بشكلٍ مباغتٍ قَفَز الرئيس التركي رجب
طيب أردوغان ببلاده فوق حرائق ومعارك محيطها الإقليمي (الشرق أوسطي والأوربي)، قفزةً
إستراتيجيةً مؤثِّرة في اتجاه القارة الأفريقية، ليدشن فيها أكبر قاعدة عسكرية تركية
في الخارج، ويختار أكثر نقاطها تأثيرًا في منطقة القرن الأفريقي (أو ما يُسمَّى شبهَ
الجزيرة الصومالية) بالقرب من مضيق باب المندب.
المثيرُ فيما سَبَقَ هذا المشهد من قيامُ
الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، بزيارة السعودية، الأسبوعَ الماضيَ، حيث التقى
خادم الحرمين ووليَّ عهده، وسبقها بزيارة أخرى للقاهرة قبل أكثر من شهر، وهما زيارتان
لا يكتمل الهدف منهما إلا بخبر افتتاح القاعدة التركية في مقديشو، ولن تتضح أبعادهما
إلا بمعرفة خبر قيام دولة الإمارات بتشييد قاعدة عسكرية كبيرة في «أرض الصومال.. (صوماليلاند)»
التي أعلنت استقلالها عن الصومال ولم تنَلْ اعترافًا دوليًّا بعد.
ويحظى الصومال بأهميةٍ استراتيجية كبيرة،
لهذا أصبَح ملعبًا مفتوحًا لأطراف عربية وإقليمية ودولية متعددة بدعوى محاربة «حركة
الشباب»، حيث ينتشر فيه أكثر من 20 ألف جندي من قوات الاتحاد الأفريقي ودول أجنبية
أخرى، كما أن هناك عددًا من القواعد العسكرية الأجنبية في الصومال بالفعل.
وتقوم قوى أجنبية، بينها الولايات المتحدة
والاتحاد الأوروبي، بتدريب القوات الصومالية، وهو السبب ذاته الذي تَذَّرَعَتْ به تركيا،
فلقد دفعت حكومة أردوغان 50 مليون دولار (قيمة تكلفة القاعدة العسكرية) بزعم أن ضباطها
سيتولون تدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي في القاعدة.
وكثَّفَتْ تركيا اهتمامها بأفريقيا منذ
عام 2005، وفق أجندة اقتصادية في ظاهرها، وقد أوضحت «رويترز» أن التعامل التجاري زاد
بشكل ملحوظ (مع الصومال تحديدًا)، ففي عام 2010 بَلَغَتْ الصادرات التركية للصومال
5.1 مليون دولار فقط. وبحلول العام الماضي ارتفعت بشكل كبير إلى 123 مليون دولار. وأصبحت
تركيا خامس أكبر دولة مصدِّرَة إلى الصومال بعد أن كانت في المركز العشرين.
وكشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية،
أن تركيا بذَلَتْ جهدًا كبيرًا في تعزيز علاقاتها مع أفريقيا، توَّجَتْه بافتتاح القاعدة
العسكرية في الصومال، وسبقَتْه بوجود عسكري محدود داخل القارة السمراء في جيبوتي وإثيوبيا
وكينيا وإريتريا. بينما أوضَحَتْ صحيفة «عرب نيوز» السعودية، أن تركيا تسعى لتولي سلطات
أوسع في الخليج، من خلال قاعدتها العسكرية في قطر، التي استقرَّتْ في الدوحة بعد أن
استنجد بها حاكمُ قطر لتحمِيَ عرشَه، ليفرض الوجودَ العسكريَّ التركيَّ نفسَه كحدثٍ
أبرز على المنطقة، يعكس أطماعًا كبيرة للأتراك في الخليج العربي وأفريقيا، وذلك لن
يكون أبدًا إلا على حساب مصر، انتقاصًا من دورها ونفوذِها ومحيط تأثيرها، لهذا علينا
أن نتنبَّه ونستعدَّ لخطر هذا الاستعمار القادم والمتخفِّي تحت عباءة إسلامية زائفة.
ولمن لا يُدرِك حجم الخطر، يكفيه أن
يدرس سيناريو التغلغل التركي في الصومال، الذي جاء وفق الأساليب المعروفة والمتبعة
من كل الدول الاستعمارية عبر التاريخ (وعلى رأسِهِا الاحتلال العثماني)، ثم يتمّ دراستَه
بتحليل تصريحات وزير الإعلام الصومالي عقب افتتاح القاعدة العسكرية، التي ختمها قائلاً:
«هذا أمر لم يشهَدْه الصومال قطّ على الرغم من أن دولًا، مثل الولايات المتحدة والمملكة
المتحدة، تعطينا الملايين. الاختلاف هو أن المعسكر الذي شيدته تركيا مؤسسة ستظلّ خلال
الخمسينَ أو المائة عام المقبلة». وأزيده: ربما تظلُّ خمسة قرون قابعة على أنفاسكم
مثلما فعلها سابقوهم من العثمانيين (بتوع يا لالالي أمان).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق