الخميس، 16 نوفمبر 2017

مباراة مرتقبة بين السعودية وإيران على «ملعب لبناني»


استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تقَدَّم بها عبر رسالةٍ متلفزة، والتي بُثَّت من قصر (الحريري) المنيف في حي التخصصي، أرقى أحياء الرياض، في 4 نوفمبر الماضي، أوضحت أن القَدَر اختار لبنان ليستضيفَ صدامًا وشيكًا بين قطبَيْ السنة والشيعة في الشرق الأوسط؛ السعودية وإيران، في مباراة مرتقَبَة تحفِّز عليها إدارةُ ترامب بكل الوسائل كي تتم وفق ما تتمنى، لتقضي على أهم قوتين إسلاميتين بالمنطقة، وتصبّ النتائج في مصلحة إسرائيل؛ حليفتها المقدسة.
وسواء أُجبِر الحريري على استقالته ثم إقامته التي تَلَتْ هذه الاستقالة محتجَزًا بالمملكة، كما أُشِيع، أو أن دوافِعَه وطنية خالصة، وأن الشكل البائس الذي خَرَجَتْ به الاستقالة كان مردُّه إلى أسبابٍ أمنية تتعلَّق بحياته، بعد ما قِيلَ عن محاولة اغتيالٍ فاشلة تعرَّضَ لها، فإننا أمام تصعيد سياسي للداخل اللبناني الذي لا يحتمل أيَّ لفحةِ حرارةٍ؛ فهو مشتَعِل من تلقاءِ ذاته، ويستعدُّ للانفجار في أي لحظة ومنذ سنوات، بسبب التقسيمات الطائفية والانقسامات المذهبية وألعاب السيرك الإقليمي التي تمارَس عبر قواه السياسية بفعل أجهزة مخابرات من دول عدة، أبرزها سعودي وإيراني وإسرائيلي وتركي وأميركي، ونتمنى أن تكون مصر حاضرةً في هذا المحفل الإقليمي المخابراتي بأي صيغة متاحة ومناسبة لا توتِّر أيًّا من علاقاتها مع أطراف النزاع.
ويأتي التصعيد على الساحة اللبنانية متزامنًا مع واقعة «الصاروخ» الحوثي الذي أسقطَتْه السعودية وطال بعضُ حطامِه مطارَ الملك خالد في الرياض، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها التي تتعرض فيها العاصمة السعودية لمثل هذا الاعتداء العسكري الجوي، وهو الأمر الذي دفع المملكة للتحرُّك الفوري والتصعيد الظاهر والمستتر ضد إيران، المتهم الأول بالضلوع في إمداد المتمردين الحوثيين باليمن بمثل هذا السلاح المتقدِّم، وذلك عبر وسيط خفيّ هو حزب الله اللبناني، الذي تنتشر عدد من قياداته العسكرية باليمن لتدريب المتمردين ودعمهم عسكريًّا، وهذا ما فرض اسم لبنان كـ«ملعب» صريح لمعركة مرتقَبَة، ومباراة تأخر لعبُها سنواتٍ.
وتتنافس المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، منذ عقود، على قيادة المنطقة دينيًّا تحت اللواء الإسلامي؛ فالسعودية هي المرجع الديني الأبرز عند السنَّة والشيعة لوجود الحرمين داخل حدودها، وهو ما منحها ثِقَلًا إسلاميًّا كبيرًا حافَظَتْ عليه طوال ما يقرب من قرن، وترى إيران أحقيَّتَها بهذا الدور لا سيما بعد أن أعلنت الجمهورية الإسلامية، عقب ثورة الخميني في عام 1979، ومنذ هذا التاريخ تُجاهِد دولُ الخليج السعيَ الإيرانيَّ إلى «تصدير» الثورة إلى بلدانهم.
ثم تكشف إيران أكثر عن طموحها التوسعي القبيح بعد موجات الثورات العربية عام 2011، فتُضطَرّ الرياض إلى أن تُرسِل ألف جندي إلى البحرين لقمع الحركة الاحتجاجية التي شكل الشيعةُ مِحورَها، ثم تتصاعد المواجهة بين طهران والرياض في الملفّ السوري. وفي مارس 2015، تطلق الرياض عمليةً عسكريةً، لمنعِ المتمردينَ الحوثيين الشيعة المتهمين بتلقي دعم من إيران، من السيطرة على كل اليمن (غالبية سنية) المجاور للسعودية. وفي يناير 2016، أبدت طهران استياءها الشديد من إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر النمر، وفي اليوم التالي قطَعَتْ الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد مهاجمة سفارتها في العاصمة الإيرانية.
وفي أكتوبر، هذا العام، ترحِّب المملكة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم المصادقة على التزام إيران بالاتفاق التاريخي حول برنامجها النووي الذي وقَّعَتْه طهران مع ست دول كبرى في 2015، ذلك قبل أن يتأزم الوضع في نوفمبر بالصاروخ الحوثي واستقالة سعد الحريري، التي ربما يتراجع عنها تحت ضغط شعبي ودولي، وربما يُجبَر على التمسُّك بها  ليدخلَ لبنان نفقًا مظلمًا، خصوصًا مع القطيعة الاقتصادية التي تنتويها دول الخليج.

حفظ الله لبنان، وثقتنا كبيرة في شعبه العريق وقدرته على التأثير والتغيير، فالشعب اللبناني أقوى من أي فوضى سياسية وأكثر قدرةً على الحياة من شعوب أدمَنَتْ الموت.

* نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 15 نوفمبر 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...