الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

«مكارثية» الأزهر.. والخوف من الله


يقول الشاعر والفيلسوف الإنجليزي صامويل تايلر كولريدج‬، إن أعظم طبيب على الإطلاق هو الذي يمنحك قدرًا كبيرًا من الأمل، ولأن العظمة لله وحده، فإنه لا شريك له هو القادر على أن يمنحنا الأمل في هذه اللحظات حالكة السواد التي نعيشها بعد جريمة «البلاك فرايداي» النكراء في بئر العبد، التي راح ضحيتها 305 من الشهداء. كما أن كتابه الكريم هو «طب القلوب» التي يعتصرها الحزن ويدميها الألم، ويرعبها المقبل من أيام، والمتوقَّع من أخطار.
إن الجريمة الحقيقة التي يخلِّفها الإرهاب في نفوسنا، هي الرعب الذي يطاردنا في كل مكان نذهب إليه، واستقرار هذا الخوف في نفوس المصريين (مسلمين ومسيحيين) يساوي الموت البطيء. وكأن كل جريمة إرهابية تغتال عشرات أو مئات فإنها أيضًا تخلِّف وراءها آلافًا آخرين من الضحايا الذين يعيشون (موتى) أسرى الهلع والقلق والتوتر. ويشعل هذا الخوف ويؤججه ما تصدِّرُهُ لنا «الميديا» الحديثة من عدد كبير من الصور النمطية عن ضحايا كل حادث إرهابي، وتحدث صور الدم الكثيفة والجثث المشوهة، أثرًا سلبيًّا مفزعًا على عموم الناس، وفي مقدمتهم الشيوخ والأطفال والنساء، وذلك وفق ما تؤكده الدراسات السيكولوجية والاجتماعية، كما أن كثيرًا من وسائل الإعلام الغربية تحذِّر نشر مثل هذه الصور لإدراكها حجم الأثر السلبي الذي تُسبِّبه للمجتمع.
وأعلم أنني لا أضيف جديدًا عندما أذكر أن الإيمان بالله.. حقًّا وصدقًا، هو العلاج الأقوى والأكثر فاعلية في مواجهة «الخوف». فلا تخَفْ، لأن الخالق عز وجل قادر على أن يحميك ويحمينا من كل خطر، مهما بلغَتْ قُوَّتُه أو قدرَتُه، فالله غالب.
من حقِّنا جميعًا أن نحزن على ضحايا «مسجد الروضة»، خصوصًا الأطفال الأبرياء الذين مزقوا قلوبَنا وجعًا، ولكن لا تجعل الحزن ينسيك أنهم «شهداء عند ربهم يرزقون»، فكل رواد المسجد؛ مَن مات ومَن أصيب «كلهم حبايب ربنا».. من أهل الذكر والمحبة والتقوى.
ولا تظنَّ أن القتَلَةَ الإرهابيين هم من اختاروا لهم هذه «الموتة»، فالمولى عز وجل هو مَنْ حدد وقدَّر حتى قبل أن يُخلَقوا، وذلك علمه عنده الله.. لا تسأَلَنَّ عن السبب، كما أنه اختار لغيرهم منذ فجر التاريخ طُرُقًا آخرى للموت، منها الغرق والحرق والذبح، ومنهم من مات على فراشه (باشا).. في النهاية كلُّه موت.. وكلنا مودِّع، ولكل أجل كتاب.
وأذكركم أيضًا، فإن الذكر ينفع، بالآيات النورانية من سورة آل عمران: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)}.

وأهمس بالآيات السابقة أيضًا، في أُذُن من تركوا الدم وثأره، وسارعوا ليقحموا الأزهر كما تعودوا عقب كل حادث إرهابي، وصرخوا مناشدين شيخه وهيئة كبار علمائه بأن يكفِّروا كل التنظيمات الإرهابية، وبالَغَ البعض واتهم صراحة المؤسسة العريقة بأنها المتسبِّب في استمرار جرائم الإرهاب، لامتناعها عن استخدام سلاح «التكفير» الفَتَّاك (من وجهة نظرهم) الذي سيكبل فورًا أيادي هؤلاء المتطرفين، وفق التصوُّرِ الساذج الذي يروجونه.
ونسوا أو تناسوا أن كلَّ من يمتلك عقل في هذا البلد يُدرِك خطورةَ مثلِ هذا المطلب الشاذِّ، الذي سبق أن رفضه ويرفضُهُ كل المثقفين والمفكرين المخلصين، ولو كان الأزهر أو شيخه طامعين في سلطة (أو سطوة) دينية كما يشيع هؤلاء المرتزقة، لكان وافق وتحمَّس فورًا لمطلبهم، الذي يحول هذه المؤسسة الشريفة، إلى مؤسسة «مكارثية» ترهب المجتمع وتصبح سيفًا يقطع رقبة كل معارض أو مختلف في الرأي، وتنزلق المؤسسة الدينية الأهم في تاريخ الأمة الإسلامية في «سيرك السياسة»، وهو ما يتنافى مع تاريخ الأزهر الشريف ودوره الثابت والراسخ في إبعاد الدين عن هذه السراديب التي يرغب البعض في أن نُدفَن جميعًا فيها.
ونذكر أخيرًا بأن هؤلاء الإرهابيين مجرمون وفق القانون المدني الذي يحكم دولتنا، وعلى مَن يمتلك القوة العسكرية (الجيش والشرطة) أن يكفَّ أذاهم عن المجتمع باستخدام الشكل المناسب من القوة الذي يكفل الأمن والأمان لهذا الشعب المسكين، الذي شاء قدره أن يعيش هذا الزمان.
وننهي (بالعربي) عكس ما بدأنا (مع شاعر إنجليزي)، لعلهم يفهمون!!!
من إبداع الشاعر الكبير نزار قباني: «ما بين فصل الخريف وفصل الشتاءْ. ‏هنالكَ فصلٌ أسميهِ فصلَ البكاءْ. ‏تكونُ به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ».
اللهم احفظ مصر وأهلها.

* نشر في جريدة (صوت الازهر) بتاريخ 29 نوفمبر 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...