الاثنين، 10 نوفمبر 2014

«نظرية الفِيشار في صناعة الأخبار»

 صحافة «لقيطة» = شعبًا «عبيطًا»


تفشى مرض عضال في جسد مهنتنا وعقول المشتغلين بها في السنوات الأخيرة.. مرض «تجهيل» المصادر، أي إخفاء أسمائها ومناصبها، وتحول الأمر من تصرف تلجأ إليه أحيانا الصحف مضطرة لحماية بعض المصادر من ذوي الأوضاع الحساسة، إلى موضة تتصدر الصفحات الأولى وكل الصفحات الداخلية في معظم صحفنا المصرية والعربية، وهو الأمر الذي فتح باب المهنة على مصراعيه أمام الفاشلين من مؤلفي القصص الرخيصة وكتّاب الدراما المبتذلة، ليصبحوا صحفيين، بعد أن أطلقوا لخيالهم العنان وتخيلوا حوارات أجروها مع مصادر رئاسية ودبلوماسية وعسكرية وسياسية مهمة، ونجحوا ببراعة فائقة في أن يخرجوا من هذه المصادر كل أسرار الدولة، ويكشفوا كواليس وخبايا مثيرة تجري داخل دوائر الحكم العليا، ومنحوا أنفسهم السبق في نشرها، وتحولوا لنجوم كبار على «قفا» الجمهور المسكين. جهل القارئ المتعلم وعدم قدرته على كشف كذب ما يقرأ، جعله يتعامل بسذاجة مع الإعلام بكل صنوفه، كعادة «المواطن مصري» في طيبته وبساطته.

ولأن «آفة حارتنا النسيان» كما قال عمّنا و«تاج راسنا» أديب مصر الأهم نجيب محفوظ، فقد أصبح من السهل على مؤلفنا الذي أصبح صحفيا أن يبدع ويقول ما شاء، حتى لو ناقضت مصادر خياله بعضها بعضا.. ما المانع ما دام «الزبون» مستمتعا، وينهل من فضلات إبداعه بنَهم دون تمييز لما يقرأه أو تدقيق لصدقيته أو منطقيته.
مع الوقت، يتحول هذا القارئ الذي حشرت في رأسه كميات رهيبة من الأخبار والمعلومات المغلوطة، إلى مواطن «عبيط» يدمن الأكاذيب ويروج الشائعات بسرعة وخفة ورشاقة مبهرة، ويعمل بمهارة فائقة وفق «نظرية الفِيشار في صناعة الأخبار»، وهي نظرية أكاديمية أثبتها عالم جليل، اختصاصي «تحاليل» معملية وإعلامية وحاصل على درجة الزمالة من الجمعية البريطانية للصحفيين الميدانيين، وقد فضل عالمنا عدم ذكر اسمه، منعا للإحراج في هذه اللحظة «المرة» التي تمر بها المهنة.
تقول نظريته إن «كبس العقل البشري بحبات الأخبار (مجهَّلة) المصادر، ثم منحها قدرا من الملح الصحفي المنضبط، وتزييت الموضوع بقدر معقول من زيت الذرة للتليين، حتى لا يكون (الكبس على الناشف)، ومع ما توفره الأحداث التي يمر بها الوطن من سخونة حارقة، تستخدم بنجاح كمحفز حراري ليتم التفاعل الميكاعلامي».
ويكمل الدكتور قائلا: «تكتمل التجربة عندما ينطلق صاحبنا - مالك العقل السابق - في قذف الأخبار في شكلها الجديد كحبات (فِيشار)، بعد أن يكون منحها قدرا من المبالغة والتلوين، ولإدراك المعنى، تذكّر حبة الذرة قبل دخولها (حلة الفِيشار)، وشكلها عندما تخرج في صورتها النهائية، لتدرك عبقرية النظرية وتجلياتها العلمية».

عندما دشن المهندس المحترم عزت أمين، مصطلح «حزب الكنبة» قبل أربع سنوات، إبان «هوجة يناير» 2011، لم يكن يدرك أن عليه اختراع نشاط مكمل لهذا الجمهور العريض من المصريين، نشاط مسلٍّ يساعدهم على تمضية الوقت في جلستهم الممتدة بين شاشة التليفزيون وشاشة الموبايل.. بين الـ«توك شو» والـ«فيس بوك». ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد ولدت هذه اللحظة التاريخية الفارقة، الملامح الأولى للنظرية الجديدة لعالمنا سالف الذكر - الذي فضل عدم ذكر اسمه -  والذي قال في موسوعته العلمية (تحت الطبع) إن «هذا الجهد المتصل بين الشاشتين يحتم على المواطن (الكنباوي) أن يأخذ الذرة من إحداهما، ليقذفها (فِيشارا) في الأخرى، وهكذا دواليك، حتى انتفخت عقولنا وأظلمت من فرط الغازات المصاحبة لتطاير الأخبار، وتحولنا بسهولة إلى قطيع بلا عقل».
وأصبح الشاطر (مش كل شاطر يبقى خيرت) هو من يحتكر زراعة «الذرة»!!
عزيزي القارئ..
أشعر بأنك لا تصدق حديثي عن هذه النظرية.. دعني أخبرك بأمر مهم؛ إن تجهيلي المصدر لا يعني أني أكذب أو أن «نظرية الفِيشار في صناعة الأخبار» من تأليفي.. ما عليك إلا أن تخبط «إيدك» على الـ«كي بورد» وتضرب «واحد سيرش معتبر» وتتأكد بنفسك من صدقي وصدق كل معلومة نشرتها عن النظرية.. وعندما تشعر بالندم على سوء ظنك، فأرجوك لا تتردد في الاعتذار، ولن أقبل اعتذارك إلا إذا قمت بنشر النظرية على كل معارفك وأصدقائك، كي تعم المنفعة..
عظم الله أجركم.

نشر المقال في «جورنال مصر» العدد الثالث - 9 نوفمبر 2014
 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...