لا شكَّ أن حدثًا بضخامة «منتدى شباب العالم» الذي أُقِيم
في مدينة شرم الشيخ المصرية في الفترة من 4 إلى 10 نوفمبر 2017، يستحقُّ التوقُّفَ
أمامَه بإعجابٍ لا يكتمل إلا بالتقييم والنقد، خصوصًا مع ما طرحه من أفكار
وموضوعات جعلَتْه أشبهَ بـ«سوق» عالمية للأفكار أو ما يمكن أن نَصِفَه بالإنجليزية
«A Global Market for Ideas»، حيث قُدِّمَت
خلال أيام المنتدى سلَّة كبيرة ومنوَّعة من العناوين الطازجة، ناقشها وتبادل الرأي
فيها 3000 شباب من مختلف دول العالم صاغوا حولها رؤيتَهُمْ وتصوُّرَهم للمستقبل،
وأظنّ أن تحديد أجندة المنتدى قد استغرَق وقتًا وجهدًا كبيرًا من اللجنة المنظِّمة
لهذا الحدث الأبرز في تاريخ الشباب حول العالم.
وقد نجَحَت هذه الأجندةُ الدسِمَة في جمع أشتات من
العناوين المتباعدة ودَمْج كل ألوان الطيف من الموضوعات التي تشغل عقول المشاركين
من قارات العالم الست، ومن دول تخطى عددها المائة، ووصل إلى 113 دولة، واقترب أن يماثلَ
عددُ ما تمَّتْ محاكاته في المنتدى «نموذجًا للأمم المتحدة».
وتمحوَرَتْ فعاليات المنتدى وجلساتُه حول أربعةِ محاورَ
رئيسية هي:
1- محور التنمية المستدامة والتكنولوجيا وريادة الأعمال..
(وتفرَّع إلى موضوعات، منها: تجارب دولية لتحقيق استراتيجيات
التنمية المستدامة، تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الشرق الأوسط، التجربة المصرية
في استضافة اللاجئين، الفرص الاستثمارية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، دور المرأة
في دوائر صناعة القرار).
2- محور قضايا شبابية عالمية.. (وتفرع إلى موضوعات، منها:
التأثير السلبي للهجرة غير المنتظمة على الشباب حول العالم، الحوار بين الأجيال، إعادة
بناء مؤسسات الدولة في مناطق الصراع، المسئولية المجتمعية والعمل التطوعي للشباب).
3- الحوار الحضاري والثقافي.. (وتفرع إلى موضوعات،
منها: اختلاف الحضارات والثقافات.. صدام أم تكامل؟! كيف تصلح الآداب والفنون ما تُفسِدُه
الصراعات والحروب، دور حرية الصحافة في بناء الدولة، دور السينما في مواجهة التطرف،
أثر الحروب والنزاعات في اختفاء هوية الشباب).
4- صناعة قادة المستقبل.. (وتفرع إلى موضوعات، منها: كيف يصنع العالم قادته؟
استعراض التجربة المصرية في صناعة المستقبل «عرض عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب
للقيادة والأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب»، حقائق تاريخية في صناعة القيادات،
تعزيز مشاركة الشباب في صنع واتخاذ القرار).
وظهر المنتدى بصورة مشرِّفَة، ونجاح مشهود متأثرًا بما
حمله (المنظمون) من تراكم خبرات اكتسبوها عبر تنظيم أربعة مؤتمرات شبابية خلال عام
واحد في شرم الشيخ وأسوان والإسماعيلية والإسكندرية، وأحدها كانت صاحبة الفضل في
ميلاد هذا المنتدى كتوصية صادرة عن المؤتمر الوطني للشباب.
وتجتمع هذه المؤتمرات المحلية، وكذا المنتدى العالمي، في
أنها تحمل عناوين وأفكارًا وموضوعاتٍ نخبويةً لا تقترب من شباب «التوك توك» ولا
تمسّ سكان الحواري والنجوع الذين يمثلون السواد الأعظم من شباب مصر، والذين لم
ينتقل طموحهم خارج الدوائر الثلاث الشهيرة (المغلقة عليهم منذ عقود): الفقر والجوع
والمرض، والذين سيستفزُّهُم تكاليفُ استضافة وتنظيم هذا المنتدى المهمّ، حتى لو تمت
الإشارة إلى أن الدولة لم تُنفِقْ عليه.
كان ضروريًّا أن يُحدِّثَهم أيّ من المسئولين أو يناقشهم
أي من الإعلاميين عن أثر وأهمية حدث بضخامة «منتدى عالمي» في هذا التوقيت الذي
يزلزل الإرهاب فيه أرجاءَ العالم، وتعصف الحروب والنزاعات والصراعات بمحيطنا
الإقليمي، وتطحَنُنا داخليًّا مصاعبُ اقتصاديةٌ قاتلة، وتحرق نيران الغلاء ما تبقى
في نفوسنا من أي أمل في المستقبل، كان مهمًّا أن يشرح أهل النخبة لهؤلاء البسطاء ما
سينفعهم من هذه السوق الفكرية الكبيرة، ما القيمة المضافة التي ستغير حياتهم بعد
هذا الجمع الغفير الذي شغل الدولة بكل مؤسساتها ومقدراتها لمدة أسبوع كامل، وشهور أخرى
سبَقَتْه في الإعداد له..؟!
من حقِّهِم أن يفهموا ويقتنعوا كي يشاركونا فرحتَنا بهذا
الإبهار وهذا النجاح الكبير الذي تحقق في شرم الشيخ، والذي يستحقُّ أن يتحول إلى
عرس سنوي تحتضنه مدينة السلام، التي مثل لها المنتدى «قُبلَة» حياة، فاسترجعت جزءًا
من بريقها وسحرها.. وشبابها.
* نشر في صحيفة (صوت الأزهر) بتاريخ 8 نوفمبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق