الجمعة، 27 أبريل 2018

من يصطاد «الحوت الأزرق»؟



تتوالى حالات الانتحار في مصر بشكل يثير القلق، والدافع وراءها جميعًا هو «حوت أزرق» قَفَز فجأةً إلى شِباك الأطفال (والشباب) الإلكترونية، وغزا فضاءهم الخاص، وهيمن على عالمهم الجديد، فظنّوا (بسذاجتهم) أنه صيدهم الثمين، لكن خلال أيام قليلة يكونون هم الفريسة المنتظرة، وينجح هذا التطبيق الإلكتروني في أن يسلبهم عقولهم ويتحكم في مقدراتهم، ويدفعهم بدهاء مرعب إلى النهاية المفجِعة.
فقبلَ أيامٍ لقِيَتْ سيدة صعيدية ونجلُها مصرعهما، وأُصِيبَ نجلُها الثالث بحروقٍ متفرقة بدائرة مركز البلينا (محافظة سوهاج)، وقالت التحقيقات الأولية إن نجلتها أشعلَتْ النار في المنزل تنفيذًا لتعليمات لعبة «الحوت الأزرق»، كما شهدت مصر 6 حالات انتحار بسبب اللعبة ذاتها، خلال شهر أبريل فقط، كانت الأولى لنجل البرلماني السابق حمدي الفخراني، تبِعَتها حالة لفتاة في الإسكندرية، والثالثة لشابٍّ من الشرقية، أما الرابعة فكانت لشاب من السويس، والخامسة لطفلٍ في المحلَّة بالغربية، والسادسة لطفل في البحيرة.
وأسرَعَتْ الدولة في التحرُّكِ لمواجهة هذه اللُّعبة المرعبة التي تهدِّد كلَّ أسرة مصرية، وأتفق مع ما قاله وكيل الأزهر الشريف، الدكتور عباس شومان، من أن حمايةَ الشباب من الاستهداف الممنهَجِ والخبيث للإضرار بهم وبمستقبلهم لا يقلُّ أهميةً عن جُهُودِ الدولة للتصدِّي للإرهاب.
واستبشَرَ الجميعُ الخيرَ، بعد قرارِ النائبِ العامِّ المصريِّ الذي أصدره السبت الماضي، بتكليفِ الجهازِ القومي لتنظيم الاتصالات باتخاذ ما يلزم من إجراءات لحجب المواقع التي تبثُّ الألعاب الالكترونية على شبكة الانترنت ومنها ما يسمى «الحوت الأزرق»، مشيرًا إلى أن ذلك يُعتبر «أمرًا متعلِّقًا بالأمن القومي والمصالح العليا للبلاد».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حرَّمَتْ دار الإفتاء المصرية ممارسةَ لُعبة «الحوت الأزرق» التي يقوم الشباب بتحميلها على هواتفهم الذكية، لما فيها من «إيذاء للنفس والإضرار بها»، كما أعلن مجَمَّع البحوث الإسلامية عن تنظيم حملة موسعة في جميع محافظات ومدن الجمهورية للتحذير من خطورتها.
ولعبة «بلو ويل» أي (الحوت الأزرق)، تدفع المراهقين إلى مواجهة مجموعة تحديات خطيرة على مدى خمسين يومًا، وفي كلِّ مرَّةٍ يكون التحدي أخطر مما سبَقَه، حتى يصلوا إلى المرحلة النهائية المتمثِّلَةِ بالانتحار، ولا تنحصر الانتقادات الموجهة إلى اللعبة في مصر، بل تتعداها إلى دُوَلٍ عِدَّة للاشتباه في تسببها بحالات انتحار كثيرة في صفوف مراهقين، ومن ضمنها بلدان عربية مثل تونس والمغرب والجزائر.
وفي سياق المواجهة المجتمعية الواعية، قَدَّم مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية مطلع هذا الشهر 11 نصيحة للوقاية من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، ونعيد نشرها للتذكير لعلها تكون مرشدة وملهمة.. وهي:
1- متابعة الطفل (أو الشاب) بصفَةٍ مستمرَّةٍ وعلى مدار الساعة.
2- مراقبة تطبيقات الهاتف بالنسبة للأبناء، وعدم ترك الهواتف بين أيديهم لفترات طويلة.
3- شغل أوقات فراغ الأطفال (الشباب) بما ينفعُهُمْ من تحصيل العلوم النافعة والأنشطة الرياضية المختلفة.
4- التأكيد على أهمية الوقت بالنسبة للطفل (الشاب).
5- مشاركة الابن (الابنة) في جميع جوانب حياتِهِ مع توجيه النصح وتقديم القدوة الصالحة له.
6- تنمية مهارات الابن (الابنة)، وتوظيف هذه المهارات فيما ينفعه والاستفادة من إبداعاته.
7- التشجيع الدائم للطفل (الشاب) على ما يُقدِّمه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء.
8- منح الأبناء مساحة لتحقيق الذات وتعزيز القدرات وكسب الثقة.
9- تدريب الأبناء على تحديد أهدافِهِمْ، واختيار الأفضل لرَسْمِ مستقبَلِهِمْ، والحثّ على المشاركة الفعالة والواقعية في محيط الأسرة والمجتمع.
10- تخيُّر الرفقة الصالحة للأبناء ومتابعتهم في الدراسة من خلال التواصل المستمر مع المعلمين وإدارة المدرسة. 
11- تنبيه الطفل (الشاب) على حُرمة استخدام آلاتٍ حادَّة تصيبه بأيِّ ضرر جسدي، وصونه عن كل ما يؤذيه؛ وذلك لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» صحيح البخاري.
وظنِّي، أن الجهود السابقة نواة صالحة لتشييد حائطِ صدٍّ مجتمعي قوي أمام هذا الخطر المحلِّق عبر الفضاء الإلكتروني، وهو مثله كمثل أخطار كثيرة قذفت بها التكنولوجيا إلى عقول البشر حول العالم خلال السنوات الأخيرة، التي لن يحميَهُمْ منها إلا كتاب الله وسُنَّة رسوله الكريم، فهما مصلُ الوقاية من أي حوت، سواء كان أزرق أو أحمر أو حتى «رينبو».
حفظكم الله من كل شر.

*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 25إبريل 2018


الأربعاء، 18 أبريل 2018

القدس في القمة.. وسوريا في القاع‎



لا شكَّ أن مبادرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بتسمية قمة الظهران العربية (القمة 29 في تاريخ القمم العربية)، باسم «قمة القدس»، كان بمثابة طوق نجاة أنقَذَ هذا الجمعَ العربيَّ الغفير من أن يحضر ويجتمع دون أي أن يُحقِّقَ نتائجَ ذاتَ قيمة ترتقي إلي مستوى المجتمِعين قادةً ورؤساءً وملوكًا.
وإذا استثنيا كلمة الرئيس السيسي التي جاءَتْ قَوِيَّة وصادقة، فإن توقيتَ وفعالياتِ القمة، كادَتْ تَدْفَعُها إلي القاع، لكن المبادرةَ السعوديةَ انتشلَتْها، بعد أن رَفَعَتْ الحَرَج الذي يجب أن يكون قد استشعره بعض من القادة الحضور، وهم يحجُّون إلي الظهران (شرق السعودية) بعد ساعات من العدوان الثلاثي (الأميركي - الانجليزي - الفرنسي) على سوريا الشقيقة، وسط تأييد بعض الدول العربية (منها السعودية نفسها).
حقيقة، فإن المشهد السوري مُربِك لكل عربي (مسلم)، فأنتَ لا تدري مع أي طرف تقف، فالجميع أياديهم ملوثة بالدم السوري، سواء في الداخل من فصائل متناحرة في مقدِّمَتِهم فصيل «الأسد» وجيشه ونظامه، أو في الخارج من دول متآمِرةٍ، دولِ الجوار العربي، وثالوثِ الصهيونيةِ (إسرائيل - تركيا - إيران)، وخلفَهم ثالوث العدوان (الذكي) الذين أشرنا إليهم أعلاه، ويسبق الجميع روسيا صاحبة أكبر وأقوى وجود استعماري في سوريا. لهذا فإنني لا أزايد حين أقول إن أشرف موقف في الأزمة السورية هو الموقف المصري الأصيل، الذي يُشرِّفُني.. إنه يمثِّلُني ويعبِّرُ عني وعن كثيرين في الأمة العربية والإسلامية، لأنه الموقف الصحيح والسليم شرعيًّا ووطنيًّا وقوميًّا.
وبينما كانت الأزمة السورية تدفع القمة إلى القاع، فإن القدس (العربية) أنقذَتْ العرب وقِمَّتَهم، فقد احتفى الجميع بالقمة لأنها تشرَّفَتْ بالقدس، التي سبق للأزهر الشريف أن دعا الأمة الإسلامية لتبني فكرة أن يكون 2018 عامًا للقُدس الشريف؛ تعريفًا به، ودعمًا ماديًّا ومعنويًّا للمقدسيين، ونشاطًا ثقافيًّا وإعلاميًّا متواصلًا، ولا تزال مخرجات مؤتمر «نصرة القدس»، وأصداؤه، حاضرةً في نفوس المسلمين، تلهمهم وتشحذ هِمَّتَهم لدعم ونصرة القضية الفلسطينية.
لهذا كان الأزهر أول السعداء بتسمية القمة العربية الـ29، بـ«قمة القدس»، وأشاد في بيان رسمي بمبادرة العاهل السعودي، منوّهًا بما تضمَّنَتْه كلماتُ الجِلسة الافتتاحية من تأكيدٍ على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل العرب، كما أشاد بإعلان الملك سلمان عن تَبَرُّع بلاده بـ 200 مليون دولار للشعب الفلسطيني، يُخصّص منها 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار لدعم وكالة الأمم المتحدة لغَوْث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وأعرِب الأزهر كذلك، عن تقديره للموقف القوي الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلِمَتِه بالجلسة الافتتاحية للقمة؛ دعمًا لنضال الشعب الفلسطيني، وتأكيده أن «الحقّ العربي في القدس حقٌّ ثابتٌ وأصيل، غير قابل للتحريف أو المصادرة».
وفي هذا السياق، نظَّم الأزهر الشريف، هذا الأسبوع، بالتعاون مع وزارة الثقافة، ندوةً ومعرضَ وثائق ودوريات، بعنوان: «القدسُ.. تراثٌ لا يُنسى»، وذلك في إطار إعلان الأزهر الشريف عام 2018 عامًا للقدس، واحتفال الهيئة العامّة لدار الكتب والوثائق القومية باليوم العالميّ للتراث.

*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 18 إبريل 2018

الجمعة، 13 أبريل 2018

تنقية الإعلام على طريقة «الحوت الأزرق»


فى يناير ٢٠١١ خرج اللواء عبدالفتاح السيسى (مدير المخابرات العسكرية وقتها) إلى المجال العام مجبرًا، ومعه مجموعة من العسكريين المصريين، فُرِض عليهم الاحتكاك المباشر مع الحياة المدنية فى لحظة معقدة للغاية، واضطرتهم الظروف (السيسى ورفاقه) لإدارة مجتمع عاش مكبوتًا لسنوات طويلة، ظل فيها يغلى بحثًا عن لحظة انفجار، وفى ٢٥ يناير وما تلاها أخرج كل مكنوناته بين إيجابيات اختزلتها نشوة الانفجار الأولى، وسلبيات فادحة كشفتها الأيام والشهور والسنوات التالية.

تأمل السيسى تفاصيل ما يجرى، وبهدوء جراح تعرى أمامه مريض يحتضر بعد حادث رهيب، كان صادقًا عندما شخص حالة مصر (المريض) بأنها شبه دولة، ولو كان استرسل لقال المزيد.. عن أشباه المكونات التى تتشكل منها هذه الدولة، ومن بينها الإعلام.
أتاحت ظروف «اللحظة المعقدة» للرئيس أن يرى ويعلم عن المهنة وأهلها الكثير، وما عرفه كان كاشفًا وفاحشًا، فلقد سقطت أوراق التوت عن المهنة، والمشتغلين بها، أمام الرجل بفعل أبنائها وفى مقدمتهم شيوخها الكبار (منهم الراحل محمد حسنين هيكل)، فقد نشر الإعلاميون كل غسيلهم أمامه وأمام غيره، وأبدعوا فى «الاستربتيز» الإعلامى تملقًا.. وتزلفًا.. وتقربًا، لكل سلطة جديدة خلال السنوات السبع الماضية، وأكدوا له حقيقة الصورة التى بدأت تتشكل أمامه مثل لعبة «البازل» الشهيرة، مكونة صورة سلبية جدًا.. أخشى أن أقول «حقيرة»، لأن الكلمة ثقيلة جدًا على نفسى وإن كانت أقرب للواقع المزرى الذى نعيشه.

فلا يخفى على العاملين فى الإعلام بكل وسائله ما وصلت إليه مهنتنا، الجميع يعلم بشاعة ما جرى، لقد سقط الإعلام المصرى (مثله مثل معظم مناحى الحياة فى بلادنا) بسبب مناخ «الإخصاء الفكرى» الذى صاحب عصر مبارك، حتى وصلنا إلى مرحلة من التدنى المهنى والأخلاقى غير المسبوقة.
وكان قد حدث تحول مريب فى مسار المهنة، بعد أن دخل مئات العاملين فيها إلى نفق «ازدواجية الانتماء»، وهو النفق الذى تم شقه منذ منتصف سبعينيات (القرن الماضى) بظهور ما سمى الصحافة المهاجرة، دعمتها بسخاء دول النفط العربى بداية من العراق وليبيا ثم السعودية وانتهاءً بقطر وأخيرًا الإمارات، وقفز على قمة هذه الوسائل عملاء لأجهزة مخابرات غربية، فتداخلت المصالح وتشعبت الأجندات، حتى وصلنا إلى مرحلة الفوضى الكاملة بصعود فضائيات مثل الجزيرة وأخواتها من ذوات النشأة المفضوحة والمعروفة، وللأسف استقطبت هذه الوسائل خيرة كوادرنا الإعلامية.
وبقى فى إعلامنا المحلى من لم يجد سكة مناسبة للهروب أو حرمه تواضعه المهنى من فرصة مغرية بالعملة الأجنبية، لهذا تحولت الصحف القومية وتليفزيون الدولة (وسائل الإعلام الوطنى) إلى حالة مثيرة للشفقة، فشلت معها كل المحاولات الجادة للإنقاذ، ودعمها للتواجد فى ظل منافسة شرسة، استباحت كل القيم والمعايير، بعد تراجع الإعلام التقليدى، أمام «الميديا الجديدة»، ونهاية عصر «الإعلامى الرصين» أمام طوفان ما سمى «إعلام المواطن».
ووضحت علاقة السيسى مع الإعلام منذ حواره الأول فى طريقه لحكم مصر مع الأستاذ ياسر رزق فى صحيفة «المصرى اليوم» فى أكتوبر عام ٢٠١٣، والذى تم تسريب ما لم ينشر منه فى واقعة لا تزال تمثل لغزًا محيرًا، وحدثًا فريدًا فى تاريخ الدولة المصرية، سبقته إشارة واضحة عن الإعلام فى بيان ٣ يوليو ٢٠١٣، ثم إشارات مستمرة من «الريس» فى كل مناسبة تعكس عدم رضا الرئيس عن الإعلام، ووصل الأمر إلى ظهوره تليفزيونيا دون مذيع فى لقاء قيل وقتها إنه سيكون شهريًا لكنه لم يتكرر.

ومنذ تحذيره الحاد لإبراهيم عيسى بعدم استخدام كلمة «العسكر» فى حواره التليفزيونى الأول عند ترشحه للرئاسة عام ٢٠١٤، وحتى جلوسه أمام المخرجة السينمائية ساندرا نشأت لتحاوره وهو مرشح رئاسى أيضًا ولكن فى عام ٢٠١٨، وما جرى بينهما من وقفات وإجراءات وقرارات مثلت توجه الرئيس، وجسدت رغبته فى ضبط الإعلام، وإعادته إلى رشده المفقود منذ يناير ٢٠١١، فوضعت قواعد صارمة لتنظيم المهنة، أثرت على شكل المشهد الإعلامى، ومنها: 
■ تشكيل المجلس الأعلى للإعلام، بذراعيه: الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.
■ إعادة هيكلة سوق الفضائيات المصرية، ومحاولة السيطرة الاقتصادية على الإعلام الخاص، لإيقاف الهيمنة النفطية (خاصة القطرية) على الفضاء الإعلامى.
■ بتر الأذرع الإعلامية الأجنبية المعادية، ومداهمة الأوكار الإعلامية المشبوهة وحجب مواقعها الإلكترونية المعروفة بانتمائها الإخوانى.
■ الدفع بجيل جديد من شباب الإعلاميين لصدارة المشهد الإعلامى ودعم وجودهم، والتصدى لمحاولات الأجيال القديمة بإفشالهم.
■ المحاسبة «الغاشمة» لأى مخطئ أو متجاوز فى أى من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والإلكترونية، حتى لو كان من المقربين من دوائر السلطة.
■ التعامل الحازم مع أى تجاوز من الإعلام الأجنبى، وتحفيز دور هيئة الاستعلامات وتنشيطها للحفاظ على هيبة وسمعة مصر فى الخارج.
مثلت هذه التحديات وغيرها محاولة واضحة لتنقية الإعلام وفق توجه الدولة ورغبة الرئيس، وهو ما تشابه إلى حد ما (فى هدفه وتحدياته) مع اللعبة الروسية الشهيرة «الحوت الأزرق»، التى فرضت نفسها على قمة اهتمامات المجتمع المصرى خلال الأيام الماضية، بعد واقعة انتحار نجل برلمانى سابق، والتى قال مخترعها (فيليب بوديكين) إن هدفه هو «تنظيف» المجتمع من خلال دفع الناس إلى الانتحار.
وقد ظهرت هذه اللعبة عام ٢٠١٣، وكانت محدودة الانتشار حتى عام ٢٠١٦ عندما أصاب هوسها الشباب والمراهقين على نطاق واسع، ثم وقعت حالات انتحار تم ربطها باللعبة، مما خلق حالة من الذعر فى روسيا، فاتهم مخترعها الشاب الروسى بوديكين، البالغ من العمر ٢١ عامًا، وأدين بتحريض ١٦ مراهقة على الانتحار.
وتتكون اللعبة من ٥٠ تحديًا (اختبارًا)، وبعد أن يقوم الشخص بالتسجيل لخوض التحدى، يُطلب منه رسم حوت على ذراعه بأداة حادة، ثم تتوالى المهمات التى يتم تكليف المشارك بها حتى يصل إلى التحدى الرئيسى وهو الانتحار. ومن أمثلة هذه التحديات التى تفرضها اللعبة، وحسب أحد الشباب المنتحرين، الذى ترك قصته مكتوبة لأسرته قبل أن يلقى بنفسه من فوق سطح منزله: 
■ قطع أحد أصابع قدمك اليسرى.
■ قطع أحد أصابع يدك اليمنى.
■ الشرب من دمك عن طريق حقنة (تأخذ الدم وتضعه فى زجاجة وتقوم بالشرب).
■ مشاهدة فيلم رعب يوميًا من الساعة الثانية صباحًا حتى الساعة الرابعة صباحًا. 
■ زيارة المقابر لمدة ساعتين بعد منتصف الليل بمفردك.
■ نشر صور سطح البيت الذى ستقوم بالانتحار من فوقه.
وقد أخذت اللعبة اسمها من ظاهرة انتحار الحوت الأزرق طواعية بالارتماء على الشاطئ، وفور الاشتراك فى اللعبة يحصل الـ«أبلكيشن» الخاص بها على كل معلومات المشترك على مواقع التواصل الاجتماعى، ويتم تحليلها لمعرفة جميع أسراره والتعرف على سلوكياته، ومن شروط اللعبة أن «الانسحاب» غير مسموح به، ولو فكر «المشترك» فيه تصله رسالة تهدده بقتل أفراد أسرته، وعليه أن يختار بين أهله وبين الانتحار.
للأسف، هذا ما أتوقعه لكثيرين من أبناء مهنة الإعلام فى مصر خلال الأيام المقبلة.. سيكون مصيرهم مثل الحوت الأزرق.
كفانا الله وإياكم شر الأيام وغدرها.


نشر في جريدة «الدستور» بتاريخ 11 إبريل 2018

الأربعاء، 11 أبريل 2018

السعودية من «الوهابية» إلى «الأوبرا»



بعدَ تأكيدِ وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أيام لصحيفة أميركية، على أنه لا وجودَ للوهابيَّةِ في بلادِهِ، أعلنَتْ وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسين، هذا الأسبوعَ، أن فرنسا ستساعِدُ السعودية على تشكيل أوركسترا وإنشاء دارٍ للأوبرا، فيما تستعدُّ العاصمة السعودية، الرياض، نهاية شهر أبريل الحالي لاستضافةِ فرقةِ دار الأوبرا المصرية في أول زيارة لها للمملكة، لتحيى حفلَيْنِ بمركز الملك فهد الثقافي بحضور وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، حيث من المقرر أن يقدم نحو 45 فنانًا وعازفًا، مقطوعاتٍ موسيقيةً من الكلاسيكيات تتضَمَّنُ أغانيَ لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وغيرهما من نجوم الطرَبِ المصريِّ القديم.
وقد سبق حفل الأوبرا، حفلات لمطربين آخرين من مصر ومن غيرها، وأنشطة فنيَّة وثقافيَّة ورياضية، كُلُّها تؤكِّدُ وتدعم توجُّهَ المملكة الجديد، نحو التحرُّرِ الكامل من قيود الماضي، والسير في اتجاه مضادٍّ لما كانت عليه طوال 86 عاماً، منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز في سبتمبر عام 1932، وليس أدلّ على هذا التغير، مما قاله ولي عهدها (ومليكها المنتظر)، في زيارَتِهِ التاريخية للولايات المتحدة الأميركية، حيث قال في حوار مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية: «نحن لا نُؤمِنُ بأن لدينا وهابيةً. ولكن لدينا في المملكة العربية السعودية مسلمونَ سُنّةٌ، وكذلك لدينا مسلمون شِيعة»، وتابع: «في المملكة العربية السعودية واضحٌ أن قوانينَنا تأتي من الإسلام والقرآن، ولدينا المذاهبُ الأربعة (الحنبلية، الحنفية، الشافعية، والمالكية)، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة».
وتطرَّقَ ولي العهد السعودي في حواره إلى ما سَمَّاه «مثلثَ الشرِّ»، وقال إن أضلاع هذا المثلث هي «إيران والإخوان المسلمون والجماعات الإرهابية»، وقال إن هؤلاءِ الأطرافَ «يسعَوْنَ للترويج لفكرة أن واجبنا كمسلمين هو إعادة تأسيس مفهومهم الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقًا لفهمِهِمْ وأطماعهم، لكن الله -سبحانه - لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد لم يأمرنا بالقيام بذلك».
وفي حوارٍ آخرَ كان أكثرَ سخونةً مع مجلة «تايم» الأميركية، تساءل بن سلمان ثم أجاب: «هل تعلم ما هو الخطر الأعظم؟ الإخوان المسلمون، ليسوا في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنهم يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط تتبع استراتيجيةً جيِّدةً ضِدَّهُم؛ في السعودية ومصر والإمارات والأردن والعديد من الدول الأخرى. ولكن هدفهم الرئيسي يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرِّفةً. فهم يأملونَ بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عامًا، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا، من خلال استخدام جماعة الإخوان المسلمين. وهذا سيشكِّل خطراً أكبر بكثيرٍ من الحرب الباردة ومن تنظيم داعش ومن القاعدة ومن أي أمرٍ شهدناه خلال آخر مائة عام من التاريخ».
وقد رَدَّ الكاتب السعودي الإخواني (المعارض) جمال خاشقجي في مقال له في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، على أحاديث ولي العهد السعودي، قائلاً: «محمد بن سلمان يرغب في تقديم سردِيَّةٍ جديدة لتاريخِ البلادِ المعاصر، وهي سردية تعفي الحكومة من المسؤولية عن تواطُئِها في تبنِّي المذهب الوهابي المتشدِّد، الأمر الذي يناقض حقيقة ما وقع»، وعن العلاقة بين السعودية و«الإخوان المسلمين» التي هاجمها بن سلمان مرارًا، قال خاشقجي إن المملكة «رَحَّبَتْ في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بالمصريين (الإخوان) الذين لاذوا بالفرار من مصر خشيةَ أن يعتقلَهُم رئيسُها جمال عبد الناصر عقابًا لهم على معتقداتهم».
ولن أستطرِدَ في سرد تاريخ علاقات المملكة سواء مع الوهابية أو مع «الإخوان»، فمراجع التاريخ موجودة بالمكتبات، والحقائق والمعلومات مُتاحَةٌ للجميع، وهذا لن يمنَعنا من الإشادةِ بالاتجاهِ الجديدِ في المملكة ودعمه والتصفيق له ولكلِّ أنشطَتِهِ التنويرِيَّةِ التي ستُحدِثُ فارقًا واضحًا في المنطقة، سيُسهِم مع المراجعة الفكرية التي يتبناها ولي العهد السعودي في كشف تيارات التطرُّفِ المتسرّبةِ والمتوغِّلَةِ في جسد الأمة، ليقف الجميع أمام مسئوليتهم تجاه الإسلام.
وربما نحيا لنحتفل بافتتاح «أوبرا الرياض» ذاتَ يومٍ قريب، لنرى معًا حُلمَ شاعرِنا الكبيرِ صلاح جاهين يتحقَّقُ كما تخيله في أغنيته الشهيرة «المسئولية» التي غناها العندليبُ عبد الحليم حافظ عام 1963 في نادي الضباط، احتفالًا بالذكرى العاشرة لثورة يوليو، قائلاً:
«صناعة كبرى.. ملاعب خضرا
تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا
في كل قرية عربية
دي مهيش أماني.. وكلام أغاني
ده بر تاني.. ده بر تاني»!!
ويبدو أننا اقتربنا من الوصولِ إلى البرِّ الثاني الذي بَشَّرَ به جاهين، بَرّ الحضارة التي كنا في الماضي من أربابها بفضل الإسلام، قبل أن تُستدرَج الأمة إلى كهف التخلف والتطرف، الذي نستشعر قرب خروجها منه، بفضل جهود دول «الأمل العربي»، مصر والإمارات والسعودية، والإرادة الصادقة عند قادة الدول الثلاث ورغبتهم الأكيدة في التجديد واستعادة صورة الإسلام الصحيحة، وهو الجهد الذي يترجمه الأزهر الشريف، قاطرة الأمة نحو النور بمشيئة الله.

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...