الخميس، 28 يناير 2021

«وردة حمراء» من ضابط شرطة

 


كنت قد قررت الامتناع هذا العام عن المشاركة في الجدال السنوي الذي تحدثه ذكرى (25 يناير)، لكن وردة حمراء (بلدي) جميلة أهداني إياها ضابط شرطة يرتدي زي قوات مكافحة الإرهاب في إشارة مرور بحي المعادي، ثم وردة أخرى (صناعية) مرفق بها كارت مكتوب عليه (I Love You) يجاورها (قلب أحمر) أهدتها لي ضابطة شرطة (وقورة) في ميدان التحرير، جعلتني أعيد النظر والتفكير، فيما يمثله  اليوم لكل المصريين شعب وجيش.. وشرطة، وفيما يمثله اليوم لي أيضاً.

بداية، أوضح أنني ضد تقديس الأيام، لهذا لا أرى أدنى مشكلة في أن يكون 25 يناير هو عيد للشرطة المصرية، وأيضاً يكون عيداً للثورة المصرية (حركة أو انتفاضة يناير)، هذا الأمر لا ينتقص من حجم المناسبتين.

أمر مؤسف، أن نحيا كل عام (شيزوفرينيا سياسية) بين تشنج عشاق (يناير) وكارهي الشهر واليوم، في دولة المفترض أن دستورها الرسمي (يسمي ما حدث في 25 يناير 2011 بالثورة)، لكنها فعلياً تتجاهله على حساب الحفاوة والاحتفال بـ«عيد الشرطة»، وكأنها (دون قصد) تحيى الخصومة بين الشعب والشرطة، وتلح في تذكير الطرفين بذكرى تبدو مربكة لكليهما، رغم الصورة العكسية التي يحاول كل طرف أن يبدو عليها وخاصة الشرطة، التي أسعدني وجود أفرادها بين الناس يوزعوا الورد والابتسام ويتبادلوا التهنئة مع الجميع، في محاولة صادقة للتقارب والتصالح بينهم وبين المجتمع، لأنهم جزء أصيل في نسيجه الوطني، وأي تشوهات حدثت للعلاقة بين الشعب والشرطة في الماضي يجب أن تكون استثناء لا يتكرر لأن الأصل في العلاقة يختزله شعار وزارة الداخلية (الشرطة في خدمة الشعب)، والذي تم تغييره لصالح شعار أكثر عمقاً (الشعب والشرطة في خدمة الوطن).

ولأن «وردة» كانت محفزاً طيباً لنفتح نقاشاً هادئاً حول اليوم الموعود، فإن «ثورة» كلمة لا يصح أن نمررها دون التوقف معها قليلاً، ويسمح لي عشاقها بأن نتناقش أولاً حول المسمي، فالقياس الأكاديمي (العقلاني)، لـ (25 يناير) يجعلنا من الإنصاف أن نصفها بأنها «نصف ثورة» ويمكن تصنيفها علمياً بشكل أدق بأنها «حركة» احتجاج قوية أحدثت زلزالاً سياسياً كبيراً صاحبه «توابع»، فحدث كل ما عشناه من مظاهرات وحراك مجتمعي (سياسي وثقافي واجتماعي وديني)، قفز بجماعة الإخوان إلي قمة السلطة وعايشنا كل خطاياها التي أوصلتنا إلى حركة احتجاج مضادة في (30 يونيو)، التي لم تكن أيضاً «ثورة» وفق القياس ذاته.

أما القياس الإعلامي (الرومانسي)، الذي تحكم في الكثير من معاني التاريخ، جعل لفظ «الثورة» الأقرب  إلى قلوب الجماهير التي أحبت أن تصنف بأنها «ثائرة»، وباتت موضة «أنا مناضل ثوري» والتي تحولت إلى وظيفة في أحيان كثيرة، عشنا بسببها سنوات مزعجة ومربكة ما بين عامي (٢٠١١ :٢٠١٤) حتى استقر الرئيسي السيسي في الحكم، واستعادت الدولة قبضتها «الغاشمة»، فأمست كلمة «ثوري» «سُبة» يخشاها الكثيرين، بل تهمة ربما تسوقك إلي غياهب السجون.

ولأن نقاشاً قد فُتِح وقضي الأمر، فلن ننهيه قبل أن نختلف (ونتشاجر) حول فكرة سلبية طاردت (يناير) الحركة الاحتجاجية التي كادت أن تكون ثورة سلمية حالمة، وقد تم الترويج لسبب (مريب) حرمها من أن تتحقق بشكل كامل، وهو غياب القيادة عنها، وعدم وجود أهداف مشتركة جمعت شبابها وثوارها، لهذا لم يجمعهم طريق واحد مستقيم يصلهم نحو السلطة ويمكنهم من نشر أفكارهم، فضلوا بين الطرق وتاهوا عن تحقيق إنجاز حقيقي يكافيء حجم الحدث الكبير الذي حدث في يناير 2011.

في ظني أن هذه كذبة كبيرة روج لها الإخوان، كي يستأثروا بالمشهد وينفردوا بالغنيمة التي أتاحها لهم الفراغ الذي أحدثه تخلي الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم، وقد بذلوا جهداً تنظيمياً وإعلامياً كبيرة لزرع الخلافات بين صفوف الشباب، وتشتيت جهودهم وتضليل أفكارهم ودفعهم إلى راديكالية سياسية متطرفة ليرتعد المجتمع منهم، وتتأصل الصورة الذهنية السلبية التي انتهينا إليها عن شباب الثوار الذين كانوا يستحقوا المجد والخلود، لأنهم أجبرونا على إعادة اكتشاف الحياة.

سيبقى يناير طويلاً في القلوب نتجادل عنها وحولها، وسيبقى جدلاً صحياً طالما كان مبعثه المحبة والترابط بين أبناء وطن واحد (شعب وشرطة) نحتفل جميعاً باليوم وأحداثه التي نفخر ونعتز بها، لأنها كلها أحداث وطنية من أجل وطن غالي نعشق ترابه.

كل 25 يناير ومصر بخير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...