللاعبون داخل تلك اللعبة بـ 25 عاما.
وقالت تقارير علمية حديثة:  »ان الألعاب الأكترونية تسبب »فقدان الذاكرة المصدرية«، حيث تظل الذاكرة سليمة لكنها تصبح أكثر عمومية، فلا يستطيع الشخص السرد المستمر لأحداث معينة، لكنه ينغمس في فضاء ضبابي مبهم المعالم، كذلك تجعل الألعاب لاعبيها عاطفيين للغاية وأكثر تفاعلا للأحاسيس بدلا من التصرف على نحو عقلاني هادئ«، يضاف إلى هذا عدد من الدراسات العلمية الحديثة التي تناقش مخاطر إدمان اللعب الأكتروني والعالم الافتراضي على مستقبل المراهقين.
أما أبناء الفقراء، فلا سبيل أمامهم إلا الإدمان المباشر عبر المخدرات والتي يتصدرها مخدر الاستروكس الذي أصابته شهرة حديثة جعلته «نمبر 1« في سوق المزاج الرخيص، وقد صنفت المنظمات العالمية المختصة بمكافحة الإدمان، مخدر الاستروكس والمواد المستخدمة في تصنيعه بأنها مواد مخدرة اصطناعية، تتسبب هذه المواد في زيادة الهلوسة السمعية والبصرية لدى المتعاطي، فور تدخين المخدر بعد خلطه بالتبغ، وتؤدي إلى الإدمان. وبلغت نسبة متعاطي الاستروكس في مصر 40 بالمئة من إجمالي مدمني المخدرات، وتكمن خطورته في طرق تصنيعه وما يضاف إليه من مواد خطرة (يخلط نبات البرداقوش مع مبيدات حشرية)، تعرض حياة المدمن لخطر الموت السريع.
ويرى العلماء أن الرغبة في ممارسة الألعاب عبر الإنترنت والرغبة في إدمان المخدرات تشتركان في الطبيعة العصبية البيولوجية نفسها، وهما المساران اللذان استحوذا على أبنائنا خلال العقد الأخير، وكلاهما يحتاج إلى مقالات تشرح وتفند، تطرح وتعدد، فالأمور متشابكة والمخاطر تتكاثر، وبرغم محاولات السيطرة الحكومية والأسرية إلا أن التزايد أصبح مرعباً في اعداد مدمني الألعاب الالكترونية والمخدرات.
تدق جريمة القتل التي أرتكبها مراهق مصري بسبب لعبة (بوب جي) في الكويت ناقوس الخطر كي نستيقظ، كما أن إكتشاف إدمان سائق القطار (بطل الحادث الأليم الذي وقع قبل أيام في محطة مصر) لمخدر (الاستروكس) وفق بيان النائب العام المصري، سيدفع حديثنا عن المستقبل المختطف في سجن الإدمان إلى قمة أولوياتنا الخاصة والعامة، لعلنا نتمكن باليقظة والتدبر والاهتمام الصادق من إنقاذ شباب مصر وأملها من الضياع.


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 مارس2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...