الأحد، 12 يوليو 2020

غباء أردوغان في «آيا صوفيا»




مسألة تحويل دور العبادة (من مسجد إلى كنيسة أو العكس) تشعل الفتنة بين الأديان، وما فعله أردوغان في كنيسة «أيا صوفيا» خطأ كبير وعمل مستفز لكل مسيحي العالم ومسلميه (العقلاء)، لا يقل في قسوته عن تحويل مسجد «قرطبة الكبير» في أسبانيا إلى كنيسة ومساجد أخرى مثيلة له في الأندلس بعد سقوطها، كما لا تقل الفعلة التركية غبائها وحماقتها وجرمها عن أفعال الصهاينة في القدس الشريف، وما يدبرونه للمسجد الأقصى وما فعلوه في مساجد المسلمين وكنائس الأقباط من انتهاكات مستمرة منذ سرقوا فلسطين واستباحوا الأمة العربية من محيطها إلى خليجها.

الفتنة التي يشعلها هذا (الأرعن العثمنلي) والتي انبهر بها بعض اشاوسنا من مرتزقة المسلمين وجهلائهم، سندفع جميعا ثمنها وستحرقنا نيرانها، اضطهاد المسلمين والإسلام لا يفرق بين الأجناس أو الجنسيات، فنحن (المسلمون في كافة أرجاء العالم) حتى اليوم نسدد فواتير الإرهاب الديني والتي كان من أشهرها حادث تفجير برجي مركز التجارة العالمي في سبتمبر 2001 بمنطقة مانهاتن في مدينة نيويورك، وغيره من حوادث امتدت حتى خرجت علينا «داعش» بصنوف العبث الإرهابي لتمرغ في التراب أخر ما تبقى من صورة نقية عن ديننا الحنيف.. والذي أدى بدوره إلى تنامي وتزايد خطير لظاهرة «الإسلاموفوبيا» وتفشيها في الغرب.

تابعت تبريرات بعضهم لأحقية الإسلام في المسجد (الكنيسة)، وما قيل عن وثيقة الملكية التي تثبت شراء محمد الفاتح للكنيسة والأرض المشيدة عليها، وذلك وفق ادعاء أردوغان وعصبته الذين أكدوا أن سلطانهم (الحقاني) قد اشتراها من حر ماله ومال عياله إبان فتحه القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 1453، وهو هراء يراد للسذج أن يروجه ويصدقوه كي يناموا مرتاحي البال فخورين بجيش محمد الذي سوف يعود على يد البجم التركي وزبانيته من الإخوان، مغلفين كل وقائع التاريخ التي تنفي هذه القصة وتؤكد أن الكنيسة سرقت مثلما سرق العثمانيون كل الدول التي احتلوها (تحت شعار الفتح العثماني الإسلامي)، ومنها مصر (المحروسة)، التي اغتصبوا خيراتها ووصل الفجر العثماني إلى حد خلع أعمدة المساجد ورخامها ومآذنها وشحنها إلى بلادهم مع خيرة العمال والصناع والعلماء، كما سرقوا كل البلاد التي دخلوها، ليشيدوا امبراطوريتهم بالحرام ويلبسوها ثوب الحلال الإسلامي، فيتبعهم البلهاء في كل زمان، ولهذا نجحوا في أن يحكموا خمسة قرون متصلة بهذه الألاعيب الدينية والسياسية.

 وأذكركم وكل الفرحين بمجد الإسلام على طريقة البهلول التركي بما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما امتنع عن الصلاة في كنيسة القيامة بعد أن أدركته الصلاة وهو فيها، وقولته الشهيرة : «ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا»، حينها كان عمر يتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطريرك صفرونيوس، وكان تحت سيطرته نقود كثيرة في بيت المال تنتظر إشارته، لكن الشيطان لم يقرب من عقله الفطن المؤمن ويوسوس له بشراء الكنيسة أو الإدعاء بذلك، بل تركها بيت يعبد فيه الله لإخواننا النصارى، ليضع أهم لبنة في تاريخ التسامح والتعاون بين الأديان، ومخلداً الصورة الصحيحة عن الإسلام دين الحضارة الذي يحترم ويقدر ويحمي الآخر المختلف في الدين أو العرق أو الجنس.

واختتم بالدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق وحديثه عن «آيا صوفيا» في خطبة الجمعة الماضية، حيث قال: «إن الإسلام يحترم دور العبادة لمختلف الديانات، ولا يجوز تحويل الكنيسة لمسجد، مثلما لا يجوز تحويل المسجد لكنيسة، هذا المبدأ مرفوض في الفكر الأزهري، ويجب احترام دور العبادة لكل أتباع الديانات»، وأضاف فضيلته: «ما يخص الإسلام فهو إسلامي، وما يخص المسيحية فهو مسيحي، وما يخص اليهودية فهو يهودي، هذا التصرف (التركي) مستفز وتصرف غير متفق مع تعاليم الإسلام التي عرفناها وطبقها سلفنا الصالح والذي عرف عنهم حرصهم على مقدسات الآخرين ورعايتها وعدم المساس بها».


الأربعاء، 8 يوليو 2020

مصر بين التحرش والتنمر والـ«تيك توك»


ثلاث قضايا رئيسية شغلت الرأي العام المصري هذا الأسبوع، وهي عنوان المقال، وثلاثتها بعيدة كل البعد عن قضايا محورية ثلاث أخرى أصعب كانت تهيمن على العقل المصري في الفترة الأخيرة، وهي وباء كورونا، وأزمة سد النهضة، والتوتر العسكري في ليبيا.
ويبدو أنه من حسن الطالع تراجع الإهتمام بالثلاث الأصعب، لأنهم مشاكل مزمنة وباقية معنا لفترة طويلة من الزمن، كما أن الدولة المصرية في أي من الملفات الثلاثة لا تملك عصا الحلول السحرية التي تحسم هذه القضايا، فأولاها أزمة صحية عالمية وجائحة تختطف كل يوم آلاف القتلى والمصابين حول العالم، والجميع في إنتظار المصل والعلاج، والثانية قضية مطروحة على مجلس الأمن وينتظرها مفاوضات تستمر لأسبوعين، وفي الأغلب لن تثمر عن حلول حاسمة بسبب تعنت الطرف الأثيوبي المشاغب والمتلاعب، أما ثالثها فهي قضية أقليمية خطيرة تهدد أمن المنطقة، وتحتاج حنكة وصبر وإدارة بلا توتر، لأنها معركة متشابكة ومعقدة، وصراع لن ينتهي بين الدولة الوطنية ممثلة في مصر والدولة الدينية ممثلة في تركيا، وهذه المرة المعركة مرشحة للحدوث على أرض ليبيا.
وربما لهذا فإن انشغال الرأي العام بالموضوعات الثلاثة الداخلية (التحرش والتنمر والتيك توك) يأتي في صالح الثلاثة الآخرى، فالصبر مفتاح الأمل لحل القضايا الأصعب، والصبر يستلزم بعض الوقت بعيداً عن ضغوط الرأي العام، لهذا كان حتمياً أن يوجه نظر المجتمع إلى قضايا آخرى، ربما تكون واحدة أو أكثر قد حان حسمها واتخاذ حلول جذرية لها.
ونبدأ بالتحرش الذي تفرد له صحيفتنا مساحة رئيسية في هذا العدد، ولا يفوتني تهنئة رئيس التحرير على الحفاوة الإعلامية الكبيرة بغلاف العدد، والذي أراه واحداً من أنجح أغلفة الصحف والمجلات المصرية والعربية والعالمية هذا العام، والذي يتصدره الهاشتاج الرائع #طمنوا_بناتكم .. والذي احتوى روشتة الأزهر لمكافحة التحرش ودعم بنات مصر ونسائها ضد هذه الجريمة النكراء والظاهرة الفاحشة، وهي رسالة كانت شديدة التأثير والعمق وصلت إلى ملايين النساء في مصر ودول العالم كافة، رصدت ذلك واضحاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعلى وسائل الإعلام التقليدية، سعادة كبيرة بموقف الأزهر في قضية التحرش، ورأيت الغلاف ينتشر بسرعة كأنه لبى عطشاً مجتمعياً لموقف ديني راشد يدعم بناتنا ضد السعار المجتمعي الصارخ والذي تسبب في ضياع صوت إستغاثة اي بنت تتعرض للتحرش، وكانت القضية المثارة والمحالة للتحقيق القضائي هي المفجرة لتلك المشاعر، خاصة وأن أبطالها من طبقات اجتماعية ينظر لها بانها منفتحة تقل فيها هذه الجرائم، وهي نظرة خاطئة، خصوصاً إذا انتبهنا لأرقام التحرش في مجتمعات أكثر تحضراً من المجتمع المصري، مثل أمريكا والتي ترتفع فيها معدلات جرائم التحرش والاغتصاب بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة.
أما قضية التنمر، والتي باتت جريمة جاهزة تستدعى في أي لحظة لمحاربة أي شخص، وأصبحت وسيلة ابتزاز رخيصة يستخدمها المأجورون من لجان إلكترونية تنتمي لتنظيمات تخريبية تستهدف إثارة الرأي العام المصري وتضليله، ويتم التعامل الفاسد مع المصطلح، وتفريغه من مصداقيته وتحويله إلى تهمة من لا تهمة له (واقعة الفنانة إسعاد يونس مثالاً)، أو إفتعال التنمر في حق شخصية عامة وإشعال القضية عبر نفس اللجان الإلكترونية الماجورة (واقعة الفنان شريف وبناته مثالاً مضاداً)، وفي كل إتجاه تحاصرنا فوضى التعامل مع التنمر وتخلق حالة احتقان داخل المجتمع.
أما آخر قضايا الساعة فهو إساءة استخدام التطبيق الصيني «Tik Tok»، الذي انتشر وذاع صيته في مصر تزامناً مع إنتشار فيروس «كوفيد 19» الصيني أيضاً، ونظراً لارتفاع (سقف) الحرية على التطبيق وتساهله التام فيما يتعلق بالمشاهد الإباحية، فقد انحرف مستخدموه إلى الحد الذي أوصل بعضهم إلى ساحات القضاء ومعظمهم من الفتيات المراهقات، ممن صورن فيديوهات منافية للآداب وفق قرار إحالتهن للمحاكمة.
تؤكد «الميديا» وبخاصة الجديدة منها، كل يوم أنها بطلة هذا الزمان، وأنها السلاح الأخطر في إدارة كل مسارات حياتنا، وهي المشترك الرئيسي بين قضايانا الثلاث محل هذا المقال، ودورها واضح في تصدر هذه القضايا أجندة الرأي العام، وأتمنى أن يستثمر المجتمع هذا السلاح «الميديا»، في طرح حلول هذه المشكلات الثلاث العاجلة قبل أن تضطر الدولة للتدخل بتشريعات قانونية للحد من تفاقم أي منها، كما أؤكد على ضرورة إرتباط الحلول بالدين والأخلاق لأنهما العاصمان من ارتكاب مثل هذه الأخطاء والجرائم.

 * نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 8 يوليو 2020



الأربعاء، 1 يوليو 2020

حمزة العرب.. والشاطر حسن




في أسبوعي الأخير أتخذت قراراً ثورياً (تأثرا بأجواء الاحتفالات بـ 30 يونيو الميمونة)، بأن اقوم بترتيب مكتبتي الغالية، وهو قرار تأخر سنوات طويلة تزاحمت فيها الكتب و تراصت بعشوائية منتظمة، حتى فقدت ذاكرتي القدرة على استرجاع مئات العناوين المهمة التي جمعتها بجهد جهيد عبر رحلة ممتدة من البحث والشراء والأستعارة و(اللطش أحياناً) لأكثر من 35 عاماً، وقصة عشق خالدة بيني وبين الكتب من (فرشات) الشوارع إلى (أرفف) المكتبات والمعارض، أحمد الله أنها مستمرة وبنفس الصدق والإخلاص حتى اليوم، رغم طوفان ال(pdf) والكتاب المسموع  وغيرها من طرق تعاطي الثقافة التي لا تخيل على مدمني الكتاب المطبوع، أصحاب «كيف» الورق ورائحته ورحيق حبر المطابع المعتق بتراب الزمن.
ولأن «الكيف مذلة» يبقى عشاق الكلمة المطبوعة على ولائهم للكتاب، حتى لو غرر بهم الزمن مثلي و(تعصرنوا) وخاضوا التجربة الإلكترونية الماجنة، لهذا فقد وجدت متعة كبيرة وأنا أتصفح كتبي وأتذكر مواقف كثيرة ترتبط بكل منها، بعضها مغامرات طريفة وبعضها تجارب مريرة، مر شريط ذكرياتي مع كتبي حتى توقف أمام كتاب كان قد سقط من ذاكرتي تصفحته بتردد، وفاجئني الإهداء الموجود في صفحته الأولى.
حمزة العرب.. هو عنوان الكتاب، وهو مسرحية شعرية للشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وصادر عن سلسلة «مسرحيات عربية» وجهة النشر هي الهيئة العامة للتأليف والنشر (وهي حاليا الهيئة العامة للكتاب بمقرها على كورنيش بولاق)، وسعر النسخة 15 قرشاً، أما الأهداء فكان من حسن الجوخ أستاذ مادة اللغة العربية إلى العبد لله (محمد مصطفى) وكنت وقتها في الصف الأول الإعدادي عام 1984، وكنت وقتها (ولسنوات تالية كثيرة) من المتفوقين في كل المواد الدراسية، ولكن كانت تربطني علاقة خاصة مع مادة اللغة العربية، ورغم سقوط الكتاب من ذاكرتي إلا أن أستاذ المادة بقي اسمه محفورا في ذاكرتي، لأنه منحني أول رسالة مشجعة لدخول عالم الأدب (كمتفرج أولا ثم كمشارك فعال) وكانت أحاديثه معي محفزة للقراءة والاطلاع بشغف ونهم، وظني أني حصلت منه على أربعة أو خمسة كتب كانت باكورة انطلاقي بين كتب الكبار الذين زاحمت كتبهم في مكتبتي الصغيرة مجلات ميكي وسمير وسلاسل «المغامرون الخمسة» و«الشياطين الـ 13» ثم «رجل المستحيل».
وبحكم اهتمامي بالعمل الثقافي في مصر، تابعت سعيداً وفخوراً المسيرة الأدبية لأستاذي بعد أن تألق في الإبداع والعمل الثقافي، وأصبح له أسماً مرموقاً كناقد أدبي معتبر، لقد تأخرت في الكتابة،  و«كل تأخيره وفيها خيرة»، فقد وجدت مؤخرا صاحب الإهداء (مدرسي القديم) على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، تصادقنا دون أي تواصل فعلي حتى الآن (لأني لم أجده متفاعلاً على صفحته)، كما أني كنت أنتظر اللحظة التي أكتب إليه رسالة شكر تليق بفضله ودوره المؤثر في مسيرتي الإنسانية وعلاقتي مع الكتابة.
كان الجوخ معلماً إستثنائياً في حياتي التعليمية، لم ألتق بمثله إلا فيما ندر، لم يطلب منه كأستاذ للمادة أكثر من الشرح والتدريس لطلابه، لكنه جاد بما هو أكثر واجتهد ليؤثر،  كان مدرسا مميزا وصار علما أدبياً، فاستحق أن يكون «الشاطر»، في حياتي وحياة تلاميذه في مدرسة «شبرا القومية».
تحية محبة وتقدير لأستاذي المحترم.. حفظه الله.
وأرجو أن يسامحني على اختراعاتي اللفظية وسهواتي النحوية (والكي بوردية)..
فلقد أفسدتنا الكتابة الجديدة.
تلميذك القديم

محمد مصطفى أبو شامة


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...