الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

«مكارثية» الأزهر.. والخوف من الله


يقول الشاعر والفيلسوف الإنجليزي صامويل تايلر كولريدج‬، إن أعظم طبيب على الإطلاق هو الذي يمنحك قدرًا كبيرًا من الأمل، ولأن العظمة لله وحده، فإنه لا شريك له هو القادر على أن يمنحنا الأمل في هذه اللحظات حالكة السواد التي نعيشها بعد جريمة «البلاك فرايداي» النكراء في بئر العبد، التي راح ضحيتها 305 من الشهداء. كما أن كتابه الكريم هو «طب القلوب» التي يعتصرها الحزن ويدميها الألم، ويرعبها المقبل من أيام، والمتوقَّع من أخطار.
إن الجريمة الحقيقة التي يخلِّفها الإرهاب في نفوسنا، هي الرعب الذي يطاردنا في كل مكان نذهب إليه، واستقرار هذا الخوف في نفوس المصريين (مسلمين ومسيحيين) يساوي الموت البطيء. وكأن كل جريمة إرهابية تغتال عشرات أو مئات فإنها أيضًا تخلِّف وراءها آلافًا آخرين من الضحايا الذين يعيشون (موتى) أسرى الهلع والقلق والتوتر. ويشعل هذا الخوف ويؤججه ما تصدِّرُهُ لنا «الميديا» الحديثة من عدد كبير من الصور النمطية عن ضحايا كل حادث إرهابي، وتحدث صور الدم الكثيفة والجثث المشوهة، أثرًا سلبيًّا مفزعًا على عموم الناس، وفي مقدمتهم الشيوخ والأطفال والنساء، وذلك وفق ما تؤكده الدراسات السيكولوجية والاجتماعية، كما أن كثيرًا من وسائل الإعلام الغربية تحذِّر نشر مثل هذه الصور لإدراكها حجم الأثر السلبي الذي تُسبِّبه للمجتمع.
وأعلم أنني لا أضيف جديدًا عندما أذكر أن الإيمان بالله.. حقًّا وصدقًا، هو العلاج الأقوى والأكثر فاعلية في مواجهة «الخوف». فلا تخَفْ، لأن الخالق عز وجل قادر على أن يحميك ويحمينا من كل خطر، مهما بلغَتْ قُوَّتُه أو قدرَتُه، فالله غالب.
من حقِّنا جميعًا أن نحزن على ضحايا «مسجد الروضة»، خصوصًا الأطفال الأبرياء الذين مزقوا قلوبَنا وجعًا، ولكن لا تجعل الحزن ينسيك أنهم «شهداء عند ربهم يرزقون»، فكل رواد المسجد؛ مَن مات ومَن أصيب «كلهم حبايب ربنا».. من أهل الذكر والمحبة والتقوى.
ولا تظنَّ أن القتَلَةَ الإرهابيين هم من اختاروا لهم هذه «الموتة»، فالمولى عز وجل هو مَنْ حدد وقدَّر حتى قبل أن يُخلَقوا، وذلك علمه عنده الله.. لا تسأَلَنَّ عن السبب، كما أنه اختار لغيرهم منذ فجر التاريخ طُرُقًا آخرى للموت، منها الغرق والحرق والذبح، ومنهم من مات على فراشه (باشا).. في النهاية كلُّه موت.. وكلنا مودِّع، ولكل أجل كتاب.
وأذكركم أيضًا، فإن الذكر ينفع، بالآيات النورانية من سورة آل عمران: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (175)}.

وأهمس بالآيات السابقة أيضًا، في أُذُن من تركوا الدم وثأره، وسارعوا ليقحموا الأزهر كما تعودوا عقب كل حادث إرهابي، وصرخوا مناشدين شيخه وهيئة كبار علمائه بأن يكفِّروا كل التنظيمات الإرهابية، وبالَغَ البعض واتهم صراحة المؤسسة العريقة بأنها المتسبِّب في استمرار جرائم الإرهاب، لامتناعها عن استخدام سلاح «التكفير» الفَتَّاك (من وجهة نظرهم) الذي سيكبل فورًا أيادي هؤلاء المتطرفين، وفق التصوُّرِ الساذج الذي يروجونه.
ونسوا أو تناسوا أن كلَّ من يمتلك عقل في هذا البلد يُدرِك خطورةَ مثلِ هذا المطلب الشاذِّ، الذي سبق أن رفضه ويرفضُهُ كل المثقفين والمفكرين المخلصين، ولو كان الأزهر أو شيخه طامعين في سلطة (أو سطوة) دينية كما يشيع هؤلاء المرتزقة، لكان وافق وتحمَّس فورًا لمطلبهم، الذي يحول هذه المؤسسة الشريفة، إلى مؤسسة «مكارثية» ترهب المجتمع وتصبح سيفًا يقطع رقبة كل معارض أو مختلف في الرأي، وتنزلق المؤسسة الدينية الأهم في تاريخ الأمة الإسلامية في «سيرك السياسة»، وهو ما يتنافى مع تاريخ الأزهر الشريف ودوره الثابت والراسخ في إبعاد الدين عن هذه السراديب التي يرغب البعض في أن نُدفَن جميعًا فيها.
ونذكر أخيرًا بأن هؤلاء الإرهابيين مجرمون وفق القانون المدني الذي يحكم دولتنا، وعلى مَن يمتلك القوة العسكرية (الجيش والشرطة) أن يكفَّ أذاهم عن المجتمع باستخدام الشكل المناسب من القوة الذي يكفل الأمن والأمان لهذا الشعب المسكين، الذي شاء قدره أن يعيش هذا الزمان.
وننهي (بالعربي) عكس ما بدأنا (مع شاعر إنجليزي)، لعلهم يفهمون!!!
من إبداع الشاعر الكبير نزار قباني: «ما بين فصل الخريف وفصل الشتاءْ. ‏هنالكَ فصلٌ أسميهِ فصلَ البكاءْ. ‏تكونُ به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ».
اللهم احفظ مصر وأهلها.

* نشر في جريدة (صوت الازهر) بتاريخ 29 نوفمبر 2017

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

رجال حول الرسول


تُشرِق علينا أيام «ربيع الأول»، فتهِلُّ ذكرى حبيبِنا ونبيِّنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، نتذوَّق حلاوة عُرْس مولِدِه الذي ابتدعه الفاطميون «الشيعة»، وحوَّلَه المصريون «السُّنَّة» إلى حفلٍ سنويّ، وأصبح يُعرَف بـ«مولد النبي» يحتفون فيه على طريقتِهِم الشعبية بـ«سيدنا». ومن عباءته خرجت عشرات الموالد الأخرى التي تحتفي بأهل بيت النبوة والمشايخ والأولياء والصالحين.
وفي ذكرى «مولد النبي» تتفجَّر كرامات المحبة فتضيء القلوب، وتُلهِم العشَّاق إبداع الذكر في سيرته العطرة، وإعادة اكتشاف بواطن جمالها، ومفاتن قصصها، وعبقرية أحداثها، وكأن المسلمين في مصر (ونيابةً عن عموم مسلمي العالم) يقدمون كل عام هديةً للمصطفى في يوم مولده، على ما قدمه للبشرية، فاستحقَّ أن يكون خير البشر أجمعين، يشكِّل نصَّها القولُ المأثور: «جزاك اللهُ يا سيدي يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جُزِي نبيٌّ ورسول عن أمَّتِه.. فلقد بلَّغتَ الرسالةَ وأديتَ الأمانةَ، وأوضحتَ الحُجَّة وكشفْتَ الغمة، ونصحتَ العباد، وجاهدتَ في سبيل الله حق الجهاد».
وقد أكرمني الله هذا العام أن أحتفل بذكرى مولد الحبيب، في رحاب صحابته المخلصين، من خلال إشرافي على كتابة مشروع درامي عنوانه «رجال حول الرسول»، يحكي سيرة 30 من أبرز الصحابة؛ أسماء تقف أمامها مشدوهًا من فَرْط إخلاصها للعقيدة، ومن عُمق إيمانها، وتقف لها إجلالًا على عطائها لدعم خاتم المرسلين ونَشْر ما حمله له جبريل من رسائل التوحيد، والتضحية بكل نفيس، ثقةً في الله وفي رسوله الصادق الأمين.
لا أجرؤ على أن أباري كاتِبَنا الكبير ومفكِّرَنا الإسلامي الراحل خالد محمد خالد في مضماره، فهو الأسبق والأحق بهم؛ فقد قدم للمكتبة العربية كتابًا حمل هذا العنوان، غُزِل بحروف من نور في مقدمته بعض الكلمات الخالدة: «فالعظمة الباهرة التي نراها على صفحات هذا الكتاب لأولئك الرجال الشاهقين من أصحاب الرسول ليست أساطير، وإن بَدَتْ من فرط إعجازها كالأساطير!! إن التاريخ لم يشهد رجالًا عقدوا عزمهم ونيَّاتِهم على غاية تناهت في العدالة والسمو، ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهى في الجسارة والتضحية والبذل، كما شهد أولئك الرجال حول الرسول».
وقد ذكر بعض العلماء أن عدد الصحابة الذين تُوفِّي الرسول عنهم مائة وأربعة عشر ألفًا، وقال السيوطي تعليقًا على هذا القول: «هذا لا تحديدَ فيه، وكيف يُمكِن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى؟!».
ويتقدم صحابة النبي، العشرة المبشرون بالجنة، ومن بعدهم علماء ومقاتلون أشداء، وآخرون حظوا بشرف الشهادة، كما تمنوا ودعوا الله في غزواتهم وفتوحاتهم، وقد مَيَّز الرسول بعض صحابته وخَصَّهم بصفات مميزة، كما روى أبو سعيد الخدري قائلاً‏:‏ قال رسول الله: «أرحم أمتي بها أبو بكر الصديق، وأقواهم في دين الله عمر بن الخطاب، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأبو هريرة وعاء للعلم».
وفي رحلتي الثرية بين قصص الصحابة الخالدين، لا أخفي أني تعرفت على أسماء عظيمة، تعلمتُ من سِيَرِهم ما لا تسعه السطور ولا تستوعبه العقول، وأكثر من استوقفتني سيرتهما كانا «العاصَيْن»، اللذين عاشا صباهما في كنف الرسول بالمدينة ابنين لاثنين من أعز وأكرم الصحابة؛ عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص، وقد أكرم الله ابنيهما بأن غَيَّرَ لهما رسول الله اسميهما فكانا كلاهما «عبد الله».
وكان موقفهما (عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو) من أحداث «الفتنة الكبرى» التي أشعلت تاريخ الإسلام، ولا تزال، أشدَّ ما استوقفني في سِيرتِهما العطرة، وكيف نأيا بنفسيهما عن هذا الهلاك، رغم أن أحدهما ابن واحد من صناعها (عمرو بن العاص)، والثاني (ابن عمر) رُشِّح بقوة ليكون خليفة المسلمين (خلفًا لأبيه) ثم حَلًّا وسطًا ارتضَتْه أطراف الفتنة في أكثر من موقف، ولعلَّ أبلغ ما تُوصَف به أزمة الأمة الإسلامية حتى اليوم، هو ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «إنما مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادَّة يعرفونها، فبينما هم كذلك، إذ غشيتهم سحابة وظُلمَة، فأخذ بعضهم يمينًا وشمالاً، فأخطأَ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك».

إن الرجال حول الرسول، كانوا «أعظم ثُلَّة ظهرت في دنيا العقيدة والإيمان»، كما وصفهم خالد محمد خالد، «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»، كما قال عنهم المولى عز وجل. وما عبقرية الرجال، إلا استلهامًا وتأكيدًا على عبقرية القائد، «أيَّ معلم كان.. وأيَّ إنسان! ».. محمد بن عبد الله، النبي الأمِّي الهادي البشير الذي التفَّت حوله القلوب وصلَّى الله عليه وسلم. لا نملك في ذكرى مولده العطرة إلا أن ندعو الله أن يلِمَّ شمل أمته، لتستحق أن تُنسب له وتكون (أمة محمد).. اللهم ارزقنا منحةَ استغفارِهِ ووداده وشفاعتَه.



*نشر في جريدة "صوت الأزهر" بتاريخ 22 نوفمبر 2017

الخميس، 16 نوفمبر 2017

مباراة مرتقبة بين السعودية وإيران على «ملعب لبناني»


استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي تقَدَّم بها عبر رسالةٍ متلفزة، والتي بُثَّت من قصر (الحريري) المنيف في حي التخصصي، أرقى أحياء الرياض، في 4 نوفمبر الماضي، أوضحت أن القَدَر اختار لبنان ليستضيفَ صدامًا وشيكًا بين قطبَيْ السنة والشيعة في الشرق الأوسط؛ السعودية وإيران، في مباراة مرتقَبَة تحفِّز عليها إدارةُ ترامب بكل الوسائل كي تتم وفق ما تتمنى، لتقضي على أهم قوتين إسلاميتين بالمنطقة، وتصبّ النتائج في مصلحة إسرائيل؛ حليفتها المقدسة.
وسواء أُجبِر الحريري على استقالته ثم إقامته التي تَلَتْ هذه الاستقالة محتجَزًا بالمملكة، كما أُشِيع، أو أن دوافِعَه وطنية خالصة، وأن الشكل البائس الذي خَرَجَتْ به الاستقالة كان مردُّه إلى أسبابٍ أمنية تتعلَّق بحياته، بعد ما قِيلَ عن محاولة اغتيالٍ فاشلة تعرَّضَ لها، فإننا أمام تصعيد سياسي للداخل اللبناني الذي لا يحتمل أيَّ لفحةِ حرارةٍ؛ فهو مشتَعِل من تلقاءِ ذاته، ويستعدُّ للانفجار في أي لحظة ومنذ سنوات، بسبب التقسيمات الطائفية والانقسامات المذهبية وألعاب السيرك الإقليمي التي تمارَس عبر قواه السياسية بفعل أجهزة مخابرات من دول عدة، أبرزها سعودي وإيراني وإسرائيلي وتركي وأميركي، ونتمنى أن تكون مصر حاضرةً في هذا المحفل الإقليمي المخابراتي بأي صيغة متاحة ومناسبة لا توتِّر أيًّا من علاقاتها مع أطراف النزاع.
ويأتي التصعيد على الساحة اللبنانية متزامنًا مع واقعة «الصاروخ» الحوثي الذي أسقطَتْه السعودية وطال بعضُ حطامِه مطارَ الملك خالد في الرياض، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها التي تتعرض فيها العاصمة السعودية لمثل هذا الاعتداء العسكري الجوي، وهو الأمر الذي دفع المملكة للتحرُّك الفوري والتصعيد الظاهر والمستتر ضد إيران، المتهم الأول بالضلوع في إمداد المتمردين الحوثيين باليمن بمثل هذا السلاح المتقدِّم، وذلك عبر وسيط خفيّ هو حزب الله اللبناني، الذي تنتشر عدد من قياداته العسكرية باليمن لتدريب المتمردين ودعمهم عسكريًّا، وهذا ما فرض اسم لبنان كـ«ملعب» صريح لمعركة مرتقَبَة، ومباراة تأخر لعبُها سنواتٍ.
وتتنافس المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، منذ عقود، على قيادة المنطقة دينيًّا تحت اللواء الإسلامي؛ فالسعودية هي المرجع الديني الأبرز عند السنَّة والشيعة لوجود الحرمين داخل حدودها، وهو ما منحها ثِقَلًا إسلاميًّا كبيرًا حافَظَتْ عليه طوال ما يقرب من قرن، وترى إيران أحقيَّتَها بهذا الدور لا سيما بعد أن أعلنت الجمهورية الإسلامية، عقب ثورة الخميني في عام 1979، ومنذ هذا التاريخ تُجاهِد دولُ الخليج السعيَ الإيرانيَّ إلى «تصدير» الثورة إلى بلدانهم.
ثم تكشف إيران أكثر عن طموحها التوسعي القبيح بعد موجات الثورات العربية عام 2011، فتُضطَرّ الرياض إلى أن تُرسِل ألف جندي إلى البحرين لقمع الحركة الاحتجاجية التي شكل الشيعةُ مِحورَها، ثم تتصاعد المواجهة بين طهران والرياض في الملفّ السوري. وفي مارس 2015، تطلق الرياض عمليةً عسكريةً، لمنعِ المتمردينَ الحوثيين الشيعة المتهمين بتلقي دعم من إيران، من السيطرة على كل اليمن (غالبية سنية) المجاور للسعودية. وفي يناير 2016، أبدت طهران استياءها الشديد من إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر النمر، وفي اليوم التالي قطَعَتْ الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد مهاجمة سفارتها في العاصمة الإيرانية.
وفي أكتوبر، هذا العام، ترحِّب المملكة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم المصادقة على التزام إيران بالاتفاق التاريخي حول برنامجها النووي الذي وقَّعَتْه طهران مع ست دول كبرى في 2015، ذلك قبل أن يتأزم الوضع في نوفمبر بالصاروخ الحوثي واستقالة سعد الحريري، التي ربما يتراجع عنها تحت ضغط شعبي ودولي، وربما يُجبَر على التمسُّك بها  ليدخلَ لبنان نفقًا مظلمًا، خصوصًا مع القطيعة الاقتصادية التي تنتويها دول الخليج.

حفظ الله لبنان، وثقتنا كبيرة في شعبه العريق وقدرته على التأثير والتغيير، فالشعب اللبناني أقوى من أي فوضى سياسية وأكثر قدرةً على الحياة من شعوب أدمَنَتْ الموت.

* نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 15 نوفمبر 2017

الخميس، 9 نوفمبر 2017

«ماركت» الأفكار.. المستقبل في «منتدى»


لا شكَّ أن حدثًا بضخامة «منتدى شباب العالم» الذي أُقِيم في مدينة شرم الشيخ المصرية في الفترة من 4 إلى 10 نوفمبر 2017، يستحقُّ التوقُّفَ أمامَه بإعجابٍ لا يكتمل إلا بالتقييم والنقد، خصوصًا مع ما طرحه من أفكار وموضوعات جعلَتْه أشبهَ بـ«سوق» عالمية للأفكار أو ما يمكن أن نَصِفَه بالإنجليزية «A Global Market for Ideas»، حيث قُدِّمَت خلال أيام المنتدى سلَّة كبيرة ومنوَّعة من العناوين الطازجة، ناقشها وتبادل الرأي فيها 3000 شباب من مختلف دول العالم صاغوا حولها رؤيتَهُمْ وتصوُّرَهم للمستقبل، وأظنّ أن تحديد أجندة المنتدى قد استغرَق وقتًا وجهدًا كبيرًا من اللجنة المنظِّمة لهذا الحدث الأبرز في تاريخ الشباب حول العالم.
وقد نجَحَت هذه الأجندةُ الدسِمَة في جمع أشتات من العناوين المتباعدة ودَمْج كل ألوان الطيف من الموضوعات التي تشغل عقول المشاركين من قارات العالم الست، ومن دول تخطى عددها المائة، ووصل إلى 113 دولة، واقترب أن يماثلَ عددُ ما تمَّتْ محاكاته في المنتدى «نموذجًا للأمم المتحدة».
وتمحوَرَتْ فعاليات المنتدى وجلساتُه حول أربعةِ محاورَ رئيسية هي:
1- محور التنمية المستدامة والتكنولوجيا وريادة الأعمال.. (وتفرَّع إلى موضوعات، منها:  تجارب دولية لتحقيق استراتيجيات التنمية المستدامة، تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الشرق الأوسط، التجربة المصرية في استضافة اللاجئين، الفرص الاستثمارية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، دور المرأة في دوائر صناعة القرار).
2- محور قضايا شبابية عالمية.. (وتفرع إلى موضوعات، منها: التأثير السلبي للهجرة غير المنتظمة على الشباب حول العالم، الحوار بين الأجيال، إعادة بناء مؤسسات الدولة في مناطق الصراع، المسئولية المجتمعية والعمل التطوعي للشباب).
3- الحوار الحضاري والثقافي.. (وتفرع إلى موضوعات، منها: اختلاف الحضارات والثقافات.. صدام أم تكامل؟! كيف تصلح الآداب والفنون ما تُفسِدُه الصراعات والحروب، دور حرية الصحافة في بناء الدولة، دور السينما في مواجهة التطرف، أثر الحروب والنزاعات في اختفاء هوية الشباب).
4- صناعة قادة المستقبل.. (وتفرع إلى موضوعات، منها: كيف يصنع العالم قادته؟ استعراض التجربة المصرية في صناعة المستقبل «عرض عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة والأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب»، حقائق تاريخية في صناعة القيادات، تعزيز مشاركة الشباب في صنع واتخاذ القرار).


وظهر المنتدى بصورة مشرِّفَة، ونجاح مشهود متأثرًا بما حمله (المنظمون) من تراكم خبرات اكتسبوها عبر تنظيم أربعة مؤتمرات شبابية خلال عام واحد في شرم الشيخ وأسوان والإسماعيلية والإسكندرية، وأحدها كانت صاحبة الفضل في ميلاد هذا المنتدى كتوصية صادرة عن المؤتمر الوطني للشباب.
وتجتمع هذه المؤتمرات المحلية، وكذا المنتدى العالمي، في أنها تحمل عناوين وأفكارًا وموضوعاتٍ نخبويةً لا تقترب من شباب «التوك توك» ولا تمسّ سكان الحواري والنجوع الذين يمثلون السواد الأعظم من شباب مصر، والذين لم ينتقل طموحهم خارج الدوائر الثلاث الشهيرة (المغلقة عليهم منذ عقود): الفقر والجوع والمرض، والذين سيستفزُّهُم تكاليفُ استضافة وتنظيم هذا المنتدى المهمّ، حتى لو تمت الإشارة إلى أن الدولة لم تُنفِقْ عليه.
كان ضروريًّا أن يُحدِّثَهم أيّ من المسئولين أو يناقشهم أي من الإعلاميين عن أثر وأهمية حدث بضخامة «منتدى عالمي» في هذا التوقيت الذي يزلزل الإرهاب فيه أرجاءَ العالم، وتعصف الحروب والنزاعات والصراعات بمحيطنا الإقليمي، وتطحَنُنا داخليًّا مصاعبُ اقتصاديةٌ قاتلة، وتحرق نيران الغلاء ما تبقى في نفوسنا من أي أمل في المستقبل، كان مهمًّا أن يشرح أهل النخبة لهؤلاء البسطاء ما سينفعهم من هذه السوق الفكرية الكبيرة، ما القيمة المضافة التي ستغير حياتهم بعد هذا الجمع الغفير الذي شغل الدولة بكل مؤسساتها ومقدراتها لمدة أسبوع كامل، وشهور أخرى سبَقَتْه في الإعداد له..؟!

من حقِّهِم أن يفهموا ويقتنعوا كي يشاركونا فرحتَنا بهذا الإبهار وهذا النجاح الكبير الذي تحقق في شرم الشيخ، والذي يستحقُّ أن يتحول إلى عرس سنوي تحتضنه مدينة السلام، التي مثل لها المنتدى «قُبلَة» حياة، فاسترجعت جزءًا من بريقها وسحرها.. وشبابها.

* نشر في صحيفة (صوت الأزهر) بتاريخ 8 نوفمبر 2017



التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...