تتَّفِق أو تختَلِف مع الحملات
الشعبية التي تطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالترشُّحِ لفترة رئاسة ثانية
(وأخيرة وفق الدستور الحالي)، لكنك لن تستطيع أن تُنكِر أن هذا الحراك الشعبي يؤكد
رغبةً صادقةً عند بعض المصريين في استمرار «قائد الجيش» الذي خَلَع بزَّته
العسكرية ليُنقِذَ الوطن من فوضى عمَّت البلاد، ويترشح رئيسًا مدنيًّا لجمهورية
مصر العربية ليطرد (ويطارد) جماعة مارقة طمعَتْ في السلطة، وكادت تقبض عليه، لتحكُمَنا
بالفاشية الدينية، وتستلهم كهنوت التجربة الإيرانية (الملهمة لهم)، لتضع مصر تحت
ولاية المرشد، وتختطف أقدم حضارة عرفتها الإنسانية لتحبسها في «الحرملك».. قفص
حريم الخليفة التركي «أردو.. غان».
بالطبع لا نستطيع أن نتجاهل وجود
حملات (إلكترونية) مضادَّة، مدفوعة ومأجورة لأهداف معروفة، تتخذ شعارات مناهضة
للرئيس ونظام حكمه، لكنها لا ترتقي لمرحلة التحول إلى «حملة شعبية» معارِضَة،
ولهذا أسباب متعددة، أهمها: أن شعبية الرئيس لا تزال مرتفعة، تتأرجَح في منطقة
ثابتة، متوسطها يعطيه أفضلية أمام أي مرشح محتمل، رغم ما يعانيه المصريون معيشيًّا
خلال العام الأخير، بسبب سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها حكومة شريف
إسماعيل، ورغم الإحباط العام بسبب غياب الحياة الحزبية، وضَعْف الأداء البرلماني،
وهو ما يمنع أيَّ أمل في أي تطور سياسي يمكن أن تشهده مصر في المستقبل المنظور.
يراهن السيسي على ما تَحَقَّق من
إنجازات على الأرض؛ من حركة تشييد وعمران واسعة، وتطوير وتمهيد لشبكة الطرق في كل
ربوع مصر، وظهور الملامح الأولى لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، يراهن على وضع
بذور لإصلاح اقتصادي حقيقي بعيدًا عن مسكِّنَات العهود الماضية التي أوصلت الدولة
إلى حافة الانهيار الاقتصادي، يراهن أيضًا على نجاح سياساته الخارجية سواء دوليًّا
أو إقليميًّا أو عربيًّا، وبرز هذا النجاح
في التوازن السياسي بين أميركا وروسيا، وفي تشكيل تحالف استراتيجيٍّ عربيٍّ يجمع
مصر مع السعودية والإمارات والبحرين، نجح في مواجهة وتقويض دولة قطر المارقة
وحاكمها الممول الرئيسي للإرهاب والداعم لكل التنظيمات الدينية الراديكالية، والمتواطئ
مع كل الطامعين.. الطامحين في ثروات المنطقة وعلى رأسهم تركيا وإيران «الشريفة»!!
وفي ظنِّي أن أهم إنجاز في سنوات
حكم الرئيس، كان الاهتمام الكبير بالشباب، الذي ترجَمَتْه الرئاسة في برنامج
تدريبيٍّ ومؤتمرات دورية يصدر عنها توصيات تتم متابعة تنفيذها بآليات عصرية
متطورة، وتُوِّج هذا الجهد بالقرار الجمهوري الذي صدر قبل ثلاثة أشهر بإنشاء الأكاديمية
الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، والتي تهدف إلى تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر
الشبابية بجميع قطاعات الدولة والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم.
وتعد حملة «عشان نبنيها» أبرز
الحملات الشعبية المطالبة بإعادة انتخاب السيسي رئيساً، وعددت في دعايتها بعض من
إنجازات تمت خلال فترة حكمه، ومنها: القضاء على فيروس الكبد الوبائي (سي)، وارتفاع
احتياطي النقد الأجنبي لمعدَّل غير مسبوق منذ قيام ثورة يناير 2011، حيث تخطى 36
مليار دولار، وبداية عصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأخيرًا الاهتمام
الواضح بتسليح الجيش المصري وتطوير معداته ورفع كفاءته التدريبية.
ورغم قرب الموعد، فإنه لم يُعلِنْ
أحد رغبةً مؤكدةً للترشُّحِ لمنصب رئيس مصر (بما في ذلك السيسي)، ومن المفترض أن تتم
الدعوة لانتخابات الرئاسة المصرية في فبراير 2018، وينص الدستور المصري على أن من
شروط الترشح أنه «لا بد أن يحصل المرشح على توكيلات من 20 عضوًا على الأقل من أعضاء
مجلس النواب. أو ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة
محافظة على الأقلّ، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة. وذلك على النحو الذي ينظمه القانون».
وفي كل الأحوال تبدو المعركة الانتخابية محسومة لصالح اختيار الشعب، وهو عبد
الفتاح السيسي ليُكمِلَ ما بدأ من عملية بناء لمصر الحديثة تحت شعاره الأثير.. «تحيا
مصر».
*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 18 أكتوبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق