الخميس، 28 مارس 2019

وعد ترامب باطل.. الجولان عربية



نعم ضاعت الجولان، مثلما ضاعت القدس العام الماضي، وقبلهما فلسطين وسوريا وليبيا واليمن وأراضي عربية وإسلامية كثيرة، فنحن العرب المسلمون نحمل على أكتافنا تاريخاً طويلاً وممتداً من السقوط والضياع، ربما يمتد إلى الوجع الأعظم.. ضياع الإندلس وسقوط غرناطة عام 1492.
نعم ضاعت الجولان، عندما راهن أسد سوريا على جيشه وقوته وقدرته في تحريرها بالقوة، رافضا أن يضع يده في يد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ليستعيدا الاراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بالسلام، بعد أن نجحا معا في زلزلة هذا الإحتلال الغاشم في أكتوبر 1973، بنصر عزيز وغالي على قلوب المصريين والسوريين، ولكن ضاعت قيمته بالنسبة للجولان، بينما نجحت مصر في استعادة سيناء بعد معركة دبلوماسية ضارية (دوليا وعربيا) لا تقل عن شراسة معارك السلاح التي خاضتها مصر من اجل استعادة الاراضي العربية التي سقطت، لتتساقط معها دموعنا وتتضاعف أحزاننا على ضياع أرض عربية جديدة، ورغم تدارك الأسد الأب لخطأ السبعينات، وعودته مضطرا في التسعينات إلى مائدة مفاوضات السلام، لكن القطار كان قد مضى، وتعنتت إسرائيل وأجهضت أي أمل سوري في استرداد الجولان بالسلام.
حتى أستنسخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجربة وزير الخارجيّة البريطاني آرثر بلفور (1916: 1919) والذي أرسل رسالته الشهيرة أو إعلانه الذي سمي لاحقا «وعد بلفور» في 2 نوفمبر عام 1917، إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز وجهاء المجتمع اليهودي البريطاني، والذي تضمن وعدا بريطانيا  بدعم تأسيس «وطن قوميّ للشعب اليهوديّ» في فلسطين.
وعلى غرار الوعد الجائر، الذي أعطى فيه بلفور «ما لا يملك لمن لا يستحق»، يكررها ترامب من جديد بعد قرن من الزمان، ويسلم  رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مرسوما أمريكيا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
وكانت مرتفعات الجولان قبل هذا التاريخ المشئوم (25 مارس 2019)، أرضا محتلة من قبل إسرائيل وفق قرارات الأمم المتحدة، وكان العدو الصهيوني قد أعلن عام 1981 (من جانب واحد) ضم الجولان وهي الخطوة التي لم تحظ باعتراف دولي (وقتها).
وتقع الجولان في بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، وتسمى أحيانًا باسم «الهضبة السورية»، خاصة في اللغة العبرية واللغات الأوروبية، وتطل الهضبة على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، أما شرقًا فيشكل وادي الرقاد الممتد من الشمال بالقرب من طرنجة  باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك حداً عرف بأنه يفصل بين الجولان وبين سهول حوران وريف دمشق. وتبعد الجولان 60 كم إلى الغرب من مدينة دمشق. وتقدر المساحة الإجمالية لها بـ 1860 كم2، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم، وتعتبر الهضبة أرضا زراعية خصبة، كما أنها موردا مهما من موارد المياه في المنطقة التي تعاني أصلا شحا كبيرا في المياه، ويوجد بها 30 مستوطنة إسرائيلية يعيش فيها نحو 20 ألف مستوطن. كما يعيش فيها نحو 20 ألف سوري أغلبهم من طائفة الموحدين الدروز.
والمرسوم الأميركي الغادر لا يضيف جديدا على الواقع القائم في الجولان، لكنه يخدم في المقام الأول كل من ترامب ونتنياهو سياسيا، فكلاهما ينتظره معركة انتخابية هامة، وتخضع الجولان تحت السيادة الاسرائيلية بحكم حقائق القوة، وتنتمي تاريخيا إلى سوريا، التي كادت أن تمحى من خرائط الجغرافيا في السنوات الثماني الماضية، لولا عناية الله التي أنقذت بلاد الشام وأهله وأركان  دولته.
ما يقلقنا من هذا المرسوم أو وثيقة السيادة أو الوعد الباطل، أنه يمهد الطريق لقرارات أمريكية آخرى تحدد مصير المنطقة وشعوبها، يأتي في مقدمتها ما يسمي بـ«صفقة القرن»، والتي لا يعلم أحد حدودها أو بنودها ويقال أنها تبشر بمرحلة جديدة في العلاقات العربية الاسرائيلية وتقضي على المشكلة الفلسطينية، ويشاع أيضا أنها ستتم بمباركة وموافقة أطراف عربية فاعلة في المنطقة، ويبدو أن كل ما جرى في منطقة الشرق الأوسط من عام 2011 إلى اليوم كان يمهد لهذه الصفقة ويؤسس لشكل المنطقة وفق رؤى أمريكية خططت لها إسرائيل. ليتجدد بداخل كل منا، صدى السؤال التهكمي لشاعر العرب السوري نزار قباني، والذي جعله عنوانا لواحدة من أهم قصائده الخالدة.. «متي يعلنون وفاة العرب؟».


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 27 مارس2019

الخميس، 21 مارس 2019

صراع المجزرة والملتقى بين «كرايست شرش» و«أسوان»



هكذا هي الدنيا تمضى بنا بين حزن وفرح.. موت وحياة.. يأس وأمل، تشطرنا نصفين وتوزع إهتماماتنا ومشاعرنا بين نقيضين، وهكذا عشت أسبوعي الماضي وشاركني في ذلك كثيرون، ممن أدمى قلوبهم مذبحة الجمعة 15 مارس في مسجدي «كرايست شرش» في نيوزيلاند والتي راح ضحيتها 50 شهيداً، ثم عشنا بعدها يومي 16 و 17 مارس في نشوة الإنجاز مع «لمة» الشباب وملتقاهم العربي والافريقي الذي أحتضنته مدينة أسوان درة صعيد مصر، وعاصمة الشباب الأفريقي لعام 2019.
بين المجزرة والملتقى دار صراع المشاعر، وأنتصرت إرادة الحياة.. لم يهتز إيماننا بالخالق سبحانه وتعالى وإرادته في عمران الأرض وبقائها، لهذا كان ملتقى الشباب في أسوان رداً مصرياً مثالياً على الإرهاب في أي مكان بالعالم، الإرهاب الذي إنكوت مصر بنيرانه (وما تزال) وأبتلي به شعبها الطيب المسلم المسالم، وليس ببعيد عن أذهاننا مذبحة مشابهة أستهدفت مسجدا ومصلين في يوم الجمعة 9 نوفمبر 2017، حيث سقط أكثر من 300 شهيد بينهم 25 طفلاً في مسجد الروضة بشمال سيناء.. سقطوا ضحايا إرهاب يتخفى وراء الإسلام، ويتذرع بتفاسير مضللة لشريعته.
أما مجزرة نيوزيلاند والتي نفذها الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت في مسجدين بمدينة «كرايس شيرش» وتنطق بالإنجليزية: Christ Church، وترجمتها بالعربية: كنيسة المسيح، وينحدر ضحاياها من جميع أنحاء العالم الإسلامي، فتشير المؤشرات الأولى إلى أن الإرهابي القاتل ذو ميول متطرفة مسيحية تتخفى وراء تقمص لعبة PUBG الشهيرة، وقد أسفر الاعتداء عن سقوط 50 شهيداً بينهم أطفال، فيما لا يزال 36 جريحا في المستشفى من الجالية المسلمة، قتلهم الإرهابي الذي يبلغ من العمر 28 عاما، في مسجد «النور»، و«المركز الإسلامي».
ومن كنيسة المسيح (المعطرة بدماء الأطهار المسلمين)، إلى أسوان (الأمنة بفضل الله)، والتي أجتمع فيها 1500 شاب من مختلف الدول العربية والأفريقية، ناقشوا وتبادلوا الأفكار والرؤى حول مستقبلهم في ظل المتغيرات العالمية التي تحاصر أحلامهم، والمخاطر الإقليمية والقارية والدولية التي تتكاثر بسرعة مرعبة، وتهدد مصائرهم ومصائر أوطانهم، ويعد ملتقى الشباب العربي والأفريقي أحد فعاليات منصات منتدى شباب العالم (WYF Platforms)، والتي تدور فكرتها حول منح الشباب المصري ونظرائه في جميع أنحاء العالم فرصة لتطوير ودعم أفكارهم المختلفة في جميع المجالات، وذلك من خلال تنظيم عدة فعاليات على مدار العام.
وفي إطار فعاليات الملتقى قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتكريم عدد من المبدعين النابهين من شباب العرب وأفريقيا، كما شهدت كلمته الختامية عدد من التوصيات الهامة، أستوقفني منها التالي:
Ø    تشكيل فريق عمل من الشباب العربى والإفريقى لوضع رؤية شبابية لآليات التعامل مع قضايا الاستقطاب الفكرى والتطرف وعرضها كمبادرة شبابية للقضاء على الإرهاب والتطرف.
Ø    قيام مجلس الوزراء وبالتنسيق مع وزارتى الخارجية والتعليم لفتح باب المشاركة للباحثين من الدول العربية والأفريقية للاستفادة من بنك المعرفة المصرى ومن خلال الآليات المناسبة لتنفيذ ذلك.
Ø    قيام وزارة الصحة وبالتنسيق مع جميع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالدولة على تنفيذ إطلاق مبادرة مصرية للقضاء على فيروس سى لمليون أفريقى، وإطلاق حملة 100 مليون صحة للضيوف المقيمين فى مصر (اللاجئين).
Ø    الاهتمام بتوظيف المنصات الإعلامية والتواصل الاجتماعى لإزالة الصورة الذهنية الخاطئة للعلاقات الإفريقية العربية.
ومن رسائله المؤثرة للشباب العربى والإفريقى، قول الرئيس السيسى: «شباب مصر والعرب وإفريقيا أوصيكم بالتمسك بأحلامكم والعزم على تحقيقها، اعملوا بكل جهد من اجل مستقبلكم واجعلوا الحوار وتقبل الآخر دستوركم، والإنسانية شريعتكم، والعمل منهجكم، وأعقدوا النية على أن تجعلوا بلادكم أـكثر سلامًا واستقرارًا»، وكرر الرئيس رسالته لتأكيد وصولها إلى الحضور، وإلى كل من يسمعه،  قائلًا: «بقول لكل الشباب حافظوا على بلادكم.. حافظوا على بلادكم.. حافظوا على بلادكم».
حفظ الله مصر وأفريقيا وبلادنا العربية..
وحفظ المسلمين في كل أنحاء العالم..
وحفظ كل إنسان يعيش في سلام ويحترم الأخرين من اي جنس أو جنسية أو ديانة.


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 20 مارس2019

الجمعة، 15 مارس 2019

عدو المرأة «راجع»!



يحتفل العالم كل عام بيوم المرأة العالمي والذي يحل سنوياً في التاسع من شهر مارس، وقد لمست هذا العام تصاعدا غير معهود في النفاق المجتمعي للمرأة المصرية، للأسف لا يمنحها احتفالا بيومها وتسليطا على ما انجزته في مسيرتها التنموية، بل يصب نيران الغل والحقد على الرجل (غريمها التقليدي)، وكأننا في مبارزة لا تنتهي الا بسقوط احد طرفيها صريعا.
ليتحول يوم المرأة مثل مناسبات سنوية آخرى قفزت على أجندة أيامنا المصرية منها على سبيل المثال لا الحصر: عيد الحب، ويوم الطفل، والهالوين، ويوم الصحافة، وغيرها من ايام وأعياد لا طائل من وجودها إلا حالة التقليد الأعمى للغرب، والتي لا تعكس للأسف إهتماما حقيقياً بالموضوع محل العيد أو اليوم، بل هي مبالغة كاذبة تسقط مع «الترند» قبل نهاية اليوم ليحل محلها جريمة بائسة أو قصة تافهة.
يتفق هذا مع ما شهدته العقود الأخيرة من حالة الإفراط والمتجارة بحقوق المرأة، والتي تلقفها المجتمع المدني (بدعم وتوجه حكومي)، فتبارت الجمعيات الأهلية لسنوات في التكالب على المنظمات الغربية المانحة، وأنبطحت تروج لأهدافها المنوعة (والمشبوهة)، والتي كانت تعزف على حالة القهر التي تتعرض لها المرأة، من خلال (كوكتيل) برامجي احتوى على موضوعات شتى، منها ختان الإناث والممارسة السياسية للمرأة والحرية الجنسية وحق المرأة في العمل وغيرها من عناوين براقة جاءت كلها تحت هدف واضح ومعلن هو (التمكين).
وجذبت هذه الأفكار أموالا طائلة، وتحقق من وراءها أرباحا هائلة لعدد محدود من الأشخاص، لكنها خلفت وراءها حالة مشتعلة من الجدل المجتمعي لم تتوقف خلال الربع قرن الأخير والذي تفننت فيه (المرأة) في خطف ما سمته بحقوقها من (الرجل)،  مع تضخيم شعورها  بالمظلومية، والذي تحول مع  التكرار والمزايدة الاعلامية والتدليل الحكومي والمجتمعي، إلى حالة تشبه «الهولوكست» عند اليهود (المظلومية الصهيونية الشهيرة التي أبتزت بها إسرائيل العالم اجمع وما تزال)، وأصبحت «حقوق المرأة» من المحظورات التي لا يحق للرجال مناقشتها وإلا وصموا بالجهل والرجعية والتخلف.
ورغم اني أتفق مع بعض برامج هذه الجمعيات والمرسسات الأهلية التي ساهمت في تنمية المرأة، وتوعيتها وتثقيفها، فأسهمت بدورها في نهضة المجتمع كله، لكني لن أقبل حالة «البلطجة» النسائية المفرطة التي تنامت أعقاب ثورة يناير 2011 تحت ستار المظلومية، وعلى طريقة الهولوكست، وأصبحت جزء من منظومة الإنهيار الأخلاقي الذي أصاب المجتمع كله، وتحولت إلى ابتزار منتظم للتغاضي عن إستحواذ المرأة المصرية على كل ما تتمتع به المرأة الشرقية والغربية معاً من حقوق ومزايا، والمدهش انها تمارس انتقائية (أنانية) إذا حاولت محاسبتها، فتتنقل ببراعة بين نساء البيت الأبيض وحريم السلطان العثماني، وفق مزاجها وهواها.
ولد من رحم هذه العك المجتمعي مصطلحات وأفكار شاذة، مثل (independent strong woman)، الذي روجت له عشرات النساء (الوحيدات) سواء مطلقات أو ما شابه ليؤكدن قدرتهن على الاستقلال عن الرجل، وسطع نجم إعلاميات فضليات رددن أفكاراً وآراء تتناغم مع موضة العصر (سب الرجال) وحصدن شهرة كبيرة، بفضل تأجيجهن روح الانتقام والتحدي بين الرجل والمرأة وتسميم العلاقة بينهما وتشويه مشروع الأسرة والسخرية منه، وكلما أشتد الصراع.. ربح المزايدون.
وفي المقابل، لا أستبعد أن يظهر قريبا من يلقب نفسه بـ«عدو المرأة» على طريقة الفيلم الشهير الذي حمل نفس الأسم، ومثله النجم رشدي أباظة عام 1966 عن قصة الأستاذ محمد التابعي، والذي أستوحى شخصية بطله من بعض كبار مفكرينا الذين أشتهروا بعدائهم للجنس اللطيف في النصف الأول من القرن العشرين، ومنهم الأستاذ العقاد، كما صاغ أيضاً شخصية (عدو المرأة) ببراعة أستاذنا توفيق الحكيم في روايته (الرباط المقدس)، ولا يفوتنا أن نذكر أشهر من عرفوا بهذا اللقب وهو الراحل أنيس منصور، الذي حققت أقواله عن المرأة رواجا كبيرا، ومن أشهرها: «أن تجد امرأة راضية عن حالها‏، هذا شيء مستحيل»، «الرجل هو الجنس اللطيف والمرأة هي الجنس يا لطيف»، «المرأة تبكي بلا ألم والرجل يتألم بلا بكاء».
لا ندري إلى أين سـيأخذنا هذا الصراع، وإن كنا نستطيع التوقع إذا عرفنا: «ان حالات الطلاق زادت في مصر خلال الفترة 2009 إلى 2017 بنحو 40.2 % بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 4.3 %، حيث بلغ عدد إشهادات الطلاق خلال عام 2017 نحو 198 ألف حالة»، وذلك وفق دراسة عن الطلاق في مصر، أجراها «مرصد المرأة» بالمركز المصري لبحوث الرأي العام.
هل نطمح في أن تستعيد المرأة رشدها، لتدرك طبيعة دورها وأهمية وجودها بعيدا عن صرعات الموضة وحمى تقليد الغرب؟.
سنحلم بذلك.. داعين الله ان تتزايد أعداد النساء الفضليات التي بهن ما زال مجتمعنا صامد وقائم، وهن من يستحقن التهنئة وتقبيل أقدامهن، ليس سنوياً بل كل يوم على ما تبذلن من عطاء بغية مرضاة المولى عز وجل.

 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 مارس2019


الاثنين، 11 مارس 2019

المستقبل الضائع بين "بوب جي" و"استروكس"



لو أمتلكت بعض الوقت لتنتبه.. وتتساءل كيف يقضى أبناؤك وقتهم، وبذلت جهدا لتتعرف على إهتماماتهم التي تسرق هذا الوقت وتحتطفهم في طريق بلا عودة؟!
ستجدهم ومعهم القطاع الأكبر من أبناء هذا الجيل من الأطفال والشباب (8 إلى 18 عام) قد اتخذت أوقاتهم مسارين لا ثالث لهما، يتحدد كل مسار وفق الانتماء الطبقي (وإن كان تزاوج المسارين يحدث في أحيان كثيرة).
فأبناء الطبقات الميسورة يقضون معظم أوقاتهم على الأجهزة الإلكترونية، في حالة إدمان كاملة لألعاب الأنترنت، وتتسابق عليهم عشرات الألعاب، يأتي في مقدمتها باكتساح لعبة الـ »بوب جي« الشهيرة والتي تحقق رواجا وهيمنة على تفكير فئات عمرية مختلفة، و(PUBG) هي اختصار لـ Player Unknown’s Battlegrounds، وترجمتها: «لاعبون مجهولون في ساحة المعركة«، وهي لعبة متاحة على الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب وأجهزة تشغيل الألعاب، وتجاوزت 100 مليون تحميل خلال 4 أشهر أعقبت طرحها في مارس 2017، وتم بيع أكثر من 15 مليون نسخة، وتضم اللعبة أكثر من 20 مليون لاعب يوميا، كما تم تحميلها من متجر أندرويد أكثر من 32.34 مليون مرة، وأصبحت في مقدمة الألعاب التي يجري تنزيلها في أكثر من 100 دولة، كما تعدى عدد مستخدمي اللعبة حاجز 400 مليون، ويُقدّر مجموع الأوقات التي قضاها اللاعبون داخل تلك اللعبة بـ 25 عاما.
وقالت تقارير علمية حديثة:  »ان الألعاب الأكترونية تسبب »فقدان الذاكرة المصدرية«، حيث تظل الذاكرة سليمة لكنها تصبح أكثر عمومية، فلا يستطيع الشخص السرد المستمر لأحداث معينة، لكنه ينغمس في فضاء ضبابي مبهم المعالم، كذلك تجعل الألعاب لاعبيها عاطفيين للغاية وأكثر تفاعلا للأحاسيس بدلا من التصرف على نحو عقلاني هادئ«، يضاف إلى هذا عدد من الدراسات العلمية الحديثة التي تناقش مخاطر إدمان اللعب الأكتروني والعالم الافتراضي على مستقبل المراهقين.
أما أبناء الفقراء، فلا سبيل أمامهم إلا الإدمان المباشر عبر المخدرات والتي يتصدرها مخدر الاستروكس الذي أصابته شهرة حديثة جعلته «نمبر 1« في سوق المزاج الرخيص، وقد صنفت المنظمات العالمية المختصة بمكافحة الإدمان، مخدر الاستروكس والمواد المستخدمة في تصنيعه بأنها مواد مخدرة اصطناعية، تتسبب هذه المواد في زيادة الهلوسة السمعية والبصرية لدى المتعاطي، فور تدخين المخدر بعد خلطه بالتبغ، وتؤدي إلى الإدمان. وبلغت نسبة متعاطي الاستروكس في مصر 40 بالمئة من إجمالي مدمني المخدرات، وتكمن خطورته في طرق تصنيعه وما يضاف إليه من مواد خطرة (يخلط نبات البرداقوش مع مبيدات حشرية)، تعرض حياة المدمن لخطر الموت السريع.
ويرى العلماء أن الرغبة في ممارسة الألعاب عبر الإنترنت والرغبة في إدمان المخدرات تشتركان في الطبيعة العصبية البيولوجية نفسها، وهما المساران اللذان استحوذا على أبنائنا خلال العقد الأخير، وكلاهما يحتاج إلى مقالات تشرح وتفند، تطرح وتعدد، فالأمور متشابكة والمخاطر تتكاثر، وبرغم محاولات السيطرة الحكومية والأسرية إلا أن التزايد أصبح مرعباً في اعداد مدمني الألعاب الالكترونية والمخدرات.
تدق جريمة القتل التي أرتكبها مراهق مصري بسبب لعبة (بوب جي) في الكويت ناقوس الخطر كي نستيقظ، كما أن إكتشاف إدمان سائق القطار (بطل الحادث الأليم الذي وقع قبل أيام في محطة مصر) لمخدر (الاستروكس) وفق بيان النائب العام المصري، سيدفع حديثنا عن المستقبل المختطف في سجن الإدمان إلى قمة أولوياتنا الخاصة والعامة، لعلنا نتمكن باليقظة والتدبر والاهتمام الصادق من إنقاذ شباب مصر وأملها من الضياع.


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 مارس2019

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...