في منتصف أغسطس من العام الحالي تمكَّنَ عشرات الأطفال الفلسطينيين
(أعمارهم بين 8 و14 عامًا) من قطاع غزة من زيارة القدس للمرة الأولى في حياتهم، في
إطار برنامج تبادل تقوم به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي إحدى
الوكالات التابعة الأمم المتحدة. وقد أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية بأن الأطفال
صَلَّوا في المسجد الأقصى، والتقطوا صورًا قبل أن يغادروا، وكانوا «فرحين للغاية».
لا أدري لماذا دَمَعَتْ عيناي عندما قرأتُ هذا الخبر، مثلما
تدمع حزنًا كلما نَظَرْتُ إلى ديواني الثاني «حدوتة بنت اسمها.. فلسطين» الصادر
عام 2008 عن مركز الحضارة العربية، فلقد أدمى جرح الانقسام الفلسطيني قلبي كما أوجع
قلوبًا كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي، ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقَّع أو
يحلم بأن ينتهي هذا التشرذم الفلسطيني (فتح وحماس/ الضفة وغزة) في عشية وضحاها،
وعلى يد مَن..؟! مصر التي أُبعَدَت لسنوات، وبفعل فاعل، عن حقِّها الأصيل في دعم
وإدارة هذا الملف الشائك (غزة)، والمشاركة في حل تلك القضية التاريخية.. قضية
فلسطين.. التي ضَحَّتْ (وتُضحِّي) من أجلِها بالغالي والرخيص.
وفاضت الدموع، دموع الفرحة هذه المرة، في مطلع أكتوبر الحالي،
عندما لمحتُ علم مصر يرفرف من جديد في غزة، وأغنية «تسلم الأيادي» تستقبل وفدًا
مصريًّا برئاسة السيد خالد فوزي رئيس المخابرات العامة، ليتوِّجَ جهدًا مصريًّا
وفلسطينيًّا وعربيًّا في إذابة جبل الجليد بين شعب فلسطين الحبيب على طرفَيْ نقيضِهِ،
وتفهَّمت الزفة الإعلامية التي صاحبت الزيارة (رغم فجاجتها).
لقد مارست القاهرة كعادتها دورًا دبلوماسيًّا وأمنيًّا منضبطًا،
وقفَزَتْ على الغدر والخيانة الحمساوية (الإخوانية) في قطاع غزة منذ 25 يناير 2011
وحتى أسابيع قليلة، ليستوعبَ كلُّ المزايدين أن مصر تستطيع أن تبتلع الألمَ وتضمِّد
جراحها من أجل أن تخطوَ بشكل عملي وصادق نحو مستقبل أفضل لها ولأشقائها العرب، وفي
مقدمَتِهِم فلسطين التي تمثل جزءًا لا يتجزَّأُ من الأمن القوميِّ المصري.
وكعادته دومًا، كان الأزهر في مقدمة المتحمسين للمصالحة الوطنية
الفلسطينية، وعَبَّر عن ذلك في بيان رَحَّبَ فيه بالخطوات التي اتخذها الأشقاء نحو
التمسُّكِ بالوحدة والائتلاف ونَبْذ الفرقة والخلاف، التي تُوِّجَت بوصول رئيس الحكومة
الفلسطينية رامي الحمد الله إلى قطاع غزة في الثالث من أكتوبر 2017، بعد انقطاع
دام ثلاثَ سنوات.. وشدَّدَ الأزهر على «وقوفه بجانب أبناء الشعب الفلسطيني في نضالهم
من أجل استعادة أرضهم المحتلة وإقامة دولتهم المنشودة، وعاصمتها القدس الشريف».
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس محددًا ومحقًّا حين اختزل
الحل في جملة قصيرة: «دولة واحدة بقانون واحد وسلاح واحد». أما إسماعيل هنية
القيادي البارز في حماس فكان موفقًا حين تحدث بنبرة متفائلة: «نقول لأبناء شعبنا: قد يكونُ على الطريق بعضُ
الصعاب، ولكننا سنحقِّق المصالَحَة مهما كان الثمن».
وبعيدًا عن لقاءات القاهرة المتوقَّعَة بين حماس وفتح لتفعيل
خطوات المصالحة، وعلى رأسِها تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وبعيدًا عن ردود الفعل
الإسرائيلية المحبطة، التي تجَلَّت في تعبير نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي
وصفها بـ«مصالحة وهمية»، لأنها لا تتضمن الاعتراف بإسرائيل، وحلّ الجناح العسكري
لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وقطع علاقاتها مع إيران، العدو اللدود للدولة
العبرية.
بعيدًا عن كل هذه التفاصيل، من حقِّنا أن نفرح ونشيد ونفخر
بالجهد المصري في هذا الملف، ومن حق الشعب الفلسطيني (تحديدًا أهل غزة) أن
يستبشروا خيرًا بالأيام المقبلة، وعلى النخب السياسية في كل الفصائل الفلسطينية أن
تكون على قدر المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقهم.
عاش نضال الشعب الفلسطيني
وعاشت القدس مسلمة.. عربية..
فلسطينية.
* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 11 أكتوبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق