الأربعاء، 28 مارس 2018

لمصر.. لا لعبد الفتاح السيسي



عنوان مقالي مقتَبَس من واحد من أشهر كُتُب الأستاذ محمد حسنين هيكل، «لمصر.. لا لعبد الناصر»، ومثله أيضًا فإن ما سأكتُبُه لأجل خاطر مصر. وقَفَزَ العنوان في رأسي وأنا أُتابِعُ مشهد الانتخابات الرئاسية 2018، الذي يستلزمُ منا مراجعةَ مشاهدَ أخرى سابقةٍ عليه، كي تكتملَ أمامَنا «حكاية وطن» كان على حافَّةِ الهاوية وأنقذَتْه يَدُ الله، وسخَّرَت له جيشًا قويًّا.. عظيمًا، يتقدمه قائد.. ذكي.. شجاع.. أدرك في لحظة الخطر، أنه لا مفرَّ.. فلبَّى نداءَ شعبِهِ ولا يزال على العهد باقيًا.
احتشدت جموعُ المصريين التي في الخارج قبل الداخل أمام اللجان الانتخابية، ومن المحالِ أن تكونَ قد نَزَلَتْ وتحمَّلَتْ عبءَ الخروجِ (لا سيِّما كبار السنِّ)، لتنتخبَ مرشحًا ناجحًا بالفعل، لكنها نزلت وشاركت وصوتت بـ«نعم» على وطن استعادَ رُوحَه ووجودَه.. استعادَ مدنِيَّتَه ووطنِيَّتَه.. استعادَ مكانَتَه وكبرِيَاءَه.. استعادَ مِصرِيَّتَه.
إن ما تَمَّ إنجازه في الفترة الرئاسية الأولى لعبد الفتاح السيسي، لا تكفيه الحروف ولن تستوعِبَه المساحةُ المحدَّدَةُ للمقال، فما تحقَّقَ وتلمحُهُ في وجوه المصريين من رضًا ومحبَّةٍ، وهم الذين منحوه ثِقَتَهُمْ وحلمَهُم وأصواتَهم وتفويضَهم، وتحملوا معه أعنفَ القراراتِ وأصعبَ الآلامِ التي ما كانوا ليقبلوها إلا أملًا في مستقبل لاحَتْ بشائِرُهُ، وحصادًا ينتظره الجموع، وقد تستطيعُ السطور المقبلة أن تعرض بعض ما تحقق بإيجاز.

·       ارتفاع الاحتياط النقدي إلى 42.5 مليار دولار بعد أن كان 16 مليار دولار في عام 2014، وانخفاض ميزان العجز التجاري، بانخفاض الواردات بمبلغ 16 مليار دولار.. وهو ما حفز الصناعات الوطنية.
·       ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 42.5 مليار دولار بعد أن كان 16 مليار دولار في عام 2014، وانخفاض ميزان العجز التجاري، بانخفاضِ الواردات بمبلغ 16 مليار دولار.. وهو ما حفَّزَ الصناعاتِ الوطنية.
·       انخفضت معدلات البطالة من 13.4 % إلى 11.9 % وتحقَّقَ ذلك في ضوءِ توفير فرص عملٍ كثيفةٍ في المشروعاتِ القوميةِ الكبرى وبما يصلُ إلى 3.5 مليون عامل، وانخفضت معدلات التضخم من 35 % إلى 22 %.
·       تراجع عجز الموازنة العامة كنسبةٍ للناتجِ المحلي الإجمالي من 16.7 % عام 2013 إلى 10.9 % عام 2017، وارتفاع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 14 % في العام المالي 2016 - 2017.
·       بناء 25 ألف وحدة سكنية لتوفير مسكنٍ ملائم لقاطني المناطق العشوائية، تنفيذ 245 ألف وحدة سكنية إسكان اجتماعي للمواطنين بتكلفة إجمالية بلغت 32 مليار جنيه ويجري تنفيذ 355 ألف وحدة بتكلفة 71 مليار جنيه.
·       إنشاء وتطوير نجو 7 آلاف كيلومتر من الطرق، بتكلفةٍ إجمالية تخطَّتْ 85 مليار جنيه، وما يقرب من 200 كوبري تكلفتهم نحو 25 مليار جنيه.
·       إضافة قدرات كهربائية بلغت 25 ألف ميجاوات من الطاقة التقليدية والمتجددة حتى يونيو 2018 تكافئ نحو 12 ضعف قدرة السد العالي.
·       توقيع 62 اتفاقية بحث واستكشاف للبترول والغاز، وتضاعف اكتشافات الغاز الطبيعي 8 أضعاف عن مثيلاتها خلال الفترة من 2010 إلى 2014 لتصل إلى 36.8 تريليون قدم مربع.
·       إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة و13 مدينة جديدة بالمحافظات، وحفر قناة السويس وشقها وافتتاحها فى عام واحد بتكلفة 64 مليار.
·       إقامة مشروع استصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان، وإنشاء 100 ألف صوبة زراعية تعادل في إنتاجها مليون فدان.
·       إقامة مشروعات كبرى للاستزراع السمكي بشمال الدلتا وشرق القناة بجانب مشروعات مزارع الإنتاج الحيواني والدواجن.
·       زيادة المعاشات بنسبة 15 % فى 2017. وارتفاع المستفيدين من معاش «تكافل وكرامة» إلى 2.5 مليون أسرة، مع زيادة الحد الأدنى له بنسبة 30 %. زيادة مخصصات التموين إلى 50 جنيهًا للفرد بعد أن كان 21 جنيهًا فى 2014.
·       تخصيص 200 مليار جنيه قروضًا ميسَّرَةً للشباب من البنوك بفائدةٍ مخفَّضةٍ لا تتجاوزُ 5 في المائة لتوفير التمويل اللازم لهم لإنشاء مشروعات صغيرة منتجة.
إنشاء الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب، وعقد 5 مؤتمرات للشباب بعدد من المحافظات أعادت رسم علاقة الدولة بالشباب.
·       إجراء مسح طبي لـ5 ملايين مواطن مصري من فيروس «سى» وإعلان مصر خالية من المرض فى 2020.

وينهي المصريون اليوم «انتخاب الرئيس»، بعد أن قدَّمُوا صورةً مشرِّفةً ومُفرِحةً في واحدة من أعقد الانتخابات التي عرفتها مصر، فقد كان أمرًا شديدَ الصعوبة، أن تُقنِع الجماهير بالمشاركة والتصويت لرئيسهم صاحب الشعبية الكبيرة، الذي لا يُنافِسُه أحد، ولم يُفلِح أن يترشَّح أمامه أحد (إلا مرشح اللحظة الأخيرة)، فاختَفَتْ أهمُّ حوافز المشاركة، وهي المنافسة، التي تخلق أجواءَ معركةٍ ينجذب إليها الناس ويتفاعلون معها، وتوقَّع الجميع ضعفًا واضحًا، وربما عزوفًا من المصريين، وظنَّ أهل السوء أن هذا سيسحب شرعية نظام الحكم، وخرجت علينا دعوات طائشة لمقاطعة الانتخابات، لَمَّح إليها نفر قليل من أشتاتٍ معارِضةٍ (انتَهَتْ صلاحياتُها السياسية)، فكان ردُّ الفعل حاسمًا وعنيفًا، ومعه برقت وألَحَّت «حتمية الحشد»، وأهمية المشاركة السياسية لجموع الشعب، الذي أدرَكَ أن بلاده يُحيطُها الشرُّ من كل جانب، ويتربَّص بها الخوَنة والمأجورون والعملاء، لهذا فإن مَن صوتوا وشاركوا في هذا الانتخابات الرئاسية، أي كان شكل مشاركتهم سواء من منحوا صوتهم للرئيس أو مُنافِسِه أو من أبطلوا صوتهم، جميعهم قالوها صريحة: «إننا نشارك لمصر.. لا لعبد الفتاح السيسي»، نشارك دعمًا لاستقرارها وأمنها وأمان شعبها.
حفظ الله مصرَ وشعبَها وجيشَها.. وحفِظَ رئيسَها المنتخب.
*نشر في جريدة "صوت الأزهر" بتاريخ 28 مارس 2018


الخميس، 22 مارس 2018

هل انضم البشير إلى «الأسرة المصرية»!



لا تملِك مصر في ظلِّ أعاصيرِ السياسة في العالم، واشتعالِ المِنطقةِ بالأزمات إلا أن تحتوِيَ أزمةَ العلاقة مع حاكم السودان الفريقِ عُمَر البشير، التي شَهِدَت قبل شهور تصعيدًا مفاجئًا، تَبِعَه تحرُّك رئاسيّ مصري اتسم بالوعي والحكمة لتهدئة الموقف، ثم جاءت مُطالَبَة الرئيس السيسي للإعلام بـ«ضبط النفس» فيما يتعلَّق بالمسألة السودانية لتعكس حرصه على حكمة معالجة الأزمة ومحاولة تفكيكها، حتى كانت زيارة البشير الخاطفة للقاهرة (الاثنين 19 مارس)، وحضوره لحفل «الأسرة المصرية» الذي يحمل دلالات مهمَّة، ربما تكون كلمة الرئيس السيسي في هذا الحفل قد عَكَسَتْ ذلك بوضوح.
وقد بدأ الرئيس السيسي كلمته بالترحيب بالرئيس السوداني مؤكدًا على معنى مقصود: «أرحب بهم بين أسرَتِهِم وفى بلدِهِم مصر.. إنها لمناسبة عزيزة على قلبي، وعلى قلوب كلِّ المصريين، أن نحتفل بيوم الأسرة المصريةِ مع أخٍ كريم، وشقيقٍ عزيز، وصديقٍ مقرَّب»، واستطرد موضحًا: «فمصر والسودان أسرة واحدة، وشعب واحد، تربطهما وشائج أزلية لا انفصام فيها، من الأخوّة والصداقة ووحدة المسار والمصير.. هذا ما يستقرُّ في وجدان كل مصري وكل سوداني، من واقع هذه العلاقة الخاصة التي طالما رَبَطَتْ بين البلدين والشعبين الشقيقين، وما يجمع بينهما من تاريخ وحضارة مشتركة، وامتداد بشري متَّصِـل، وعلاقات نسب وقرابة ومصاهرة، على نحو يجعل من الشعبين المصري والسوداني أشبه بشعب واحد في وطن واحد».
وحسم السيسي شَكْل العلاقة بين البلدين ومستقبلها قائلاً: «لعلِّي لا أُبالِغ عندما أقول إن ما يجمع الشعبين المصري والسوداني هو رباط مقدس، تمتدُّ جذورُهُ منذ أن خَلَقَ الله الأرض، وستستمرُّ بإذن الله، حتى يَرِثَ الله الأرض ومن عليها.. ولعلَّ نهر النيل العظيم هو الرمز الأكبر لهذه العلاقات والصِلات التي لا تنفصم بين شعبينا الشقيقين».
ومؤسسًا لإطار ومحددات العلاقة بين البلدين، قال الرئيس السيسي: «من هنا، فإنني أؤكد قناعة مصر بأن أمن واستقرار ومصالح السودان كانت وستظل دائمًا جزءًا لا يتجزَّأ من أمن واستقرار ومصالح مصر.. ولقد عَلَّمَتْنا التجربة، وكشفت لنا حوادث التاريخ عبر العصور والأزمنة، أنَّ كلَّ تطوُّرٍ إيجابي يحدث للسودان وشعبه يكون له كل الأثر الطيب على مصر وشعبها، والعكس صحيح».
واختتم الرئيس المصري رسائِلَه إلى نظيره السوداني، في الجزء الذي خَصَّه فيه من خطابه في حفل «الأسرة المصرية» قائلاً: «إن مصر، حكومةً وشعبًا، إنما تتسم سياستها نحو السودان الشقيق دائمًا بالحرص الكامل على استقراره وأمنه، والسعي نحو تقدم ورخاء شعبه الصديق، والرغبة فى دعم وتعزيز العلاقات بين البلدين على كافة المستويات، استثمارًا لما يجمع بينهما من مصالح مشتركة كبيرة، من أجل وضع أسس التعاون والتنسيق الكامل والتكامل فى المجالات كافة، تعظيمًا للمكاسب المشتركة، وبما يتفق مع آمال وتطلعات الشعبين، وما يجمعهما من مشاعر المحبة والمودة والرحمة الضاربة فى عمق التاريخ».
لا يجهل أحد تزايُدَ مساحة الخلاف بين مصر والسودان في السنوات الأخيرة، التي لم تتوقف عند الخلاف (المزمن) حول الحدود (قضية حلايب وشلاتين)، بل تضخَّمَتْ القائمة لتشمل مشكلات أخرى أكثر تعقيدًا، كان آخرها التنامي غير المحدود للعلاقات السودانية - التركية، الذي وَصَلَ إلى ذروته بتأجير السودان لجزيرة «سواكن» على ساحل البحر الأحمر، للأتراك، وهو الأمر الذي يمثِّل خطورةً كبيرةً على الأمن القومي المصري، لهذا كانت الوقفة الحادة، التي أعقبها صمت كبير لمراجعة المواقف، ثم كانت العودة من جديد إلى منطقة «الأشقاء»، التي ربما تُفلِح في تسويف الخلاف، فالدولتان تدركان خطورة اللحظة، وتعقيدات المشهد السياسي بما لا يحتمل أيَّ توتر أو تصعيد.
ومع كل ما سبق، فإنني لا أثق في الرئيس البشير؛ فتاريخ الرجل مع مصر منذ أن تولى الحكم في بلاده لا يتفق مع اسمه ولا يبشِّر بأي طيب، لكنها ضرورات السياسة التي تستوجب منا التحلِّي بالصبر ومعسول الكلام والتغني بالأمل وغزل الأحلام، لعل الله يُغيِّر ويبدِّل ما في النفوس، وظنِّي أن الحب الراسخ والممتد كنهر النيل، بين الشعب الواحد في مصر والسودان، يستحق أن نتمنَّى، ويستحقّ أن نحلم.



*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 22 مارس 2018

الخميس، 15 مارس 2018

حكيم المسلمين.. الحالم بأمر الله



الكتابة عن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، أشبه بالتريُّض في بستان الخير، بين أشجار العطاء المثمرة، هي كتابة تشرَح الصَّدْر وتزكِّي النفس، فالإبحار في سيرته العطرة، سواء قبل 19 مارس 2010، اليوم الذي أكرمه الله فيه بانضمامه إلى قائمة الأئمة الكبار الـ47 الذين سبقوه إلى منصب «شيخ الأزهر»، أو خلال الأعوام الثمانية التالية لهذا التاريخ، التي قاد فيها الأزهر، وكانت فترة من أصعب السنوات في تاريخ مصر، نجح فيها الإمام الطيب بحمد الله أن يجعلَ الأزهر جسرًا لكلِّ المصريين عَبَروا عليه محنة الثورة وفتنة الدين، لتنجو سفينة الوطن من أنواء وأعاصير وعواصف مدمرة، أسقطت دولًا وحصدت أرواحَ شعوبٍ، لتبقى مصر حُرَّةً يحفظها الله ويحميها جيشُها ويُنيرُها الأزهر.
مواقف الإمام الطيب، في السنوات السبع العجاف التي مرت بها مصر (2011 - 2018) لن ينساها له المصريون، الذين هَبُّوا ضد ظلم الحاكم يوم 25 يناير 2011 في ثورة مجيدة، خرج إمامهم الأكبر في اليوم التالي لـ«جمعة الغضب» الشهيرة يصفُ مطالِبَهم بأنها «عادلة»، محذرًا من الفوضى التي يمكن أن تهدِّد سلامة العباد والبلاد، وشَكَّل الشيخ الطيب خلال العامين التاليين للثورة، حاجزًا منيعًا ضد التغلغل الإخواني في شؤون الأزهر ومحاولاتهم للهيمنة على الخطاب الديني وتوجيهه وفق أجندتهم السياسية، وتقدم شيخ الأزهر الصفوف الأولى مع الشعب المصري الذي أسقط حكم «الإخوان» في 30 يونيو (حزيران) 2013، وكان شريكًا رئيسيًّا ومعه البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في مجموعة «3 يوليو» بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي التي عزَلَتْ محمد مرسي، وألقَتْ بيانَها الشهير الذي أسَّسَ لمصر الجديدة، ووضع خارطة الطريق التي أنقذت مصر من السقوط أمام مؤامرة «الإخوان» في «الربيع العربي».
وأدرك الشيخ الطيب خطورة ما مرت به مصر بين عامي 2011 و2013، وأثر ما أحدثته «25 يناير» و«30 يونيو»، فعقد العزم على قيادة ثورة التجديد داخل أروقة الأزهر، يدعمه ويسانده الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي بعثت إرادته السياسية الحاسمة ورغبته القاطعة في «تجديد الخطاب الديني» الرُّوحَ في خطط الأزهر لتطوير الخطاب الديني، وفي كل مفاصل الدولة المصرية المتهالكة، لتتحول مصر خلال مدته الرئاسية الأولى من «شبه دولة»، كما وصفها «الرئيس» شخصيًّا في بداية حكمه، إلى «دولة حالمة» كاملة الإرادة، تتطلع في فترته الرئاسية الثانية التي تبدأ بعد أسابيع، لكي تقفز نحو المستقبل.
وإذا جاز لنا أن نحتفي بمرور ثمانية أعوام مَرَّت من عمر الأزهر في ظل شيخه الطيب، فلعل الاحتفال بلغ أَوْجَه بافتتاح أكبر عملية ترميم للأزهر في تاريخه قبل أيام بحضور الرئيس السيسي وضيفه الكريم ولي العهد السعودي، الذي مَوَّلت بلاده علمية الترميم.
ولا يفوتنا في هذه المناسبة العطرة، أن نستعرض مسيرة رئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حفظه الله، فهو الحالم بأمر الله، العاشق لأهل الله، الساجدُ في حب الله، الحارس الأمين لعلم الله، الإمام الأكبر لجامع من خير بيوت الله.
وهو أستاذ العقيدة الإسلامية، ومفتي الجمهورية السابق، والرئيس السابق لجامعة الأزهر.. الشيخ الصوفي ابن قرية القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، الذي تدرَّجَ في العمل الأكاديمي منذ تخرجه عام 1969، ثم حصوله على الدكتوراه عام 1977 في جامعة الأزهر، وتُوِّجَت مسيرته العملية كأستاذ جامعي بتولي منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، ثم عميد لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بأسوان، وقد عمل أيضًا، محاضرًا بجامعة «باريس» في فرنسا، وجامعة «نريبرج» في سويسرا، كما عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان عام 1999، وعمل فضيلته بعددٍ من جامعات العالم الإسلامي، ومنها جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وجامعة قطر، وجامعة الإمارات.
ولم تقتصر حياة شيخنا الطيب على التدريس والإفتاء فقط، بل قام بتأليف عدد من الكتب، أبرزها: «مباحث العِلَّة والمعلول من كتاب المواقف»، «مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والماركسية»، «مباحث الوجود والماهية من كتاب المواقف»، «مدخل لدراسة المنطق القديم»، «تعليق على قسم الإلهيات من كتاب تهذيب الكلام للتفتازاني»، «الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي».

وتصدَّر الإمام الأكبر في نهاية عام 2017، وللعام الثاني على التوالي قائمة الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم، وجاء ذلك عن استحقاق وجدارة، وتتويجًا لعطائه وجهوده البارزة في خدمة الإسلام والمسلمين والقضايا الإنسانية في شتى بقاع الأرض، وترجمة صادقة لمواقفه، وسعيه الدائم لجمع العرب والمسلمين على كلمةٍ سواء في مواجهة الظروف الصعبة التي تعصف بالأمة الإسلامية من أخطار الانقسام ومكافحة الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى جهود فضيلته في التعريف بصحيح الدين الإسلامي وترسيخ دعائم الوسطية والتعايش المشترك.


*نشر في صحيفة "صوت الأزهر" بتاريخ 14 مارس 2018

الأربعاء، 14 مارس 2018

7 ملاحظات على زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر



كانت مصر محطة البداية في الجولة الخارجية الأولى للأمير محمد بن سلمان، بعد 9 شهور من ولايتِهِ للعهد في المملكة العربية السعودية، استطاعَ الأمير الشاب في هذه الشهور أن يُثبِّتَ ركائز حكمِه ويؤسسَ لانتقال سهل للحكم في بلاده، كما حصد شعبيةً قويةً بين أبناء شعبه، خصوصًا الشبابَ، بعد سلسلة من الإجراءات الإصلاحية والقرارات التي وُصِفت بأنها «ثورية»، كل هذا دَفَع به إلى مقدمة المشهد السياسي في العالم، وجعل اختياره شخصية العام (2017) في استفتاء مجلة «تايم» الأميركية أمرًا منطقيًا وعادلًا.
وفيما يتعلق بالعلاقات المصرية - السعودية، ومنذ تولي الملك سلمان، فلا يخفى على أحد أنها شهدت هبوطًا وصعودًا بفعل هِزَّات سياسية عنيفة شهدتها المنطقة، ولكن هذه الهزات لم تخرج بالعلاقات عن نطاق سحابة «فتور» سياسي، لا تلبث أن تنقشع، لكنها ومنذ يونيو 2017، وهي آخذة في تصاعُدٍ وصل إلى ذروته مع الزيارة التاريخية التي قام بها ولي العهد إلى مصر قبل أيام.
لكن... لماذا كانت الزيارة تاريخية؟ ربما تجيب هذه الملاحظات التي سجلتُها حولَ الزيارة عن السؤال، وتسلط الضوء على  بعض ملامحها.
1 - تم تصميم جدول الزيارة وبرنامجها بذكاء وعناية، مما جعلني أشك في أنه ربما تكون شركة دولية هي التي صمَّمَته، لكن هذا الشك تبدد مع ملاحظة الكفاءات الإدارية التي تقف وراء قائدي البلدين الرئيس السيسي وولي العهد السعودي، سواء فريق الرئاسة المصرية الذي يقوده اللواء عباس كامل أو الفريق المعاون للأمير محمد والذي يضم أسماء مميزة منهم، بدر العساكر مدير المكتب الخاص لولي العهد وسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي.
2 - التوازن غير المسبوق في أجندة الزيارة بين ما هو سياسي وديني واقتصادي وإعلامي وثقافي، جعلها زيارةً متكاملةً، رغم أن النشاط الاقتصادي تصدَّرَ جدول الأعمال، سواء بما تم توقيعه من اتفاقيات أو الزيارة المهمة لمنطقة قناة السويس والجولة بين ضفتيها في الإسماعيلية وسيناء، ثم إعلان الملامح الأولى لمشروع «نيوم»، وما صاحبها من جدل مثمر، كلها أوضحت أن الاقتصاد في مقدمة اهتمامات البلدين.
3 - من الناحية الدينية، فإن زيارة ولي العهد للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قَفَزَتْ بالمملكة سنواتٍ إلى الأمام، وصحَّحَتْ مسارَ العلاقة مع الآخر المختلف دينيًّا وِفقًا لروح العصر الذي نعيشه، كما ستسهم مستقبلًا في إزالة رواسبِ عَدَاءٍ معروف بين بعض أنصار «الوهابية» وأبناء الديانة المسيحية، وهو العداء الذي أُرِيقَتْ بسببه دماءٌ بريئة، كما أن وجود الشيخ صالح آل شيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (وهو أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، في صحبة ولي العهد أثناء الزيارة، يؤكد على هذه المعنى.
4 - أما إصرار الأمير محمد على زيارة الدكتور أحمد الطيب في مكتبه بمشيخة الأزهر بالدراسة، فكانت رسالة تقدير من المملكة للأزهر، قلعة الإسلام الوسطي في العالم، فقد كان من الجائز أن يكتفي بلقاء شيخ الأزهر في اليوم التالي أثناء افتتاح عملية ترميم الجامع الأزهر الذي رَعَتْه بلاده، بمنحة من الراحل الملك عبد الله، أتمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
5 - شهدت الزيارة أول مقابلة علنية بين الأمير محمد، والإعلام المصري، متمثلاً في 30 من خيرة الإعلاميين (المقربين) من السفير السعودي أحمد قطان، الذي يستعدُّ للرحيل من وطنه الثاني مصر إلى منصب وزاري رفيع في بلاده، بعد رحلة عمل يبدو أنها طالت، بحكم ما شهدته المنطقة من أحداث متلاحقة خلال السنوات السبع الماضية، وكان ملخص اللقاء هو «الانبهار»، وهي الكلمة القاسم المشترك بين معظم من حضروا اللقاء.
6 - وربما يكون أهم ما استوقفني في الزيارة، بشكل شخصي، الاختيارَ البليغَ لحضور الرئيس وضيفه عَرْض «سَلِّم نفسك» الذي كتبتُ عنه بمجلتنا العزيزة، مقالًا أعتزّ به لأنه عن واحد من أهم عروض المسرح التي شاهدتها في حياتي، وكان الحضورُ الرئاسيُّ الملكيُّ تكريمًا لصنّاعها من شباب الفنانين الذين يقودهم الفنان المبدع خالد جلال، كما أن هذا الحضور الكريم يمثل تقديرًا لكل المتذوقين الذين أشادوا به في كل وسائل الإعلام واعتبروه نموذجًا مثاليًّا للعمل الفني الوطني، الذي تحتاج إليه مصر في معركتها الشرسة مع الإرهاب.
7 - تزامن مع الزيارة، نشاط مُلهِم قامت بها مؤسسة «مسك الخيرية»، التي يرعاها ولي العهد السعودي، وهو فعاليات منتدى التواصل الاجتماعي، في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، ويهدف المنتدى إلى التعرُّف عن قرب على التحديات التي تواجِهُ الشبابَ والفرص التي تتيحها وسائل الإعلام الجديدة لهم وكيف يمكن توجيهها لتحقيق مستقبل أفضل.
وأخيرًا، نأمل أن تكون الزيارة فاتحة خيرٍ على البلدين، مصر والسعودية، فكلاهما يسير وفق رؤية واضحة نحو عام 2030، في ظل قيادتين بلغتا من الحكمة والنضج والقدرة على الفعل ما يجعلنا نطمَحُ في مستقبل رائع لأبنائنا.


* نشر في مجلة «روز اليوسف» بتاريخ 10 مارس 2018

الخميس، 8 مارس 2018

زيارة ملكية للأزهر والكاتدرائية



يدشن وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان حقبةً جديدةً في تاريخ بلاده ومنطقة الشرق الأوسط، بجولته الخارجية الأولى بعد صعودِهِ المفاجئ في يونيو 2017، واقترابِهِ (على بُعد خُطوة) من عَرْشِ المملكة العربية السعودية، التي تُعَدّ واحدةً من أهمِّ دُوَلِ المنطقة، وينظر لها العالم بوصفها دولةً مؤثِّرةً بما لها من ثِقَلٍ إسلامي واقتصادي كبير.
ونظرة سريعة على دول الزيارة (مصر وبريطانيا وأميركا)، وقراءة لتفاصيل أجندة الزيارة في كل دولة تؤكد أنها بحقٍّ رحلة غير عادية.. الحرص في كل التفاصيل، والتدقيق في اللقاءات والمقابلات وأماكنها، والاختيار الذكيّ لمرافقي وليِّ العهد في كل لقاء.
يكفي أن الشيخ صالح آل شيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (وهو أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، كان في صحبة ولي العهد أثناء زيارته غير المسبوقة، التي تُعدّ الأولى لمسئول سعودي رفيع إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (في قلب القاهرة).
وظنِّي أن هذه الزيارة قَفَزَتْ بالمملكة سنواتٍ إلى الأمام، وصحَّحَتْ مسارَ العلاقة مع الآخر المختلف دينيًّا وفقًا لروح العصر الذي نعيشه، كما ستسهم مستقبلًا في إزالة رواسبِ عَدَاءٍ معروف بين بعض أنصار «الوهابية» وأبناء الديانة المسيحية، وهو العداء الذي أُرِيقَتْ بسببه دماءٌ بريئة، ولا يزال صدى هذه الأفكار المتطرفة راسخًا في عقول بعضِ المتأسلمين المصريين ممن تَرَبُّوا فكريًّا عليها، وسَعَوا إلى تصديرها ونشرها بكل الوسائل والطرق، أعان الله مشايخَنا المعتدلين على تنوير هذه العقول الظلامية.
وسبقَتْ هذه الزيارة التاريخية للكاتدرائية، زيارةٌ أخرى لا تقلُّ عنها أهميةً، قام بها ولي العهد السعودي إلى قلعة الإسلام الوسطي في العالم، وقبلةِ المعتدلينَ ومنارةِ المسلمين، الجامعِ الأزهر، وشرف بلقاء شيخه الطيب، فضيلة الإمام الأكبر، وهي الزيارة التي تُمتِّنُ العلاقة بين الأزهر والسعودية، التي وضح مدى الحرص الملكي عليها في السنوات الأخيرة، فقد سبَقَتْها زيارة من الملك سلمان في أبريل 2016.
وأعرب ولي العهد السعودي عن تقدير السعودية للأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء، مؤكدًا اعتزازه الشخصي بالأزهر، وبشخص الإمام الطيب ومتابعته لجهود الأزهر باستمرار باعتباره من أهم منارات وركائز الفكر الإسلامي، منوهاً بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر في مواجهة كل ما يحيق بالعالم العربي والإسلامي من مخاطر، معبرًا عن تقدير المملكة للدور الذي يقوم به فضيلة الإمام شيخ الأزهر في نشر ثقافة الوسطية والتعايش والسلام ومكافحة الفكر المتطرِّف.
وجاء لقاء ولي العهد مع عدد من الإعلاميين المصريين في منزل السفير السعودي السابق في القاهرة أحمد قطان، ليوضح لنا ملامح الفكر السياسي والديني في عقل الملك القادم للسعودية، والذي تبلور بزيارتيه للأزهر والكنيسة، وقد نشرت صحيفة «المصري اليوم» بعضًا مما دار في هذا اللقاء، حيث ذكرت أن وليَّ العهد السعودي قد أكَّد أن بلاده لديها انفتاح فكري وسياسي، رغم أنها تُواجَه دائمًا بأنها مملكة وهابية، وأوضح بن سلمان أن دعوة الشيخ عبد الوهاب بدأت منذ 300 عام، والإرهاب لم يحدث إلا في السنوات الأخيرة، وأن الشعب السعودي لديه أغلبية سنية، والشيعة يعيشون وسطهم، وأن ما حدث هو اختزال الدين الإسلامي من بعد عام 1979 في الأفكار المتطرفة، وما حدث في السعودية حدث في مصر بعدما قَوِيَت شوكة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وقال ولي العهد السعودي بحسب الصحيفة: «نعترف بأن السعودية استخدمت (الإخوان)، لكنَّ الجماعة تغلغلت داخل الجيش والشرطة والقضاء، وانتشروا في المساجد واستغلوا ثورة الخميني، فقاموا بحصار المسجد الحرام، رغم أن السعودية في الستينيات والسبعينيات كانت لديها حضارة أكثر مما نراه الآن بكثير».
وكان مِسك ختام الزيارة افتتاحَ الرئيس السيسي، والأمير محمد بن سلمان، والإمام الأكبر شيخ الأزهر، أعمال ترميم الجامع الأزهر، التي استغرقت أكثر من 3 سنوات، وبمبادرة ومنحة من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي تُعدّ من أكبر وأوسع عمليات الترميم والتطوير التي شهدها الجامع الأزهر على مَرِّ تاريخه الذي تجاوز الألف عام، ليبقى الأزهر ويستمر مُشعًّا نوره على العالم.
حفظ الله مصر والسعودية وشعبيهما، وألهم قائدَيْ البلدين الحكمةَ والهِمَّة وحسن التدبر لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية.

*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 8 مارس 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...