الأربعاء، 11 أبريل 2018

السعودية من «الوهابية» إلى «الأوبرا»



بعدَ تأكيدِ وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أيام لصحيفة أميركية، على أنه لا وجودَ للوهابيَّةِ في بلادِهِ، أعلنَتْ وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسين، هذا الأسبوعَ، أن فرنسا ستساعِدُ السعودية على تشكيل أوركسترا وإنشاء دارٍ للأوبرا، فيما تستعدُّ العاصمة السعودية، الرياض، نهاية شهر أبريل الحالي لاستضافةِ فرقةِ دار الأوبرا المصرية في أول زيارة لها للمملكة، لتحيى حفلَيْنِ بمركز الملك فهد الثقافي بحضور وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، حيث من المقرر أن يقدم نحو 45 فنانًا وعازفًا، مقطوعاتٍ موسيقيةً من الكلاسيكيات تتضَمَّنُ أغانيَ لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وغيرهما من نجوم الطرَبِ المصريِّ القديم.
وقد سبق حفل الأوبرا، حفلات لمطربين آخرين من مصر ومن غيرها، وأنشطة فنيَّة وثقافيَّة ورياضية، كُلُّها تؤكِّدُ وتدعم توجُّهَ المملكة الجديد، نحو التحرُّرِ الكامل من قيود الماضي، والسير في اتجاه مضادٍّ لما كانت عليه طوال 86 عاماً، منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز في سبتمبر عام 1932، وليس أدلّ على هذا التغير، مما قاله ولي عهدها (ومليكها المنتظر)، في زيارَتِهِ التاريخية للولايات المتحدة الأميركية، حيث قال في حوار مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية: «نحن لا نُؤمِنُ بأن لدينا وهابيةً. ولكن لدينا في المملكة العربية السعودية مسلمونَ سُنّةٌ، وكذلك لدينا مسلمون شِيعة»، وتابع: «في المملكة العربية السعودية واضحٌ أن قوانينَنا تأتي من الإسلام والقرآن، ولدينا المذاهبُ الأربعة (الحنبلية، الحنفية، الشافعية، والمالكية)، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة».
وتطرَّقَ ولي العهد السعودي في حواره إلى ما سَمَّاه «مثلثَ الشرِّ»، وقال إن أضلاع هذا المثلث هي «إيران والإخوان المسلمون والجماعات الإرهابية»، وقال إن هؤلاءِ الأطرافَ «يسعَوْنَ للترويج لفكرة أن واجبنا كمسلمين هو إعادة تأسيس مفهومهم الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقًا لفهمِهِمْ وأطماعهم، لكن الله -سبحانه - لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد لم يأمرنا بالقيام بذلك».
وفي حوارٍ آخرَ كان أكثرَ سخونةً مع مجلة «تايم» الأميركية، تساءل بن سلمان ثم أجاب: «هل تعلم ما هو الخطر الأعظم؟ الإخوان المسلمون، ليسوا في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنهم يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط تتبع استراتيجيةً جيِّدةً ضِدَّهُم؛ في السعودية ومصر والإمارات والأردن والعديد من الدول الأخرى. ولكن هدفهم الرئيسي يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرِّفةً. فهم يأملونَ بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عامًا، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا، من خلال استخدام جماعة الإخوان المسلمين. وهذا سيشكِّل خطراً أكبر بكثيرٍ من الحرب الباردة ومن تنظيم داعش ومن القاعدة ومن أي أمرٍ شهدناه خلال آخر مائة عام من التاريخ».
وقد رَدَّ الكاتب السعودي الإخواني (المعارض) جمال خاشقجي في مقال له في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، على أحاديث ولي العهد السعودي، قائلاً: «محمد بن سلمان يرغب في تقديم سردِيَّةٍ جديدة لتاريخِ البلادِ المعاصر، وهي سردية تعفي الحكومة من المسؤولية عن تواطُئِها في تبنِّي المذهب الوهابي المتشدِّد، الأمر الذي يناقض حقيقة ما وقع»، وعن العلاقة بين السعودية و«الإخوان المسلمين» التي هاجمها بن سلمان مرارًا، قال خاشقجي إن المملكة «رَحَّبَتْ في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بالمصريين (الإخوان) الذين لاذوا بالفرار من مصر خشيةَ أن يعتقلَهُم رئيسُها جمال عبد الناصر عقابًا لهم على معتقداتهم».
ولن أستطرِدَ في سرد تاريخ علاقات المملكة سواء مع الوهابية أو مع «الإخوان»، فمراجع التاريخ موجودة بالمكتبات، والحقائق والمعلومات مُتاحَةٌ للجميع، وهذا لن يمنَعنا من الإشادةِ بالاتجاهِ الجديدِ في المملكة ودعمه والتصفيق له ولكلِّ أنشطَتِهِ التنويرِيَّةِ التي ستُحدِثُ فارقًا واضحًا في المنطقة، سيُسهِم مع المراجعة الفكرية التي يتبناها ولي العهد السعودي في كشف تيارات التطرُّفِ المتسرّبةِ والمتوغِّلَةِ في جسد الأمة، ليقف الجميع أمام مسئوليتهم تجاه الإسلام.
وربما نحيا لنحتفل بافتتاح «أوبرا الرياض» ذاتَ يومٍ قريب، لنرى معًا حُلمَ شاعرِنا الكبيرِ صلاح جاهين يتحقَّقُ كما تخيله في أغنيته الشهيرة «المسئولية» التي غناها العندليبُ عبد الحليم حافظ عام 1963 في نادي الضباط، احتفالًا بالذكرى العاشرة لثورة يوليو، قائلاً:
«صناعة كبرى.. ملاعب خضرا
تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا
في كل قرية عربية
دي مهيش أماني.. وكلام أغاني
ده بر تاني.. ده بر تاني»!!
ويبدو أننا اقتربنا من الوصولِ إلى البرِّ الثاني الذي بَشَّرَ به جاهين، بَرّ الحضارة التي كنا في الماضي من أربابها بفضل الإسلام، قبل أن تُستدرَج الأمة إلى كهف التخلف والتطرف، الذي نستشعر قرب خروجها منه، بفضل جهود دول «الأمل العربي»، مصر والإمارات والسعودية، والإرادة الصادقة عند قادة الدول الثلاث ورغبتهم الأكيدة في التجديد واستعادة صورة الإسلام الصحيحة، وهو الجهد الذي يترجمه الأزهر الشريف، قاطرة الأمة نحو النور بمشيئة الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...