الأربعاء، 2 يناير 2019

الجنادرية 33.. والسعودية الجديدة



رغم إزدحام ساحات الجنادرية الشاسعة، بكل ألوان التراث السعودي، إلا أن العيون كانت تحلق في كل الأرجاء منبهرة بما وصلت إليه المملكة من حاضر مشرق، أسشتعرنا أوجهه منذ أن وطأت أقدامنا العاصمة الرياض لحضور المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي أنطلقت فعالياته يوم الخميس 20 ديسمبر 2018 بحضور الملك وكبار رجال المملكة وضيوفها من كل بلاد العالم، وشرفت أن أكون بينهم وبصحبة عدد من أعضاء الوفد المصري، ضم كلاً من: د. محمد عثمان الخشت، د. محمود علم الدين، د. هيثم الحاج علي، د. عبد المنعم سعيد، د. هشام عطية، ومحمد سلماوي، د. علاء عبد الهادي.
وعقب مشاهدتنا لأوبريت الافتتاح «تدلَّل يا وطن»، الذي سبقَتْه جولة بين أجنحة «الجنادرية» ختمناها بسباق الهجن، ثم ما تلاه لأيامٍ من ندواتٍ ثقافية أُعِدَّت ببراعة لتجمَعَ أهمَّ أوراق العمل في أبرز القضايا الفكرية التي تشغل العقل السعودي والعربي والإسلامي، قبل أن تختطِفَنا شوارعُ الرياض وأحياؤها في جولاتٍ سياحية وفكرية. تأكَّدْتُ بعدها أن السعودية قيادةً وشعباً، معاً على طريق الانفتاح (غير المسبوق)، وأن القيادة والشعب امتلكوا قدرة فائقة على استيعاب وإدارة هذا الانفتاح، وأن سنوات الصبر لم تمرَّ هباء، بل كانت إستعداداً لهذه اللحظة الحتمية، التي تمثِّل الثقافة ركيزةً أساسية لها، لهذا اختارت حكومة المملكة أن تكون لها وزارة مستقلة بعد أن كانت جزءاً من وزارة الإعلام، ويبدو أن نهج «تدليل» الشعب هو هدف وفلسفة لدى القيادة السعودية، لهذا وُجِد للترفيه هيئة مستقلة، تمَّ تغيير قياداتها قبل أيامٍ ضمنَ حزمة أوامر ملكية جدَّدَت دماء مجلس الوزراء السعودي وبعض الهيئات الحكومية، في إطار «حزم وعزم» دائمين تنتهجهما حكومة خادم الحرمين وولي عهده محمد بن سلمان، منذ أن اعتلى الملك سلمان سدة الحكم في 23 يناير 2015.
لقد وصلتنا رسالة «الجنادرية 33»، التي بلورها مهرجانها، وهي الرسالة التي أكدتها فاعلياتها الناجعة، والتي اشتملت في مجملها على أهداف هذا المهرجان (الدوري) الذي انطلقت أول دوراته عام 1985، والتي يلخصها «مزج التاريخ العريق مع الحاضر المزهر»، فالجنادرية تهدف إلى التأكيد على الهوية العربية الإسلامية للمملكة وتأصيل الموروث الوطني السعودي ومحاولة الإبقاء والمحافظة عليه.
وكانت أهم الندوات التي حضرتها ومثلت جزءاً رئيسياً من البرنامج الثقافي للمهرجان، ندوة «الشخصيات المكرمة» هذا العام، وهم: د. علي الدفاع، والأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، ود. سمر الحمود، وندوة «المرأة في رؤية المملكة 2030»، وندوة «القدس مفتاح السلام للصراع العربي - الإسرائيلي»، وندوة «تجديد الخطاب الديني»، وندوة «الأمن السيبراني»، وندوة «الدبلوماسية السعودية والاستقرار الإقليمي والعربي والدولي»، وندوة «الهوية الوطنية في زمن التجاذب والتحولات الفكرية»، وجدير أن أتوقف أمام موضوعين منهما، وهما المرأة والدبلوماسية السعودية، فالمرأة هي كلمة السر في التغيير الحاصل في المملكة، فبعد أن مُنِحت حقها في القيادة مع استصدار القوانين التي تكفل لها الحماية وحرية الحركة داخل المجتمع، استعادت السعودية نِصْفَ طاقتها المعطلة، ورفعت عن كاهل اقتصادها عبئاً ثقيلاً، فانطلق المجتمع السعودي إلى المنافسة الحضارية، لقد شعرت بالسعادة أثناء متابعتي في ندوة المرأة بالمهرجان لأربعِ نساء على المنصة، متحدثات لبقات يشرفن وطنهن وعروبتهن وإسلامهن، يناقشن ببراعة ومهارة حضور يتداخل رجاله ونساؤه في جلوسهم، ولا يفصلهم إلا حاجز الاحترام المتبادل.
أما «الدبلوماسية السعودية» فقد قفزت من الندوة وأصبحت الحدث الأبرز، نهاية الأسبوع الماضي، بعد ما جرى من تغيير في حقيبة الخارجية السعودية، بتولي إبراهيم العساف منصب الوزير خلفاً لعادل الجبير الذي تراجع خطوة إلى الخلف، وأصبح وزير دولة للشؤون الخارجية، وظني أن هذا التغيير في واجهة «الدبلوماسية السعودية»، يمنحها دعماً استراتيجياً تحتاج إليه في معارك شرسة، استجدت على المملكة أخيراً، تستهدف إضعاف سرعة تقدمها نحو المستقبل، الذي تتطلع إليه بقوة وأمل بسواعد أبنائها وحماس ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان الذي يردد السعوديين كلماته بفخر، ومنها قوله: «دائماً ما تبدأ قصصُ النجاحِ برؤيةٍ، وأنجَحُ الرُّؤى هي تلك التي تُبنى على مكامنِ القوة»، من رَحِمَ الفكرة وُلِدَتْ قصة نجاح القيادة السعودية في بناء «رؤية المملكة في 2030»، التي تبشِّر بميلاد السعودية الجديدة.




* نشر في جريدة "صوت الأزهر" بتاريخ 2 يناير 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...