الاثنين، 22 أكتوبر 2018

الإمام الأكبر يتقلَّد «السجل الأكبر»



«لا أكتمُكُم سرًّا إذا ما قلتُ لكم إن أسعدَ الأوقات عندي هي الجلوسُ الهادئ إلى صفحات كتابٍ، يُعبِّر عن ذلك بيت شاعر العربية أبي الطَّيِّب المتنبي - رحمه الله -: (أعزُّ مكانٍ في الدُّنا سرجُ سابحٍ * وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ). إن المعرفةَ هي أعز ما يُطلب، وهي أوَّلُ واجب على العقلاء، وهي تراث الأنبياء، كما قال نبي الإسلام: {إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ}؛ وهي طريق المؤمن إلى الجنة، وقد أوجبها نبي الإسلام على أتباعه رجاًلا ونساءً وأمرهم بطلبها حتى لو كان العلم في أقصى الأرض، قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ».
كانت هذه العبارات الطيبة، التي تحوي عميق المغزى ونفيس القيمة، جزءًا من  كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر عقب تكريمه من جامعة "بولونيا" الإيطالية، أقدم جامعات أوروبا، ومنحه وسام «السجل الأكبر»، وهو أرفع وسام تمنحه جهة أكاديمية لعدد من الزعماء السياسيين والدينيين والمفكرين والعلماء.
وكان التكريم، ضمن فعاليات زيارة شيخ الأزهر إلى إيطاليا التي كانت المحطة الثالثة والأخيرة لجولته الخارجية الناجحة، حيث شَارَكَ الإمامُ الطيِّبُ رئيس مجلس حكماء المسلمين في مؤتمرٍ عالمِيٍّ عن «الأديان.. والثقافة والحوار» الذي نَظَّمَتْه جمعية «سانت إيجيديو» في مدينة بولونيا الإيطالية، بحضور نخبة من كبار الشخصيات الدينية والثقافية في العالم، كما التقى فضيلته بعدد من كبار المسئولين الإيطاليين في العاصمة روما، في مقدِّمَتِهِمْ الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا.
وقد اشتملت جولةُ الإمام الأكبر أيضًا على زِيارَةِ كُلٍّ من دولَتَيْ كازاخستان وأوزبكستان، حيث شارك في عَدَدٍ من الفعاليات، والتقى كبار المسئولينَ في البلدَيْنِ، كما تَمَّ تقليده الدكتوراه الفخرية من جامعة «أوراسيا الوطنية» بكازاخستان، كما منح الدكتوراه الفخرية من أكاديمية أوزبكستان الإسلاميَّة الدَّوْلِيَّة، التي تُعَدُّ أوَّلَ دكتوراه فخرية في تاريخ الأكاديمية.
وتعكِس الرحلات الخارجية لفضيلة الإمامِ الأكبر، حِرْصَهُ على نَشْرِ رسالةِ الأزهر وتأكيدِها وتجديدِها في مختَلَفِ دُوَلِ العالم، وتفعيل دَوْر المؤسسةِ العريقة في إرساءِ وترسيخِ دعائمِ السلام والتعايُشِ المشترك بين الشُّعُوبِ والمجتمعات المختلفة، وهذا ما أكدته عبارات الإمام الطيب في كلمته بجامعة بولونيا، حيث قال: «ليس الأزهرُ أيُّها السادة – كما تعلمون – مجرَّدَ معهد عريق أو جامعة عالميَّة، ربّما كانت هي الأقدمُ في تاريخ الإنسانية من حيث تواصُلُ عطائِها دونَ تَوَقُّفٍ، منذ إنشائه حتى يوم الناس هذا. بل هو في جوهرِه منهج علمي، وخطابٌ فكرى متمَيِّز، ورسالة سلام عالمي طريقها الحوار والتفاهم».
كما يبرز أيضًا دورُ الأزهر في مواجهةِ الإرهاب والتطرُّفِ، الذي يُحاوِلُ استخدامَ الدينِ للتشويش على عقول الناس وتضليل الشباب من خِلالِ المفاهيمِ المغلوطةِ التي تُنشَرُ باسم الدين، فهو الدَّوْرُ الذي يُعوَّلُ على الأزهر فيه، خصوصًا مع بشائرِ ما ظَهَرَ في السنوات الأخيرة من خططِ تطويرٍ وإصلاح وتجديد الخطاب الديني في مصر ومحيطها الإسلامي والعربي، وقد جاءَتْ كلمة فضيلته التي ألقاها في افتتاح مؤتمر قادة الأديان، بالعاصمة الكازاخية آستانة، لتعكِسَ عمقَ رؤيته لقضية الإرهاب حيث قال شيخ الأزهر: «إنَ عقيدتي في موضوع «الإرهاب» – وقد أكون مصيبا وقد أكون غير ذلك - هي أنه ليس صنيعة لا للإسلام ولا للمسيحيَة ولا لليهوديَة كأديانٍ سماويَة، وكرسالاتٍ إلهيَة بَلَغَها أنبياء الله ورسله: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضَلَّت الطَريق وفَقَدَت الإحساس بآلام الآخرين من الفقَراء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدونَ سبيلا».
عندما أتابع الاهتمام والاحتفاء الدولي بشيخ الأزهر، ومدى التقدير الصادق للإمامِ الأكبر في كُلِّ جولاته الخارجية، بما يمثِّلُهُ من رمزية للإسلام الوسطي المعتدل، أفخر بأن مصر هي بلدُ الأزهر الشريف.



*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 17 أكتوبر 2018

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

حديث الإنسان عبد الفتاح السيسي



«يا ترى إيه الفرق بين هشام عشماوي، وبين أحمد المنسي؟».
بهذا السؤال ختم الرئيس السيسي كلمته (المرتجلة) فى ختام الندوة التثقيفية الـ29، والتي جاءت مواكبة لاحتفالات الجيش بذكرى الانتصار الغالي فى أكتوبر 1973، وعبر هذا الختام عن فلسفة ومجمل محتوى حديث الرئيس، الذي ألح وكرر فى مستهله أنه حديث «الإنسان» وليس «رئيس مصر»، ليمنح نفسه حرية التحدث إلى الحضور والرأي العام المصري والعالمي بعفوية وصدق، ويعبر عن مشاعره كإنسان ومواطن مصري عاش لحظتين فارقتين فى تاريخ مصر، يرى أنهما يستحقان المقارنة، وهما مرحلة ما بين 67 و73، والمرحلة التي تعيشها مصر منذ عام 2011، وحتى يتحقق الوعد الرئاسي بـ«مصر الجديدة» فى 30 يونيو 2020.
وحدد الرئيس فارقا جوهريا بين المرحلتين، مؤكدا أن المعركة لم تنته وما زالت موجودة بمفردات مختلفة، فمعركة الأمس غير معركة اليوم فى أدواتها، والعدو والخصم كان واضحا وأصبح الآن غير واضح، متابعا: «بقى معانا وجوانا واستطاعوا بالفكر إنشاء عدو جوانا».
وبين سطور الحديث الرئاسي (الإنساني)، وضحت رغبة الرئيس فى توصيل رسالة  للشعب المصري، وهى أن مصر فى معركتها الحالية تحتاج إلى التضحية دون انتظار مقابل، وأن نستلهم فى ذلك روح صناع معجزة أكتوبر، الذين خرجوا بسيارة «سيات» يسابقون سيارة «مرسيدس» كما وصفهم الرئيس قائلاً: «قولوا الكلام دا .. عشان مش عيب بالعكس.. اللى بيركب عربية سيات ويسابق المرسيدس يتقاله برافو».
بلغ الرئيس قدرا غير مسبوق فى الصراحة عندما تحدث عن القدرة العسكرية للقوات المسلحة المصرية فى أكتوبر 1973، واصفا إياها بأنها كانت أقل بكثير من قدرات العدو، وبأننا لم نكن لنستطيع تخطى مسافة الـ20 كيلومترًا شرق قناة السويس بعد عبور القوات، والتي تحددت مسبقاً قبل قيام الحرب، والتي ادعى البعض أنه كان يمكن لقواتنا أن تطور هجومها وتصل إلى منطقة «المضايق»، وكان الأستاذ هيكل من أكثر من كرروا هذا الكلام، وسجله بشكل تفصيلي فى كتابه المهم «أكتوبر 73 السلاح والسياسة».
وقد أشار الرئيس إلى هيكل ولكن فى حادثة أخرى، قائلاً: «كانت هناك مقالة للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل تتحدث عن تحديات العبور، وتتضمن تفاصيل عن قدرة وإمكانيات هذا الساتر وخط بارليف فى منع القوات المصرية من العبور، وقال الروس إن هذا الأمر يحتاج إلى قنبلة ذرية لاقتحامه والتعامل معه، ونحن لا نملك القنبلة الذرية، وإن 30 أو 40 ألفًا وقد يصل إلى 50 ألفًا من القوات التي ستعبر القناة ستستشهد نتيجة العبور فى ظل هذه الظروف».
ورغم تطرق الرئيس إلى (منغصات) حياة المواطن المصري فى هذه المرحلة، وفى مقدمتها ارتفاع الأسعار، وضرورة إلغاء الدعم الذي يقف عقبة رئيسية فى سبيل التنمية، إلا أنه لم يغفل الحديث عن الإنجاز الذي تحقق بفضل المصريين، لكنه حذر من أن كل ما تم تشييده من إنجازات سيهدر ويختفي بدون فهم ووعى المصريين، متابعا: «كل اللي بيتعمل وزيادة 100 مرة لو مكنش فى وعى وكتلة تخاف على بلدها فى الجيش والشرطة وأجهزة الدولة والجامعات ولدى الرأي العام فى مصر، أى حاجة تتبنى ممكن تتهد».
وعن سؤال الختام، الذي بدأنا به المقال عن الفارق بين البطل والإرهابي، قال الرئيس: «ده إنسان وده إنسان، وده ظابط وده ظابط، والاثنين كانوا فى وحدة واحدة، الفرق بينهم إن حد منهم اتلخبط وممكن يكون خان، والتاني استمر على العهد والفهم الحقيقى لمقتضيات الحفاظ على الدولة المصرية وأهل مصر، بنصقفلوا، والتاني عاوزينه علشان نحاسبه».

فى رأيي الشخصي المتواضع كان حديث الرئيس (الإنسان) صادقاً من القلب ولهذا وصل إلى قلوب معظم المصريين.

🇪🇬🇪🇬🇪🇬=============🇪🇬🇪🇬🇪🇬
نشر في مجلة «روزاليوسف» بتاريخ 13 أكتوبر 2018
🇪🇬🇪🇬🇪🇬=============🇪🇬🇪🇬🇪🇬

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

هل تكبح السعودية الزوبعة؟



هل أصابَ الإعلاميُّ السُّعُوديُّ مشاري الذايدي، كَبِدَ الحقيقية، عندما اختتمَ مقالَهُ بصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، المنشورَ قبل أيامٍ بقولِهِ: «خلاصةُ الأمر، ترامب أخطأَ بكلامِهِ ضدَّ السعودية، فوجَبَ الرد، لكنه ما زالَ الحليفَ الأهمَّ دوليًّا في ضربِ مصادرِ الشَّرِّ والفوضى في العالم»؟
وهل التصريحاتُ المَنْسوبة والمنشورة في الصحيفةِ نفسها، لأحَدِ أفرادِ عائلةِ جمال خاشقجي الإعلامي السعودي المُختَفِي (أو المقتول) في مدينةِ إسطنبول التركية بعدَ ساعاتٍ من دُخُولِهِ قنصليةَ بلاده، تعكِسُ صورةً واضحةً وكاشِفة لهذا اللغزِ الذي يزدادُ غموضًا مع الأيامِ، حيث أكَّد معتصم خاشقجي أن «جمال مواطنٌ سعودِيٌّ، وبِلادُهُ حريصة عليه أكثرَ من أفراد أسرته»؟
أزمتانِ عاصفتانِ خلالَ أسبوعٍ واحد، أحاطَ غُبارُهما الكثيفُ بالمملكةِ بصورةٍ بَدَتْ وكأنَّ الأمرَ مقصودٌ ومُدَبَّر؛ بدأَتْ الأزمةُ الأولى مع تصريحاتٍ (ساذجة) من الرئيسِ الأميركيِّ دونالد ترامب، قال فيها: «نحن نحمي السعوديةَ، ستقولونَ إنهم أغنياء، أنا أُحِبُّ المَلِكَ سلمان، لكنني قلتُ له: (أيُّها المَلِكَ.. نحنُ نحميك.. وربما لا تتمكَّنُ من البقاء لأسبوعين في الحكم من دون جيشنا، لذلك عليك أن تَدْفَع)».
ثم جاءَتْ أزمة «اختفاءِ خاشقجي» لتزيدَ الغبار وتنشطَ معها اللِّجانُ الإلكترونِيَّة والفضائية المارقة، ليبدأَ الهجومِ على السعودية في وسائل الإعلام العربية والدولية، إلا مَن رَحِمَ ربِّي مِنْ عُقَلاء تَأَمَّلوا المشهد بحكمةٍ وأدركوا قوةَ المؤامرة، وتَفَهَّموا أسبابها.
ووضَحَ من التحرُّكِ السعوديِّ السريعِ بالحديثِ الهادِئِ لوليِّ العهد، الذي أدلى به لوكالة «بلومبرج» الأميركيةِ هذا الأسبوعَ، أنَّ هناك خُطَّةً سعوديةً عاجلةً لمواجهةِ هذه الزوبعة التي تهدف لابتزازِ المملكة سياسيًّا واقتصاديًّا لإجبارِها على مخالفةِ مواقفها الثابتة الرامية لصالح مواطنيها وحماية أمنها.
أما السُّعارُ الإعلاميُّ على المملكة، وتأجيجُ نيرانِ الأزمتَيْنِ وتضخيمهما فيقفُ وراءَهُ الخلايا الإخوانيةُ الظاهرةُ في كلٍّ من تركيا وقطر، والمتخفِّيَة في عدةٍ دول أخرى (ومنها المملكةُ للأسف) التي تُمارِسُ أدوارًا مشبوهةً في السرِّ والعلن، وتدفعُ بمصائرِ الشعوبِ إلى حافَّة الهاوية، فهي مثل البكتريا تجد لها حياةً في مستنقعِ الأزمات.   
إيران أيضًا ليست بعيدةً، وأيديها المنتشرة في المنطقة لا تكفُّ عن العبث، وها هو وزير خارجيَّتِها (ظريف) يصفُ ما فعله ترامب قائلًا: «إنه يذلُّ السعوديين»، ويضيف في تغريدة نشرها على «تويتر»: «نمدُّ يَدَنا مرةً أخرى إلى جيرانِنا... دعونا نبنِ (مِنطقةً قويَّةً)، ونُوقِفْ هذا الغرور».
أما المُفلِسُ التركي أردوغان، فقد جاءَتْه قصة خاشقجي (أو صَنَعَها)، في الوقت المناسب، الذي كان يبحث فيه عن إغاثةٍ ماليةٍ عاجلةٍ تُنقِذُ اقتصادَ بلادِهِ المنهارَ، حيث لم تَكُفَّه عطايا شريكِهِ القطريِّ تميم عن انتظار المزيد من الدعم المالي، وربما هذا يفسر سرَّ تأخُّرِه في التعامل مع القصة، ثم تلاعُبَه في التصريحات ومراوغاتِ أعضاء حكومته في تضليل الرأي العام ليزدادَ غموضُ القضية، أملًا في مزيد من المكاسب.
إن المملكةَ الشقيقةَ شَرَعَتْ قبلَ ثلاثةِ أعوام في رحلة إصلاح وتغييرٍ جذريةٍ، تُواجَهُ بمقاومةٍ داخليةٍ ومؤامراتٍ خارجية، بلغَتْ أَشُدَّها مؤخرًا بفعلِ تربُّص الأشقياء الثلاثة (إيران- تركيا- قطر)، يساندهم تنظيمُ الإخوان وجماعاتٌ دينية منشَقَّة عنه، وخَلْفَ الجميع يقفُ المتحرِّش الأميركي يبتزُّ الجميع.
ومساندةُ السعودية في مواجهة هذه «الزوابع»، فَرْض علينا جميعًا، ليس دعمًا لنظام حاكم، ولكن مناصرةً لأشقاء تشاركنا معهم في كلِّ الأوقات، وأجبرتنا المسئوليَّة التاريخية  على أن نقفَ معًا في خَنْدَق واحد ضد الأعداء والأطماع التي تحاصر الشرق الأوسط.
حفظ الله مصر والسعودية وشعبيهما، وأنارَ الطريقَ أمام قيادتِهما وأرشدَهما حُسنَ القرار.

* نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 10 أكتوبر 2018

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

العارف بالله والعبور العظيم



«اللهُمَّ بدرًا أخرى.. اللهم بدرًا تنصر فيها أولياءَكَ وتذلُّ فيها أعداءَكَ، اللَّهُمّ انصُرْ أولياءك الآن كما نصرتهم من قبل»، هكذا هتَفَ شيخ الأزهر الجليل وعالمنا الأصيل فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود (رحمه الله)، في أول خطبة للجمعة تلَتْ يومَ العبورِ العظيمِ في السادس من أكتوبر عام 1973 ، فاهتَزَّت أرجاء الجامع الأزهر وتهلَّلَتْ القلوب مع هتاف المصلِّين «الله أكبر»، الذي عانقَ تكبيرةَ جنودنا البواسل على الجبهةِ المصرية التي حَمَلَتْها قلوبُهُمْ ورددتها ألسنَتُهُمْ من الضفَّة الغربية ليعبروا معها من اليأسِ إلى الأملِ، ويزرعوا عَلَم مصر على الضفَّةِ الشرقيةِ لقناة السويس، «الله أكبر.. تحيا مصر».
وقد تعدَّدَتْ إسهاماتُ الأزهر الشريف وعلمائه وأبنائه الطلاب فى حرب أكتوبر المجيدة، وفي مجالاتٍ عديدة، فقبلَ وبعدَ هذه الخُطْبةِ الفارقةِ، تحوَّل الأزهر بقيادة شيخه الراحل إلى غرفة عمليات أثناء الحرب، وبالاتفاق والتنسيق مع وزير الأوقاف آنذاكَ، كان خطباءُ المساجدِ خليةَ نحلٍ فى دروسٍ دينية يومية لتبصيرِ الناس بضرورةِ الجهاد، وأنَّ أولادَهُمْ يخوضونَ أشرفَ المعاركِ ولو أُصِيبَ أحدُهُمْ أو استُشهِدَ فذلكَ مدعاةُ فخرٍ لأهلِهِ، وأيضًا حَثّهم على المشاركةِ المدنية التطوُّعِيَّة سواء بالتبرُّعِ بالدم فى المستشفيات أو حراسة المنشآت وحماية الكباري الرئيسية والطرق ليلًا تحسُّبًا لأيةِ غاراتٍ أو مفاجآت من العَدُوِّ، حتى يتحققَ النصرُ بفضلِ اللَّهِ.
هذا النصرُ الذي حمل بشارتَهُ شيخُنا العارفُ باللهِ عبد الحليم محمود إلى الرئيسِ السادات في يناير 1973 (وفقَ ما اتَّفَقَ عليهِ رواةُ القصة)، فقد ذَكَرَها الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور إبراهيم عوض فى كتابه «عبد الحليم محمود.. صوفيُّ زمانِنا» وأيضًا ذَكَرَها الدكتور محمود جامع مستشارُ الرئيسِ السادات، فى كتابِهِ «كيفَ عرفتُ السادات»، بل إن شيخَنا الراحلَ لَمَّحَ إليها سريعًا في خطبته المشار إليها أعلاه، دون أن يذكُرَ أنه بطلُها (لَمَّح البعضُ أن صاحب الرؤيا الأصلي كان الشيخ صالح الجعفري.. واللَّهُ أعلم).
وتروي القصةُ أن شيخَ الأزهرِ الراحلَ قد رأى النبيَّ عليه الصلاة والسلام فى منامه أثناء زيارته للمدينة المنورة عقب أدائه لمناسك الحج مطلع عام النصر، وأن النبي الكريم (وفق رؤيا الشيخ عبد الحليم محمود) كان يعبُرُ قناةَ السويس حاملًا راية «الله أكبر» ومعه رَهْط من الجند والصحابة وعلماء الإسلام. فاستبشر الشيخ خيرًا وأيقن بالنصرِ، وعندما نَقَل رؤياه للرئيس أكد له أنه بالفعل قد اتخذَ قرارَ الحرب بعد أن اكتملت جاهزِيَّةُ الجيش  للقتال، وأن التنفيذ سيتمُّ وفقَ الخطةِ الموضوعة لذلك.
وكان الأزهرُ الشريف حاضرًا ومؤثرًا في هذه الخطة قبل بدء العمليات العسكرية، حيث أسهم بدوره في التأهيل النفسي للجنود والضباط، فقد نزل المشايخ مع الجنود إلى ساحة القتال، ورافقوهم فى الخنادق، وعاشوا معهم في الثكنات العسكرية لتثبيتهم معنويًّا، وانطلقت كتائب العلماء بين الجنود لتخبرهم أن النصر لا يكونُ بقوَّةِ السلاح فقط، وإنما بقوَّةِ الإيمان، وبالصدق مع الله تعالى، وبوضوح الهدف الذي يُقاتِلُ من أجْلِهِ الإنسان، ويكون بالتوكل على الله: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.
ولعلَّ كلماتِ شيخ الأزهر الراحل العارف بالله عبد الحليم محمود، في خطبة «جمعة النصر» التي أشرت إليها في أول المقال، هي خير دليل على أثَرِ الدور الأزهري في شَحْذِ هِمَّة الأمة قبل وأثناء المعركة: «مِنْ على منبرِ الأزهر، هذا الأزهرُ الخالد الذي تلجأُ إليهِ الأمَّةُ المصرية، تلجأُ إلى الله فيه عند الأزمات، ترجو الله أن ينصر، وأن يوفِّق، وأن يهديَ، من على منبرِ الأزهر الخالد نُعلِنُها باسم علماء الإسلام حربًا مقدَّسةً ونعلنها جهادًا في سبيل الله، ومن على هذا المنبر، نرسل تحيَّتنا إلى القائد الأعلى وإلى جُنُودِنا الأبطال، الذين حققوا المعجزات ببطولتهم وبسالتِهِمْ». 
الله أكبر.. تحيا مصر

*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 3 أكتوبر 2018


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...