يحتفل العالم كل عام بيوم المرأة العالمي
والذي يحل سنوياً في التاسع من شهر مارس، وقد لمست هذا العام تصاعدا غير معهود في
النفاق المجتمعي للمرأة المصرية، للأسف لا يمنحها احتفالا بيومها وتسليطا على ما
انجزته في مسيرتها التنموية، بل يصب نيران الغل والحقد على الرجل (غريمها
التقليدي)، وكأننا في مبارزة لا تنتهي الا بسقوط احد طرفيها صريعا.
ليتحول يوم المرأة مثل مناسبات سنوية آخرى
قفزت على أجندة أيامنا المصرية منها على سبيل المثال لا الحصر: عيد الحب، ويوم
الطفل، والهالوين، ويوم الصحافة، وغيرها من ايام وأعياد لا طائل من وجودها إلا
حالة التقليد الأعمى للغرب، والتي لا تعكس للأسف إهتماما حقيقياً بالموضوع محل
العيد أو اليوم، بل هي مبالغة كاذبة تسقط مع «الترند» قبل نهاية اليوم ليحل محلها
جريمة بائسة أو قصة تافهة.
يتفق هذا مع ما شهدته العقود الأخيرة من حالة
الإفراط والمتجارة بحقوق المرأة، والتي تلقفها المجتمع المدني (بدعم وتوجه حكومي)،
فتبارت الجمعيات الأهلية لسنوات في التكالب على المنظمات الغربية المانحة، وأنبطحت
تروج لأهدافها المنوعة (والمشبوهة)، والتي كانت تعزف على حالة القهر التي تتعرض
لها المرأة، من خلال (كوكتيل) برامجي احتوى على موضوعات شتى، منها ختان الإناث
والممارسة السياسية للمرأة والحرية الجنسية وحق المرأة في العمل وغيرها من عناوين
براقة جاءت كلها تحت هدف واضح ومعلن هو (التمكين).
وجذبت هذه الأفكار أموالا طائلة، وتحقق من
وراءها أرباحا هائلة لعدد محدود من الأشخاص، لكنها خلفت وراءها حالة مشتعلة من
الجدل المجتمعي لم تتوقف خلال الربع قرن الأخير والذي تفننت فيه (المرأة) في خطف
ما سمته بحقوقها من (الرجل)، مع تضخيم شعورها بالمظلومية، والذي تحول مع التكرار
والمزايدة الاعلامية والتدليل الحكومي والمجتمعي، إلى حالة تشبه «الهولوكست» عند
اليهود (المظلومية الصهيونية الشهيرة التي أبتزت بها إسرائيل العالم اجمع وما تزال)،
وأصبحت «حقوق المرأة» من المحظورات التي لا يحق للرجال مناقشتها وإلا وصموا بالجهل
والرجعية والتخلف.
ورغم اني أتفق مع بعض برامج هذه الجمعيات
والمرسسات الأهلية التي ساهمت في تنمية المرأة، وتوعيتها وتثقيفها، فأسهمت بدورها
في نهضة المجتمع كله، لكني لن أقبل حالة «البلطجة» النسائية المفرطة التي تنامت
أعقاب ثورة يناير 2011 تحت ستار المظلومية، وعلى طريقة الهولوكست، وأصبحت جزء من
منظومة الإنهيار الأخلاقي الذي أصاب المجتمع كله، وتحولت إلى ابتزار منتظم للتغاضي
عن إستحواذ المرأة المصرية على كل ما تتمتع به المرأة الشرقية والغربية معاً من
حقوق ومزايا، والمدهش انها تمارس انتقائية (أنانية) إذا حاولت محاسبتها، فتتنقل
ببراعة بين نساء البيت الأبيض وحريم السلطان العثماني، وفق مزاجها وهواها.
ولد من رحم هذه العك المجتمعي مصطلحات
وأفكار شاذة، مثل (independent strong woman)، الذي روجت له عشرات النساء (الوحيدات)
سواء مطلقات أو ما شابه ليؤكدن قدرتهن على الاستقلال عن الرجل، وسطع نجم إعلاميات فضليات
رددن أفكاراً وآراء تتناغم مع موضة العصر (سب الرجال) وحصدن شهرة كبيرة، بفضل
تأجيجهن روح الانتقام والتحدي بين الرجل والمرأة وتسميم العلاقة بينهما وتشويه مشروع
الأسرة والسخرية منه، وكلما أشتد الصراع.. ربح المزايدون.
وفي المقابل، لا أستبعد أن يظهر قريبا من
يلقب نفسه بـ«عدو المرأة» على طريقة الفيلم الشهير الذي حمل نفس الأسم، ومثله
النجم رشدي أباظة عام 1966 عن قصة الأستاذ محمد التابعي، والذي أستوحى شخصية بطله
من بعض كبار مفكرينا الذين أشتهروا بعدائهم للجنس اللطيف في النصف الأول من القرن
العشرين، ومنهم الأستاذ العقاد، كما صاغ أيضاً شخصية (عدو المرأة) ببراعة أستاذنا
توفيق الحكيم في روايته (الرباط المقدس)، ولا يفوتنا أن نذكر أشهر من عرفوا بهذا
اللقب وهو الراحل أنيس منصور، الذي حققت أقواله عن المرأة رواجا كبيرا، ومن أشهرها:
«أن تجد امرأة راضية عن حالها، هذا شيء مستحيل»، «الرجل هو الجنس اللطيف والمرأة
هي الجنس يا لطيف»، «المرأة تبكي بلا ألم والرجل يتألم بلا بكاء».
لا ندري إلى أين سـيأخذنا هذا الصراع، وإن
كنا نستطيع التوقع إذا عرفنا: «ان حالات
الطلاق زادت في مصر خلال الفترة 2009 إلى 2017 بنحو 40.2 % بمتوسط معدل نمو سنوي
قدره 4.3 %، حيث بلغ عدد إشهادات الطلاق خلال عام 2017 نحو 198 ألف حالة»، وذلك وفق دراسة
عن الطلاق في مصر، أجراها «مرصد
المرأة» بالمركز المصري
لبحوث الرأي العام.
هل نطمح في أن تستعيد المرأة رشدها،
لتدرك طبيعة دورها وأهمية وجودها بعيدا عن صرعات الموضة وحمى تقليد الغرب؟.
سنحلم بذلك.. داعين الله ان تتزايد
أعداد النساء الفضليات التي بهن ما زال مجتمعنا صامد وقائم، وهن من يستحقن التهنئة
وتقبيل أقدامهن، ليس سنوياً بل كل يوم على ما تبذلن من عطاء بغية مرضاة المولى عز
وجل.
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 مارس2019
مقال رائع يا استاذ 👍👍
ردحذفشكرا على المتابعة
ردحذف