إن زى المرأة محل جدل
ونقاش وخلاف دائم في مصر، وفي سائر بلدان العالم، سواء لأسباب دينية أو مجتمعية أو
سياسية، فهي التي من أجل قوامها وتعظيم أنوثتها، ظهرت بيوت الموضة وراجت عروض الأزياء
وازدهرت صناعة الملابس والأقمشة، لتتزين وتتجمل كما تشاء وكما يروق لها، يرسم حدود
المقبول والمرفوض في ملابسها عدة أمور منها ما يتعلق بالزمان ومنها ما قد تستدعيه
طبيعة المكان.
فمصر الستينات وما
قبلها كانت تستوعب ملابس المرأة المتحررة، لكن مصر السبعينات وما بعدها رفضت أي
تحرر ولفظته، ومصر في المدينة تختلف جذرياً عن مصر الريف والقرى، ومصر في كمبوندات
التجمع وزايد وشاليهات الساحل الشمالي وأندية الأغنياء تعرف (مثلاً) المايوه البكيني
والكاش مايوه، بينما مصر التي في الحواري ومراكز الشباب وجمصة ورأس البر تستوعب
البوركيني بصعوبة وتفضل عليه الجلابية والكلسون وعليهما الخمار كاملاً.
ويبقى الدين الحاكم
الأهم والمحدد الأكثر تأثيرا في اختيار المرأة لملابسها، لهذا فإن ما يظهر وما يجب
أن تخفيه المرأة المسلمة، كان وسيظل منطقة إثارة يحلو للبعض استغلالها
للفرقعة الإعلامية، برغم حسم الدين للمسألة وبرغم تفضل العلماء بإيضاح ما خفي
وتجديد ما عفى عليه الزمن من فتاوى، وخلصوا إلى أن «الحجاب» فرض من الله على كل
مسلمة بالغة، لا يحق لأحد أن يجبرها على ارتدائه بالقوة، ولا يحق لأحد أن يتنمر
بها أو يلومها أو يتهمها بالكفر إذا رفضت أن ترتديه، فالقرار لها والحساب عند
ربها.
ولأن الحجاب لله، فهو
لا يمنح المحجبة أي تمييز دنيوي، لذا هاجم العديد من الإعلاميين ومن رواد مواقع
التواصل الاجتماعي، الجهلاء الذين ربطوا إنجاز بطلاتنا بثلاث ميداليات أوليمبية في
دورة طوكيو 2020، بـ«الحجاب»، غير مكترثين لجهد وتضحيات اللاعبات ومن خلفهم خطط
وعطاء الأسر والمدربين والاتحادات الرياضية الذين اخلصوا وتفانوا في عملهم كي تظهر
كل بطلة بهذا المستوى الراقي الذي حفظ اسم مصر عالياً بين الدول المشاركة، يتقدمهن
البطلة الذهبية فريال أشرف الحاصلة على المركز الأول في منافسات لعبة الكاراتيه في
وزن ما فوق 61 كيلو جرام، لتكن بذلك أول امرأة مصرية تحرز ميدالية ذهبية في
الألعاب الأولمبية، وثامن ميدالية ذهبية لمصر في الألعاب الأولمبية منذ عام 1912،
كما كانت أيضاً أول ميدالية ذهبية لمصر منذ دورة أثينا للألعاب الأولمبية
2004.
ومن المفارقات، أنه
قبل ضجة (بطلاتنا المججبات في طوكيو) بيوم، كنت قد نشرت عبر حسابي على «الفيس بوك»
صورة لمجموعة من الفتيات بملابس البحر (مايوه)، وطرحت سؤالا يشغلني بادئاً نقاشاً
ظننته هاماً، حيث كتبت: «علاقتك
بالصورة دي وتعاملك معها ورد فعلك لما تشوفها وتعرف مين دول، كلها مؤشرات كاشفة عن
شخصيتك، وتوضح لك ولمن حولك طريقك في الحياة، أولاً: دول بناتنا.. بطلات منتخب مصر
للسباحة التوقيعية، وحققوا نتيجة طيبة في أولمبياد طوكيو، كفاية أنهم ما طلعوش الأخير،
وحققوا المركز الثامن، ومش هو ده الموضوع. الموضوع هو رؤيتك للبنات دي، وتقييمك لهن،
هل هن بنات محترمات (في نظرك)؟ هل ترى أن مصر «اللي الإسلام دينها الرسمي»،
يناسبها مثل هذه النوع من الرياضة؟، أسئلة كتيرة، هتولد أسئلة أكتر؟، لو
يهمك اعرف رأيك انشره في التعليقات وهرد عليك. ونتناقش مناقشة حرة، ونحاول مع بعض
نجاوب على السؤال الصعب: هل ترضى أن تكون بنتك مثلهن؟».
صدمتني ردة الفعل
العنيفة من بعض أدعياء الثقافة، وثورتهم لطرحي هذا السؤال (الشائك)، وفتش بعضهم في
عقلي واتهمني بالتطرف، لمجرد أني حاولت أن أتناقش في أمر يشغلني ويشغل كثيرين من
الآباء والأمهات، وقد اضطررت للرد على هذا الهجوم، فكتبت: «من
يدعي الثقافة والاستنارة، لا يختلف كثيراً عن مدعي التدين.. كلاهما في قفص واحد (أو
خندق واحد)، تجده: عصبي وحاد وعنيد، إن اختلفت مع الأول يتهمك بالتطرف والجهل، وان
اختلفت مع الثاني يتهمك بالتطرف والكفر. كلاهما لا يقبل الحوار لأنه يفضح تخلفه وإرهابه،
كلاهما داعشي النزعة والهوى، وإن اختلف اسم سلاحه القاتل المدمر للمجتمع
وإنسانيته. أما المثقف الحقيقي، فمثله مثل المتدين الحقيقي، سمح إذا تحاور، سمح إن
اختلف، يدفع عمره ثمناً كي تقول رأيك بحرية».
ومثلما أرفض أن يعتبر
«الحجاب» عامل تمييز بين المصريات ويختزل فيه فقط قصة كفاح بناتنا البطلات، أيضا أرفض
أن يكون عدم ارتداء المايوه أمر ينتقص أي فتاة وخاصة بطلات الرياضة، كما ارفض
أيضاً أن يوصم أي إنسان بالتطرف لأنه يناقش هذه المسألة.
إن الحوار الجاد
الجريء، والذي يراعي آداب الحوار، هو سبيلنا الحقيقي إلى التنوير.. والتجديد.
ومبروك لمصر الحصاد
الطيب في طوكيو 2020.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق