الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

الإمام الطيب يواجه «شر» ترامب و«الترامبيين»


إن رفض مقابلة مسئول أميركي في هذا الزمان أمر - لو تعلمون - خطير في عالمنا العربي والإسلامي، فهو يضع «الرافض» على حافة الخطر لأن ثَمَن رفضِه (في الأغلب) يكون كبيرًا، وهو ما يستدعي أن يكون شخصًا استثنائيًّا، حمل قدره بين يدي خالقه، وأسلم أمره للمولى عز وجل، غير راجٍ إلا رضاه، غيرَ خاضعٍ إلا لسلطانه.
ولهذا استحقَّ الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، اهتمامَ العالم واحتفاءَ المسلمين في كل بقاع الأرض به، بسبب موقفه المُعلَن ورفضِه القاطعِ لقبول اللقاء مع نائب الرئيس الأميركي.
ورَفْضُ «الطيب» غيرُ أيِّ رَفْض، فهو الرفض الذي أحرج الجميع ودَفَعَ من بقي في وجههِ ماء لأَنْ يرفُض أيضًا استقبالَ هذا الموفدِ الأميركي، الذي يأتي إلى منطقة الشرق الأوسط محاولاً تسويقَ قرار ترامب حول القدس، الذي كان رصاصة الرحمة على جَسَدِ «عملية السلام» الذي تحلَّل بعد تجاهله خلال السنوات العشر الأخيرة بفعل عوامل كثيرة، وظن البعض أن «سمسار العقارات» الأميركي قادر على معجزة إحياء «الجسد الميت»، وإنعاش ملف السلام وحلِّ القضية، ففاجأ الجميع بتمزيق الملف والقضية برمِّتها وحرق قلوب مسلمي العالم، وأسقط ورقة التوت الأخيرة لينكشف الحكام العرب الذين لا يملكون من أمرهم غير الشجب والتنديد.
وكان شيخ الأزهر قد أعلن رفضه «بشكل قاطع» طلبًا رسميًّا سبق أن وافَقَ عليه للقاء نائب الرئيس الأميركي مايك بنس نهايةَ ديسمبر الحالي، بعد اعترافِ واشنطن بالقدس عاصمةً لإسرائيل، واعتماد الرئيس الأميركي نقل سفارة بلاده إليها. ونقل بيان صدر، الجمعة الماضي، عن شيخ الأزهر قوله: «كيف لي أن أجلس مع مَن منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقونَ، ويجبُ على الرئيس الأميركي التراجع فورًا عن هذا القرار الباطل شرعًا وقانونًا».
كما وَجَّه الإمام الأكبر «نداءً عاجلًا لأهالي القدس»، قائلًا: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانِكُمْ بقضيَّتِكُمْ ومحبَّتِكُمْ لوطنِكُمْ.. ونحنُ معكَمُ ولن نخذلَكُمْ». وسبق أن حذر شيخ الأزهر من أن «أبواب جهنم» ستُفتَح على الغرب حال إقدام الولايات المتحدة على نقل سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
ولم يكن موقف الإمام الطيب، تجاه الأزمة الحالية في القدس، الأولَ من نوعه، فيُذكَرُ له رفضُهُ منذ تولِّيه منصبَه في عام 2010، زيارةَ القدس وهي تحت الاحتلال، وقد طالب قادة القمة الإسلامية التي عُقِدَت في فبراير 2013، باتخاذ مواقفَ موحدةٍ فيما يخصُّ مَأساة فلسطين ومُقدَّساتِنا الدينية في القُدس التي تعبث بها إسرائيل.
وناشد الإمام الأكبر، الدول المُحِبَّة للسلام الوقوفَ إلى جوار الحل العادل للقضية الفلسطينية، وحماية المسجد الأقصى من الاعتداءات المتكررة. بينما طالب شيخ الأزهر جميع الفصائل الفلسطينية بضرورةِ تحقيق المصالَحَة الوطنية، لمواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية.
وعلى خلفية القرار الأميركي الأخير، دعا شيخ الأزهر لعقد مؤتمر عالمي عاجل لـ«نصرة القدس»، بمشاركة كبار العلماء في العالم الإسلامي ورجال الدين المسيحي والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، لبحث اتخاذ خطوات عملية تبطل شرعية هذا القرار المرفوض.
وقد تنَبَّهَ الأزهر الشريف ومنذ نهاية العشرينات من القرن الماضي إلى المخطط الصهيوني الذي اختطف فلسطين، ويذكر التاريخُ لعلمائِه الفتوى الصادرةَ عنهم في عام 1947، التي وقَّع عليها 26 عالمًا من علماء الأزهر، ونَصَّتْ على وجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين.
وبنى الأزهر موقفه الرافض للكيان الصهيوني والمناصر للقدس وجميع حقوق الشعب الفلسطيني، على منطلقين: الأول: حرمة السكوت على احتلال أي أرض عربية وإسلامية، ومن ثم فإن المسلمين مطالبون بالعمل والجهاد حتى تحريرها وإعادتها للأمة من جديد. والثاني: هو القيمة التي منحها الإسلام لمدينة القدس الشريف وللمسجد الأقصى الذي يُعدّ القبلة الأولى للمسلمين وثالث الحرمين، وعليه، فإن الواجب هنا يكون مضاعفًا.
ولا ترتبط مواقف الأزهر الثابتة فكريًّا مع متغيرات السياسة، فما تطرحه المؤسسة الشريفة من مواقف يعبر عن منهجها الديني، ومعايير القياس محكومة بكتاب الله وسنَّة رسوله الكريم، لا شأن لها بمنطقِ الساسة في إدارةِ شؤونِ حكمهم في كل بلد عربي، لأني ألمح متربصين بالمشهد لم يسعِدْهم الاصطفاف الشعبي الكبير حول الأزهر (جامعًا) في مظاهرة الغضب الأخيرة بعد صلاةِ الجمعة، ولا (إمامًا) الذي أحدث رفضُهُ صدمةً مضادةً لصدمةِ ترامب، وأشعرَ المسلمينَ ببعضِ العزة والكرامة، وأستشعرُ في الطريقِ حملاتٍ إعلاميةً (مأجورةً) على قلعة الإسلام الوسطي الحصينة، تبدأ بعد أن تُدفَن «قصة» القدس ويطويها النسيان خلال أيام.

حفظ اللهُ الأزهرَ وشيخَه، ووقاهما شر ترامب وأتباعه «الترامبيين» من العرب والمسلمين.

مقالي المنشور في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 ديسمبر 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...