الخميس، 24 يناير 2019

قل: حركة شباب.. ولا تقل: ثورة




إذا كانت الحركة المباركة (حركة الضباط الأحرار) في 23 يوليو 1952، قد ألتحمت مع إرادة الجماهير وتطورت مع رؤية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه إلى ما سمي بـ «ثورة يوليو» التي أسست لشرعية الدولة المصرية الوطنية الحديثة الممتدة حتى اليوم، فإن ثورة 25 يناير 2011 التي احتشد خلفها الشعب المصري وساند مشروعها للتغيير واحتفى بها المجتمع الدولي، تقزمت بسبب ما فعلته جماعة الإخوان المحظورة بها، فبات أدق أن نسمها وهي على أعتاب عامها التاسع بـ«حركة شباب»، تأسيساً على فشل مشروعها الثوري، الذي أخفق عندما أختطفت الجماعة المارقة الثورة في أحضانها، ثم تعثرت أقدامها في الثوابت المصرية، فأنكفات على وجهها وأضاعت معها جهد وحلم ملايين المصريين بالتغيير الحقيقي.. بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية.
ولو كان حصاد يناير قد توقف عند هذا المشهد، لحدثت الكارثة وتحقق سيناريو الفوضى الذي تمنته الجماعة يوم هب عليها الشعب واقتلعها من السلطة في 30 يونيو 2013، فأحتشدت ورهط من أنصار مشروعها الفاشي الذي غلفته بالدين وتبنته وتزعمته وروجت له أكثر من 90 عام، لقد دعت يومها وطالب قياداتها بسقوط الدولة الوطنية وتشبثوا حتى الرمق الأخير بالسلطة، لكن قطار القوى الوطنية مدعوما بالجيش والشرطة، دهس طموحات الجماعة وألقى بها إلى مزبلة التاريخ.
وكي لا نظلم يناير وشبابها، فلقد أشعلوا شمعة في فضاء الوطن المعتم، أرشدتنا إلى طريق التغيير، وزرعت بذور الحلم في مستقبل أفضل لمصر، وألتقط الحلم عقل وقلب المواطن المصري عبد الفتاح السيسي، وألهمته «حركة الشباب» وفجرت بداخله مكامن الأمل في نهضة حقيقية، ورسمت في أوراقه «خارطة طريق» شعارها «مصر تستطيع.. وشعبها قادر»، دفعته من منطلق المسئولية الوطنية أن يمسك عجلة القيادة ويتحرك بالسفينة قبل أن تغرق، يقودها ومعه مخلصين من رجال ونساء لم يتلاعب الهوى الدولي في مصريتهم، ولم تجرفهم الرياح الأجنبية العاتية (المدفوعة بمؤامرات يقف وراءها خوارج هذا الزمان) بعيدا عن شاطىء الوطن، فلبوا مع السيسي نداء «تحيا مصر».
ومع قدوم يناير من كل عام، تطل علينا وجوهاً قبيحة تشوه الحلم المصري، والمشروع المصري، والأمل المصري الذي ولد في 25 يناير 2011، لست من حواريي ما سمي وقتها بـ «ثورة يناير»، فلقد تردد عقلي في قبولها لإدراكي كم الكوارث التي تعقب الثورات في العالم كله، لكني تعاملت معها بمهنية أثناء عملي كمراسل ومدير مكتب جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، وقدمت وقتها ومعي زملاء أعزاء أفضل التغطيات المهنية الاحترافية للحدث الذي فاجىء العالم، ولا أخفي أني خسرت بسبب «حركة يناير» في كافة مناحي حياتي، وأهدرت لأجلها فرصاً مهمة أثرت في مستقبلي، لكني أبدا لم ألعنها أو أعاديها، وأكتشفت مع مرور السنوات ملامح عبقريتها، وأراها رغم قسوة ما أحدثته في الجسد المصري المهترىء، إلا أنها أعادت إليه الروح فأسترد بعض عافيته، وعاد من جديد إلى الوجود.
بعدها ربما نتفق أو نختلف مع ما حدث في 30 يونيو 2013، لكني أراها من زاوية التاريخ السياسي (وبعيدا عن فكر الإخوان الـتأمري)، حدث راشد أسترد به المجتمع المصري دولته الوطنية وأعادها إلى طريقها التقليدي، وفق قناعته بأن الثورة فعل لا يناسب أو يتناسب مع الحالة المصرية الراهنة، وهذا ما أتفق عليه كثير من الوطنيين (الحكماء) الذين ناشدوا ثوار يناير في 2011 في أوج ثورتهم، وتمنوا منهم أن يقبلوا حلولا أقل راديكالية وأن يهبطوا بسقف طموحاتهم ويرشدوا مطالبهم، حتى لا يضيع الوطن.
لقد استغل الإخوان هذا الطموح الجارف في دفع الأحداث إلى الهاوية، فطاشت الثورة العظيمة وتقزمت وتقلص طموحها تدريجيا، وتشرذم عشاقها الحقيقيون وأصاب الإكتئاب قلوب الحالمين بها ومعها، حتى تدخلت إرادة الله وأنقذت الوطن، ربما لن يدرك هؤلاء الحالمون المكتئبون حزنا على حلمهم الضائع، قيمة ما حدث بفضل الله وجيش مصر القوي إلا بعد سنوات بعيدة، وقتها سيترحموا على ابائهم الذين هجروا "الكنبة" في 30 يونيو، وفوضوا عبد الفتاح السيسي في يوليو 2013، ولازالوا رغم قسوة جراحته الإقتصادية والسياسية يجددوا له التفويض، لأنه أملهم الأخير بعد أن أسقطت (يناير ويونية) الأقنعة عن كل المزايدين بالوطن ومحبته.
لقد وثق المصريون في السيسي أولا لخلفيته العسكرية التي ضمنت لهم وطنيته في لحظة فارقة، ثم بعد أن اختبروه خلال الأعوام الخمسة الماضية، تيقنوا من همته وجديته وحماسه وإخلاصه، فتصالحوا مع يناير وحركتها وأدركوا أنها هي التي حركت مياه راكدة آسنة، ودفعت برئيسهم الحالي ليتقدم الصفوف.. ويقود مصر في رحلة العودة إلي مصاف الدول الفاعلة في العالم.
شكرا يناير.. وشكرا شباب مصر الذي أنتفض في 25 يناير.. وقدم للعالم في 18 يوم .. ملحمة وطنية خالدة.. وكل عام ومصر بشبابها في خير.




 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 23 يناير 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...