الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

صاحبة السعادة.. وصاحبة الجلالة

صحافة لقيطة = شعب عبيط


الست «إسعاد»، التي وهبها الله سحر اسمها. فكانت، ومنذ أن تخطت عتبات الإبداع الأولى، مصدر بهجة وسعادة لكل من يتعاطى مع فنها. أمتعتنا مسرحا وسينما وتلفزيونا، عندما ظهرت كممثلة، وتمكنت ببراعة من أن تضحكنا حتى «استلقينا على قفانا» وهي كاتبة ساخرة متألقة للدراما أو للمقالات في الصحف والمجلات، كما كانت متألقة أيضا كمذيعة رصينة في التسعينات على شبكة «أوربت» الفضائية، قبل أن يختطفها دور «المنتج» الجاد الذي جسدته لسنوات من خلال شركة إنتاج سينمائي مشهورة قدمت الكثير من الأعمال المهمة في تاريخ السينما، وأثارت الكثير من الجدل حول احتكار هذه الصناعة المؤثرة والهامة، وهو جدل فقاعي أثبتت الأيام أنه كان صراعا مفتعلا بين ديناصورات سوق السينما ومفسدي هذا الفن العظيم.
واختفت «الست» سنوات عن بؤرة الضوء، «ولبدت في الدرة» تراقب، خاصة في سنوات ما سمي «الربيع العربي». وفجأة، ودون سابق إنذار، طلت علينا عبر قناة «cbc» في ثوبها الأصيل، ومارست رسالتها الأساسية. عادت لتسعدنا وتبهجنا كل أسبوع في برنامج «صاحبة السعادة»، الذي انطلق مرتبكا مثقلا برغبات وطموحات ضخمة، ولكنه كان على ما يبدو ارتباك الصعود إلى القمة، التي وصلتها إسعاد يونس وبرنامجها وتمسكت بها حتى الآن.
الست إسعاد وفرقتها من كتيبة المبدعين، بقيادة المايسترو محمد مراد، يعزفان علينا أسبوعيا لحنا متفردا يقدم وجها جديدا للصحافة التلفزيونية بمفهومها الراقي وعلى طريقة «السهل الممتنع»، حقا اللحن من مقام «نوستالجي» يلعب على «تيمة»  الحنين للماضي، لكن ما فطن له أصحاب البرنامج الشهير «صاحبة السعادة» وجعل لهم سحرا خاصا هو قدرة خلطتهم التلفزيونية على منح المشاهد قدرا من الطاقة الإيجابية «تسري تحت الجلد» بحسب تعبير إسعاد في إحدى حلقاتها الأخيرة، هذه الطاقة هي أسمى ما يحلم به صاحب رسالة حقيقي، وهي غاية كل متلقٍ كما علمنا أساتذة الإعلام الكبار.

أعلم أن شهادتي مجروحة في البرنامج، لأن مخرجه المتميز محمد مراد هو صديق عمري ورفيق رحلة كفاح إبداعي في مسرح كلية الإعلام قبل أكثر من 18 عاما، وهو ما جعلني أتأخر كثيرا في الكتابة عن هذا البرنامج الأفضل مصريا لهذا العام، لكن متابعتي المتقطعة لعدد كبير من حلقاته الناجحة والكاسحة، وكذلك ردود الفعل الجماهيرية المستمتعة والمشيدة والسعيدة بهذا البرنامج، رفعت عني الحرج وجعلتني أفكر فيه كنموذج جاد ومحترم للصحافة المرئية التي يحتاجها الوطن في هذه اللحظة المظلمة التي يتدافع فيها إعلاميو مصر في «الولولة» و«اللطم» و«الندب» وبث روح الاكتئاب في نفوس المصريين، وسحب كل طاقاتهم، وهو ما أسهم في هروب المشاهدين من معظم البرامج التي كانت في أوقات سابقة محل انبهار ومتابعة مميزة وعلى رأسها برامج «التوك شو» اليومية التي ظلت هي الأكثر متابعة طوال السنوات الثلاث الماضية.
مدينةٌ صاحبة الجلالة، الصحافة، بكل فروعها، مكتوبة ومرئية ومسموعة وإلكترونية، للست إسعاد وفرقتها بالكثير؛ فقد قدمت درسا مهنيا غاية في الأهمية، ربما لم تقصده، وهذا عظيم. وربما كان في بالها هي وفرقتها، وهذا أعظم. وملخص الدرس بعيدا عن «الأكليشيهات» الأكاديمية: إن الأوطان في أوقات الأزمات والحروب، تحتاج إلى إعلام يجمع الشمل، يبحث عن مشتركات بين أبنائه ويعيد تسليط الضوء عليها، يتجنب مناطق الخلاف ويبتعد عن التشويه أو رصد العيوب، إعلام يبث روح التفاؤل والبهجة الهادفة في نفوس مواطنيه الحائرة.. المتوترة.. الخائفة، إعلام صادق.. بسيط.. طيب، يهدهد المشاعر، يحدثك بهدوء وعقلانية، يستنهض روحك الإيجابية، يعيدك إلى جذورك الوطنية دون صخب أو افتعال.
لعلهم يفهمون.


نشر المقال في «جورنال مصر» العدد الثالث - 16 نوفمبر 2014





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...