الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

«مرارة» الإرهاب و طبيب «السكر»


سعدتُ بالرسالة التي وصلتني من الدكتور أشرف الشيخ استشاري الأمراض الباطنية والغدد الصماء، وصاحب مركز «أبو سيفين لأمراض السكر»، تعليقاً على مقالي السابق: «مكارثية» الأزهر.. والخوف من الله، وفتحت الرسالة بابًا لحوار أظنه مهمًّا، مع طبيب مصري مثقف ووطني، لم تقف (خانة الديانة) حاجزًا أمام تدفُّقِه بحرِّيَّة وشفافية وصدق.
بدأ د. أشرف قائلًا: «تعليقًا على مقالك الأخير، ورَفْضِك تحويلَ الأزهر إلى مؤسسة (مكارثية) ترهب المجتمع وتصبح سيفًا يقطع رقبة كل معارض أو مختلف في الرأي، أوافقك تمامًا في دفاعك عن موقف مؤسسة الأزهر الشريف (في رفضه لمبدأ التكفير)، لو كانَتْ المشكلة المثارة هي اختلاف في الرأي، والتي يمكن أن نطبق عليها المقولة الشهيرة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية». لكن دعني أذكِّرْك بأن الموضوع هو مأساة مسجد الروضة التي راح ضحيَّتَها 309 من المسلمين الموحِّدين بالله الناطقين بالشهادتين وهم يصلون صلاة الجمعة في المسجد، وهنا أتساءل: ما موقفُ كاتبِنا الكبير من هذه الآية، ومن آيات  تناولت الموضوع ذاته: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»!؟.. رأيي أن مؤسسة الأزهر  مترددة (لسبب يعلمه الله) في أخذ موقف واضح وصريح من مرتكبي الأعمال الإرهابية الخطيرة التي تهدد أمن بلادنا والمجتمع».
وكتبتُ له ردًّا قلتُ فيه: «عزيزي الدكتور المحترم، أولًا أوضِّح لك أن رفضي منح الأزهر سلطةً استثنائيةً لتكفير أيِّ مصري، هو مبدأ وموقف شخصي، والآن دَعْنِي أسأَلْك: هل سيتوقف الإرهاب لو قال الأزهر إن (الدواعش) كفار؟ أظن أن إقحام الأزهر في الموضوع هو محاولة لتشتيت الانتباه، ولكن علينا أن نمتلك شجاعة المواجهة بأنه ربما تكون هناك بعض أخطاء في المواجهة الأمنية مع الإرهاب، ولا أنكر أيضًا أن هناك أوجهَ قصورٍ في دور الأزهر، فالكمال لله وحده.
وإن كنتُ أتمنى أن نتعلَّم من الغرب في تعامله مع جرائمَ هَزَّت العالم مؤخرًا، منها مثلًا حادث لاس فيجاس،  فلم يتَّهِم أحد الشرطةَ الأميركيةَ بالتقصير، ولا عاتَبَ أحدهم الكنيسة واتهمها بأنها السبب، فالعنف أصبح موضةً عالميةً تتخذ من الدين قناعًا أحيانًا، وأحيانًا أخرى تطل بوجهها القبيح دون أقنعة. 
فما المطلوب من الأزهر تحديدًا..؟! الجميع يطالبه بتجديد الخطاب الديني.. كل العقلاء يعلمون أن هذا أمر يحتاج إلي وقت ودعم كل مؤسسات الدولة، وهو أمر يأخذنا إلى فشل التعليم كله في مصر، وهي الكارثة التي تنذر بما هو أخطر من الإرهاب، وتنبئ بمستقبل مرعب.
وأخيرًا: أكرر وأؤكد أن سقوط الأزهر كارثة كبيرة على الإسلام وعلى كل الأديان، لأنه آخر حصون الاعتدال الديني وأصدق منابر الوسطية، وتراجُعه عن دوره يمنح أرضًا خصبًا تستثمرها كل تيارات التطرف من الإلحاد إلى الإرهاب».
وجاء ردُّهُ أكثرَ حسمًا، حيث قال: «معك حق في كل كلامك الموزون المرتَّب لكن داخلي رغبة ملحَّة - و يشاركني في ذلك كثير من الأصدقاء مسلمين ومسيحيين - في أن يتخذ الأزهر موقفًا أكثر وضوحًا أو أكثر قوةً تجاهَ مثل هؤلاء القتلة المأجورين، ويمكن استخدام معانٍ تشير إلى التكفير دون إعلانها صراحةً منعًا من عواقب ذلك، كما أشرت، يمكن مثلًا أن يصدر بيانًا يقول فيه إن من يفعل مثل هذه الجرائم الشنعاء هم قتلة ليسوا بشرًا ولا مسلمين ولا يعرفون الله  ولا مصريين... إلخ، فبشاعة الجُرْم تولِّد رغبة شديدة في الانتقام من هؤلاء القتلة الذين يعجز اللسان عن وصف خستهم وشرهم».
فأرسلتُ له رابطَ فيديو، وتبعته بالتعليق التالي: «أرجو أن يتسع وقتك لتستمع وتشاهد (8 دقائق فقط)، هي زمن كلمة فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب في مسجد الروضة خلال زيارته التاريخية إلى بئر العبد، يوم الجمعة الماضي، وقد قال كلَّ ما كتبتَهُ وطالبتَ به، وقال ما هو أكثرُ قوة، تحديدًا من نهاية الدقيقة الثانية هو يتحدث عن الإرهابيين وينعتهم بأشد الأوصاف».
فأرسل لي صديقي استشاري أمراض السكر، إشارات تصفيق وإشادة، قبل أن يختم حوارنا قائلًا: «كلمات رائعة لا بدَّ من إذاعتها مرارًا وتكرارًا، أتمنى التنبيه على الإعلام المغيَّبِ بإذاعتها عدةَ مراتٍ بدلًا من (هرتلة) أبلة فاهيتا وأخواتها».

وختامًا، شاءت الأقدار أن أُبتلَى بنزلة برد حادة حرمتني من صلاة الجمعة، فجلستُ أتابعها من مسجد الروضة عبر فضائية «dmc» سعيدًا بإعادة افتتاح المسجد بعد الحادث الأليم، فخورًا بحضور الشيخ الطيب ومعه نخبة من رجال الأزهر ورموز المجتمع، وانتهت الصلاة وهمَّ الإمام الأكبر بأن يُلقيَ كلمته المرتقبة، ولكنني فوجِئتُ بالمحطة تقطع الإرسال وتبثّ حديثًا تليفزيونيًّا قديمًا لفضيلة الشيخ الشعراوي، فاضطررت أن (أغير المحطة)، لأستمعَ إلى كلمة فضيلته، مندهشًا من هذا الموقف الذي اتخذته أحدث الفضائيات الخاصة (وأقربها للدولة المصرية)، والتي نقدر الدور الذي تلعبه في الإعلام المصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...