الأربعاء، 17 يناير 2018

رسالة إلى مصطفى


ابني الحبيب الغالي
أكتب إليك هذه الرسالة لتبقى شاهدةً على الأمانة التي حمَّلتُك إياها، ولتخلِّد ذكرى الحوار الذي دار بيننا عشيةَ القرار الأميركي الذي اتخذه دونالد ترامب بنقل سفارةِ بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في ديسمبر 2017، يومها سألتَنِي مندهشًا عن سبب الغضب المقدسي والفلسطيني والعربي والإسلامي الذي صاحَبَ القرار، وعندما حكيتُ لك قصَّة #القدس_عاصمة_فلسطين_الأبدية أصابَتْك الدهشة، فقد كنت تجهل تاريخَ القدس وحكاياتِ فلسطين من الاحتلال إلى الإذلال، ورغم أنك تدرُسُ في الصفِّ الخامس الابتدائيِّ في مصر، فإنك لم تتعَلَّم شيئًا عن العدوِّ الصهيوني ومشروع دولة إسرائيل الممتد من الفرات إلى النيل.
لقد أربَكَتْك التفاصيلُ يا صغيري، لكني لمَحْتُ في عيونك التحدي والإرادة اللذين دفعانني لأن أستمرُّ في حديثي الحماسي معك، وأُحمِّلُك مسئولية #نصرة_الأقصى وهي الأمانة التي عاهدَتْنِي على أن تتحمَّلَها وتنقلها لأبنائك من بعدك، لينقلوها من بعدهم إلى أبنائهم جيلًا عقبَ جيل، لكي نؤصِّل إيماننا بقضيتنا، ونؤكد على جذورها، لتبقى شجرةً يافعةً في وجداننا، راسخةً في أعماقنا، يتردَّد صداها، #القدس_عربية..

سألتَنِي: ولِمَ ننصر القدس يا أبي؟
وأجبتك بتلقائية وصدق، بأننا ننصُرُه لننصرَ أنفسَنا، ونمنَعها من الانزلاقِ في بئرٍ سحيقةٍ من العبثية والعدمية. إننا ننصر فلسطين، لننقذها من أنياب الاحتلال الإسرائيلي، ننصرُها لنفضحَ جرائم الصهيونية التي لا تقل في بشاعتها عن جرائم الأمريكان الأوائل في القارة التي هاجروا إليها وأبادوا منها الهنود الحمر، سكَّانَها الأصليين.

هنا أتذكَّر كيف اكفَهَرَّ وجهُك واندفَعتَ متحمسًا، تُدافِع بكلِّ ما تعلَّمتَه وعرفته عن التاريخ الأميركي، حدثتَنِي عن الثورة الأميركية وحرب الاستقلال (عام 1783)، وما سبقهما من حروب ضد الهنود (المرعبين كما وصَفْتَهم)، كما حكيتَ لي عن نضال الأميركيين ضد إنجلترا، والقصة المثيرة لـ«حفل الشاي في بوسطن» التي كانت بمثابة المرحلة الأولى من نضال المستوطنين الجدد من أجل الاستقلال والحرية، مرورًا بحروب جديدة لطرد الهنود (المشاغبين)، وصولًا إلى الحرب الأهلية (1861 - 1865)، وعدَّدْتَ لي أسماءَ بعضِ رؤساء أميركا خلال هذه الفترة، ومنهم جورج واشنطن.. جون آدمز.. توماس جيفرسون.. أبراهام لينكولن، فقاطعتُك سائلاً عن صلاح الدين وقطز ومحمد علي وعبد الناصر والسادات، فلم ترُدَّ واكتفيتَ بابتسامة حائرة.. قابلتها أنا بابتسامة حزينة على حال التعليم الخاص في بلادي.

ثم سألتَنِي: وكيف ننصر القدس يا أبي؟
فقلت لك: ننصره بأن نعرِفَه جيدًا، ندرُسُ كلَّ شيءٍ عن فلسطين.. موقعها وتاريخها وآثارها، حدودها الحقيقية قبل وعد بلفور، ونفهم الفوارق بين الخرائط المزيَّفَة التي يبثُّها الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة 1948 ثم نكسة 1967، وانتهاء بشكلِها قبل أوسلو ومدريد وبعدهما فيما عُرِف بـ«اتفاق الحكم الذاتي» الذي منح الفلسطينيين سلطةً وهميةً على غزة وأجزاءٍ مبعثرة من الضفة الغربية، لا يربطهما إلا معابر تُهيمِن عليها قوات الاحتلال.


فسألتَنِي: وبعد المعرفة؟! فقلت لك: «الغاوي ينقَّط بطاقيته»، فضحكتَ مستوضحًا، فأخبرتُك أن ما بيننا وبين الصهاينة حربُ وجودٍ.. معركة مستمرة لأجيال قادمة، وعلينا أن نتعلَّم ونجتهدَ لنتفوَّقَ ثم ننتصر عليهم في كل الميادين، قبل أن نصلَ إلى ميدان القتال الحقيقي، وحتى هذا الوقت الذي ربما يأتي متأخرًا، علينا أن نقاوم بالكلمات وبالفنون وكل أشكال المقاومة السلمية المتاحة، نستفيد من التكنولوجيا الحديثة ونستثمر «السوشيال ميديا»، نخاطب شعوب العالم الحرة، نتعلم من معركة الأمم المتحدة الأخيرة التي قادتها مصر، والتي انتصَرَتْ فيها إرادة المجتمع الدولي على الصلف الأميركي.


علينا يا ولدى ألا نستصغِر أيَّ موقف داعم، ولا نقلل من أي جهد صغير يناصر الأقصى ويساند قضية فلسطين، وقد حَمَّلتُك الأمانة أمام الله، واللهُ على ما أقول شهيد.


*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 17 يناير 2017

#مؤتمر_الأزهر_العالمي_لمصرة_القدس
#2018_عام_القدس

#القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...