أعجبني منهج الرئيس السيسي في التعامل مع أزمة المياه، أو بوصف أدق وبحسب تعبيره «الفقر المائي» الذي تعانيه مصر، والذي تجدد الحديث عنه بسبب الأزمة المعروفة إعلاميا بأزمة «سد النهضة» والتي وصلت مفاوضاتها إلى طريق مسدود، وقد أوجز الرئيس منطقه في هذا الملف الشائك خلال رده على سؤال الكاتب الصحفي ياسر رزق في ختام أعمال الندوة التثقيفية الحادية والثلاثين للقوات المسلحة والتي تزامنت مع احتفالات مصر شعبا وجيشا بالذكرى الـ46 لنصر أكتوبر المجيد.
حمل السؤال الذي طرحه الكاتب المقرب من دوائر السلطة هدفا إستراتيجيا، حيث عبر رزق عن حيرة المواطن البسيط من التصعيد الرسمي المصري ضد أثيوبيا بعد تعثر مفاوضات سد النهضة، ثم التهنئة التي أرسلها الرئيس السيسي لرئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام. ورد السيسي على سؤال رزق بما يمكن اعتباره «مانيفستو رئاسي»، أوضح فيه سياسة مصر في التعامل مع أثيوبيا وقضية سد النهضة خلال المرحلة المقبلة، ولخصها بأن مصر قد اتخذت التدابير اللازمة والاحتياطات المناسبة لمواجهة مخاطر نقص المياه، ومن أهم هذه التدابير تعظيم الاستفادة من مياه البحار، بإنشاء عدة محطات تحلية تغذي كل المدن الساحلية بالمياه، وفيما يتعلق بالتعامل مع أثيوبيا أكد الرئيس أنه يدير الملف بحكمة وهدوء، وطالب المصريين بالتروي والحذر عند التفكير في هذا الأمر، مؤكدا أن هناك لقاء قريبا سيجمعه برئيس الوزراء الأثيوبي في موسكو.
ورغم أني لا أوافق على تحميل (يناير 2011) مشكلة السد، إلا أنه يبدو أن الفوضى التي صاحبت الربيع المصري قد شجعت أثيوبيا على اتخاذ الخطوة الجريئة التي أجلتها سنوات طويلة، ترددت خلالها في أن تعادي مصر التي كانت السند والدعم للشعب الأثيوبي في مختلف قضاياه، لا شك أن السد يمثل مستقبلاً وحلماًكبيراً للشعب الأثيوبي علينا ونحن نفكر في النيل أن ننتبه له جيدا، ولا نكتفي بالحديث عن الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، دون التماس الحق للطرف الآخر.
وعلينا جميعا أن نبادر بالحديث عن الماء وسبل المحافظة عليه وترشيد استخداماته، ونقل ما يدور في العالم حول ندرته خلال المستقبل القريب، ونشر ما وصلت إليه مراكز الأبحاث الدولية حول الحروب القادمة في العالم بسبب المياه، لعل الشعب ينتبه ويقوم بثورة سلوكية في علاقته مع (حنفية المايه)، يجب أن تضع الحكومة قضية مياه النيل على رأس الأولويات، وترسخ فكرة أنها قضية حياة بالنسبة للشعب المصري، وتجعل المحافظة على كل قطرة ماء هدف رئيسي عند كل مواطن، وتثمن التوظيف الصحيح لكل استخدام رشيد، إنه تغيير ضروري وحتمي، يلزم الجميع بتبني ثقافة جديدة.. تدخر الماء ولا تهدره.
وأذكركم أخيرا، بأغنية «النيل نجاشى» التي تغنى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1933، وما يحمله أسم الأغنية من دلالة واضحة تنسب النيل إلى منابعه في الحبشة (أثيوبيا حالياً) والتي كان يلقب ملوكها بـ «النجاشي»، وقد أكرم «نجاشي» في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام المهاجرين الأوائل وحماهم في بلاده، ومن المفارقات أننا كنا نغني أغنية عبد الوهاب ونحن صغار ونقول: «النيل مجاشي»، وهو ما لا نتمناه أبدا من شركائنا في مياه النيل، ظني أنهم يدركون جيدا خطورة عدم وصول مياه النيل إلى مصبه في مصر، ولا أعتقد أن أحد في العالم يجرؤ أن يكون سبباً في عطش المصريين.
لتبقى مصر هبة النيل، شاء من شاء.. وأبى من أبى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق