استقبلنا
خريف هذا العام بتساقط أوراق (الصمت) التي سترت عورات كثيرة في السنوات الأخيرة،
فانكشف المستور وعشنا نتجادل في المحظور، يهيمن على فضاءنا الإعلامي الصخب والعبث،
وتحكمه الأكاذيب والسفالة والتدني الأخلاقي، ويتصدر المشهد حفنة من الآفاقيين،
يستوي في هذا الإعلام التقليدي (فضائيات ومواقع وصحف) مع الغريم والمنافسالمستجد
(السوشيال ميديا)، لا أحاديث إلا(هلاوس) سياسية وضلالات فكرية وتخاريف إعلامية،
حتى ظن أي عاقل يتابع المشهد عن بعد، أن مصر تحولت في عشية وضحاها إلى (مستشفى
للمجانين).
الأحداث
تداعت بسرعة غير مفهومة والأوضاع الساكنة منذ سنوات تفجرت بشراسة غير مبررة، فارتعد
الشارع المصري واستدعتذاكرة بسطاء المصريين المشاعر السلبية التي عاشوها في سنوات
ما سمي «الربيع العربي»، وارتبك الجميع وكأننا اكتشفنا فجأة أن مصر في «حالة حرب».
سأقتبس
عنواناً قديماً لكاتب ومفكر كبير صاغه في سؤال معبر جدا عن اللحظة، أما
الكاتب فهو دكتور جلال أمين، وسؤاله وعنوان كتابه كان: «ماذا حدث للمصريين؟» والذي
صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق عام 1998.
ما
الذي حدث في مصر، وما جري للمصريين(شعب وسلطة) في سبتمبر 2019؟؟
هذا
هو سؤالنا وهذه حالتنا، وهو أمر يستدعى جهد بحثي جبار من علماء الاجتماع السياسي
ليجيبونا وفق منهجهم العلمي، كيف تدهور حال المصري (أخلاقه وقيمه وسلوكه) خلال
السنوات العشر الأخيرة، حتى أصبحت أذنيه تستسيغ قاذورات «المقاول المارق» وتتفاعل
معها، وتقبل عقله تقيؤات «أيقونة يناير» وكأنه ينطق بالدر؟، كيف بات من اليسير على
المواطن المتعلم أن يسقط فريسة لفخ الأكاذيب المستمرة من كل وسائل الإعلام، ويغرق
تائهاً لا يدرك الحقيقة وهي بازغة ومشرقة أمام الأعين، وإن كان كتاب الدكتور جلال
أمين قد رصد ما حدث في المجتمع المصري في نصف قرن (1945 – 1995)، فإن الحاجة الآن
أصبحت ملحة لنعرف تفصيلاً ما حدث للمجتمع خلال عشرية الربيع الملعون (2010- 2020)
الذي لاح خريفه وبانت تخاريفه.
للأسف
لقد أفقدتنا هذه السنوات العشر قدرتنا على التمييز فضاع بيننا الحق، فضللنا عن
طريقه، وباتت الكبائر مباحة وسهلة، فسمعنا للشيطان واستجبنا له وتظاهرنا
لأجله، فمنحنا
صداقته الدائمة، لهذا تداولنا الرجس في يسر دون أن تستيقظ ضمائرنا وندرك كارثة ما
نفعله في مجتمعنا والخراب الذي ينتظر أبنائنا.
لا شك أن هناك أمر كبير حدث بمصر
في سبتمبر 2019.. سنختلف في وصفه أو تسميته لكننا حتما سنتفق على أسبابه وأهدافه..
أدرك وغيري كثيرون من أهل الرأى وأصحاب الفكر المعتدل من المهمومين بالشأن العام، إننا نمر بمحنة سياسية ومنعطف خطير، إننا أمام حالة احتقان سياسي واجتماعي
واقتصادي مزمنة، سهلت على أبالسة (الفيديوهات) العابرة للحدود التسلل بين ثنايا
العقل الجمعي المصري، في مرحلة زادت فيها الأعباء على كاهل الأسرة المصرية في
السنوات الأخيرة، (كما تزامنت فيديوهات الإثارة مع بداية العام الدراسي والارتفاع الكبير في أسعار مستلزمات العملية التعليمية
بالإضافة إلى الملابس والأحذية والحقائب وخلافه من احتياجات أساسية لطلاب المدارس)،
ولن نخشى أن نقول أن هناك أخطاء ارتكبت أوصلتنا مع تردي أوضاع المصريين الأخلاقية
والمعنوية، إلى هذا المشهد الهزلي الذي دفعنا إلى حافة
الأزمة.
ومن الحكمة تدارك الأزمة بصراحة وذكاء
وهدوء كي لا تنفرط الأمور وندخل في متاهة جديدة لا يحتملها الحاضر الذي نحياه في
مصر ولا يقدر على تسديد فواتيرها الشعب المصري الذي اسند ظهره إلى الحائط الأخير.
ثقتي كبيرة في مصر.. شعبها وجيشها..
وثقتي أكبر بأن الله خير حافظاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق