هل تكفي إدانة الأزهر للحادث الإرهابي الأخير في حلوان،
الذي نجَحَتْ الشرطة والشعب في تقويض خسائِرِه، أو يكفي عزاء الإمام الأكبر الشيخ الطيب،
لقداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، هاتفيًّا
في ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مارمينا؟
وهل يكفي العدد الأخير من جريدة «صوت الأزهر» الذي احتفى
بشكل غير مسبوق بذكرى ميلاد السيد المسيح، وتصدَّرَت صفحته الأولى «عيسى.. سلام
عليه يوم وُلِد»، وتضمن العديد من الموضوعات التي تؤكِّد المحبة الصادقة بين الإسلام
والمسيحية، وبين محمد وعيسى عليهما السلام، وبيننا وبين شركائنا في الوطن؟
لا كُلّ ما يقوم به
الأزهر.. يكفي، ولا ما تقوم به الدولة في أرجاء المحروسة من أجل أقباط مصر.. يكفي،
نحتاج إلى المزيد والمزيد، كي تطمئِنَّ قلوبُهُم المُفزَعة، وعقولُهُم المتعَبَة،
ونفوسُهُم الحائرة، وعيونُهُم التي لم تتوقَّفْ عن البكاء، منذ إرهاصاتِ العنف ضد
(بعض) ما هو قطبي، التي سبقَتْ يناير 2011، وبلغت ذُروَتها قبله بأيام عندما سقط عشرات
الضحايا في حادث كنيسة القديسين المروِّع، وحتى العنف ضد (كل) ما هو قبطي، الذي
أعقب يونيو 2013، والمستمر حتى اليوم وبشكل هستيريٍّ، من حرق الكنائس والأديرة في
المنيا وبعض محافظات الجمهورية وحتى تفجيرات الكنيسة البطرسية بالعباسية، وكنيستي مارجرجس
بطنطا ومارمرقس بالإسكندرية، يتمُّ ذلك من خلال خطة شيطانية لتوطينالرعب في روح
المصريين.
وعلى صعيدٍ آخر، وفي
إطار عِشقِها الدائم لكل ما هو عَكِر (مثلها)، اصطادت الإدارة الأميركية ملفَّ
الأقباط وحقوقهم وحمايتهم، ومثلها في هذا الصيد الكونجرس (المطاطيِّ)، الذي يناقش
هذه الأيام،بحسب جريدة «المصري اليوم»، مشروع قرار يطالِبُ بربطِ المعونةِ باتخاذ مصر خطواتٍ لضمان المساواة
وإنهاء تهميش المسيحيين في المجتمع المصري، ويشير القرار المنشور على الموقع الإلكتروني لـ«الكونجرس»
إلى أن «المسيحيين يواجهون تمييزًا شديدًا في كل من القطاعين العام والخاص، بما في
ذلك المستويات العليا في دوائر الاستخبارات والدفاع والشؤون الخارجية والأمن»، وأن
«التعصُّب َالنظاميَّ والانقسامات الطائفية طويلة الأمد جَعَلَتْ المسيحيين مواطنين
من الدرجة الثانية».
ظني أن الاستدعاء
المفاجئ لملف الأقباط في هذا التوقيت، يوحي بأنه ردّ أميركي (سريع) على موقف مصر
من قضية القدس، الذي كان بحاجة إلى عملية إرهابية (سريعة أيضًا) تدعمه، وربما هذا
يكشف لنا سر عملية حلوان الإرهابية (العجيبة)، التي رغمَ الحزن العام على ضحاياها،
فإنها أنتجت كمًّا كبيرًا من السخرية، كان بطَلُها هذا الإرهابيَّ (المفضوحَ) الذي
عكس أداؤُهُ حماقةَ مَنْ يقفُ وراءه.
ولأننا لا شكَّ أمام
مؤامرةٍ ظاهرة الملامح، تستهدفُ ضَرْب العلاقة بين المسلم والمسيحي في مصر، ولأن
الأزهر هو منارة الإسلام الوسطي، الذي يقع على عاتقه العبءُ الأكبر في دعم جسور
التواصل بين المسلمين والمسيحيين، بالآراء الدينية المستنيرة التي ترغِّب كل مسلم
في علاقة طيبة ووطيدة مع أخيه المسيحي، وتستبعد مثيري الفتنة من أنصاف العلماء،
وتحذِّر من وجُودِهم بين صفوف المؤسسة العريقة... فإن الأفكار غير التقليدية، التي
تقفز بنا بعيدًا عن المناطق الملغومة التي تتولَّد بفعل الخلافات والاختلافات بين
كل الأديان، هي الهدف المنشود، والبحثَ عن المشترك وتوسيع رقعته وتنميته السبيل الصحيحة
لترابط أجزاء الجسد المصري.
وإذا كان الشيخ الطيب قد
أكد للعالم أن«رسولنا الكريم حضَّ على الأُخُوَّة بين سائر العباد دون تمييز في الدين»،
فإن التاريخ يحفظ للبابا تواضروس مقولته الشهيرة: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا
وطن»، التي قالها بعد حوادثِ استهدافِ الكنائس التي أعقبت خروج «الإخوان» من قصر
الاتحادية في يوليو 2013، وأين أنا بين القامتين عندما أذكر ما كتبتُهُ ذات يوم في
نصٍّ مسرحي قديم: «إذا كان المسيح كلمة، فإن النبي هو الفعل، وبفضلهما تجلَّت لنا الحقيقة كاملة»!
*نشر في جريدة "صوت الأزهر" بتاريخ 3 يناير 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق