توقفت هذا الأسبوع أمام خبر إنتاج مسلسل «الاختيار» عن
قصة الشهيد العقيد أحمد منسي بطل القوات المسلحة المصرية والذي استشهد
في السابع من يوليو عام 2017، ليكون باكورة الأعمال الدرامية التي تجهز للعرض في
شهر رمضان 2020، وقد صاحب إعلان الخبر عاصفة من الترحيب تقديرا وعرفانا بما قدمه
الشهيد البطل في حرب مصر على الإرهاب. أسعدني الخبر خاصة وأن فريق عمل المسلسل
المعلن عنه هو فريق عمل المسلسل الرمضاني الناجح «كلبش» بأجزائه الثلاثة، وهم
الممثل الخلوق أمير كرارة والمخرج المتميز بيتر ميمي، أما مؤلفه فهو الصديق العزيز
الدكتور باهر دويدار، ورغم هذه السعادة تبادر إلى ذهني أكثر من سؤال، ربما كان
أبرزها وأهمها..
لماذا أحمد منسي؟
وقبل أن أجد إجابة (أو إجابات)، وقع نظري على مقال
بديع للزميل الكاتب الصحفي رشدي الدقن في صحيفة «روزاليوسف» بعنوان «عم عبد
الجواد»، اختطفتني سطوره الأولى: «نفسك في أيه يا عبد الجواد"؟ .. سؤال
تقليدي جدا في نهاية زيارة الرئيس جمال عبد الناصر للمقاتل، عبد الجواد سويلم،
والذي فقد نصف جسده، في معركة خلف خطوط العدو، أثناء حرب الاستنزاف. المقاتل الذي
فقد ساقيه اليمنى و اليسرى وذراعه الأيمن وعينه اليمنى، رد بسرعة، نفسي أرجع
الجبهة وأحارب ياريس».
ذكرني المقال بقصة «الشهيد الحي» والذي كان منسيا حتى كرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الوطني للشباب في نسخته الثالثة بمدينة الإسماعيلية في إبريل 2017، وقبل رأسه وسط تصفيق الحضور وهو يقدم له التحية العسكرية بيده اليسرى بديلا عن اليمنى المبتورة، وقد لقب سويلم بـ«الشهيد الحي» لأنه المحارب الوحيد في العصر الحديث الذي خاض حربا ميدانية وهو مصاب بعجز كامل (بتر في الساقين واليد اليمنى وإصابة في العين)، وذلك بعد أن تمت الموافقة على طلبه بالاستمرار في كتيبة الصاعقة خلال حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر 73، وحصل سويلم على نوط الشجاعة من الرئيس عبد الناصر، ثم من الرئيس السادات، وخلال الاحتفال باليوبيل الفضي لنصر أكتوبر عام 1998، منحه الرئيس مبارك ميدالية مقاتلي أكتوبر، قبل أن يكرمه الرئيس السيسي عام 2017.
لم أقصد مقارنة بين بطلين أو بين حربين، لكن مقال الزميل رشدي أعاد قصة عم عبد الجواد أمامي في مشاهد سينمائية حتى أني كتبت له على صفحته في الفيس بوك معلقاً: «هذه قصة عظيمة تصلح لفيلم سينمائي محترم تمنيناه كثيرا.. والفيلم العظيم ليس معارك وباروداً.. إنما فيلم عن البطولة والصمود.. عن روح الإنسان المصري.. روح أكتوبر.. التي تم استنزافها عبر السنوات التي أعقبت النصر.. ونحكي عنها اليوم وكأنها أثر مسروق».
إن قصة «عم عبد الجواد»، وغيرها مئات القصص المجهولة والمخفية والمظلومة لأبطال «منسيين»، لو توافر لها إمكانيات إنتاجية محترمة ومماثلة لفيلم «الممر» المنتج هذا العام عن حرب الاستنزاف، أظنها ستحقق نجاحا جماهيريا وفنيا لا يتوقعه أحد وسترشح لأهم الجوائز الدولية في السينما، لدينا كنوز مدفونة ليتنا نستفيد منها، وأتمنى أن يستمر الاهتمام بتقديم قصص أبطالنا بأسمائهم الحقيقية (في كل المجالات) من خلال الدراما للسينما والتليفزيون، وأن يكون «منسى» هو البداية.
وبالمناسبة، فإن لقب «الشهيد الحي» يعود إلى التاريخ
الإسلامي ووصف به طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأشجع من دافعوا
عن النبي في غزوة أحد في بطولة نادرة، حيث تلقى عدد كبير من الطعنات وأصيب إصابات
بالغة حتى فقد الوعي وكاد أن يموت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه
أن ينظُر إلى شهيدٍ يمشي على وجهِ الأرضِ فلينظُرْ إلى طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ».
وهي معلومة هامشية حق ذكرها لكي نعرف أن خط البطولة ممتد بطول التاريخ، وقصصه
راسخة وتنتظر من يستدعيها إلى شاشات السينما والتليفزيون لعل الأجيال الجديدة ترى
وتتعلم وسط فوضى وعبث ما يحاصر عيونهم من مواد درامية وإعلامية تذهب العقول وتقتلع
الانتماء وتربك الأخلاق وتسقط الدين.
*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 9 أكتوبر 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق